في 7 يونيو الجاري سجلت مدينة أسوان، أقصى جنوب مصر، أعلى مستوى لدرجات الحرارة في مصر، إذ بلغت 49.6 درجة مئوية في الظل، بحسب بيانات هيئة الأرصاد المصرية، مخلفة ما يزيد عن موت 40 ضحية خلال أربعة أيام نتيجة إصابات بضربات شمس وإجهاد حراري، وأيضًا حالات غرق بسبب الهروب من الحرارة المرتفعة، إضافة إلى عشرات الإصابات وخسائر مادية للمواطنين، وسط تساؤلات برلمانية وشعبية حول خطة الحكومة المصرية للتعامل مع التغيرات المناخية الجديدة على المجتمع المصري.
وبينما تزداد التخوفات من الارتفاعات القياسية لدرجات الحرارة في مصر، تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي غضبًا، بسبب استمرار سياسات الحكومة بقطع وتقليم الأشجار والمساحات الخضراء بالعديد من المناطق تحت غطاء التعمير والتنمية وتدشين الطرق، فيما تثير موجات الحر التاريخية على مصر قلقًا بالغًا من مخاطر كارثية على البيئة والسكان في حال لا تملك الحكومة إجراءات علاج حاسمة وسريعة للحد من تلك التأثيرات.
للمزيد إقرأ: مصر تدفن رئتيها تحت الخرسانة.. الحكومة مستمرة في قطع الأشجار
درجات الحرارة المرتفعة تسببت كذلك في موت ما يزيد عن نحو (50) مهاجرًا سودانيًا غير شرعيًا، كانوا في طريقهم إلى مصر هربًا من الحرب التي تفتك بالسودانيين. قالت مصادر طبية إن بعض الجثث قد وصلت إلى المستشفى جلدها محترق وتعاني من حالة جفاف شديدة. فيما تداول نشطاء مقطع فيديو يُظهر عددا من السودانيين يعانون حالة من العطش، بعد أن تعطلت المركبة التي كانت تقلهم إلى مصر، بينما قضى بعضهم نتيجة ارتفاع الحرارة الشديد.
تحركات برلمانية
دفعت المخاوف من تفاقم الأزمة، خاصة مع التنبؤات باستمرار الارتفاعات القياسية لدرجات الحرارة على عدة مدن مصرية في مقدمتها أسوان، نواب البرلمان المصري للتحرك بشكل عاجل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقد طالب عدد منهم باستثناء أسوان من خريطة قطع التيار الكهربائي، إذ تواجه مصر أزمة كهرباء اضطرت الحكومة لقطع التيار لمدة تتراوح بين ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميًا بمختلف أرجاء الجمهورية من أجل تخفيف الأحمال، وحتى اللحظة لا يوجد رد رسمي من جانب الهيئات التنفيذية على المطالب البرلمانية.
كذلك، دشن مواطنون هاشتاج (اوقفوا قطع الكهرباء عن أسوان) على منصة إكس (تويتر سابقًا)، وطالبوا الحكومة بالاستجابة لمطالب النواب ووقف قطع التيار الكهربائي عن المحافظة، معتبرين أن استمرار انقطاع الكهرباء في مثل هذه الظروف المناخية التي أودت بحياة العشرات يعد انتهاكًا صارخا لحقوق المواطنين في العيش بسلام وأمن ومواجهة الظروف المناخية.
ينص الدستور المصري الحالي على حق كل إنسان في العيش في بيئة صحية وسليمة، كما يفرض على الدولة حماية البيئة باتخاذ كافة التدابير اللازمة لذلك. وتنص المادة (46) منه على أن لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطني، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها، وعدم الإضرار بها، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها.
وقد أطلقت مصر في مايو 2022 “الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050” خلال فعاليات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ “COP 26 “، الذي عقد بمدينة بجلاسكو الاسكتلندية. تعرف الهيئة العامة للاستعلامات الاستراتيجية بأنها “خطط وطنية طويلة الأجل، تسعى لتجنب الآثار السلبية لقضية تغير المناخ بالتوازي مع الحفاظ على ما تحقق من تنمية وتقدم اقتصادي وصولًا لعام 2050”.
وردًا على ما يحدث في أسوان، تقدمت النائبة ريهام عبد النبي – عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي-، ببيان عاجل لحكومة مصطفى مدبولي بسبب سقوط ضحايا “بضربة شمس” نتيجة ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة بمحافظة أسوان، مؤكدة أن انقطاع التيار الكهربائي ضمن خطة الحكومة لتخفيف الأحمال يؤثر على المواطن في كافة مناحي الحياة من كهرباء ومياه، ويهدد حياتهم بسبب الارتفاع الشديد في درجات الحرارة.
وأكدت البرلمانية أن ارتفاع درجة الحرارة أيضًا يساهم في زيادة انتشار الزواحف الضارة، إذ قد يساعد انقطاع التيار الكهربائي إلى سقوط ضحايا من المواطنين نتيجة لدغات العقارب.
وفي حديثها إلى زاوية ثالثة، أكدت “عبد النبي” أن الجهات الرسمية لم تستجب لـ مطلبها حتى اللحظة بوقف انقطاع الكهرباء عن المحافظة، وأوضحت أن درجات الحرارة قد تسببت في حدوث أعطال إضافية للكهرباء وصلت إلى خمس أو ست ساعات، وربما أيام في حالة الأعطال الكبرى في بعض المناطق، نتيجة احتراق المحولات وغيرها من الأعطال.
تقول إن المناقشات مع المحافظة قد وصلت لاستثناء تلك المناطق التي تحصل بها أعطال تتسبب في انقطاع الكهرباء لفترة طويلة من الخريطة اليومية، والاكتفاء بوقت الإصلاح الذي يستغرق ساعات.
وتؤكد البرلمانية المصرية أن مواطني أسوان يواجهون ظروفًا صعبة وقاسية للغاية بسبب ارتفاع درجات الحرارة، مشيرة إلى محاولاتها لتوفير بعض وسائل النقل لطلاب الثانوية العامة وكبار السن والموظفين في بعض المناطق، لتخفيف المعاناة عليهم.
وحول الإجراءات الحكومية، تقول “عبد النبي” إن الحكومة لم تقر حتى اللحظة أي إجراءات أو خطة للتعامل مع الأزمة، مطالبة بسرعة التعامل مع الموقف وإقرار خطة عمل عاجلة لحماية المواطنين خاصة أن ارتفاع الحرارة أزمة متكررة طوال فصل الصيف. كذلك تطالب بخفض ساعات العمل للموظفين وعدم اضطرارهم للسير في الشوارع وقت الظهيرة.
يقول المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء، أيمن حمزة، إن عمليات تخفيف الأحمال مرتبطة بزيادة درجات الحرارة، حيث كسر الاستهلاك حاجز 35 ألف ميجاوات، وهو ما يعد رقمًا كبيرًا في مثل هذه الفترة من العام، ويؤكد أن تخفيف الأحمال سيتم الانتهاء منه بالكامل قبل نهاية العام الحالي.
من جهتها، طالبت النائبة زينب السلايمي – عضو مجلس النواب ومساعد رئيس حزب العدل-، في طلب إحاطة لرئيس الوزراء ووزير الكهرباء، باستثناء الأقصر وأسوان من خطة تخفيف الأحمال الكهربائية، لضمان توفير الكهرباء بشكل مستمر خلال هذه الفترة الجوية الحرجة، وتجنب الأضرار الصحية والمادية الناتجة عن انقطاع التيار الكهربائي.
كذلك تقدم النائب عبد المنعم إمام رئيس حزب العدل، بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس الوزارء، ووزير البيئة، ووزير التخطيط، ووزير التنمية المحلية، (حصلت زاوية ثالثة على نسخة منه) بشأن “قطع الأشجار في جميع أنحاء مصر”.
يقول “إمام” إنه في الفترة الأخيرة، تم قطع عدد كبير من الأشجار في مختلف المحافظات بدون وجود بدائل مناسبة لتعويض الفاقد من المساحات الخضراء، هذا الأمر أثار العديد من الشكاوى من المواطنين والمجتمع المدني، الذين عبروا عن قلقهم من التبعات السلبية لهذه العمليات.
يوضح خلال طلب الإحاطة أن من أبرز الأضرار والشكاوى، ارتفاع درجات الحرارة: قطع الأشجار يؤدي إلى نقص الغطاء النباتي الذي يساهم في تخفيض درجات الحرارة، ما يزيد من الشعور بالحرارة في المناطق المتضررة، وتلوث الهواء كون الأشجار تلعب دورا كبيرا في تنقية الهواء من الملوثات، وقطعها يزيد من تلوث الهواء مما يؤثر على صحة المواطنين، فضلًا عن فقدان التنوع البيولوجي؛ لأن الأشجار توفر موائل للعديد من الكائنات الحية، وقطعها يؤدي إلى فقدان هذه الموائل وتدهور التنوع البيولوجي، إضافة إلى فقدان المنظر الجمالي، حيث تضيف الأشجار جمالاً للطبيعة والمناطق الحضرية، وقطعها يشوه المناظر الطبيعية ويؤثر على الرفاهية النفسية للمواطنين.
يضيف أن الإنسان يحتاج في المتوسط إلى حوالي سبع إلى ثمان أشجار، لتلبية احتياجاته من الأكسجين سنويًا، كل شجرة تنتج حوالي 100 إلى 120 كيلوجرامًا من الأكسجين سنويًا، في حين يحتاج الإنسان إلى حوالي 740 كيلوجرامًا من الأكسجين سنويًا. في المقابل، فإن نصيب كل فرد في مصر حوالي شجرة واحدة؛ وهي نسبة منخفضة للغاية.
المساحات الخضراء في مصر: أزمة تتفاقم
تشير الدراسات والتقارير العلمية إلى أن مصر تعاني من نقص حاد في المساحات الخضراء، إذ انخفضت بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، فقد كشفت ورقة بحثية صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، نُشرت قبل عام ونصف، أن متوسط نصيب الفرد من المساحات الخضراء في مصر لا يتجاوز 17 سنتيمترًا فقط. يُعد هذا الرقم أدنى بكثير من التوصيات العالمية التي حددتها منظمة الصحة العالمية، إذ تُشير إلى ضرورة توفير تسعة أمتار مربعة على الأقل من المساحات الخضراء لكل فرد.
وتشير المبادرة إلى أن مشروعات الدولة الخاصة بـ تبطين الترع والمصارف لم تستثن القرى والمناطق الريفية من خطة قطع الأشجار، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على ارتفاع درجات الحرارة بتلك المناطق، رغم كونها مناطق زراعية.
وتُؤكد الهيئة العامة للاستعلامات في مصر عبر موقعها الإلكتروني على خطورة الوضع، حيث تُشير إلى أن نصيب الفرد من المساحات الخضراء في مصر يبلغ 1.2 متر مربع فقط، يُمثل هذا النقص أزمة حقيقية تُهدد الصحة العامة والبيئة في مصر، إذ تلعب المساحات الخضراء دورًا هامًا في تنقية الهواء وتقليل التلوث، وتحسين الصحة النفسية، وتعزيز التنوع البيولوجي.
انحراف مناخي
يصف الدكتور مجدي علام – مستشار برنامج المناخ العالمي، وأمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب-، ما يحدث في المناخ العالمي بأنه (انحراف مناخي) تجاوز مرحلة التغيرات المناخية، ولم تعد المشكلة بالسهولة التي يتصورها البعض، نظرًا للارتفاع القياسي في درجات الحرارة وهبوب الرياح الساخنة أو السيول وغيره من التحولات المناخية الحادة، التي تؤثر بشكل كبير على الأطفال وكبار السن والحوامل وأصحاب الأمراض في المقام الأول.
هذه التأثيرات بحسب “علام” تؤثر بشكل مباشر أيضًا على مختلف الأنماط البيئية في مقدمتها الزراعة والغذاء في العالم كله، وتعد سببًا مباشرًا في أزمة الغذاء العالمية، كما تؤثر على مصادر المياه وصحة الإنسان بشكل مباشر، نتيجة تلوث الماء والهواء والتربة.
يقول “علام” في حديثه معنا إن موجة الحر الحالية تجتاح مصر والعالم وقد أثرت على ارتفاع درجات الحرارة إلى حد قياسي في أسوان، مؤكدًا أن هذه الارتفاعات القياسية في درجات الحرارة لا تقتصر على القاهرة أو مصر فقط، بل تشمل معظم أنحاء العالم، خاصة قارة إفريقيا.
يُوضّح مستشار برنامج المناخ العالمي أن هذه الارتفاعات الاستثنائية تُشكل انحرافًا حادًا عن مستويات درجات الحرارة المعتادة، خاصة في إفريقيا، حيث تُعرف المنطقة بمناخها الجاف وشمسها الحارقة، يتأثر بها صعيد مصر بشكل أكبر نظرًا لقربه من القارة الأفريقية.
ويشير إلى أن الارتفاعات في درجات الحرارة باتت تحدث بسرعة شديدة يصعب تتبعها في بعض الأحيان، وبالتالي من المتوقع أن تتأثر الكثير من المدن – ومنها أسوان- بارتفاع درجات الحرارة والرياح والكثبان الرملية وغيرها من الظواهر المناخية التي تمثل انحرافًا.
يُضيف الخبير المصري أن توزيع الكتل المائية على الكرة الأرضية يلعب دورًا هامًا في تنظيم المناخ، حيث تتركز كميات كبيرة من المياه في القطب الشمالي (الجليد) وشمال الكرة الأرضية، بينما تقل في القطب الجنوبي وجنوب الكرة الأرضية (أستراليا)، مؤكدًا أن هذه التوزيعات تؤدي إلى حدوث تيارات هوائية وخلق نظم مناخية مختلفة، وأن التغيرات في هذه التوزيعات، مثل ذوبان الجليد في القطب الشمالي، تُساهم في حدوث تقلبات مناخية حادة، بما في ذلك موجات الحر الحالية.
يدعو “علام” إلى ضرورة اتخاذ خطوات جادة لمواجهة ظاهرة تغير المناخ والتكيف مع تأثيراتها، بما في ذلك، خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من خلال تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري واستخدام مصادر الطاقة المتجددة، ودعم مشاريع التشجير لزيادة المساحات الخضراء التي تُسهم في امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتلطيف الجو، ويلفت إلى أهمية توعية الشعوب بـ مخاطر تغير المناخ وكيفية المساهمة في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وأهمية دعم البحوث العلمية لدراسة ظاهرة تغير المناخ وتطوير حلول فعّالة للتكيف مع تأثيراتها.
أسوان الأكثر تضررًا
تتصدر مدينة أسوان قائمة المدن المصرية الأكثر تضررًا بتغيرات المناخ على الزراعة ومواقع التراث؛ ما يهدد طبيعتها كمقصد سياحي عالمي، ووفق تنويهات خبراء دوليين في التراث، فإن الدراسات الأثرية والبيئية تؤكد أن مخاطر تغير المناخ ستكون مؤثرة على مدينة أسوان، ومعظم المدن الساحلية والمدن المطلة على نهر النيل، وستكون أسوان من المدن الأكثر تعرضًا لمخاطر التغير المناخي.
وتكشف الدراسات، عن المخاطر الحقيقية الحالية والمستقبلية التي تهدد مدينة أسوان ومواقعها الأثرية، كما يزيد تخزين المياه في المنطقة من مخاطر التغير المناخي، والإجهاد المائي الذي سينجم عنه إحداث خلخلة في التربة الأثرية، والنظم البيئية، وهو ما يشكل عائقًا أمام سُبل الحماية والصون لمواقع التراث في أسوان، ما يؤدي إلى تعميق المخاطر في مواقع التراث بالمحافظة بنسب متفاوتة ومؤثرة، إضافة إلى إلحاق الضرر في طبوغرافية المكان والسكان في أسوان.
العقارب كارثة إضافية
تواجه أسوان مع الارتفاعات الشديدة في درجات الحرارة أزمة أخرى، تتعلق بخروج العقارب شديدة الخطورة والسُمية من المناطق الصحراوية وصولًا إلى منازل الأهالي، وهي كارثة متكررة على مدار السنوات الماضية، لكن مخاطرها تتزايد مع الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة. وكانت العقارب قد أصابت نحو (504) شخص في أسوان عام 2021، فضلًا عن عشرات الضحايا الذين فقدوا أرواحهم.
في شهادتها، تقول سعيدة مهران – فتاة عشرينية من محافظة أسوان- إن “أزمة العقارب عرض مستمر كل عام؛ خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة أو السيول التي تجرف كل ما في الجبال وصولًا إلى منازل الأهالي”، مشيرة في حديثها معنا إلى أن انتشار العقارب بات ملحوظًا خلال الأسابيع الماضية مع ارتفاع درجات الحرارة، خاصة في القرى القريبة من المناطق الصحراوية، مناشدة الأجهزة والسلطات المختصة بضرورة التعامل مع الأمر قبل تفاقم الأزمة كما حدث في 2021، بعد أن جرفت مياه السيول الحشرات من الجبال إلى المنازل وتسبب ذلك في الكثير من الكوارث.
تعتبر “مهران” أيضًا أن استمرار انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة في ظل ارتفاع درجات الحرارة يعد أزمة تهدد حياة المواطنين، خاصة الأطفال وكبار السن، وتقول إن “رضيعها الذي لم يكمل عامه الأول تعرض لـ نزلات معوية شديدة وارتفاع لدرجة حرارة جسده ويعاني حالة إعياء مستمر بسبب الحر، وعدم وجود وسائل للتكييف والتهوية في ظل انقطاع الكهرباء بشكل مستمر ولمدة تتجاوز الثلاث ساعات يوميًا في بعض المناطق”.
تتفق معها تحية السيد (51 عام- من أسوان) وتعاني من انخفاض ضغط الدم بشكل مستمر، تقول في حديثها مع زاوية ثالثة: ” نحن في أسوان اعتدنا على درجات الحرارة المرتفعة؛ لكن موجة الحر الشديد هذه لم تمر علينا من قبل، ومع انقطاع الكهرباء نشعر بتعب شديد خاصة كبار السن مثلي، تعرضت للإغماء أكثر من أربع مرات خلال الشهر الماضي، وحتى عملية نقلي للمستشفى تكون صعبة في ظل الظروف الراهنة والحر الشديد نادرًا ما نجد سيارة في النهار تنقلنا للمستشفى التي يبعد عنها منزلي حوالي 15 كيلومتر”.
أما محمد عبد السلام -موظف حكومي (35 عام- من أسوان) فيقول إن “الحياة صعبة بكل تأكيد مع ارتفاع درجات الحرارة لهذا المستوى، ولا نرى أن هناك إجراءات للوقاية أو تخفيف الأزمة من جانب الحكومة، مثلًا أنا أذهب لعملي يوميًا في الثامنة صباحًا وأعود حوالي الساعة الثالثة أو الرابعة عصرًا، ورغم اعتيادي على السير و ركوب المواصلات في مثل هذه الأجواء الحارة إلا أن الوضع هذا العام مختلف، أشعر بحالة اختناق وإعياء مستمر”.
ويضيف: “لدي أربعة أبناء، أكبرهم في الثانوية العامة يذهب للامتحانات هذه الأيام في ظل هذه الحرارة المرتفعة، ناهيك عن المذاكرة لمدة ساعات طويلة في جو مختنق دون أي وسيلة تهوية. نشعر بالاحتباس في أسوان، ونتمنى أن تستجيب الحكومة لمطالب نواب البرلمان باستثناء المحافظة من خطط الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وتوفير الإجراءات اللازمة، لحماية الأبناء أثناء تأدية الامتحانات.”
ما الإجراءات التي يتوجب العمل عليها؟
يشير هشام عيسى – خبير تغير المناخ والمنسق السابق خبير علوم البيئة وتغير المناخ والمنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ-، إلى غياب الإجراءات الخاصة بالتعامل مع ارتفاعات درجات الحرارة الناجم عن تغيرات المناخ في أسوان.
وفي حديثه لـ منصتنا، يقول “عيسى” إن أسوان من المناطق الأكثر تأثرًا بارتفاع درجات الحرارة الناتج عن تغير المناخ كونها محافظة مرتفعة الحرارة بالأساس، لذلك تواجه مشكلة دائمًا وقت الموجات الحارة.
ويقدم روشتة بأهم الإجراءات التي يجب تفعيلها للتقليل من تأثيرات درجات الحرارة المرتفعة في أسوان أو أي مدينة قد تشهد موجات مماثلة، أولها الالتزام بما أقرته مصر في استراتيجية 2050 المتعلق بإجراءات خفض الانبعاثات، ويشير في هذا الصدد إلى أن مصر قد التزمت باتفاقية باريس عام 2015 الخاصة بخفض الانبعاثات، رغم أنها ليست من الدول ذات الانبعاثات العالية.
في 2022 خلال مؤتمر (كوب27) بـ شرم الشيخ قدمت مصر استراتيجية لخفض الانبعاثات، ما يطلق عليه الخطة الوطنية للتغيرات المناخية، علاوة على خفض الانبعاثات تضمن الخطة الإجراءات التي يتوجب على الدولة الالتزام بها للحد من التأثيرات السلبية الناجمة عن التغيرات المناخية، مثل خفض الأحمال الحرارية.
وينوه “عيسى” إلى أهمية العمل على تشجير وتخضير المزيد من المناطق في المدن التي تواجه درجات حرارة مرتفعة، ومراعاة خفض الحرارة في التخطيط العمراني الجديد وتظليل الشوارع، ما يسهم في خفض مستوى الحرارة، وتوعية المواطنين بأهمية زراعة الأسطح، مؤكدًا أهمية توفير الرعاية الصحية اللازمة (غرف علاج الإجهاد الحراري) داخل المستشفيات الحكومية، ولافتًا إلى أهمية تخفيف أو تغيير ساعات العمل، بما يتناسب مع ضمان عدم خروج الموظفين للعمل وقت الحرارة المرتفعة.