استثمارات غير مسبوقة أم بيع أصول؟ نظرة على صندوق مصر السيادي بعد خمس سنوات

الصندوق يملك حصصًا في شركات الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية: الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبيعية “صافى”، كما يسهم الصندوق بنسبة 12% من رأس مال الشركة الوطنية لصناعة السكك الحديدية، بينما يمتلك 100% من أسهم شركة مصر القابضة للتأمين، و49% من صيدليات العزبي
Picture of مي علي

مي علي

في يناير الماضي، نقل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ملكية 13 وزارة وجهة حكومية في وسط العاصمة القاهرة إلى صندوق مصر السيادي، ومن أبرزها مقرات وزارات الخارجية، والعدل، والتعليم، والصحة، والنقل، والمالية، بعد انتقال هذه الوزارات للعمل من العاصمة الإدارية الجديدة. وفي سبتمبر 2020، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارًا بنقل ملكية عدد من الأصول العامة من الدولة إلى صندوق مصر السيادي، وشمل القرار إزالة صفة النفع العام عن بعض الأراضي والمنشآت في مناطق حيوية في العاصمة والمحافظات. القرار، الذي كان يهدف إلى توسيع قدرة الصندوق على استثمار هذه الأصول وتوظيفها في مشاريع بالشراكة مع مستثمرين محليين ودوليين، أثار جدلًا مستمرًا حول تأثيره على الاقتصاد المحلي واستغلال الأصول العامة.

وقبل صدور القرار، أعلن المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي، أيمن سليمان، عن نية الحكومة استخدام هذه الأصول لتخفيف أعباء الدين العام من خلال بيعها للمستثمرين بقيمة تتراوح بين 50 و60 مليار جنيه. وصرح سليمان في مؤتمر صحفي بأن فتح المجال للمستثمرين من خلال الصندوق سيُسهم في تدوير رؤوس الأموال وتنشيط الاقتصاد.

تأسس صندوق مصر السيادي الذي يدير أصولًا تصل قيمتها إلى نحو 12 مليار دولار، عام 2018 كصندوق استثمار خاص، بهدف المساهمة في التنمية الاقتصادية المالية لمصر من خلال إدارة الأموال والأصول المملوكة أو المنقولة له وكذلك الاستثمار في العديد من الأنشطة الاقتصادية المختلفة. إضافة إلى هدف خلق شراكات مع المستثمرين المحليين والأجانب من القطاع الخاص، من خلال تصميم منتجات استثمارية عن طريق الاستغلال الأمثل للأصول المملوكة للدولة.

ينص قانون إنشاء صندوق مصر رقم 177 لسنة 2018، على أن الوزير المختص بإدارة الصندوق، هو المعني بشؤون التخطيط . ونفذ الصندوق عدة شراكات في مجالات الصناعة والتعليم والتأمين والخدمات الصحية والصناعات الدوائية والخدمات المالية والتحول الرقمي. ويتم تشكيل مجلس إدارة الصندوق بقرار جمهوري، بناءً على عرض رئيس مجلس الوزراء، ويضم المجلس الوزير المختص بشئون التخطيط.

وقد عُينت نهى رشدي خليل، كقائمة بأعمال المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي، بعد استقالة المدير التنفيذي السابق، أيمن سليمان. وبحسب وزارة التخطيط، فإن مجلس إدارة صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية، الذي عقد اجتماعه الأول برئاسة الوزيرة رانيا المشاط، قد أعرب عن شكره لـ “سليمان” على جهوده التي بذلها خلال فترة إدارته للصندوق، وذلك بعد تقديمه استقالته في 4 يونيو الماضي.

استقالة المدير التنقيذي السابق كانت خطوة أثارت تساؤلات حول دوافع هذا القرار. وبحسب مصادر ، فإن الاستقالة جاءت على خلفية تحقيق “تقدم محدود” في برنامج الخصخصة، بينما أشار مصدر حكومي إلى أن القيادة السياسية تسعى إلى “تقديم وجوه جديدة في مناصب رئيسية”. 

إلا أنه قد صدر قرار جمهوري الخميس 24 أكتوبر الجاري، رقم 158 لسنة 2024 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 177 لسنة 2018 بإنشاء صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية. بموجب التعديلات، أصبح وزير الاستثمار حسن الخطيب وزيرًا مسؤولًا عن الصندوق بدلًا عن وزير التخطيط، ووفق قرار رئيس الحكومة المصري، مصطفى مدبولي (نشر في الجريدة الرسمية في عددها رقم 43 (تابع) قرار رئيس الوزراء رقم 3601 لسنة 2024). ويتبع الصندوق رئاسة الوزراء بموجب تلك التعديلات أيضًا. كما وافق البرلمان المصري على نقل تبعية الصندوق من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة مجلس الوزراء، بما يسمح لرئيس الحكومة بتحديد الوزير المختص بإدارة الصندوق وتحقيق أهدافه.

 

نوصي للقراءة: لماذا تعطي مصر الأولويّة للمستثمر الأجنبيّ؟

 

الثاني إفريقيًا من حيث الأصول

أشارت دراسة “الآثار الاقتصادية المتوقعة لصندوق مصر السيادي في ضوء التجارب العالمية، دوافع التأسيس ومتطلبات النجاح” الصادرة عن كلية التجارة جامعة عين شمس، إلى الآثار الاقتصادية المتوقعة من إنشاء صندوق مصر السيادى. وحسب الدراسة تتمثل أهم الدوافع والمبررات الاقتصادية لإنشاء الصندوق مصر فى إمکانية مساهمته في تخفيف عجز الموازنة العامة للدولة وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير فرص عمل منتجة، من خلال ضم مشروعات القطاع العام إليه وإدارتها، إضافة إلى ضم ممتلکات الدولة من الأراضي والأصول غير المستغلة واستثمار عوائدها فى مشروعات إنتاجية، ويمکن الاستفادة من تجربة کل من صندوق مبادلة بالإمارات العربية المتحدة، وصندوق معاشات التقاعد الحکومى بالنرويج في دعم نجاح تجربة صندوق مصر فى تحقيق أهدافه.

أما عن دراسة المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية “مستقبل صندوق مصر السيادي في قيادة الاستثمارات المستدامة”، فقد بينت أن إنشاء الصناديق السيادية تقليديًا من قبل الدول التي لديها عائدات ضخمة من النفط والغاز أو فوائض في الحسابات الخارجية، لكن اليوم، أصبح النظام البيئي لصناديق الثروة السيادية أكبر وأكثر تنوعًا، فهناك دافعين للصناديق، الدافع الأول؛ المستثمرون الدوليون الذين يدعمون المشاريع القابلة للاستثمار والأصول المختلفة القابلة للتمويل في البلاد، إذ يمكن أن يؤدي التدفق النقدي المتزايد الناتج عن الاستثمار الأجنبي المباشر إلى تعزيز البيئة الاقتصادية للبلد، من خلال العمل كمحفز للتنمية الاقتصادية والنشاط والنمو.

أما الدافع الثاني فيتمثل في تحويل الشركات المملوكة للدولة لـ جعلها أكثر كفاءة، وبالتالي، لـ تعزيز قيمتها السوقية تتضمن هذه العملية جذب التمويل والخبرة والملكية من الخارج إلى شركات القطاع العام التي لم تكن فعالة في السابق، ويمكن للصناديق السيادية إعادة هيكلة الشركات المحلية وتحسينها حتى تتم إدارتها بشكل أفضل.

بحسب البنك الدولي، فقد زاد نمو الأصول المدارة من الصناديق السيادية بنسبة 76%، بينما نما عدد المستثمرين بنسبة 54%، إذ تمكنت صناديق الثروة السيادية الإفريقية من إدارة 300 مليار دولار في عام 2020، ما يمثل مصدرًا مهمًا لـ رأس المال القابل للاستثمار للقارة، وتعد أصول صناديق الثروة السيادية الإفريقية صغيرة مقارنة بالصناديق العملاقة في الشرق الأوسط وآسيا، ومع ذلك فإن حجم صناديق الثروة السيادية لإفريقيا يتناسب مع اقتصاداتها.

 وبحسب التقرير الصادر عن المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية في إفريقيا، جاء صندوق مصر السيادي في المرتبة الثانية من حيث حجم أصوله ليبلغ رأس ماله 12.7 مليار دولار أمريكي، وجاءت المؤسسة الليبية للاستثمار في المرتبة الأولى بحجم 24 مليار دولار أمريكي، وذلك عام 2020.

 نوصي للقراءة: تصفية الأصول: هل تبيع مصر أملاكها لسداد الديون؟ 

 

توقعات إيجابية لأداء الصندوق 

يعلق خالد الشافعى – الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات-، على أداء الصندوق خلال السنوات الخمسة الماضية. يقول في حديثه مع زاوية ثالثة: “مازلنا ننتظر من الصندوق تحقيق أفضلية لصالح الاقتصاد المصري؛ فصندوق مصر السيادي يجب أن يكون له دور ريادي ومؤثر، والقدرة على إحداث فوارق لصالح الاقتصاد المصري من خلال مشاركته ومساهمته واستثماراته المتعددة التي يجب أن تكون متنوعة بكافة القطاعات التي تشكل الاقتصاد المصري، لإحداث توازن وتوافق ولتحقيق زيادة في معدلات النمو وتحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد”. مشددًا على ضرورة إجابة المواطنين على كل ما يجب أن يتم تواجده من خدمات وسلع، من خلال مشاركته بالعديد من الاستثمارات الصناعية والغذائية.

ويشير الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات، إلى أن الصندوق له الحق في المساهمة والمشاركة وأيضًا الاستثمار فلابد أن يكون له دور مؤثر بالاقتصاد المصري عن طريق وضع رؤية كاملة عن توجيه المساهمات والاستثمارات نحو انشطة بعينها لتحقيق توازن واكتفاء لصالح المواطن المصري، لتقليل فاتورة الواردات.

ويضيف أن هناك العديد من القطاعات التي يمكن أن يعزز بها الصندوق مساهماته بشكل كبير، لاسيما تلك التي ترتفع بها نسب الاستيراد من الدول الأخرى، وضرورة العمل على تعميق الصناعة المصرية بها وتوطين صناعات جديدة، والدور الأخر تحقيق الاستثمارات الجديدة والأرباح بالشركات القائمة من خلال المساهمة بها أو إدخال شركات جديدة عبر الاتفاقات التي يبرمها الصندوق. مبينًا أن الصندوق لم يحقق الإيجابية الكاملة في الشارع المصري، كما أنه لم يحقق طموح المواطن المصري، ولذلك ما زال يحتاج إلى انطلاقة قوية خلال الفترة القادمة.

 

نوصي للقراءة: انسحاب سعودي إماراتي ومحلي يعطل مشروعات ضخمة في مصر

 

استثمارات الصندوق

يأتي ترتيب صندوق مصر السيادي في المرتبة 48 ضمن أكبر 100 صندوق سيادي في العالم، وفقًا لرأس المال المرخص به، إذ يوجد أكثر من 170 صندوق سيادي حول العالم، أكثر من 50% منها تمول من عائدات النفط، وتم تأسيس أكثر من 60 صندوق سيادي حول العالم خلال العشر سنوات الماضية، أكثر من 20 صندوق منها في إفريقيا وحدها.

وتتمثل أهداف الصندوق في خلق ثروات للأجيال القادمة من خلال تعظيم العائد من أصول الدولة غير المستغلة المنقولة للصندوق، وجذب مستثمرين من الداخل والخارج (استثمار مباشر)، والاستثمار في قطاعات مهمة للاقتصاد المصري مثل توطين وتعميق الصناعة والتكنولوجيا والتحول الرقمي لخلق كيانات محلية رائدة في مختلف المجالات، ويعمل الصندوق على تحقيق أهداف رؤية مصر 2030.

ويمتلك الصندوق عدد من الصناديق الفرعية، تشمل؛ صندوق مصر الفرعي للسياحة والاستثمار العقاري وتطوير الآثار، صندوق مصر الفرعي للمرافق والبنية الأساسية، صندوق مصر الفرعي للخدمات الصحية والصناعات الدوائية، صندوق مصر الفرعي للخدمات المالية والتحول الرقمي، صندوق الاستثمارات الخضراء، وصندوق مصر الفرعي لإدارة وإعادة هيكلة الأصول ذو الإصدارات المتعددة. وقد احتل المركز رقم 41 من بين 100 صندوق سيادي عالمي في الربع الأول من 2021، بحسب مؤسسة “جي وورلد” لتحليل الاستثمارات، وانضم إلى قائمة أكبر 50 صندوق سيادي، باحتلاله المرتبة 47 عالميًا والـ 12 عربيًا، وفق التحديث الأخير لصناديق الثروة السيادية الذي نشره معهد صندوق الثروة السيادية في 2023.

يشارك الصندوق في مشروعات الهيدروجين الأخضر، ويمتلك مجمع التحرير، وأرض الحزب الوطني، وأرض وزارة الداخلية، ويملك حصصًا في ثلاثة محطات كهرباء داخل مصر من إنشاء شركة “سيمنز”: البرلس، والعاصمة الإدارية الجديدة، وبنى سويف.أيضًا- الصندوق يملك حصصًا في شركات الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية: الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبيعية “صافى”، كما يسهم الصندوق بنسبة 12% من رأس مال الشركة الوطنية لصناعة السكك الحديدية، بينما يمتلك 100% من أسهم شركة مصر القابضة للتأمين، و49% من صيدليات العزبي.

تطوير الأصول هدف رئيس للصندوق، كما حدث في مبنى وزارة الداخلية بوسط القاهرة، الذي يجري تحويله إلى فندق ومركز تعليمي، وتحويل أرض القرية الكونية إلى مجمع مدارس. وقد حاز الصندوق على ثقة إقليمية ودولية واستطاع جذب المستثمرين الأجانب وهو مكسب كبير للسلطة المصرية، إذ ساعد في بعض الطروحات التي قامت بها، مثل. طرح مجمع التحرير، وأرض مبنى الحزب الوطني، و14 شركة، ويتم العمل على محطات الرياح، وهيكلة وتطوير شركة سيمنز لطرحها.

 

 نوصي للقراءة: استثمار أراضي النيل: هل يُدفع التعليم والثقافة ثمنًا للتطوير؟

 

انتقادات

“نحن كمواطنين مصريين لا تتوافر لدينا أي معلومات كافية عن هذا الكيان”. يقول مالك عدلى  – المحامي الحقوقي، مدير شبكة المحامين في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية-، إن التغيرات التي تطرأ على القيادة لهذا الصندوق لا بد وأنها تتعلق بالسياسة الاستراتيجية العامة له خلال الفترة القادمة.

يؤكد في حديثه لنا أنه لا يمكن تقيم أداء الصندوق خلال السنوات الخمس الماضية، لاسيما أنه لا يخضع للموازنة العامة ويتم إدارته بشكل خاص، كما أنه لم يتم الإعلان عن الميزانيات الخاصة له خلال الفترة الماضية، ما لا يمكننا من تقييم أداء عمله. ومَن الجهة التي تعتمد على المحاسبة القانونية القائمة على الحسابات الختامية السنوية الخاصة بالصندوق أو التقارير الخاصة بالجهاز المركزى للمحاسبات، مضيفًا: “في حال غياب تلك البيانات القانونية لا يمكن محاسبة الصندوق على إدارته.”

يبين أنه هناك تحفظات كثيرة على الصناديق الخاصة لإدارة الأموال العامة التي لا تخضع للرقابة الحكومية والبرلمانية التي تمثل سلطة الشعب، مشددًا على ضرورة اتباع الشفافية في المنهجية الخاصة لإدارة هذا الصندوق من الناحية الاستثمارية والميزانيات الخاصة به من الأرباح والخسائر السنوية وكيف يتم تمثيل تلك الأموال بالموازنة العامة للدولة، والإفصاح عن الأدوات الرقابية التى تخضع لها الأموال الموجودة بالصندوق، لا سيما أن صندوق مصر السيادي يعتبر سلطة تنفيذية ويخضع لرقابة سلطة تنفيذية أيضًا.

 وبعد مرور خمس سنوات على تأسيس صندوق مصر السيادي لم يشعر المواطن بتأثيره بالبارز على أرض الواقع فى الصالح العام ، وبالرغم من حجم الأموال الضخمة التي يمتلكها الصندوق بكافة القطاعات الاقتصادية المختلفة إلى أن تأثيره لا يتضح سوى في بيع الأصول العامة للدولة أو تأجيرها.

 

Search