في سبتمبر الماضي، نجحت السلطات المصرية في استعادة 26 ألف فدان بمنطقة العياط، جنوب الجيزة، بعد نزاع قانوني طويل استمر قرابة سبعة أعوام بين الحكومة المصرية وشركة إيجيبت جلف للتنمية والاستثمار (المعروفة سابقًا بالشركة المصرية الكويتية). وقد حسم مركز تسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي القضية لصالح مصر، ما أتاح لها استرداد الأرض ودفع تعويض لا يتجاوز 1% من قيمة التعويض الذي طالبت به الشركة، والذي كان مقدرًا بثمانية مليارات دولار.
بدأ النزاع في عام 2002 عندما أبرمت الحكومة المصرية عقدًا مع الشركة المصرية الكويتية، منحها بموجبه نحو 26 ألف فدان في منطقة العياط بسعر 200 جنيه للفدان، مع دفع 25% من الثمن مقدمًا وتقسيط الباقي على خمسة أقساط سنوية. كان الهدف من هذا العقد استثمار الأرض في مشاريع زراعية لدعم الاقتصاد المصري وزيادة فرص العمل.
غير أن السلطات المصرية اكتشفت عددًا من المخالفات التي ارتكبتها الشركة فيما يتعلق بشروط العقد، كان أبرزها اتهامها باستخدام الأرض للتنقيب عن الآثار؛ إذ زعم بعض الأهالي أن المنطقة التي تحولت إلى وكر لإيواء الخارجين على القانون، مليئة بالآثار، نتيجة لذلك قُتل ثلاثة أشخاص هناك، ولم تتعرف الشرطة على مرتكبي الجرائم، لكنها زعمت أنهم قتلوا بعضهم البعض، في عملية سرقة آثار.
وقُبيل ثورة 25 يناير 2011 قدمت الشركة طلبًا للحكومة المصرية بتحويل نشاطها من زراعي إلى سكني مع دفع المستحقات المتعلقة بفارق سعر الأرض، إلا أن هيئة التعمير والتنمية الزراعية رفضت الطلب، وأصدرت قرارًا في 28 فبراير 2011، بفسخ عقد البيع بشكل نهائي، استنادًا إلى انتهاكات بنود العقد، الذي نص على استغلال الأرض في الزراعة فقط، لكن في يونيو 2012 أخطرت الهيئة الشركة بوجوب سداد مبلغ كبير يُقدر بستة مليارات جنيه مصري كالتزام مالي، نظير المباني التي اُنشئت على الأراضي الزراعية والتي تم تحويلها لاستخدامات عقارية. رفضت الشركة وتقدمت بدعوى قضائية تطالب فيها بإلغاء قرار الفسخ، مدعية أن العقد لا يزال ساريًا وأنها لم تتلقَ إخطارًا رسميًا بفسخه، مُلّوحة باللجوء إلى التحكيم الدولي لحل الازمة نهائيًا.
وقد امتلكت الشركة المصرية الكويتية الأرض منذ سنواتِ طوال، وكان يُفترض أن تُحولها إلى مشروع زراعي ضخم يعزز الأمن الغذائي المصري، لكنها على أرض الواقع لم تشهد أي تطوير، لتخل الشركة بالتزاماتها التعاقدية، وفقًا للعقد المُبرم مع الحكومة المصرية، ورغم المحاولات المتكررة من الجانب المصري للحفاظ على مسار المشروع المتفق عليه، تحولت الأمور إلى ساحات القضاء المحلية والدولية، لتأتي نتيجة التحكيم لصالح القاهرة.
نوصي للقراءة: سحب استثمارات كويتيّة.. وتراجع حمولة القناة.. وأعداد السياح تقلّ
تسهيل الاستيلاء على الأراضي
تعود خطة تسهيل الاستيلاء على الأراضي، إلى عام 2002، حين كان وزير الري الأسبق، نصر الدين علام، يعمل مستشارًا فنيًا للشركة، قبل توليه الوزارة؛ إذ قام بإعداد دراسة حول استصلاح قطعة أرض في منطقة العياط بمحافظة الجيزة، تبلغ مساحتها 26 ألف فدان (نحو 110 مليون متر مربع)، وكيفية توصيل المياه للأرض، وقام بتسليم الدراسة إلى أحمد عبدالسلام قورة – العضو المنتدب للشركة-، ليتم تقديمها إلى قطاع التوسع الأفقي بوزارة الموارد المائية والري.
اطلعت زاوية ثالثة على تفاصيل القضية رقم 76 لسنة 2015 حصر نيابة أموال عامة، المقيدة برقم كلي 9827 لسنة 2016، واُتهم فيها كلٍ من محمد نصرالدين إبراهيم يوسف علام – وزير الموارد المائية والري الأسبق-، وشهرته نصر الدين علام، وعضو مجلس الشعب السابق أحمد محمد عبدالسلام صديق قورة، وشهرته عبدالسلام قورة، وعمل كعضو منتدب للشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الأراضي والإنتاج الحيواني والداجني، بتسهيل الاستيلاء على 26 ألف فدان من أراضي الدولة في منطقة العياط، بمحافظة الجيزة تقدر قيمتها بمبلغ 50 مليار جنيه، وتخصيصها للشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الأراضي، بمبلغ خمسة مليون و200 ألف جنيه فقط، وحكم فيها على كليهما بالسجن سبع سنوات من محكمة جنايات الجيزة (أول درجة) قبل أن تلغي محكمة النقض الحكم وتقضي بالبراءة في ثاني درجة.
وبحسب وقائع القضية، استغل قورة بصفته عضو مجلس شعب عن الحزب الوطني المنحل آنذاك، نفوذه لتخصيص قطعة الأرض لصالح الشركة عن طريق الأمر المباشر، على أن يتم استصلاح الأرض زراعيًا، وبالفعل تمت الموافقة على التخصيص وإبرام التعاقد في 16 فبراير 2002، ومنذ ذلك التاريخ وحتى عام 2010، لم يتم استصلاحها، تزامنًا مع التباطؤ في إنشاء محطة ري العياط المخصصة؛ إذا تم إنجاز نسبة 47.49% فقط منها رغم توريد نسبة 100% من الأجهزة الكهروميكانيكية اللازمة لتشغيلها.
وحين تولى نصر الدين علام، حقيبة وزارة الري، استكمل مخطط استيلاء الشركة على الأرض وتحويلها من نشاط استصلاح زراعي إلى نشاط سكني؛ إذ أصدر في 19 ديسمبر 2010 كتابًا رسميًا ردًا على كتاب وزير الزراعة واستصلاح الأراضي رقم 1270 بتاريخ 7 نوفمبر 2010، بشأن الاستعلام عن مدى إمكانية توفير مقنن مائي لتلك المساحة، زعم على خلاف الواقع، صعوبة توفير مياه سطحية لتلك الأراضي، لمحدودية الموارد المائية المتاحة، رغم قيامه بتقديم دراسة فنية عام 2002 بصفته فني استشاري لتلك الشركة تضمنت إمكانية توفير وتوصيل المياه لهذه الأرض.
وفي قرار إحالة علام إلى المحاكمة الجنائية، اتهمت النيابة العامة، بأنه زوّر خطابه بعدم إمكانية توصيل المياه للأرض، لإجبار وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي على تحويل الأرض للنشاط العمراني لعدم صلاحيتها للاستصلاح.
ترتب على ذلك أحقية الشركة في تغيير نشاط الأرض للغرض العمراني لتحظى بالربح المتمثل في فارق قيمة الأرض، البالغ نحو 50 مليار جنيه؛ حيث قُدرت القيمة السوقية للمتر في هذه المنطقة كأرض مباني بنحو 350 جنيه على الأقل.
نوصي للقراءة: رأس جميلة في طريقها للاستثمار السعودي.. الحكومة عن رأس الحكمة: استثمار ليس بيع أصول
اشتباكات مع مسلحين
على بعد 80 كيلو من القاهرة، استولى عضو مجلس الشعب السابق، أحمد عبدالسلام قورة، على أراضي بالتحايل والتزوير واستعراض القوة والنفوذ ووضع اليد، من قبل مسلحين بأسلحة ثقيل، كما أثبتت التحقيقات؛ إذ قامت قوات من الجيش بقيادة الحاكم العسكري للمنطقة بالاشتراك مع قوات الشرطة، عقب ثورة 25 يناير، بشن عدة حملات على مدار خمس سنوات، – رصدنا بعضها- ومداهمة الأماكن والبؤر التي يسكن فيها بلطجية ومسجلين خطر، تابعين إلى قورة، وجرت معهم اشتباكات مسلحة، حتى لاذوا بالفرار، لتحطم الجرافات العشش التي كانوا يقيموا فيها.
أشار تقرير في جريدة الأهرام، عام 2014، إلى أن الشركة المذكورة باعت رمال الأرض لأعمال البناء بملايين الجنيهات، بحجة استصلاح واستزراع تلك الأراضي، كل ذلك كان يتم تحت وطأة البلطجة والعنف من قبل مجموعة من الهاربين من الأحكام والخارجين على القانون، وكان قرار فسخ العقد بمثابة حل الإنقاذ لسكان المنطقة التي تعاني فقرًا شديدًا واعتقدوا أن الأمور تعود إلى نصابها؛ إلا أن أصحاب رؤوس الأموال والبلطجية والمنقبين عن الآثار جعلوا من تلك المنطقة إرثًا لهم وحدهم.
نوصي للقراءة: استثمارات غير مسبوقة أم بيع أصول؟ نظرة على صندوق مصر السيادي بعد خمس سنوات
أزمة التحكيم الدولي مع الكويت
القضية ورطت مصر في قضية تحكيم دولي مع دولة الكويت من العام 2021 لعام 2023، إذ طالبت الأخيرة بدفع تعويضات قيمتها لا تقل عن 100 مليار جنيه لصالح الشركة المصرية الكويتية، التي زعمت تضررها من الحكومة المصرية وفسخ التعاقد معها رغم حيازتها للأرض (التي تزيد قيمتها حاليًا عن مبلغ 50 مليار جنيه) قرابة 15 عام.
وسبق معركة التحكيم الدولي، قيام الجانب المصري في البداية بالتفاوض مع الشركة الكويتية مقابل تحويل نشاط تعاقد الأرض من زراعي إلى سكني، قبل فسخ التعاقد، مقابل سداد مبلغ 48 مليار جنيه، لكي تتمكن الشركة من استمرار التعاقد، وفقًا لتقييم فروق الأسعار بين النشاط الزراعي والسكني، إلا أن الشركة رفضت، وطلبت إعادة التقييم، وهو ما حدث بالفعل على يد لجنة رسمية، لكنها طالبت الشركة بسداد مبلغ 38 مليار جنيه مقابل تحويل النشاط، إلا أنها رفضت أيضًا، فقام الجانب المصري بفسخ التعاقد، لتقوم الشركة على إثر ذلك بالتقدم بطلب رسمي للجوء إلى التحكيم الدولي.
واستندت الشركة الكويتية في طلبها للجوء إلى التحكيم الدولي، إلى إنها لم تقم أو ترتكب أي مخالفات بخصوص الأرض، وأنها التزمت بكافة بنود التعاقد، واتهمت الحكومات السابقة في مصر، ونظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بالتقصير ومخالفة العقود وأنها لم تمد الأرض بالمياه، وأن الحكومة المصرية من حولت طبيعة المشروعات على مساحة الأرض، من أراض زراعية إلى عمرانية عام 2008، ورفضت تحديد السعر الجديد للأرض.
في حين استند الجانب المصري، في ردوده على طلب اللجوء إلى التحكيم الدولي، إلى عمليات التزوير والتلاعب التي تمت من قبل الشركة ومسؤوليها، مقدمًا مستندات الالتزام بالتعاقد مع الشركة، وصور من أرض الواقع تثبت بناء جزء كبير من محطة الري المخصصة للأرض، وتوفير الأجهزة المخصصة لذلك، دون إتخاذ إجراءات من قبل الشركة الكويتية للمضي في النشاط بشكل جدي، إضافة إلى ما يثبت أن كل ما تم استصلاحه وزراعته من الأرض هو 300 فدان فقط، من أصل 26 ألف فدان، وتبوير نحو 100 فدان منها، وأن هذا ما دفع هيئة استصلاح الأراضي لفسخ العقد، مبينة أنها تفاوضت مع الشركة للاستمرار في التعاقد بعد تحويل نشاط الأرض من زراعي إلى سكني، بل أن الشركة والتي قامت في 2004 بعمل مشروع استرشادي بحثي مع كلية الهندسة جامعة القاهرة وتقسيم الأرض وإعدادها لـ البناء بالمخالفة للغرض من التخصيص، وفق عقد البيع المبرم عام 2002، وتم إعداد تقرير بذلك انتهى للتوصية بفسخ التعاقد.
ومؤخرًا، في 2024، حصلت السلطات المصرية على حكم دولي نهائي لصالح الحكومة، مُلزِمةً الشركة المصرية الكويتية بإعادة الأرض للدولة. وفي هذا، أكدت هيئة قضايا الدولة أنها جنبت الدولة دفع ثمانية مليارات دولار، كانت قد طالبت بها الشركة الكويتية، مُدعية إنها خسائر تعرضت لها جراء تعطُل المشروع.
نوصي للقراءة: هل تعيد مصر صياغة مستقبلها الاقتصادي عبر مفهوم اقتصاد الحرب؟
أرض الاستثمار المستقبلي
يرى النائب صبحي الدالي – عضو مجلس النواب السابق عن دائرة العياط-، أن الحكم النهائي يُعد انتصارًا للقاهرة، داعيًا إلى حسن استغلال الأرض في مشروعات استثمارية زراعية أو صناعية تحقق فائدة للمواطن، أو تُوزع على فلاحين محافظة الجيزة، ليحصل كل منهم على مساحة تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة أفدنة، لتعزيز الإنتاج الزراعي، كاشفًا إلى زاوية ثالثة، أن الحكومة تعتزم إنشاء منطقة استثمارية في العياط. مردفًا: “ليس من المعقول أن يباع الفدان بـ200 جنيه في ظل الظروف الاقتصادية الحالية والسابقة.”
في حين يؤكد البرلماني السابق عن دائرة العياط، محمود عبد المعز الحفني، إلى زاوية ثالثة، أن حكم استعادة الأرض مثّل نقطة فارقة في حياة المواطنين في الدائرة. حلُموا به على مدار السنوات الماضية، داعيًا إلى تحويلها إلى منطقة صناعية متكاملة، بسبب تعرضها للتجريف لتوفير المئات أو الآلاف من فرص العمل، أو أن يتم تخصيصها كمشروعات استثمارية كبيرة وطرحها للمستثمرين المحليين أو الدوليين، بما يحقق مصلحة الدولة والمواطنين.
ويبين بلال شعيب – الخبير الاقتصادي-، أن الأراضي في منطقة العياط كانت مخصصة في الأساس للنشاط الزراعي وإنتاج الثروة الحيوانية، داعيًا لاستغلالها في مشروعات زراعية وإنتاج حيواني، لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الثروة الحيوانية والداجنة والإنتاج الزراعي، لافتًا إلى أن السلطة تهدف إلى زيادة صادراتها الزراعية، إلى نحو 145 مليار دولار بدلًا عن 36 مليار دولار.
يقترح شعيب، في حديثه إلى زاوية ثالثة، إقامة ثلاجات لحفظ وتبريد المواد الغذائية، نظرًا لوجود أنشطة مرتبطة بالإنتاج الحيواني والتجاري في المنطقة، واستثمار الأراضي في صناعات قائمة على الإنتاج الزراعي، مثل مصانع تجميد اللحوم، ومصانع تصنيع اللحوم، أو في حفظ الفواكه والخضروات، ما يسهم في تطوير هذه الصناعة ويعزز من الاستفادة الاقتصادية للمنطقة.
وفي وقتٍ كشفت فيه قضية استعادة مصر لأراضي العياط بعد سنوات طويلة من الصراع القانوني، كشفت حجم الفساد والتآمر للسطو على أراضي الدولة؛ فإن البعض قد يتسائل حول كيفية تمكن البرلماني أحمد عبدالسلام قورة،- النائب الحالي عن دائرة دار السلام في سوهاج -، من الولوج إلى الحياة السياسية مرة أخرى عبر بوابة البرلمان المصري في دورته الحالية، بعد سنوات من إلقاء القبض عليه في 2016، واتهامه بالاستيلاء على أراضي الدولة في العياط. ويبقى سؤال آخر يرتبط بمخطط السلطة تجاه تلك الأفدنة بعد معركة طويلة لاستعادتها، إذ يتساءل المتابعون لملف أرض العياط حول ما إن كانت ستسير على خطى الصفقات الاستثمارية الأخيرة هي الأخرى؟.