الأمراض الوراثية في مصر: علاج في بلد آخر وعبء مالي لا ينتهي

يواجه مرضى الأمراض الوراثية في مصر معاناة مضاعفة بسبب تكلفة التحاليل الجينية المرتفعة بالخارج، مما يهدد فرص العلاج والتشخيص في الوقت المناسب.
Picture of سهاد الخضري

سهاد الخضري

تعاني الخمسينية شريفة مطاوع – من مواليد محافظة السويس- منذ ولادتها من مرض ضمور العضلات الوراثي، ما جعلها جليسة كرسى متحرك قبل عام وتحديدًا في 2023، لم تكن شريفة أولى الإصابات بالضمور العضلي “ليمب جيردل  المعروف باسم LGMD” بين أفراد عائلتها، فهي واحدة ضمن 13 فرد أصيبوا بهذا المرض. وأثقلت تكاليف علاج مرضها كاهلها، إذ تتخطى أربعة آلاف جنيهًا، ما بين علاج فيزيائي وكيميائي شهريًا.

تقول شريفة في حديثها مع زاوية ثالثة: “طالبتنا الطبيبة المعالجة بمستشفى مصر للطيران بمصر الجديدة، بإجراء تحليل جيني لمعرفة نوع الطفرة الجينية، فوجئنا بعدم توفر  إجراؤه  في مصر ما دفعنا لتسليم العينة لأحد المعامل في مصر ليرسلها بدوره لمعمل متخصص في التحاليل الباثولوجية والجينية في ألمانيا خلال شهر سبتمبر عام 2018، بلغت تكلفته خمسة آلاف جنيه حينذاك.”

تطالب شريفة التي تشغل منصب رئيس الجمعية المصرية لمرضى ضمور العضلات بتدشين مركز طبي عالمي داخل مصر يضم كافة التخصصات يمكن من خلاله إجراء كافة التحاليل الباثولوجية والجينية دون الاقتصادر  على مرض بعينه، ليتمكن مصابو الأمراض الوراثية من التعرف على مرضهم وتشخيصه قبل فوات الآوان، مشيرة إلى أن تأخر إجراء التحاليل وظهور نتائجها بعد تسفيرها إلى الخارج يتسبب في ضياع فرصة علاج البعض، خاصة أن مصابي الدوشين إذا لم يتلقوا العلاج قبل بلوغهم سن العامين لن يتمكنوا من العلاج، كاشفة عن تسبب ظهور الفحوصات لأحد المرضى مؤخرًا في ضياع فرصته في العلاج.

بحسب الموقع الرسمي لـ مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، التابع لوزارة الصحة الأمريكية، فيصاب بمرض ضمور العضلات الحزام الطرفي نحو 2 من كل 100 ألف شخص من جميع الأعمار. ويتأثر به الذكور والإناث بالتساوي، وتبدأ أعراض ضعف العضلات في مرحلة الطفولة أو البلوغ ، فيما يعتمد عمر بداية ضعف العضلات على النوع. تظهر أعراضه في الجزء العلوي من الذراعين والجزء العلوي من الساقين أولاً، يمكن أن يؤثر على القلب والعمود الفقري والوركين والساقين والجذع، إلا أنه لا يوجد حصر بتعداد المصابين بهذا المرض في مصر.

بحسب مستشفيات كليفلاند كلينك التي تأسست في 1921، وتمتد فروعها ما بين أوهايو، فلوريدا، لندن، نيفادا،كندا وأبو ظبي، تحدث الإصابة بمرض ضمور العضلات في الحزام الطرفي نتيجة حدوث تغيرات في الجينات المسؤولة عن بنية العضلات السليمة ووظيفتها أو العوامل الوراثية، وتتسبب الإصابة به في حدوث مشاكل القلب، مثل اعتلال عضلة القلب ، وعدم انتظام ضربات القلب، وصعوبة في التنفس، وصعوبة في البلع (عسر البلع)، وتصلب المفاصل، وتشنجات العضلات، وتضخم عضلات الساق، وتشمل المضاعفات المحتملة: تأخر في نمو المهارات الحركية  (المشي)، والإعاقة الفكرية واختلافات التعلم، والحداب خاصة في  الحالات المصابة منذ الطفولة، وقصور أو فشل تنفسي، وسوء التغذية بسبب مشاكل في الأكل والبلع.

ورغم افتتاح وزير الصحة خالد عبدالغفار، في سبتمبر 2023 أول معمل متكامل للتحاليل الباثولوجية والجينية في مصر، بالمركز المصري للتحكم والسيطرة على الأمراض بالتعاون مع شركة “روش” العالمية الرائدة في مجال المستحضرات الدوائية والاختبارات التشخيصية، وشركة “اتش دي في إيجيبت” الرائدة في الاختبارات التشخيصية، والممثل الرسمي لشركة “الومينا إنك” العالمية في مجال اختبارات التتابع الجيني، إلا أن المعمل لا يقوم بكافة الاختبارات الخاصة بالأمراض النادرة بعد.

يأتي ذلك في الوقت الذي يحتاج المصابون بأمراض وراثية لإجراء تحاليل جينية لمعرفة نوع الجين المسبب للمرض، ليتم تشخيصه بدقة، ما قد لا يتوفر إجراؤه في مصر ويدفع المرضى وذويهم لإرسال العينات خارج مصر، وتحديدا معمل “سنتوجين” بألمانيا لإجرائها.

وبحسب ماجدة رخا – وكيل وزارة الصحة للمعامل المركزية سابقا ورئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء مرضى النزف- في  حديثها إلى زاوية ثالثة، فإنه لا يوجد حصر واضح بتعداد المصابين بالأمراض النادرة في مصر نظرًا لتنوعها، إلا أن 80% تقريبًا من تعداد المصابين بها يعود لعوامل وراثية، مرجعة أسباب عدم إجراء كافة التحاليل الجينية في مصر واضطرار المرضى لإرسال عيناتهم لتحليلها خارج مصر، لعدم توفر الأجهزة الخاصة بإجراء هذا النوع من التحاليل الجينية ونقص الكواشف المتضمنة المواد الكيميائية، نظرًا لارتفاع ثمنها بشكل كبير أو لعدم تسجيلها في مصر أو لعدم توفر قوى عاملة مدربة.

وقد تأسست شركة سنتوجين في عام 2006، وركزت على الأمراض النادرة والأيضية والتنكسية العصبية، تعمل على  معالجة رحلة المريض بالكامل، مقرها  الرئيسي في روستوك، ألمانيا، بالإضافة لمواقع أخرى في بوسطن، ماساتشوستس، وبرلين، ألمانيا، وروتكرويز، سويسرا، تمتلك قاعدة بيانات بيولوجية متخصصة بالأمراض النادرة تضم أكثر من 800 ألف فرد، في الوقت الذي يوجد فيه 350 مليون مريض مصاب بأمراض نادرة، ونحو سبعة آلاف مرض نادر، فيما لا يتجاوز عدد العلاجات المعتمدة 5%.

 تخصصت سنتوجين في هذا المجال لتصبح الشركة الرائدة في مجال الأمراض النادرة القائمة على البيانات، إذ تمكنت من أن تمتد بصمتها التشخيصية إلى ما هو أبعد من جذورها الألمانية، حيث عملت على تشخيص أكثر من 2500 مرض نادر في 100 دولة، لتصبح شبكة تضم أكثر من 30 ألف طبيب، يمتلكون أوسع مجموعة اختبارات تشخيصية للأمراض النادرة، تغطي أكثر من 19 ألف جين باستخدام أكثر من عشرة آلاف اختبار مختلف،ما مكنهم من إحداث ثورة في الكشف المبكر عن الأمراض النادرة فضلا عن علاجهم 100 مرض نادر في غضون عشر سنوات.  

 

نوصي للقراءة: ارتفاع أسعار الرعاية الصحية يفاقم معاناة اللاجئين في مصر

 

4 مليون مصاب بأمراض نادرة

بحسب غادة القماح – أستاذ ورئيس قسم الأمراض الوراثية سابقا بالمركز القومي للبحوث-، فإن 4% من الشعب المصري مصاب بأمراض وراثية أي ما يعادل متوسط أربعة مليون مصاب.

يفسر طارق عمران – رئيس قسم الباثولوجيا الإكلينيكية بكلية الطب جامعة الأزهر- عدم قيام المعامل الجينية في مصر بإجراء التحاليل الجينية لكافة المصابين بأمراض نادرة لعدم وجود كواشف لبعضها، فضلا عن عدم جاهزية المعامل للقيام بإجراء تلك التحاليل بالشكل المطلوب، حيث يتم فحص بعض الأمراض النادرة بالفعل ولكن ليس جميعها ما يدفع هؤلاء لإجرائها خارج مصر.

 يأتي ذلك في وقت تتعدد الأمراض الوراثية منها المعروف ومنها غير المعروف إلى الآن، لذا لا يمكن لدولة واحدة أن تتمكن طواقمها الطبية من إجراء الفحوصات الطبية لكافة الأمراض النادرة، حسب عمران، ويضيف: “لا يشترط ظهور المرض النادر على الطفل عقب ولادته مباشرة، فقد يستغرق بعضها وقت للظهور والتشخيص ونظرًا لعدم توفر كواشف بعض الأمراض ترسل العينات للمعامل خارج مصر لفحصها وتشخيصها، ويبذل المسؤولون قصارى جهدهم لكشف الأمراض النادرة في ضوء ما يتوفر من إمكانيات.”

ويشير إلى ضرورة العمل على إسراع فحص الحالات وتشخيصها لتلقي العلاج في الوقت المناسب، كي لا تضيع فرصتها في العلاج، فيما يحتاج بنك الخلايا الجذعية بجامعة المنصورة للتطوير و إمداده بـ الإمكانيات الطبية اللازمة، معتبرا رفع كفاءة البحث العلمي الحل الأمثل.

يتفق ياسين محمود – أستاذ الباثولوجيا الإكلينيكية- مع طارق عمران، في عدم توفر العديد من التحاليل الجينية في مصر لغلاء الأجهزة المستخدمة في إجراء التحاليل، فضلاً عن غلاء الكيماويات، وقد يتخطى سعرها مئات الآلاف، حتى المعامل الكبرى لا تستطيع توفيرها، لذا يقومون بالتعاقد مع معامل خارج مصر في ألمانيا وفرنسا وأمريكا والهند، لأن لا أحد يستطيع تحمل تلك التكلفة، ما يحمل المريض أعباء إضافية. ويطالب بإجراء هذا النوع من التحاليل في معامل حكومية بإدراجها ضمن منظومة التأمين الصحى، لأن حاليًا التكلفة مضاعفة على المريض.

 

نوصي للقراءة: قانون الخصخصة يهدد مستقبل الرعاية الصحية بمصر

 

تعقيدات 

عانت مروة منعم – أربعينية من مواليد محافظة الإسكندرية- بسبب إصابة طفلتيها بمرض البلعمة، ويعد أحد الأمراض النادرة يصيب الجهاز المناعي، ما يتسبب في مهاجمة خلايا الدم البيضاء الخلايا الأخرى والكبد والطحال. من أعراضه درجة الحرارة المرتفعة والطفح الجلدي وتضخم الكبد، وفقر الدم، والكدمات والنزيف، كما يؤدي إلى فشل الأعضاء،  بحسب مستشفى جريت أورموند ستريت لطب الأطفال في لندن.

تقول مروة: “توفيت طفلتى الأولى وعد في سن التسع سنوات عام 2020، بعد إجراء عملية زرع نخاع، بينما تعاني الصغرى رغد وتبلغ ثمانية أعوام من ذات المرض، راسلت مستشفى بامبينو جيزو في روما لمتابعة حالة طفلتي، وطالبوني بإرسال عينة الدم الخاصة بالطفلة، لإجراء التحاليل الجينية الخاصة بها وفحصها، إلا أن غالبية شركات الشحن رفضت إرسالها دون تصريح من وزارة الصحة يفيد عدم احتواء العينة على أمراض معدية، عدا شركة واحدة وافقت وأرسلتها لكن لم ترد علي المستشفى.”

 بحسب وزارة الصحة المصرية قامت مبادرة  رئيس الجمهورية للكشف  المبكر عن الأمراض الوراثية لدى الأطفال حديثي الولادة  بفحص  486 ألف و 387 مولود وفق بيانات أغسطس الماضي، تحت شعار “100 مليون صحة”، وتعمل المبادرة حاليًا بمرحلتها الأولى مستهدفة الكشف عن 19 مرضًا وراثيًا لدى الأطفال المبتسرين، في حضانات مستشفيات وزارة الصحة والسكان، ومن المقرر أن تشمل المرحلة الثانية إجراء المسح الطبي لجميع الأطفال حديثي الولادة، بكافة الوحدات الصحية على مستوى الجمهورية.

ومن جانبها، توضح سعاد عبدالمجيد – رئيس قطاع الرعاية الصحية والتمريض-، أن الأمراض الـ 19 التي يتم الكشف عنها خلال المبادرة الرئاسية، تشمل (قصور الغدة الدرقية الخلقي، تضخم الغدة الكظرية الخلقي، أنيميا الفول، ارتفاع حمض جلوتاريك بالدم، ارتفاع حمض أيزو فاليريك بالدم، مرض البول القيقبي، التليف الكيسي، الفينيل كيتونوريا، نقص رباعي هيدرو بيترين، ارتفاع التيروزين في الدم “النوع الأول” ارتفاع الجالاكتوز في الدم، ارتفاع هوموسيستين بالبول، ارتفاع الأرجينين بالدم، ارتفاع السيترولين بالدم، نقص الأورنيثين ناقل الكربامويل، أكسدة الأحماض الدهنية، نقص إنزيم البيوتينيداز).

هذا ودشنت مؤسسة فرصة حياة كأول منظمة غير ربحية في مصر مخصصة لتقديم المساعدة والدعم للأطفال المصابين بأمراض نادرة في 2022. تعمل المنظمة على ضمان عدم حرمان أي طفل من العلاجات المنقذة للحياة بسبب القيود المالية، حيث تركز جهودها على جمع التبرعات الجماعية، بهدف توفير التمويل اللازم لتغطية التكاليف الباهظة المرتبطة بعلاجات الأمراض النادرة، حاولت زاوية ثالثة التواصل معهم لكن لم نتلقى رد حتى نشر هذا التقرير. 

المعاناة التي واجهتها شريفة ومروة مع أطفالهما واحدة من قصص الألم والمعاناة التي يعيشها المصابون بأمراض نادرة وذويهم  في مصر كلما تطلبت حالتهم إجراء جيني، خاصة أن لم يتوفر إجراؤه في مصر، مايتطلب منهم توفير مبلغ مالي كبير يفوق قدرتهم المادية ليرسلوا العينات لمعامل متخصصة في الخارج، وحال تأخر ظهور النتيجة والتشخيص قد يفقد المريض حياته.

 

نوصي للقراءة: نقص الأدوية وأكياس الدم يفاقم معاناة مرضى الثلاسيميا في مصر

سهاد الخضري
صحفية مصرية عملت في عدد من الصحف المصرية والمواقع العربية، وتهتم بالتحقيقات والقصص الإنسانية.

Search