رغم الرصيد السياسي الطويل لأسرة حسام* إلا أنه حين داهمت قوات أمنية منزله، منتصف 2024، وأخفته في مكان غير معلوم لبضعة أيام قبل ظهوره في نيابة أمن الدولة العليا، قررت أسرته التكتم على الخبر “حتى لا نستفزهم”، حسب حديث حسام المُخلى سبيله حاليًا إلى زاوية ثالثة.
يُسّلم حسام بأنه “في القانون لا مجال للاستفزاز”، كما يؤكد علم أسرته بالإجراءات القانونية الواجب اتخاذها في حالات الاختفاء القسري “لكن الخبرة العملية تقول إن بلاغات الاختفاء لم تعد تجلب إلا مزيد من الأذى للمختفي”، حسب حسام الذي خشيت أسرته بحديثها تفويت فرصة أن يكون اخفاءه “مجرد تعليم للأدب”.
يرى حسام أن صمت عائلته، رغم وعيها بأهمية توثيق جرائم الاختفاء القسري، كان “هزيمة أو استسلامًا أمام جريمة تتكرر باستمرار”. لكنه لا يلومها، مؤكدًا: “حتى الأصدقاء والمحامون نصحونا بعدم التحدث أو الكتابة عن الأمر”.
إذ كان خيار أسرة حسام بكل معارفها كان “عدم استفزازهم” فالخيار نفسه اتخذته أسرة علي* التي لا تملك نفس الرصيد السياسي ولا حجم المعارف. يروي إلى زاوية ثالثة: “قضيت ليلة مرعبة راقبت فيها عناصر الأمن ست ساعات، وهي تحوم حول منزلي محاولة الوصول إليه.عقب القبض خشيت الأسرة التصرف بشكل يضرني، تواصلت مع زملائي الذين نصحوها بالصمت والانتظار، مبررين موقفهم بأنه لو تداول الخبر على نطاق واسع ربما يلفت النظر إليّ ويطرح أسئلة لدى الأمن حول من الذي يهتم به الإعلام بهذه الطريقة.”
لا تُعد تجربتا حسام وعليّ حالة استثنائية. وفقًا لأحمد نديم، المدير التنفيذي للجبهة المصرية لحقوق الإنسان، فقد أوقف 6736 شخصًا على ذمة قضايا أمن الدولة بين أبريل 2022 ونوفمبر 2024، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف عدد المفرج عنهم خلال الفترة ذاتها، والذي يقدَّر بـ 2302 شخص.
ويأتي التفاوت في الأرقام رغم محاولات تبييض الوجه التي روجت لها السلطات المصرية، العامين الأخيرين، وتجلت في الحوار الوطني الذي انطلق في مايو 2023، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021: 2026).
نوصي للقراءة: بين السجن والحرية.. كيف يتحول المفرج عنهم من سجناء إلى مواطنين مهمشين؟
الاختفاء قصير الأمد
انتشرت تقارير حول ممارسة السلطات المصرية للاختفاء القسري عقب عام 2013، والمقصود به وفقًا للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاخفاء القسري بأنه “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، ما يحرمه من حماية القانون.”
وفي 2015 ظهر مصطلح “الاختفاء القسري قصير الأمد” لأول مرة، إذ أعرب الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري التابع للأمم المتحدة عن قلقه إزاء ما أشار إليه بـ”الزيادة الأخيرة” في الاختفاء قصير الأمد. وجدد الفريق مخاوفه في 2016 في وثيقة استنكرت زيادة حالات الاختفاء القسري خاصة قصيرة الأمد، مطالبة السلطات المصرية إتاحة “فورًا معلومات دقيقة عن احتجاز الأشخاص ومكان أو أماكن احتجازهم، بما في ذلك حركة تنقلهم، لأفراد أسرهم أو محاميهم أو أي أشخاص آخرين لهم مصلحة مشروعة في الإحاطة بهذه المعلومات.”
واعتمدت حملة “أوقفوا الاختفاء القسري” في تقريرها السنوي الثامن “انتهاك بلا توقف” مفهوم الاختفاء القسري قصير الأمد بأنه الاختفاء الذي يتراوح بين يومين وست شهور، مقدرة إنه النمط الغالب في حالات الاختفاء “فمن بين 3611 حالة اختفاء وثقتها الحملة منذ انطلاقها عام 2015 وحتى عام 2022 تعرضت 2411 حالة للاختفاء القسري لفترات أقل من ستة أشهر.”
وفسرت توسع السلطات المصرية في الاخفاء قصير الأمد، بمحاولة “التطبيع مع الاختفاء القسري باعتباره جزءًا من عملية القبض والاعتقال”، وهو ما يعتقد حسام وعليّ بأن السلطة نجحت فيه بعد قرابة عشرُ سنواتٍ من الاخفاء قصير الأمد، “عندما أجبرت الأهالي على اعتياد اختفاء ذويهم، والتغاضي عن السؤال عن فترة اختفائهم على أمل خروجهم سريعًا، وعدم ادراجهم في قضايا”، حسب حسام.
وشملت سياسات التوسع في الاخفاء القسري حتى الأطفال والنساء، إذ وثقت منظمتا “العفو الدولية” و”الجبهة المصرية لحقوق الإنسان” اختفاء 12 طفلًا قسريًا في الفترة بين 2015 و2018. وفي تقرير “شتاء المختفيات في مصر”الصادر في 2018، وثقت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان تعرض 12 سيدة بين 20 و56 عام للاختفاء القسري، ضمن قضية ما يعرف بـ”اللهم ثورة”.
نوصي للقراءة: إحالات بالجملة: محاكم الإرهاب المصرية في مواجهة أكثر من 8 آلاف متهم
جريمة بلا حصر
لا تمتلك منظمة حقوقية واحدة حصرًا كليًا بأعداد المختفين قسريًا منذ 2013 حتى الآن، إذ تعكس كل الأرقام ما تمكنت المنظمات من حصره وليس العدد الإجمالي. وتفسر منظمة العفو الدولية في تقرير صدر في 2016 بعنوان “مصر: رسميًا أنت غير موجود: ضحايا الاخفاء والتعذيب تحت ستار الإرهاب” صعوبة الحصر بـ”التكتم الرسمي” على ملف الاختفاء القسري فضلًا عن “خوف بعض الأهالي من تعريض أقاربهم المحتجزين لأضرار لا يمكن تدارك عواقبها إذ ما أبلغوا المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان أو وسائل الإعلام أو أية جهات أخرى عن اختفائهم القسري”.
وتستدل “العفو الدولية” على حجم انتشار الاختفاء القسري بسياسات القبض التي انتهجتها الأجهزة الأمنية في أعقاب 2013، إذ تشير الإحصاءات الرسمية حول عمليات القبض عقب 2013، إلى توقيف القوات الأمنية “قرابة 22 ألف شخص من المشتبه فيهم خلال عامي 2013 و2014″، ولفتت المنظمة إلى تقديرات وزارة الداخلية التي أقرت بالقبض خلال 2015 “على نحو 12 ألف آخرين من المشتبه فيهم”. ونوهت “العفو الدولية” إلى التوسع في بناء السجون “10 سجون جديدة بُنيت أو يُعد لبنائها في الفترة من 2013 إلى عام 2016، وذلك لاستيعاب العدد المتزايد من المعتقلين”، حسب المنظمة.
وتشير حملة “أوقفوا الاختفاء القسري” في أحدث تقرير لها إلى بلوغ حالات الاختفاء القسري التي وثقتها منذ تأسيسها في 2015 وحتى أغسطس 2024، 4677 حالة. وتعتبر الفترة من أغسطس 2015 إلى أغسطس 2016، الأعلى من حيث التوثيق؛ إذ وثقت خلالها الحملة 912 حالة، بمعدل اختفاء شخصين أو ثلاثة أشخاص يوميًا.
وتتقارب نسبة شخصين إلى ثلاثة مع ما أعلنته حملة “الحرية للجدعان” إذ وثقت اختفاء 163 حالة خلال أبريل ومايو 2015 فقط.
وفي تقرير للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات خلال عام 2015، أفادت بتوثيق 1023 حالة خلال الشهور الثمانية الأولى من 2015، ووصل إجمالي الحالات بنهاية 2015، 1840 حالة، وهو ضعف الرقم الذي وثقته “أوقفوا الاختفاء القسري” منذ نهاية 2015 وحتى نهاية 2016.
وتقلصت أرقام التوثيق بمرور الوقت، إذ تراوحت معدلات توثيق “أوقفوا الاختفاء القسري” سنويًا بين 300 و400 حالة.
وتقر الحملة بقلة الأعداد، مؤكدة أن الأرقام لا تدل على واقع الاختفاء القسري. وتفيد في حديثها إلى زاوية ثالثة “خلال 2024 في نيابة أمن الدولة العليا فقط حوالي 7000 قضية، مع الرجوع للمحامين أكدوا أن جميع المحبوسين على ذمم هذه القضايا تعرضوا للاختفاء القسري من يوم وحتى أكثر من شهر”.
بدوره يستخدم الباحث المعني بالشؤون المصرية في منظمة العفو الدولية، محمود شلبي، تعبير”التطبيع” في الإشارة إلى “فرض الحكومة الاختفاء وكأنه جزء من العدالة الجنائية”، معتقدًا في حديثه إلى زاوية ثالثة أن الغرض من ممارسات الاخفاء بهذا الشكل هو “معاقبة المعارضين ليس فقط بالسجن، ولكن أيضًا بالاختفاء والتعذيب ثم السجن في ظروف شديدة السوء”. وتابع “هناك حزمة عقاب من ضمنها الاختفاء القسري الذي أصبح ذو طبيعة ممنهجة”.
ويرى شلبي أن الأرقام المذكورة في تقارير المنظمات الحقوقية حول الاختفاء القسري منذ 2013 “أقل من الواقع لأن الدولة لا تتيح أي معلومات عن السجناء بشكل عام”، فضلًا عن تراجع أعداد التقارير الصادرة حديثًا عن المنظمات حول الاختفاء القسري بعد “الملاحقات الأمنية للمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان وتجميد الأرصدة والمنع من السفر”.
نوصي للقراءة: نريد ذوينا أحرارًا: مبادرة أسر السجناء السياسيين في مصر
المحامون.. حراس الحقوق يرهقهم طول النضال
إذا كانت “الأهلية” – المسمى الذي يشار به في أوساط المحامين إلى أسر ضحايا الاختفاء- قد وجدت نفسها مجبرة على الاختيار بين التنديد باختفاء ذويها، ومن ثم التنكيل بهم، أو الصمت على أمل ظهورهم، فاختارت الخيار الثاني، فالمحامين أنفسهم لم يسلموا من هذه الوضع؛ فمنذ أكثر من عشر سنوات، يتعامل المحامون الحقوقيون مع قرارات تعزز التطبيع مع ملف الاختفاء القسري، وفقًا لشهادة اثنين منهم تحدثا إلى زاوية ثالثة.
يفضل خالد* محام حقوقي تعريف الوضع بـ”اعتياد وليس تطبيع” المحامين مع الاختفاء القسري، قائلًا “يجب أن نفرق بين التطبيع والاعتياد، التطبيع هو التعامل مع الشيء وقبوله برغبة وإرادة، أما الاعتياد هو أشبه باليأس الحاصل والأقرب لوصف الحالة التي نعيشها.”
ويسرد “بعدما تمسك المحامون لفترة طويلة بتقديم بلاغات وبذل مساعي لطلب الإفراج عن المختفين قسريًا، أصبح لديهم عزوف عن اتخاذ الإجراءات خاصة وإنهم يعلمون إنها لن تأتي بنتيجة.”
ويشرح أنه وفقًا للقانون المصري فاختفاء أي شخص يتطلب تقدم ذويه ببلاغ إلى النائب العام باعتباره السلطة العليا للقضاء أو وزير الداخلية باعتبار السلطة العليا للشرطة أو رئيس الجمهورية باعتباره السلطة العليا للسلطة التنفيذية، لمطالبتهم بالتحقيق في واقعة الاختفاء”، لافتًا إلى أن أهمية البلاغات “تتمثل في تحريك النيابة للتأكد من صحة واقعة الاختفاء إلى جانب إنه يعتبر وثيقة رسمية يستند إليها المحامي في دفاعه عن المختفي حال ظهوره.”
يتابع: “ما أدركناه بعد ذلك أن البلاغات كانت تستفز الشرطة خاصة وأنه كان يُضع فيها أسماء الضباط المتورطين في الاختفاء”، مشيرًا إلى أن ذلك كان يترتب عليه “مزيد من الأذى للمختفي”، هذا إلى جانب أن “النيابة اعتادت عدم القيام بدورها في التثبت من وقائع الاختفاء، ما يعني أن البلاغات باتت مصدر أذى للمختفين، ولا تُعامل بجدية من النيابة.”
ولحل المعادلة “للحصول على وثيقة رسمية تدعم موقف المختفي في الدفاع وفي نفس الوقت نجنّبه احتمال التنكيل به، بتنا نوجه أسر الضحايا إلى إرسال تليغراف إلى النائب العام بدلًا عن البلاغ.”
ويفرّق في حديثه بين البلاغ والتلغراف بأن “التليغراف لا يصنع الأثر الذي يصنعه البلاغ؛ إذ تذهب التلغرافات إلى مكتب النائب العام وترمى في الأدراج ما يضمن عدم معرفة جهة الإخفاء بتحرك الأسر على عكس البلاغ الذي يأخذ رقم عرائض ويتطلب رد من النيابة ومن ثم علم جهة الإخفاء”، لافتًا إلى أن بعض المحامين باتوا يوجهون الأهالي نحو الصمت بدلًا من اتخاذ أي إجراء قانوني، “في إقرار بعدم جدوى الإجراءات القانونية.”
إلى جانب ما وصفه بـ”اليأس” الذي يدفع بعض المحامين إلى العزوف عن اتخاذ الإجراءات القانونية، يشير خالد إلى “التهديدات الشخصية التي يتعرض لها المحامون وتؤثر على أدائهم”. ويضيف “المحامي الذي يعمل في ملف الاختفاء القسري يواجه أخطارًا كبيرة، لأنه يعمل في ملف لا ترغب السلطة في تغييره أو فتحه”، متابعًا “لا أريد أن أقول إن المحامين يخافون على أنفسهم ولكن لم يعد أحد بمنأى عن الخطر.”
هنا يتفق معه عمر* محامي حقوقي غادر مصر منذ 2019 تحت وطأة التضييق الأمني. ويشير إلى أجواء عمل تدفع محامين للحذر أثناء القيام بدورهم داخل نيابة أمن الدولة العليا “أنا في الداخل لا أحد يعلم عني شئ إذا ما قبض عليّ”.
وحظي الاختفاء القسري بزخمًا حقوقيًا في 2015 مع تصاعد الشكاوى حوله، إذ نشطت المنظمات والحملات مثل حملة “الحرية للجدعان” و”أوقفوا الاختفاء القسري” التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، و التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، إلا أن اليوم لم يتبقى إلا المفوضية، إذ توقفت حملة “الحرية للجدعان” عن العمل منذ 2022، حسب آخر تحديث لها على فيسبوك، فيما أغلقت التنسيقية ويقضي مسئولين بها أحكام بالسجن تتفاوت بين المؤبد وخمس سنوات.
بدوره يعدد المحامي المنظمات التي مازالت تعمل على ملف الاختفاء القسري في منظمتين تقريبًا، إحداهما لا تقدم توثيقًا، حسب رأيه.
نوصي للقراءة: المنفى.. ساحة جديدة لقمع المدافعين عن حقوق الإنسان
التضييق يجرّد المنظمات من قدراتها
من بعد الأسر والمحامين، تحل المنظمات الحقوقية كحلقة ثالثة في سلسلة التصدي للاختفاء القسري، وتعتبر حملة “أوقفوا الاختفاء القسري” أحد أول الكيانات التي عملت على ملف الاختفاء القسري، أطلقتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات في أغسطس 2015، وتحدد من بين أهدافها نشر الوعي بخطورة الاختفاء القسري، ملاحقة مرتكبي الجريمة والضغط على صناع القرار لمعالجة القصور التشريعي.
لا تقارن الحملة في تواصلها مع زاوية ثالثة، قدراتها اليوم بما كانت تمتلكه وقت انطلاقها قبل أكثر من تسع سنوات، مفسرة ذلك بـ”التضيقات”.
وترصد وقت التأسيس “كان يمكننا التواصل مع أهالي المختفين والاجتماع بهم في مقر المفوضية، اليوم أصبح ذلك مستحيل؛ ليس فقط بسبب التضييق الأمنى ولكن لعزوف الأهالي عن الإبلاغ عن اختفاء ذويهم سواء لدى الأجهزة الرسمية أو بالتواصل معنا، بعدما تمكن منهم اليأس.”
وبالعودة إلى تقارير “أوقفوا الاختفاء القسري” في بدايات تأسيسها، يتضح اعتماد الحملة على الأهالي إما من خلال المقابلات الشخصية أو الاتصالات الهاتفية، بجانب تلقيها بلاغات الاختفاء من خلال استمارة طرحتها الحملة ويملأها ذوو المختفي.
بعد فقد الحملة التوثيق من خلال الأهالي “حل المحامين كمصدر أساسي للتوثيق خلال الست سنوات الأخيرة”، إلا أن هذا الوضع لم يمضي بسلاسة، كما بينت الحملة لنا.
وتوضح أن أهم التحديات التي أعاقت عمل المحامي في التوثيق كان عقد جلسات الاستماع الخاصة بتجديد الحبس الاحتياطي عبر الشاشات، مشيرة إلى أن “المختفي لا يحضر بشخصه إلا في يوم العرض الاول على النيابة لو فات العرض الأول على المحامي بنسبة 90% لن يتمكن من مقابلة المتهم.”
في 2020 عملت وزارة العدل بنظام تجديد الحبس الاحتياطي عن بُعد بعد انتشار فيروس كورونا، ثم عاودت في 20 ديسمبر 2021 بتعميم القرار وقصر حضور المتهمين بـ شخوصهم في العرض الأول على النيابة. وتسبب القرار في إثارة انتقادات حقوقية آنذاك.
إلى جانب هذا التضيقات ذكرت الحملة أثر “التهديدات المباشرة التي يتعرض لها المحامون”، على توثيقهم بل وعلى استمرارهم في العمل من الأساس. وتوضح “بعضهم وصل إليه استدعاءات من الأمن الوطني، وبعضهم خاف وسافر خارج البلاد”، مبينة أن خروج المحامين مثّل خسارة في قدرات الحملة، إذ تفقد بسفر المحامي شخص يعمل على الأرض وفي تواصل مباشر مع الأسر ومدرك لأبعاد الواقع الأمني المصري.”
ليس المحامون وحدهم من خرجوا؛ إذ اضطر جزء من فريق الحملة إلى مغادرة البلاد بعد التتبع الأمني. وتوضح “أثّر ذلك على قدراتهم في الجمع والتوثيق، فضلًا عن فقدهم حسهم الأمني.”
يشار إلى أن عدد الحالات الموثقة في التقرير التاسع والأخير (أغسطس 2024) انخفض إلى نحو النصف مقارنة بالتقرير الثامن، إذ سجل التقرير الأخير 438 حالة مقابل 821 حالة في السابق.
وتجزم الحملة أن انخفاض توثيق حالات الاختفاء القسري لا تعني تراجع ممارسات الاختفاء، بل مزيد من التضيق. وتشرح خطورة تراجع التوثيق، موضحة أن السلطات المصرية تستخدم انخفاض عدد الحالات الموثقة والبلاغات، كدليل لدعم خطابها الرسمي الذي ينكر وجود حالات اختفاء قسري عند مخاطبة المؤسسات الدولية. وتؤكد “نواجه صعوبة عند مخاطبة المجتمع الدولي كيف نوصّل لهم أن تراجع التوثيق لا يعني إلا مزيد من القمع وليس تحسن في الوضع الحقوقي. صعب لأي شخص متواجد خارج مصر أن يفهم هذه المعادلة”.
وترصد أمال* ذات ال 58 عامًا رحلتها مع محاولة إثبات اختفاء نجلها الذي أخذ مطلع 2024 في قضية تظاهر، وتفيد بأنها لم تجد تعنتًا أثناء إرسال تليغرافًا للنائب العام باختفاء نجلها، إذ ترسله من مكتب بريد وليس جهة أمنية، لكنها تستدرك ” ما حدث بعد ذلك كان فجًا، حصلت على فيديو للحظة خروج ابني من المنزل بصحبة أفراد الأمن، من كاميرا مراقبة بإحدى المحال القريبة، ونشرت الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، جاء الأمن وقبض على أصحاب المحل عقابًا لهم على مساعدتي ، فهاجمتني عائلتهم واضطررت إلى ترك السكن”.
نوصي للقراءة: موت مستتر.. مقرات الاحتجاز المصرية بين عهدين
ماضي وحاضر.. ماذا فعل بنا تقاعس النيابة؟
لا يعتبر السياسي هلال عبد الحميد – منسق عام حزب الجبهة الديمقراطية المصرية تحت التأسيس- الاختفاء القسري ظاهرة حديثة على مصر، لكنه يفسر لماذا أخذ هذا الانتهاك منحنى متصاعد منذ 2013.
يقول السياسي الذي عاصر النظام السابق إن السر في غياب “حائط الصد، يفترض من النيابة القيام بهذا الدور من ردع وتفتيش على الضباط”، موضحًا “في الماضي كانت الأسر تبلغ النيابة باختفاء أحد ذويها، فتقوم النيابة بالتفتيش على الضابط، وكان يخشى الأخير عثور النيابة على أماكن احتجاز غير قانونية”، لافتًا إلى أن “تفتيش الشرطة كان يأخذ إجراءات قاسية ضد الضباط.”
ويفيد بأن الاختفاء القسري في ظل غياب الرادع توسع ليشمل “القضايا الجنائية وليس السياسية فقط، خاصة في الصعيد والقرى”، معتبرًا أن وضع الاختفاء القسري خارج المدن أسوأ “الناس ينتهك حقوقها في الأرياف بشكل متواصل بدون كلام عنه في الإعلام أو المنظمات الحقوقية.”
وفقًا للمادة 189 من الدستور تعتبر النيابة العامة المسؤولة عن التحقيق في الدعوى الجنائية وعن تحريكها. وتعتبر النيابة العامة، وفقًا لمبادئ التنظيم القانوني، نائبة عن المجتمع في هذا الدور والممثلة له وللمصالح العامة في الدعوى الجنائية.
وتعتبر اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري التابعة للأمم المتحدة الاختفاء القسري “جريمة ترتقي إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية إذا تمت ممارسته على نطاق واسع أو بطريقة ممنهجة”. وتتجاوز خطورة الاختفاء القسري كونه جريمة في حد ذاته إلى ما يترتب عليه من انتهاكات ملاصقة يتم ارتكابها في حق المختفين كالتعذيب الجسدي والنفسي، وانتهاك حق الفرد في الاعتراف بشخصيته القانونية وحقه في الحرية والأمان.
تصر السلطات المصرية على إنكار ممارستها للاختفاء القسري، فيما تتجاهل في الوقت ذاته الدعوات الحقوقية لها بالتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والتي ستلتزم مصر بموجبها بتجريم الاختفاء القسري في القانون المصري.
تجدر الإشارة إلى أن السفيرة مشيرة خطاب، الرئيس الحالي للمجلس القومي لحقوق الإنسان، كانت قد عبّرت في عام 2014، وقبل توليها رئاسة المجلس، عن أهمية توقيع مصر على الاتفاقية. وفي رسالة وجهتها إلى رابطة ”ضحايا الاختطاف والاختفاء القسري”، أكدت أن عدم التوقيع يُشكل مخالفة للدستور المصري، إذ تكفُل الاتفاقية حق إنساني لا يمكن الجدال فيه.