كشفت صور فضائية حديثة، تم رصدها عبر تقنية الأقمار الاصطناعية، منتصف يونيو الماضي، عزم إثيوبيا البدء بـ الملء الخامس لسد النهضة، خلال يوليو الجاري، وهو ما أعلنته السلطات الإثيوبية بالفعل مطلع الشهر الجاري في احتفالية كبرى.
توقع خبراء أن يتم التخزين عند منسوب 625 متر مكعب، ومن المتوقع أن يصل إلى منسوب 640 متر مكعب بإجمالي تخزين 64 مليار متر مكعب، ما سيتسبب للمرة الأولى في التأثير المباشر على مستوى المياه في بحيرة ناصر ويعني دخول مصر “مرحلة حرجة” بسبب قلة توافر المياه، على حد تقدير الخبراء، مخلفًا آثار اقتصادية واجتماعية كارثية على البلاد التي تعاني من أزمة اقتصاد وكهرباء طاحنة.
وقبل أيام أجرت مصر تعديلات حكومية واسعة شملت 21 وزيرًا جديدًا وضم بعض الوزارات، فضلًا عن حركة محافظين و تعديلات هيكلية داخل الجهاز التنفيذي، وناهيك عن حالة الجدل التي تثيرها الحكومة الجديدة والتكهنات بقدرتها على إنجاز الملفات العالقة، أو التي فشلت فيها سابقتها، لا تغيب قضية سد النهضة عن اهتمام الشارع المصري، فيما يشهد الملف حالة تعتيم إعلامي شديد وغياب للتصريحات الرسمية الحكومية، وسط تساؤلات مطروحة من المواطنين لحث الحكومة على الشفافية، خاصة وأنه وفق المادة (44) من الدستور المصري “تلتزم الدولة بحماية نهر النيل، وموارد المياه، و شواطئها وبحارها وممراتها المائية وبحيراتها، والمحميات الطبيعية، والحفاظ عليها، وإزالة ما يقع عليها من تعديات، وينظم القانون وسائل الانتفاع بها”.
اقرأ أيضًا: الحكومة الجديدة بين إرضاء الدائنين ومعيار الولاء والطاعة
يتزامن الملء الخامس، والمتوقع أن يكون الأكبر والأخطر منذ بدء بناء السد في عام 2011 الذي كلفها نحو 4.2 مليار دولار، بنهاية يوليو الجاري، مع احتدام حالة الحرب داخل السودان وتدهور الوضع الداخلي إلى حد غير مسبوق مع استمرار المعارك المتزايدة بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع، بينما تشهد مصر أزمة اقتصادية وتوترات اجتماعية على هامش ارتفاع معدلات التضخم التي تلقي بظلال ثقيلة على معيشة المواطنين، ما يزيد الأزمة تعقيدًا وخطورة.
وتشير تقديرات إلى أن أديس أبابا تعتزم، احتجاز 23 مليار متر مكعب إضافية من مياه النيل تضاف إلى 41 مليار متر مكعب آخر تم احتجازها في المراحل الأربع السابقة، فيما تجري عملية الملء بمعزل عن مصر والسودان (دولتي المصب)، تبدو مصر الأكثر تضررًا كونها الأفقر مائيًا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، كذلك سبق أن أعلن وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، أن موارد بلده المائية تقدر بنحو 59.60 مليار متر مكعب سنويًا، تقابلها احتياجات مائية تُقدر بنحو 114 مليار متر مكعب سنويًا.
وتفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن المياه قد تنفد في مصر بحلول عام 2025، وبأن مناطق في السودان الذي يعاني من حرب منذ أكثر من عام (منذ أبريل 2023)، معرضة لخطر الجفاف بسبب تغير المناخ.
وتحدثت تقارير عن رفض أديس أبابا كافة الاقتراحات التي تقدمت بها مصر، للتعرف على نواياها بشأن كمية المياه التي تنوي تخزينها خلال الملء الخامس لسد النهضة، من بينها رفض استقبال مراقبين مصريين لمتابعة العملية.
أضرار كارثية
تعتمد مصر بنسبة 97% على مياه نهر النيل، وتعاني عجزا مقداره 54 مليار متر مكعب سنويًا، إذ تصل احتياجاتها المائية إلى نحو 114 مليار متر مكعب سنويًا، في حين يصل حجم الموارد المائية المتاحة إلى 60 مليار متر مكعب سنويًا فقط، وتعد محطة توليد السد العالي هي أكبر محطة لتوليد الكهرباء من المياه في إفريقيا، بقدرة إجمالية 2100 ميجاوات، بحسب الموقع الرسمي لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة؛ لكن المثير أنه ووفق أبحاث علمية، فإن ارتفاع درجة الحرارة نتيجة التغيرات المناخية سيؤدي إلى زيادة معدلات تبخر مياه النيل، ما يعني حدوث انخفاض في تدفقات النهر تصل إلى أكثر من 0.5%، كما تبلغ معدلات البخر الحالية في خزان أسوان نحو 10%، في الوقت نفسه، ونتيجة ارتفاع درجات الحرارة تزامنًا مع تطبيق الحكومة خطة تخفيف الأحمال، فإن ذلك يزيد من حاجة المواطنين إلى استخدام المياه النظيفة، ما يعني ضرورة زيادة حصة مصر من المياه.
في هذا السياق، تتوقع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن ترتفع درجات الحرارة في بعض مناطق مصر بما يتراوح بين 1.8 و 3.6 درجة مئوية خلال القرن المقبل، ما يتطلب المزيد من المياه لزراعة المحاصيل مع زيادة التبخر في نهر النيل وقنواته، وسوف يزداد الطلب على المياه، ولكن العرض سوف يكون أقل، وهو ما قد يؤدي إلى انعدام الأمن المائي وأزمة اقتصادية كبيرة.
ومنذ عام 2011 ومع بداية بناء السد الأثيوبي، اعتبرت مصر المشروع تهديدًا لأمنها المائي الوطني، وخلال السنوات الأخيرة حاولت المصادر الرسمية التأكيد على التكاليف الاقتصادية للسد وملء وتشغيله من جانب واحد. ووفقًا لهذه المصادر، فإن انخفاضًا قدره مليار متر مكعب فقط من مياه النيل المتدفقة إلى مصر من شأنه أن يؤدي إلى فقدان 290 ألف شخص لوظائفهم، وتدهور 130 ألف هكتار من الكهرباء، وزيادة بقيمة 150 مليون دولار أمريكي في واردات الغذاء، وخسارة 430 مليون دولار أمريكي من الإنتاج الزراعي، بحسب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وتمثل التغيرات المناخية تحد هام أمام موارد مصر المائية، حيث أشار التقرير الوطني الثالث المقدم للجنة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى أن أكثر القطاعات المصرية عرضة للتداعيات السلبية لهذه الظاهرة هي موارد المياه العذبة والزراعة، وذلك في ظل الارتفاع الملحوظ بدرجة الحرارة أو قلة الأمطار. وقد لجأت مصر بالفعل في خفض المساحة المستخدمة لإنتاج الأرز إلى أكثر من النصف، من 1.76 مليون فدان إلى 750 ألف فدان، في محاولة لتوفير ثلاثة مليارات متر مكعب من المياه.
ومن المتوقع أن تتقلص مساحة الأراضي الزراعية في صعيد مصر بنسبة 29.47%، وفي الدلتا التي تعد مصدر الغذاء الرئيس لمصر، بنسبة 23.03%، وأن يؤدي انخفاض إنتاج الأرز، وربما الفاكهة والخضروات، إلى انعدام الأمن الغذائي في البلاد وارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما سيؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، خاصة وأن القطاع الزراعي يمثل حوالي 23% من العمالة في البلاد.
وتواجه مصر عجزًا مائيًا يصل إلى 20 مليار متر مكعب سنويًا في المتوسط، وفقًا لتصريحات وزير الري المصري السابق محمد عبد العاطي، إذ تبلغ احتياجات مصر من المياه نحو 80 مليار متر مكعب، فيما سجل مجموع المياه العذبة المتاحة حوالي 60 مليار متر مكعب، ليتم تعويض هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية السطحية في الوادي والدلتا، إضافة لاستيراد منتجات غذائية من الخارج تقابل 34 مليار متر مكعب سنويًا من المياه، وقد انخفض نصيب المواطن المصري من المياه العذبة بشكل متتالٍ وملحوظ مع مرور السنوات حتى تراجع عن حد الفقر المائي العالمي البالغ 1000 متر مكعب سنويًا.
بدوره، يقول أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي، في حديثه إلى زاوية ثالثة إن أضرار التخزين بصفة عامة متعددة، وهناك فرق بين وجود أضرار تعمل الدولة على عدم وصولها إلى المواطن، وعدم وجود أضرار على الإطلاق.
بحسب شراقي، تقوم الدولة على ترشيد استهلاك المياه، و إنفاق عشرات المليارات من الجنيهات على مشروعات تطوير الري والزراعة، وإعادة استخدام المياه بعد معالجتها، وتبطين الترع، والتوسع في انشاء الصوب الزراعية وغيرها حتى تحافظ على احتياطي مائي جيد في السد العالي يضمن الأمن المائي للمواطنين.
من جهته، يصف أستاذ الاقتصاد السياسي كريم العمدة، الأضرار الاقتصادية لعملية الملء الخامس بأنها خطيرة، ويقول العمدة إن المشروع يمكن اعتباره أداة لـ خنق مصر، معتبرًا إن الملء الخامس هو الأخطر؛ لأنه سيؤثر مباشرة على حصة مصر من المياه (55 مليار متر).
يولد السد العالي نحو 10-12% من الطاقة الكهربائية في البلاد، وفق “العمدة”، متوقعًا أن يؤدي انخفاض منسوب المياه ببحيرة ناصر إلى زيادة أزمة الكهرباء، حتى إن كانت نسبة الاعتماد على كهرباء السد العالي قليلة نسبيًا؛ إلا أنها مهمة لتوفير احتياجات المواطنين في ضوء الأزمة الراهنة.
التأثير الثاني الخطير وفق “العمدة” يتعلق بزيادة معدل الفقر المائي في مصر، نتيجة انخفاض حصتها من المياه، بالتزامن مع الزيادة الكبيرة في عدد السكان، كذلك يتأثر الأمن الغذائي أيضًا، نتيجة تقليص نسبة المساحات الزراعية واختفاء بعض الزراعات التي تحتاج إلى نسبة كبيرة من المياه.
يقول أستاذ الاقتصاد السياسي إن مصر لديها خطة استراتيجية لزيادة مساحة الأراضي الزراعية باستصلاح الصحراء، لتفادي مشكلة نقص الغذاء، قد يكون ذلك غير ممكن مع نقص منسوب المياه، فضلًا عن تقلص مساحة الأراضي الزراعية الموجودة بالأساس، مما سيؤدي لزيادة نسب البطالة وارتفاع تكلفة استيراد المواد الغذائية.
وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة الزقازيق (في محافظة الشرقية بدلتا مصر) والجامعة التقنية في كوشيس في سلوفاكيا أن سد النهضة سيقلل من مستوى المياه الجوفية والسطحية في مصر، ما يضر بالإنتاج الزراعي، إذ أن معظم المحاصيل المزروعة في البلاد تتطلب كميات كبيرة من المياه. ومع ذلك، إذا تحول المزارعون إلى زراعة محاصيل تستخدم كميات أقل من المياه، فإن انخفاض مستويات المياه الجوفية مع قلة ري النباتات من شأنه أن يزيد من ملوحة التربة إلى مستوى من شأنه أن يضر بإنتاجية التربة.
نقص المياه من شأنه أن يؤثر أيضًا، بحسب “العمدة”، على خطط مصر التنموية، مع عدم توافر المياه اللازمة للخدمات العامة لن تكون الدولة قادرة على تحقيق هذه الخطط، خاصة مع ارتفاع تكاليف محطات تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي، الأمر الذي سيكلف الدولة مليارات الجنيهات كـ أعباء إضافية على الموازنة العامة، مشيرًا إلى أن تكلفة محطة تحلية مياه البحر قد تصل إلى نحو 50 مليار جنيه.
التخزين الخامس.. لماذا الأخطر؟
يقول “شراقي” إن أضرار التخزين الخامس في إثيوبيا تنقسم إلى أضرار مائية، واقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وبيئية. وأهم الأضرار المائية والاقتصادية للتخزين الخامس هي خسارة مقدار ما يتم تخزينه الذي يتراوح بين عدة مليارات إلى 23 مليار مليار متر مكعب، ويعد ذلك الخسارة الأولى المباشرة، إضافة إلى تحديد مساحة الأرز بحوالي 1.1 مليون فدان، والتكاليف الباهظة بعشرات المليارات من الجنيهات في إنشاء محطات معالجة المياه، لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، وتبطين الترع، وتطوير الري الحقلي، والتوسع في الصوب الزراعية وغيرها.
وبالنسبة للسودان قد يحدث الملء الخامس ارتباك في تشغيل السدود، ومستقبلًا قلة الإنتاجية الزراعية نتيجة حجز الطمي في سد النهضة، وارتفاع منسوب المياه الجوفية، وزيادة التكلفة الانتاجية للمحاصيل الزراعية للتوسع في استخدام الأسمدة، وتوقف حوالي مليون سوداني عن الزراعة الفيضية على جانبي النيل.
كذلك، تتمثل الأضرار السياسية بحسب “شراقي”، في استمرار إثيوبيا في إحراج المسؤولين في مصر والسودان أمام شعبيهما، وفرضها سياسة الأمر الواقع باتخاذ قرارات أحادية وخرقها للمرة السادسة للاتفاقيات الموقعة بين القاهرة وأديس أبابا والأعراف الدولية، وإعلان مبادئ سد النهضة 2015، وتوصيات القمم المصغرة للاتحاد الأفريقي، والبيان الرئاسي لمجلس الأمن سبتمبر 2021.
ويرى أن أديس أبابا قد تستمر بنفس الأسلوب عند إنشاء سدود أخرى، كما أن الطريقة الاثيوبية قد تشجع دول منابع أخرى في اتباع نفس الأسلوب عند إنشاء سدود على روافد نهر النيل، بينما قد تستمر التوترات بين القاهرة والخرطوم نتيجة استمرار أزمة ملف سد النهضة.
هل تملك الحكومة حلولًا؟
يبرز ملف سد النهضة كأحد أهم القضايا أمام الحكومة الجديدة، ورغم حالة التعتيم الإعلامي والحكومي على الملف، إلا أن مصدر رسمي أكد في تصريح مقتضب لـ زاوية ثالثة أن جهات رسمية تكثف جهودها في الوقت الراهن للضغط على جهات عربية ودولية من أجل التوسط لحل الأزمة، دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل.
وفي أول تصريح له عقب تجديد الثقة به وزيرًا للري أكد هاني سويلم، أن القاهرة ملتزمة بتطبيق القانون الدولي فيما يتعلق ملف سد النهضة، وأوضح: “مطالبنا واضحة في السد الإثيوبي ونطالب بتطبيق مبادئ القانون الدولي للحصول على حصتنا من المياه”.
تعليقًا، يقول طلعت خليل البرلماني السابق وعضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين، في حديثه معنا إن الحكومة لا تملك في الوقت الراهن سوى محاولة الضغط من أجل التوصل لاتفاق مع الجانب الإثيوبي للتعاون حول آلية تشغيل السد، واصفًا أديس أبابا بأنها باتت متحكمة في هذا الملف بشكل كامل بسبب فشل سياسات الحكومة المصرية في التعامل مع الملف، يصف:”لقد سبق السيف العزل، لم نعد نمتلك الكثير من الحلول في هذا الملف الخطير“.
ويرى “خليل” أن الجانب المصري قد أخطأ عندما وقّع على اتفاق المبادئ عام 2015، لأنه منح شرعية لبناء السد لم تكن موجودة قبل هذا الاتفاق، وأفسح المجال لأثيوبيا للحصول على تمويلات من جهات دولية كانت ترفض منحها أي تمويل من قبل، على اعتبار أن هناك خلاف على بناء السد بين دول المنبع والمصب.
ويبدو أن إثيوبيا اليوم باتت تتحكم فيما يرد إلى مصر من كميات مياه، لذلك بات لا مفر من إنجاز اتفاق مع الحكومة الإثيوبية حول آلية تشغيل السد، وإذا لم تنسق مصر مع أثيوبيا حول كمية المياه التي يجب أن تصل إلينا ستزيد نسبة العجز المائي بشكل غير مسبوق، ربما لن تصل إلينا نقطة مياه وسنواجه كارثة حقيقية، حسب عضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين.
يضيف: التحركات الأثيوبية الأحادية تستند إلى اتفاق المبادئ، لأنه لم يحدد آلية وعدد سنوات ملء السد، وبالتالي لم يعد أمام الحكومة المصرية سوى محاولة التوصل لاتفاق حول نسبة المياه الواردة لمصر خلال سنوات الفيضان والجفاف. وهناك تعنت من الجانب الأثيوبي منذ توقيع الاتفاق، رفضوا الاتفاق حول آلية الملء وحتى الدراسات الفنية الخاصة بالسد رفضوا مشاركتها مع الجانب المصري، ومن المفترض أن الملء الخامس الذي أعلن عن بدأه، سوف يخزن ما قيمته 23 مليار متر مكعب.
يعني ذلك، بحسب “خليل” أن عملية الملء تتم من حصة مصر أصلًا، ويستنكر خليل تساهل وصمت الجهات الحكومية على الأمر الراهن، ما يمثل أزمة غذاء وماء خطيرة. مضيفًا: “في حال رفض إثيوبيا، ستواجه أديس أبابا عقوبات خرق اتفاقيات السدود الدولية، لأنها اعتبرت النهر الأزرق، في هذه الحالة نهر محلي وليس دولي، في هذه الحالة سيتحول النزاع إلى نزاع دولي، ولحين الفصل سنواجه كارثة الموت عطشًا”.
يشير إلى أن مصر وبسبب انخفاض نسبة المياه، اضطرت خلال العامين الماضيين إلى استغلال المياه المخزنة خلف السد العالي في بحيرة ناصر، ويضيف: “منسوب المياه في بحيرة ناصر أصبحت اليوم “سر عسكري” لا يتم الإعلان عنه على عكس ما هو معتاد، المفترض أن وزارة الري تعلن عن نسبة المياه في البحيرة بشكل دوري”.
فشل المفاوضات
فشلت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا على مدار أربع جولات في تحقيق أي اتفاق بين الطرفين، إذ أعلنت القاهرة في ديسمبر الماضي فشل آخر جولة لـ المفاوضات التي استمرت أربعة أشهر، واتهمت أديس أبابا باستغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، وقالت إنها “ستراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل السد”.
في مارس 2015، وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي في الخرطوم إعلان مبادئ يلزم إثيوبيا بفهم الاحتياجات المائية لدولتي المصب في نهر النيل، مصر والسودان، والامتناع عن التسبب في أضرار جسيمة لهما أثناء استخدام النيل الأزرق – الرافد الرئيسي لنهر النيل والمصدر الأساسي للمياه العذبة في مصر. بينما في يونيو 2021، أحالت مصر قضية سد النهضة الإثيوبي الكبير إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على أمل أن يتمكن الجسم الدولي من الضغط على إثيوبيا لتعليق تحركاتها الأحادية الجانب بشأن بناء السد وملئه.
وتؤكد مصر أن قرار إثيوبيا ببناء السد تجاهل تمامًا احتياجات المياه لسكان مصر والسودان (110 ملايين و46 مليون نسمة على التوالي). وقد بلغ النزاع حول مياه النيل ذروته في عام 2011، عندما بدأت الحكومة السابقة في إثيوبيا في بناء السد لتوفير المزيد من الكهرباء لسكانها الذين يبلغ عددهم نحو 105 ملايين نسمة، ومنذ ذلك الحين، تحاول القاهرة التوصل إلى اتفاق مع إثيوبيا والسودان بشأن القضية الأكثر تأثيرا في المشروع: الوقت المخصص لـ ملء خزان السد الضخم.
أرادت مصر أن يكون الأمر بطيئا بما يكفي لتجنب نقص كبير في المياه، في حين تريد إثيوبيا تسريع وصولها إلى مصدر جديد للطاقة قد يحدث ثورة، وعلى وجه التحديد، تأمل إثيوبيا ملء الخزان في غضون ثلاث سنوات، وهو ما حدث بالفعل، بينما طالبت القاهرة بتنفيذ ذلك خلال سبع سنوات.
ولا يستطيع الطرفان الاتفاق على نتيجة فحسب، بل إنهما لا يتفقان على طريقة للوساطة. تفضل مصر تدويل القضية بينما تفضل إثيوبيا وساطة الاتحاد الأفريقي. تريد مصر والسودان التوصل إلى اتفاق ملزم قانونًا يؤثر على كيفية ملء إثيوبيا للسد في أوقات الجفاف، بينما تعتبر إثيوبيا الاقتراح غير مقبول.
في الوقت الحالي، لا توجد نهاية واضحة في الأفق أو حتى مسار واضح للحل، وفي السنوات القادمة، مع تشغيل سد النهضة بالكامل وزيادة تأثر مياه النيل بتغير المناخ، قد يصبح النزاع أكثر خطورة لكلا البلدين والمنطقة على نطاق أوسع.