أسماء محفوظ: شعارات يناير لم تتحقق والسلطة تخشى المعارضة (حوار)

أسماء محفوظ تعود للساحة السياسية بعد غياب 10 سنوات. توضح أسباب اختفائها ومواقفها الحالية تجاه السلطة، مشددة على رفضها للصدام المباشر، وتدعم الحوار الوطني والمصالحة مع الإخوان
Picture of نادية مبروك

نادية مبروك

بعد غياب استمر لعشر سنوات عن الساحة السياسية، عادت أسماء محفوظ – الناشطة السياسية وأحد أبرز رموز ثورة يناير 2011 – لتجد نفسها محل نقاش بعد مشاركتها في جلسات الحوار الوطني. رغم منعها من السفر في وقت سابق ومعاناتها من حملات تشويه، تتعرض محفوظ لاتهامات بالتعاون مع السلطة والتخلي عن أفكارها.

تؤكد محفوظ أنها لم تتراجع عن قناعاتها، لكنها تعتبر أن الصدام مع السلطة ليس مفيدًا، وأنها تعلمت انتقاد الأوضاع بأسلوب أكثر توازنًا. وتضيف أن مجرد المشاركة في الحوار الوطني يُعتبر مكسبًا، حتى وإن لم يؤدِ إلى تغييرات فورية.

زاوية ثالثة أجرت حوارًا مع أسماء محفوظ بعد سنوات من الابتعاد عن الأضواء، وإليكم تفاصيل اللقاء…

 

نوصي للقراءة: جمال عيد: بعض مؤيدي النظام يؤيدونه خوفًا.. لا يمكن استمرار الحكم بالقمع والإفقار (حوار)

 

–  اختفت أسماء محفوظ عن المشهد السياسي والعام في مصر لسنوات.. لماذا؟

لأكثر من سبب؛ أولها الزواج في 2012، بعد فوز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية، وفي ذلك التوقيت كنت ضد إجراء الإنتخابات الرئاسية، ورأيت أن الدستور أولًا، ثم نجرى الانتخابات، ولكن شعرت بأن الناس تعرف ما تريد، ورأيت مظاهر احتفال في الشارع، فقررت الزواج والحصول على هدنة.

 أنجبت طفلتي الأولى بعد الزواج بفترة قصيرة. ثم جاءت تمرد وأحداث رابعة، وشعرت أنها فترة فتنة، وأن الناس أصبحت عدائية للغاية، وزادت حملات التشويه، ولم تكن البيئة ملائمة للتواجد على الساحة السياسية، لذلك قررت أن أعود خطوة للوراء، وأوجه جهدي لأسرتي.

 

–  هل مازلت ممنوعة من السفر، ما خلفية المسألة وإلى أين انتهت؟ وما تأثيرات هذا المنع على حياتك؟

أنجبت طفلتي الأولى عالية في الكويت، لأن زوجي كان يعمل طبيب هناك. طُلب مني العودة للقاهرة بشكل ودي لأن الحكومة المصرية تطلبني، وحين عدت فوجئت بقولهم بأني غير مطلوبة، فحاولت العودة لزوجي بالكويت. في المرة الأولى وجدت نفسي ممنوعة من دخول الكويت، وحاولت حل أزمة منعي من دخول الكويت ففوجئت بأنني ممنوعة من السفر، دون قضية أو أوراق تثبت ذلك، وكل ما يحدث هو أن عند وصولي للمطار يتم إبلاغي بأنني ممنوعة من السفر.

 سلكت كل الطرق القانونية لحل الأزمة، وكل الردود كانت غير قانونية، فمثلاً. مجلس الدولة حكم بعدم الاختصاص، أما النائب العام قال إن القرار لم يصدر منه، وفي قطاع الجوازات بوزارة الداخلية تم إبلاغي بأن الأمر لا يخصهم، حاليًا يقال بصورة شفهية أنني لست ممنوعة من السفر، لكن لم أجرب السفر.

وتأثير ذلك على حياتي كان بشعًا؛ فزوجي اضطر للحياة عشر سنوات بدوني في الكويت للعمل ليستطيع توفير حياة كريمة لنا، وكان يحضر إلى القاهرة إجازة أسبوع أو أسبوعين كل ستة أشهر، واحتجنا بذل مجهود شديد للحفاظ على حياتنا الزوجية في ظل ذلك البعد، حتى قرر الاستقرار في مصر، بعدها بدأت حياتنا الزوجية تستقر.

 

–  كنت لسنوات على يسار السلطة.. كيف يمكنك تحديد موقعك منها الآن؟

يمكن القول بأني قررت عدم خوض صدام مع السلطة، لكن لدي انتقادات لأدائها، وأحاول أن أبديها بشكل هادئ وملائم وواقعي، لعدة أسباب؛ أن المناخ الحالي لا تعيش فيه المعارضة بشكل آمن، وأنا معي أولاد لا أستطيع أن أدخل في صدام مع السلطة حتى بشكل سلمي، لأن حتى الصدام الكلامي مع السلطة لا يصلح في الوقت الحالي. أنا لست مع السلطة ولكني أحاول أن أكون متوازنة في آرائي.

 

نوصي للقراءة: أحمد الطنطاوي: مصر تحتاج بديل للسلطة والمعارضة (حوار) 

 

–  هل هناك خطة لانضمامك لتنسيقية شباب الأحزاب أو أي كيانات سياسية أخرى؟

ليس لدي خطة بشكل صريح، ولكني منفتحة على ذلك، ولم أتخذ القرار بعد فيما سأفعل مستقبلًا، لأنني مازلت في بداية عودتي للحياة السياسية التي ابتعدت عنها عشر سنوات أو أكثر كنت فيها متابعة فقط.

 

– تعليقك على ما يدور حول تعاونك مع جهات مسؤولة في النظام الحالي، منقلبة على أفكارك وتوجهاتك؟ وفي حال كان هناك تعاونًا فكيف شكله؟

أنا أسمع هذا الحديث كثيرًا، وردي عليه أن أسماء محفوظ لم تتغير، ولكني كأي انسان أتطور وأحاول الوصول لأفضل نسخة مني، ولم أنقلب على أفكاري نهائيًا ولكن كل وقت له أسلوبه وأدواته، وقت ثورة يناير وما قبلها من معارضة النظام كانت مرحلة لها أدواتها، والآن الواقع مختلف، والأدوات مختلفة، بحكم أن المجتمع نفسه أصبح مختلف.

 لا يوجد بيني وبين السلطة أي تعاون بشكل مباشر، لكن أجد تعامل راقي في أي جهة حكومية أتعامل معها، وغير ذلك لا يوجد أي تعاون مع أي جهة بشكل مباشر، أو جهة تحركني أو تلقني ما أقول، أو تعطيني أوامر.

 

 وكيف تقيمين نتائج الحوار الوطني الذي شاركت فيه؟

أنا شاركت في أكثر من جلسة سواء كمتحدثة أو مستمعة. من البداية كنت مشجعة لفكرة الحوار الوطني وطلبت الحضور، لأن الفكرة راقتني. فكرة الحوار نفسها أن تسمع لنا السلطة، وليس من الضروري أن تطبق ما نقوله من أول مرة، كذلك أعجبت بضم الكيانات والأشخاص المختلفين بالدرجة التي رأيتها في الحوار الوطني، لأن ذلك وفر مساحة للتعامل الجيد بيننا؛ فهناك أشخاص انتقدوني مسبقًا والتقيت بهم في الكواليس، ومع استمرار التعامل تختلف رؤية كل منا عن الآخر. وأرى أن ذلك تطورًا وخطوة للأمام لاستيعاب أن رغم اختلافنا فجميعنا من مصر، لدينا حقوق، ويجب أن نستمع لبعضنا البعض. وأمام الكاميرات، فإن عرضنا لأفكارنا بطريقتنا، مثلت خطوة لتغيير فكرة التشويه التي كانت تطالنا لسنوات طويلة على قنوات السلطة نفسها، وأدواتها، كما أن وصولنا إلى أن السلطة تصغي لأفكارنا كانت فكرة مهمة. وصلنا إلى الخروج بتوصيات أشاد بها رئيس الدولة نفسه، وهي خطوة مهمة، لم تطبق نعم، ولكن نستطيع أن نقول لمعارضي هذه التوصيات أن رئيس الدولة نفسه أشاد بها، وحاليًا نحاول الضغط لتنفيذها، وأتطلع أن يكون هناك حوار وطني ثاني، ونكمل على الحوار الوطني الأول.

نوصي للقراءة: مالك عدلي: أزمة الحبس الاحتياطي لا تحتاج إلى حوار وطني (حوار) 

 

–  الحريات والوضع الحقوقي والسياسي، كيف تقيمين أداء السلطة نحوهم الآن؟

هذا أكثر ملف انتقد أداء السلطة فيه، ودائمًا أقول ذلك للسلطة نفسها سواء فيما أكتبه أو أي لقاء.  يكفي سجناء رأي، ويكفي أعمار السجناء التي ضاعت داخل السجون من 2011 وحتى الآن، فهناك أشخاص عشنا وتزوجنا وأنجبنا وهم مازالوا في السجون، ضاعت حيواتهم هم وأهلهم، ما يمثل ظلمًا كبيرًا. في ظل أزمة الحبس للمواطنين لمجرد معارضة السلطة، واتهامهم بتهم مثل. الانتماء لجماعات إرهابية، لن تتقدم الدولة خطوة واحدة طالما هناك ظلم يطبق.

– يتزايد عدد المعتقلين في سجون النظام، في حين يقبع آخرون في غياهبه، ولعل الأبرز علاء عبد الفتاح، فكيف ترين تعامل النظام مع علاء؟

من المفترض أن علاء قد أتم فترة سجنه، لكن حتى اللحظة لم يفرج عنه، ويتم وضع مبررات لإطالة فترة سجنه، ولا أدري لماذا؟ هل يتم معاقبته على ما مضى، ولا أعرف حتى متى سيستمر الانتقام من علاء عبد الفتاح وأسرته؟ أو الأنتقام من جيل كامل، لأن علاء عبد الفتاح يمثل جيل كامل هو جيل يناير  وأقول للسلطة يكفي ما أمضاه علاء عبد الفتاح، لأن إطالة فترة سجنه لن ينتصر لكم في شئ، ولن يكسر جيل يناير بالعكس، البشر تتعثر لكنها تعود من جديد، والخوف من خروج علاء، أو من الكلمة لا يعبر عن قوة الدولة، وإنما ما يعبر عن قوتها هو عدم الخوف من المعارضة. ويجب أن يفرجوا عن علاء وغيره من سجناء الرأي، وعدم التخوف من معارضتهم؛ لأن هذا ما يظهر قوة الدولة.

 

نوصي للقراءة: خالد داوود:  10 سنوات من غياب الأجهزة الرقابية عن محاسبة السلطة (حوار)

 

– إن أصبحت عضوًا في لجنة العفو الرئاسي، ما الأسماء التي تحرصين أولًا على وضعها أعلى القائمة؟

أعتقد أنني من غير تفكير سأضع أسماء أصدقائنا الذين نعرفهم بصورة شخصية، ولن أقول أن هذا ليس تحيز.  وإن كنت ضمن أفراد اللجنة سأقوم ببحث كل أسماء المعتقلين، وفي داخل الملفات في الجهة التي قامت بالقبض عليه، وأتحدث عنه في كل المحافل بأن هؤلاء الاشخاص ليس لهم علاقة نهائيًا بالتهم أو الملابسات التي قبض عليهم بسببها، فهناك أشخاص تم القبض عليهم من منازلهم بدون كتابة كلمة واحدة على وسائل التواصل الإجتماعي، أو المشاركة في تظاهرة، وهناك أطفال تم القبض عليهم من مظاهرات سلمية.

 

 أرغب في لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مرة أخرى، وأقول له أنني سأقوم باحضار أسماء السجناء جميعهم، وأثبت لك بكل الطرق أنهم ليسوا مجرمين، وأن هؤلاء الأشخاص هم نساء ورجال وشباب مصر الذين لهم حقوق، وأن الإصرار على وجودهم في السجن ظلم. ومازلت أظن أن الرئيس ربما لا يعلم عنهم شئ وأن التقارير التي عرضت عليه يشوبها أخطاء. وإن كنت في اللجنة سأدخل لجهاز الأمن الوطني مع ضباطه، وأبحث الملفات لأثبت أن هؤلاء السجناء ليسوا مجرمين.

 

– حدثينا عن رؤيتك للبرلمان المقبل؟ ونيتك حول الترشح لخوض انتخابات للحصول على كرسي؟ وهل تعتقدين أن هناك تحالفات مع أشخاص من رموز يناير و إعطائهم مساحة أكبر كإعادة تدوير للمساحات؟

لا أعرف عن أي تحالفات مع جهات أو أشخاص من رموز يناير والسلطة، لكن أؤمن أننا في وقت مناسب لجلوس الأحزاب والكيانات مع بعضها البعض للتنسيق.  سمعت عن جلسات تمت لذلك بالفعل، لكن أكثر ما يقال إنهم لا يعلمون شيئًا عما سيسفر إليه القانون المنتظر إقراره هذا الشهر، سواء على الوضع القديم الذي أجريت به الإنتخابات الماضية أو تعديله طبقًا لمطالب القوى السياسية.  لا أعرف كيف سيكون شكل التحالفات؟. وعن نفسي أتطلع لخوض التجربة سواء عبر تحالفات أو على قوائم، ومن الصعب أن أخوض الإنتخابات بشكل فردي. أعلنت في دوائر عديدة أنني أتطلع لخوض الانتخابات، ومهتمة بالبرلمان المقبل، وأراه أهم من برلمان 2012؛ فغالبيتنا أصبح لديها ما يكفي من النضج لمعرفة أن المقاطعة التي انتهجناها كثيرًا لم تكن مفيدة؛ بل أضرتّنا. وأرى أن هذا هو أكثر وقت نستطيع فيه خوض الانتخابات، وجذب أكثر عدد ممكن لنا. نرى كم سنحصد من مقاعد في البرلمان، وفي المرة التي تليها يمكن أن نحقق فوزًا أكبر، وندعم الأعضاء أصحاب الآراء المتوازنة داخل البرلمان، ويصبح هناك بعض الحوار مع السلطة بشكل جيد.

 

نوصي للقراءة: هشام قاسم: كل من يقترب من ملف الرئاسة يُسجن (حوار) 

– تحديدًا دار الحديث حول تحويل أحمد ماهر حركة 6 إبريل إلى حزب سياسي.. ما صحة الأمر وهل تنضمين حال تدشين الحزب؟

هناك دائمًا حديث عن تحويل حركة 6 أبريل لحزب سياسي، وأحمد أخبرني أن هناك كثيرين يقترحون عليه الأمر. من وجهة نظري، لا أمانع، ولكن انضمامي لم أقرره بعد، لأنني لم أنضم إلى حزب سياسي قبل ذلك، وأجد صعوبة في ذلك لأن الأحزاب بها قيود كثيرة، وأنا أحب التحرك بحرية، وكان ذلك سببًا في الكثير من الخلافات مع أعضاء سابقين بالحركة، لأنني لا أستطيع تقبل القيود الموجود في الكيانات السياسية.

 

– وما علاقتك الآن برموز يناير القدامى من الشباب مثل أحمد ماهر وإسراء عبد الفتاح وغيرهم؟

مازالت علاقتي بأحمد ماهر وإسراء عبد الفتاح كما هي، نحن أصدقاء ونتحدث من وقت لآخر. نختلف كثيرًا ونتفق كثيرًا، ودائمًا نناقش التطورات الموجودة، ومواقفنا السياسية، نختلف أو نتفق، وأحيانًا ننتقد بعضنا البعض، ولكن تبقى العلاقة الشخصية بعيدًا عن ذلك، وهو الحال مع كثير من شباب يناير.

 

– كانت معركة الإنتخابات الرئاسية الأخيرة فارقة على كافة الأصعدة، خاض فيها أحمد الطنطاوي حربًا أدت إلى حبسه، حدثينا عن رؤيتك لها؟

الإنتخابات الرئاسية السابقة، تمت إدارتها من قبل السلطة بشكل خاطئ تمامًا. لدى السلطة تخوفات قد تكون مشروعة، لكنها لم تكن موجودة بالأساس، لأن السلطة والرئيس الحالي له أدواته وسلطاته الواسعة جدًا، التي كان يضمن بها كتلة كبيرة من الأصوات شاءت المعارضة التي أنا جزء منها أو أبت، ولم يدخل أحمد الطنطاوي المعركة وحده، بل مع عدد من الرموز، لكنه أكملها وحده.  السلطة تخوفت أن يكون لديه أكبر كتلة من الأصوات، ورغم أنه لم يستطيع تجاوز عقبة التوكيلات، لكن هذه المعركة في ظني إن كانت اكتملت للنهاية، وخسرها الطنطاوي بعد التوكيلات كانت ستكون مكسب للسلطة، وللمعارضة أنها أكملت المعركة للنهاية، ولكن ما حدث هو خسارة للسلطة نفسها، لأنها خسرت شرعية الإنتخابات نفسها. قمت بجولة في عدد من اللجان ومكاتب الشهر العقاري، وبعيدًا عن فكرة البلطجة من الحزب الحاكم، فمبرر أن “السيستم واقع” ويعمل فقط لـ مؤيديهم، فرضت صورة هزلية. أرى أن السلطة لم تكن بحاجة لتلك الصورة، وإن سمحت بفتح مساحات سيكون أفضل. وفي النهاية مؤيدو النظام عددهم أكبر، وبالتالي كان الرئيس الحالي سينجح بأي صورة، ولكن ستكون هناك معركة حقيقية.

 

نوصي للقراءة: الطريق إلى الصندوق مفروض بالمحاكمات.. الطنطاوي ينضم إلى قائمة المتهمين

 

–  تعليقك على منع التظاهر، أو أي مظهر للتعبير عن الغضب؟ وهل ترين أن ذلك مناخًا صحيًا في ظل الأزمات الاقتصادية؟ وهل تحسنت سياسات الشرطة المصرية؟

أنا ضد منع التظاهرات. يمكن تنظيمها حتى لا تتحول لفوضى أو يتم استغلالها، ولكن فكرة عدم التنفيس عن المشاعر والغضب مرفوضة.  مثلا. في مسألة حرب غزة، احتاج المواطنون للخروج إلى الشارع والتظاهر والتعبير عن رفض الحرب الدائرة. القمع الموجود حاليًا سيؤدي لكارثة، واعتقال بعض أفراد قاموا بوقفة احتجاجية بعد عام على حرب غزة هو أمر هزلي، رغم أن النظام يؤكد في كل حواراته أن الدولة تؤكد أنها تقدر أصوات الشباب، ولكن هذا ليس حقيقي، وفي كل الدول القوية المواطنين يتظاهرون بشكل سلمي، وكنا ضد القمع الذي حدث لبعض المظاهرات في الدول الغربية، ولا أستطيع فهم عقلية السلطة التي تلقي القبض على خمسة شباب، وقفوا في الشارع بلافتات لا تؤذي أحد، وأن يتم الإفراج عنهم بعدها بكفالة خمسة آلاف جنيه، لمصلحة من؟ بخصوص سياسات الشرطة؛ هناك اختلافات في سياساتها في بعض الأقسام، ومن بعض الضباط، لكن هناك آخرين يتعاملون بنفس العقلية التي تتعامل مع المواطنين باحتقار وتعالٍ، أما تعامل الشرطة مع المتظاهرين فلم يتغير أو الشق السياسي للشرطة، ما ظهر في مظاهرات بداية الحرب على غزة، رغم أن رئيس الدولة هو من دعى لها، مع أول هتاف مخالف للسيناريو المرسوم من قبل الدولة، كان التعامل في منتهي السوء، وصدرت نفس وجوه البلطجية لم تتغير. ومع مرور السنين سنصل لنفس سيناريو مبارك، وهو ضرر للطرفين سواء السلطة أو المواطن لأننا لسنا في وضع يتحمل تكرار نفس السيناريو، ولذلك دائمًا أقول لابد من التعامل بشكل لائق مع المواطنين، واسمعوا للمعارضين ليسوا فقط لمؤيديكم.

 

نوصي للقراءة: احتجاجات وهمية وقمع حقيقي: استراتيجيات السلطة في مصر 

 

–  تقييمك لـ سياسة مصر تجاه حرب غزة عمومًا، خاصة أنها لم تتخذ موقفًا تجاه تسليح الاحتلال رغم أن دولًا داعمة له علقت على ذلك؟

أنا حساسة جدا لقضية غزة، وأعتقد أن جميعنا لدينا شعور بالعجز الشديد لأننا حتى لا نستطيع النزول للتظاهر، والسلطة المصرية لديها طوال الوقت تقول إنها تدعم القضية، ولكني أحتاج أن أفهم كيف يقولون بدعمهم في الوقت الذي يتعاونون فيه اقتصاديًا مع تل أبيب، وعلى الجهة الأخرى يتم منع أي مظاهرة لدعم غزة، فأين نحن؟.  ومن الملفت أن الردود في حال اعترضنا وقولنا إن هذا لا يمثل دعمًا لغزة، بأن هناك حرب وأن كل المنطقة حولنا مشتعلة، وهناك محاولات لجرنا لحرب. وهو أمر اتفق معه بالتأكيد؛ لكن لابد من اتخاذ موقف حاسم سواء على معبر رفح، أو في إدخال المساعدات، أو حتى موقف كلامي؛ فموقف مبارك الذي عارضته وكنت ضده لسنوات طويلة كلاميًا كان أفضل من موقف النظام الحالي، ولكن الآن حتى البيانات ضعيفة، هل هذا خوف؟ هل الطبيعي أن يكون أشقائنا وإخواننا يقتلوا، والموقف الوحيد الذي اتخذناه هو منعهم من دخول مصر. هذا تناقض أرغب في فهمه. 

 

– هل تتوقعين تعديلات دستورية جديدة لمد رئاسي إضافي؟

ليس لدي معلومات عن ذلك. الحديث حول أن مصر لا يتركها أي رئيس سوى بوفاته أو بثورة، شئ مضر لمصر، وسنعود مرة أخرى لـ الشماعة التي تعلق عليها السلطة أي شئ بأن لدينا حرب استراتيجية حولنا، ولابد من أن نكمل بنفس الرئيس. هذا ليس حلًا.  في المقابل، هناك أخبار عن محاولات خلق صفوف ثانية أو ثالثة حتى وأن كانت وجوه نحن ضدها، وهي بادرة أمل، لأن الاستمرار بنفس الشخص في منصب الرئيس سيناريو سيئ للغاية.

–  كانت شعارات يناير وأنت أحد رموزها (عيش، حرية، عدالة اجتماعية..) هل تحقق هذا مع نظام السيسي؟

للاسف لا. لا أرى أن السياسة التي تتبعها السلطة تؤدي لذلك.  الطبقة المتوسطة نفسها تندثر، وأصبحت تجاهد لتأمين لقمة العيش، وإذا كانت الطبقة المتوسطة تعاني بهذا الشكل، فكيف حال الفقراء. هناك مشكلة في الأولويات، فأولويات السلطة ليست في صالح الفقراء، ما يوحي بأننا في خطر حقيقي.

 

– هل هناك مصالحة مع الإخوان وشيكة؟

الحقيقة أنني أتمني هذه المصالحة.  بشكل اجتماعي وليس تمكين سياسي، لأنهم منبوذون سواء في السجون أو كونهم منفيين داخل الدولة أو خارجها.  لست مع سياسة محاربة الجميع بالجميع. ومن يستحق العقاب هو الفصيل السياسي العنيف والإرهابي؛ لكن باقي الإخوان – وهم بالآلاف- لا يجب معاقبتهم أو التعامل معهم بهذا العداء.  كنت ضد ما جرى في رابعة العدوية، والدم الذي سيظل يلاحقنا طوال عمرنا لم يكن الحل الأمثل، وفي رأيي أن الحل الأمثل للسلطة هو المصالحة السياسية والاجتماعية.

 

– منذ أيام أعلن رئيس الحكومة عن أنه ربما تتجه مصر إلى إعلان اقتصاد الحرب، كيف ترين المشهد خاصة وأن البعض يردد أننا منذ يناير نمارس اقتصاديات الحرب بالفعل؟

هناك نكتة سمعتها اليوم لن أستطيع تجاهلها، يقول فيها شخص إننا سنضطر لاقتصاد الحرب، فيرد عليه شخص بسؤال هل لدينا حرب؟ فيرد عليه نفس الشخص وهل لدينا اقتصاد؟.  معروف أن الاقتصاد المصري يواجه تحديات، لكن ليس من المقبول تعليق شماعة ذلك على الحرب، لأننا في حرب مستمرة، وتأثيرها امتد لقناة السويس. هذا السبب الوحيد لما يحدث، نحن لدينا تحديات وملفات وخبراء يطرحوا رؤى لحلول يمكن تنفيذها، والعمل عليها، بدلاً عن العمل على تخويف الناس باقتصاد الحرب.

 

–  النظام الحالي متهم بأنه يقايض ديون الخليج بأصول مصر للمرة الأولى، في حين أن هناك إشارات قوية بعدم انتهاء أزمة العملة الأجنبية في البنوك وتعويم جديد.. هل تؤيدين صفقات البيع؟

نحن جميعًا نشعر الحزن بسبب هذه الصفقات. السلطة تقول إنها الحل الوحيد. في رأيي، الحل في تشجيع الاستثمارات في مصر، والسلطة تقول إنها فتحت هذا الملف وتعمل عليه، لكن لا يوجد من يعمل عليه. يجب على النظام العمل بشكل أكبر على ملف الاستثمار، وتشجيع الشباب على العمل. ونحن لدينا كفاءات وخبراء في الكثير من الصناعات التي ستؤدي للتصدير، وهو الحل الوحيد للخروج بالاقتصاد من أزماته.

 

نوصي للقراءة: تصفية الأصول: هل تبيع مصر أملاكها لسداد الديون؟

 

– مزيد من القروض ومزيد من صفقات بيع الأصول في مناطق استراتيجية هل يدعم هذا الاقتصاد بالفعل؟ ومتى سيتوقف؟ وما الخطأ الذي وقع النظام، وكيف نخرج منه؟

أعتقد أن الحل الوحيد لهذه الأزمة هو ترتيب الأولويات، النظام يضع أولوياته في أمور ليست في الصالح الآن.  لابد  من التركيز في الصناعات المصرية، والبعد عن الاستهلاك، والبعد عن المشروعات غير الطارئة الآن. مثلاً. مشروع العاصمة الإدارية و المونوريل، ليسوا أولويات.  هناك مشروعات هامة في البنية التحتية، لكن كان لابد من التركيز على مشروعات أهم ذات نفع اقتصادي، وطالما لجأنا للاقتراض فكان لابد من توجيه الاقتراض للأزمات الحالية، ولمشروعات تقوم برفع الاقتصاد المصري.

 

– بالنسبة لسياسات مصر الخارجية، كيف تقيمين ملف مصر/ إثيوبيا مع تهديدات إثيوبيا المستمرة؟ لا سيما وأن طوال الوقت يقال إن السبب هو ثورة يناير؟

أرفض تحميل يناير أي مشكلة.  وبالنسبة للملف الأثيوبي ليس لدينا كل المعلومات، ولكن بحسب ما نعرفه فإن القاهرة لا تحبذ استخدام العنف. نواجه تحديات أن أثيوبيا قادرة على السيطرة على بعض الدول لتقف معها ضدنا، وأعتقد أن الحل أن تقوم مصر بعمل شراكات مع دول أخرى يمكن أن تمثل ضغط على أثيوبيا، لكنها لا تفعل ذلك بالشكل الأمثل.

 

–  لكن النظام الحالي نفسه هو الذي وقع على اتفاقية سد النهضة فكيف سيخرجنا من هذا المأزق؟

لا نتحدث فيما مضى بل نتعامل مع الأمر الواقع، ونحاول القيام بالأمر الأفضل.مصر تتحرك بخطوات ضعيفة ومهزوزة، ما يجعل أثيوبيا تتعامل معنا بأسلوب أكثر عدائية، ونحن نعلم من يدعم أثيوبيا ومن يساعدها، لذلك لابد أن نقوم نحن بدعم الدول التي يمكن أن تشكل تحالفات ضد أثيوبيا، بدون عنف؛ لأني متفقة مع السلطة في أن الحرب ستكون حل أخير.

 

– هل ترين حربًا عسكرية تكون مصر طرفًا فيها قريبًا؟

أتمني عدم حدوث ذلك، وأري أن السلطة الحالية تحاول أن تحافظ على هذا الوضع. لا أستطيع التحدث فيما يخص الشأن العسكري، لأنني ليس لدي معلومات كافية.  أتفق مع السلطة في أن آخر خيار هو الحرب، لكن في الوقت نفسه لابد من موقف حاسم طوال الوقت، ولا يجب أن تصدر صورة توحي بأننا خائفون وهي الصورة المطروحة حاليًا.

 

–  هناك اتهامات من الدعم السريع لمصر بالمشاركة في حرب السودان، والسلطات المصرية نفت ذلك، ما رأيك في التعامل المصري مع ملف السودان خصوصا مع ملف اللاجئين الذين يتم تحميلهم أزمة مصر الحالية، هل تعلمين بشأن أية خطط لعودة نحو مليون لاجئ سوداني وفدوا إلى مصر عقب انتهاء الحرب؟

ليس لدي معلومات كافية عن الشأن السوداني وتعامل القاهرة معه. أرى أن السلطة تعاملت بشكل لائق مع ملف اللاجئين، لكن في الفترة الأخيرة هناك اتهامات وضغط إعلامي ضد اللاجئين من إعلام السلطة، ومطالبات بـ ترحيلهم. بشكل إنساني، أدعم فكرة أن مصر هي الدولة الأم للوطن العربي، تمد يدها لكل ضيوفها حتى وإن شكلوا ضغط أو أزمات، وسعيدة بأن هناك تطورات جيدة في الملف السوداني، وهناك تحركات لعودة آلاف اللاجئين.

 

نوصي للقراءة: تحليل: هل السودانيون حقًا سبب أزمة العقارات في مصر؟

 

–  هل هناك أية بوادر لخروج القاهرة من أزماتها في ظل إقليم مشتعل بالحروب؟

القاهرة تسير بدعم إلهي حتى اللحظة. مصر لن تكون قوية إلا باقتصاد قوي، وقتئذٍ نستطيع نحمي مصر من أي ضغط. للأسف، نعاني اقتصاديًا والوضع يسير إلى مزيد من التدهور. وأتمنى أن تستمع السلطة للشباب فيما يخص الرؤى والحلول الاقتصادية، بدلًا عن التعامل بأفكار السلطة دومًا.

 

– أيهما أخطر على الدولة المصرية والنظام الحالي… الوضع السياسي أم الوضع الاقتصادي ولماذا؟

الاثنان لا يبتعدان كثيرًا عن بعضهما البعض. أكرر أن الدولة لن تكون قوية إلا بقوة اقتصادها، وظهر ذلك جليًا بعد حرب غزة، فالحرب كلها اقتصادية، ونحن لم نستطيع دعم غزة بسبب ضعف وضعنا الاقتصادي، وحتى محاولة المقاطعة كانت محاولة لإضعاف تل أبيب وأمريكا  اقتصاديًا لأنهم يسيطرون على العالم. نحن بعيدون جدًا عن ذلك، وليس لنا كلمة نستطيع فرضها، وحين يتبدل الأمر لن يكون هناك من يستطيع فرض صفقات اقتصادية علينا، أو ليّ ذراعنا. أعرف أن هذا سيستغرق سنوات ولكن على الأقل نبدأ شراكات اقتصادية مع دول عربية مستقلة اقتصاديًا.

 

– قضية الوراق قضية عادلة يواجه أهلها النظام منذ نحو سبع سنوات يصمدون في وجه مطالب التهجير القسري.. كيف تحللين هذا الملف؟

السلطة تتعامل مع قضية الوراق بنفس الطريقة القديمة التي أتمنى التراجع عنها. في النظام، هناك أشخاص لديهم قدرة على التفاوض يجب الاستعانة بهم، فـ أهل الوراق هم مواطنون لهم حقوق، لابد من الاستماع إليهم، والوصول لـ مكاسب للطرفين. الاستماع لهم ومنحهم حقوقهم سينهي الأزمة للطرفين بمكاسب. وطالما تحاول السلطة منحهم فقط ما تريد وتتعامل معهم كأنها في حرب معهم، لن تحل أزمة الوراق.

نوصي للقراءة: “لن نُغادر” أهالي الوراق في مواجهة الإخلاء القسري.. والأمن يستخدم القوة المفرطة 

 

– انت مؤيدة للحوار الوطني حتى دون تنفيذ توصياته.. من وجهة نظرك ما جدواه؟

نحن نتعامل مع نظام مازال يتعامل بالأدوات واللغة القديمة. أشبه هذا باثنين يتحدثون لغتين مختلفتين، يرفضان لبعضهما البعض، وإذا استمر ذلك لن نصل إلى شيئ. لذا، من الضروري محاولة التواصل مع السلطة بلغتها، والحصول على مكاسب صغيرة متتالية، لأنهم الطرف الأقوى، حتى يشعروا بالأمان للتواصل معنا للوصول لمنطقة عادلة.

 

– تعرضت لمضايقات عبر السوشيال ميديا وأنت على يسار السلطة، وتعرضت لمضايقات وأنت قريبة من السلطة، كيف اختلف تعاملك في المرتين؟

تعلمت، ولم أعد أطلب من أحد أن لا يهاجمني، أحاول أن أستمع للآخرين خاصة من أثق في آرائهم، وأحاول توضيح لهم ما أقوم به. ومن يهاجمني لمجرد الهجوم لا أهتم به. نحن في مرحلة وطريق مختلف له أدواته. ولازلت عند رؤيتي وأحلامي ولدي ما أدافع عنه لكن بصورة مختلفة. أتمنى فقط أن نتحدث دون تخوين، وأن يكون خلافنا بصورة طبيعية.

 

نادية مبروك
صحفية مصرية متخصصة في التحقيقات والتقارير

Search