رزقت سلوى صادق (35 عامًا- من محافظة سوهاج في صعيد مصر) بـ طفلين أصيبا بمرض الثلاسيميا (حمى البحر الأبيض المتوسط)، منذ ولادتهما. وتعاني الأم الثلاثينية بشدة، فمع كل متابعة دورية لدى طبيب أمراض الدم المتابع لحالة طفليها، يجب أن تسافر من مسقط رأسها إلى العاصمة القاهرة، ما يكلفها نفقات باهظة.
حسب “صادق” فقد اكتشفت مرض طفليها وهما في عمر الأربعة أشهر، تقول: “ظهرت أعراض المرض على أطفالي، نشوى (13 عام الآن) ومحمد (11 عام) مبكرًا، إذ تغير لون بشرتهم للأصفر، ورفضا الرضاعة تمامًا، بل عانت الفتاة من تضخم طحالها؛ ليضطر الأطباء لاستئصاله في عمر الثلاث سنوات، ويعيش الطفلان على نقل الدم شهريًا”.
يعد “الثلاسيميا” أو أنيميا البحر المتوسط، من أكثر الأمراض الوراثية شيوعًا في مصر، إذ كشفت المبادرة الأخيرة لفحص المقبلين على الزواج والتي تجريها وزارة الصحة، كشرط أساسي لعقد القران، إصابة نحو 32 ألفًا و 591 شخصًا بالمرض. وينتج عن المرض انخفاض في مستوى الهيموجلوبين وعدد كريات الدم الحمراء بسبب وجود خلل في الطفرات الجينية. |
تضيف “صادق”: تفاقمت أزمة نقص أدويتهم الأساسية قبل أربعة أشهر، مثل دواء (هيدروكسي يوريا Hydroxyurea medac) الذي يعد علاجًا رئيسيًا لحالتهم وأيضًا يعالج الخلية الدموية المنجلية والأمراض السرطانية، إذ قامت هيئة التأمين الصحي التي يتابعان خلالها علاجهما، باستبداله بآخر هندي، إلا أن مادته الفعالة كانت غير مؤثرة بالمرة – حسب قولها-، ما دفعها لشراء العقار الأصلي المستورد من ألمانيا بسعر 2800 جنيه للعبوة الواحدة (ما يوازي نحو 59.2 دولار أمريكي)، مشيرة إلى عدم توافر أدوية أخرى مثل عقار decal b12 الذي يعالج نقص مستويات الكالسيوم في الدم، وفقر الدم، في مستشفيات التأمين الصحي وبالصيدليات.
وأعلنت وزارة الصحة والسكان في مايو من العام الماضي 2023، تقديم الخدمات الطبية لـ أربعة آلاف و500 مريض بأنيميا البحر المتوسط “الثلاسيميا”، من المترددين على جميع مستشفيات الوزارة، والمستشفيات الجامعية، والمراكز المتخصصة في أمراض الدم على مستوى الجمهورية. وكانت الوزارة قد أنشأت في عام 1993، أول مركز لعلاج الأطفال من مرضى “الثلاسيميا” في مستشفى أطفال مصر. |
لكن مع الجهود الحكومية المعلن عنها، هل لا يزال مرضى “الثلاسيميا” يعانون من مشكلات؟
كادت مريم أنيس (40 عامًا، تعمل كمديرة تنفيذية بإحدى الشركات في القاهرة)، أن تفقد حياتها في عمر الثالثة، بعد إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية نقلت على إثره لإحدى المستشفيات، شخّصها الأطباء حينها بـ “الثلاسيميا”، ما تطلب نقلها للدماء بصفة منتظمة، ويتبين إصابتها بهذا المرض نتيجة عامل وراثي عن عائلة والدها التي تعاني من إصابات متعددة بأمراض الدم.
تقول في حديثها مع زاوية ثالثة: أخضع للعلاج بموجب قرار على نفقة الدولة قيمته ستة آلاف جنيه، يجدد كل 6 أشهر، يشمل القرار عمليات نقل الدم والأدوية والتحاليل الدورية، لكن للأسف أغلب الأدوية، إما تكون غير مشمولة ضمن قرارات العلاج أو لا تتوفر للمتمتعين بالتأمين الصحي، فضلاً عن ضآلة قيمة القرار وعدم تغطيته نفقات الأدوية والدم اللازم لنا شهريًا. يأتي ذلك في وقت نعاني فيه من نقص حاد في أدوية الثلاسيميا والمكملات الغذائية المقررة ضمن قرار العلاج على نفقة الدولة، ما يدفعني لشرائها بأسعار باهظة الثمن من الصيدليات على نفقتي الشخصية – إن توفرت- خاصة عقاقير خفض مستويات الحديد بالدم، اللازم تعاطيها كي لا يحدث ترسب حديد، ما يشكل خطر بالغ على صحتنا (تشير إلى نقص أدوية مثل الجادنيو، إذ تشتريه على نفقتها بنحو سبعة آلاف جنيه للعبوة الواحدة – ما يوازي 148 دولار- في حين تستهلك نحو ثلاثة عبوات شهريًا، ما يجعلها تتحمل نحو 21 ألف جنيه قيمة نوع واحد من الأدوية اللازمة لعلاجها فقط، أي ما يوازي 444 دولار شهريًا).
تضيف: “في الوقت الذي ينص قرار العلاج على ألف جنيه شهريًا، أقوم بعملية نقل دماء تكلفني نحو 1720 جنيه ( نحو 36 دولار)، ثمنًا لـ كيسين من الدم”. مطالبة وزارة الصحة بزيادة قيمة القرارات الصادرة لعلاج مرضى الثلاسيميا لتتناسب مع احتياجاتهم الشهرية من الأدوية وعمليات نقل الدم، إضافة إلى توعية المواطنين بأهمية التبرع بالدم في بنوك الدم المركزية، نظرًا للنقص الحاد في أكياس الدم خلال بعض الفترات على مدار العام.
تستطرد: في رمضان الماضي، توجهت لأحد بنوك الدم للنقل في وقت كنت أعاني من تدني نسبة الهيموجلوبين، لكن لم أجد ما يكفي احتياجاتي وآخرين في البنك، أبلغني الطبيب حينها بعدم وجود متبرعين منذ بداية الشهر وعدم توفر فصيلتي لديهم.
بحسب وزارة الصحة و السكان المصرية نظمت 5480 حملة تبرع بالدم خلال 2023، فيما بلغ عدد وحدات الدم ومشتقاته خلال العام المنصرم 1250000 وحدة. |
تطالب مريم بتوفير العلاج الجيني الجديد Reblozyl الذي بموجبه لا يحتاج المريض للنقل المتكرر للدم، لكن يعيبه ارتفاع ثمن الحقنة لتسجل نحو 193 ألف و 457 جنيه (نحو4091 دولار) ولم يدخل بعد ضمن بروتوكول العلاج على نفقة الدولة، تقول: “أصبت بفيروس كبدي وبائي، نتيجة النقل المتكرر للدم وعولجت منه العام الجاري، لكن الأطباء يشيرون إلى احتمالية أن يصيبني مجددًا، أيضًا أعاني من هشاشة العظام وانزلاق غضروفي بسبب الثلاسيميا”، كاشفة عن أن إصابتها بالثلاسيميا كانت سببًا في عدم زواجها، بسبب رفض العرسان الارتباط بعروس مصابة بهذا المرض، اعتقادًا منهم أن مرض أنيميا البحر الأبيض المتوسط معدي.
أعلنت وزارة الصحة والسكان في مايو الجاري، تقديم العلاج والمشورة الصحية لـ 32 ألف و 591 حالة مٌكتشف إصابتها بأنيميا البحر المتوسط “الثلاسيميا” من خلال مبادرة رئيس الجمهورية لـ “فحص المقبلين على الزواج”، وذلك بنسبة 1.9% من إجمالي المفحوصين بالمبادرة، البالغ عددهم مليون و700 ألف شاب وفتاة، بالتزامن مع اليوم العالمي لأنيميا البحر المتوسط والذي يوافق يوم 8 مايو من كل عام. |
ولد أحمد سعد طعيمة (40 عامًا، محام، من محافظة القاهرة)، مصابًا بالثلاسيميا هو وشقيقته، نتيجة عامل وراثي، فقدت الأخيرة على إثره حياتها في عمر الثامنة، بعد إصابتها بفيروس الكبد الوبائي، نشط في أحد أكياس الدم التي نقلتها، بينما فقد ابن عمتهم حياته بعد إصابته بفشل كبدي وكلوي كامل، لتتعطل الكليتين عن العمل، نتيجة ارتفاع مستوى الحديد في الدم ليموت الشاب في 2020 بعد معاناة طويلة مع الثلاسيميا التي كانت سببا في فقدان حياته.
يعاني “طعيمة” من الإجهاد والهبوط وعدم القدرة على ممارسة مهام عمله حال انخفضت نسبة الهيموجلوبين لديه، ما يتطلب نقله للدم. يقول في حديثه معنا: أنقل ما بين ثلاثة إلى أربعة أكياس دم شهريًا، لا تتحمل وزارة الصحة سوى اثنين منهم، بموجب قرار علاج على نفقة الدولة.
يضيف: قرار صرف علاج “الجادنيو” لا تكفى الجرعة المقررة لكافة المرضى بـثلاثة أقراص، إذ يحتاج المريض من ثلاثة إلى تسعة أقراص يوميًا – حسب حالته ووزنه وعمره-، يأتي ذلك في الوقت الذي لم يعد يصرف هذا العقار منذ شهرين لعدم توفره، فيما لم أستطع شرائه على نفقتي الخاصة من الخارج، ويلزم تناوله لخفض معدلات الحديد في الدم التي أن ارتفعت ستؤدي إلى تسمم كبدي وفشل في عضلة القلب وفشل كلوي.
يقول: إن أشترى المريض الدم خارج القرار، يتكبد ثمن الكيس الواحد 860 جنيه (نحو 14.3 دولار)، متسائلًا عن كيفية توفير الفارق وحالته الاقتصادية سيئة، مشيرًا لعدم شمول قرارات العلاج على أدوية “الديسفيرال” الذي توقف صرفه قبل خمس سنوات تقريبًا، ويستخدم لعلاج تسمم الحديد الحاد فورًا، وتقليل مستويات الحديد العالي في الدم بعد عمليات نقل الدم لمرضى فقر الدم، مضيفًا: “لم تعد تصرف أدوية الفريبروكس وعقاقير الغدد، في وقت يحتاج المريض تعاطي مكملات غذائية كـ الكالسيوم وفيتامين دال وحمض الفوليك، والحقن المعوضة للآثار الجانبية لفشل عمل الغدة النخامية، والذي يلجأ المريض لشرائها شهريًا بآلاف الجنيهات ولم تكن من النواقص في الصيدليات، إذ يعد البحث عن تلك الأدوية صعبًا وشاقًا للغاية، ليعيش مريض الثلاسيميا مأساة حقيقية على كافة الأصعدة”، مطالبًا بحصر عدد المرضى وتوفير العلاج، ورفع قيمة القرارات لغير المتمتعين بتأمين صحي لتلائم الزيادة في أسعار الأدوية والدم.
من جهتها، تقول آمال البشلاوي – أستاذ طب الأطفال وأمراض الدم كلية طب القصر العيني ورئيس الجمعية المصرية لأنيميا البحر الأبيض المتوسط وعضو الجمعية الدولية منذ 1992-، في حديثها معنا: “وفقًا لبحث علمي قمت بإجرائه، كشف عن تراوح عدد حاملي المرض من 5.5 لما يزيد عن 9% من إجمالي عدد السكان في مصر”.
وترجع أسباب الإصابة بالثلاسيميا لعوامل وراثية بنسبة 100% إما أن يكون الوالدين أقارب، أو غير أقارب، لكن يحمل كلاهما المرض، هذا ويرتبط ارتفاع مستويات الحديد بالدم بمدى التزام المريض بتعاطي أدوية خفض مستويات الحديد، حسب وصفها.
وتصف “البشلاوي” ارتفاع مستوى الحديد في جسم مريض الثلاسيميا بالقاتل، لتأثيره على القلب، مسببًا هبوط وضعف في عضلة القلب وعدم كفاءة الكبد ما يؤدي لسرطان الكبد، علاوة على ترسب الحديد في البنكرياس، ما يتسبب في الإصابة بمرض السكر، وقد يترسب في الغدد المسؤولة عن نمو الجسم، ما يتسبب في عدم نمو الأطفال بشكل طبيعي، علاوة عن الإصابة بالفشل الكلوي، مشيرة إلى أن الحملة الرئاسية التي أجريت للمقبلين على الزواج استهدفت حاملي مرض الثلاسيميا حيث أن 25% من كل جنين لدى حامل المرض يحتمل ولادته مصابًا بأنيميا البحر الأبيض المتوسط.
ووفقا لـ البشلاوي، تنقسم الثلاسيميا لأنواع عدة وهم” فئة حاملي المرض نسبة إصابتهم بسيطة أو متوسطة لا تحتاج لنقل الدم باستمرار، أو أنيميا البحر متوسط شديدة المعروفة بـ الكبرى أو Thalassemia major ويحتاج حاملها نقل الدم بإنتظام كل خمسة إلى سبعة أسابيع، متفقة مع شهادات المرضى الذين تحدثوا معنا في زاوية ثالثة، حول ضعف كفاءة عقار “الهيدرا الهندي” الذي طرح لمرضى الثلاسيميا في التأمين الصحي، ما يدفعهم لشرائه من الصيدليات بأسعار مرتفعة، ومشيرة إلى ضعف قيمة قرارات العلاج على نفقة الدولة، ما يجعلها غير كافية لتغطية احتياجاتهم من الأدوية وعمليات نقل الدم.
تواصلت “زاوية ثالثة ” مع الدكتور محمد حسن زيدان – مدير عام الإدارة العامة للمجالس الطبية المتخصصة-، كما قمنا بمراسلته عبر تطبيق الواتساب، للرد على شكاوى المرضى من المعالجين على نفقة الدولة، لكن لم نتلقى رد منه، إضافة إلى متحدث الصحة الذي أخبرنا بأنه خارج البلاد، ولم نتلق أي رد حكومي على شكاوى المرضى حتى نشر هذا التقرير.