لماذا تعطي مصر الأولويّة للمستثمر الأجنبيّ؟

هناك تنافسًا بين الدوحة وأبوظبي على تشغيل موانئ مصر، وقد قال السيسي في وقت سابق إنه قد طرحها للتشغيل أمام مستثمرين، مثلها مثل المطارات والسكك الحديدية والبنية الأساسية والكهرباء
رباب عزام

منذ الأوّل من فبراير الجاري، أعلنت الحكومة المصريّة تباعًا، نيّتها استثمار عدد من المناطق القريبة أو المتاخمة لشواطئ البحرين الأحمر والمتوسّط؛ أبرزها مدينة رأس الحكمة على الساحل الشماليّ، في زمام محافظة مطروح. ولم تمض أيّام قليلة إلّا وقد ألمحت الحكومة أيضًا إلى منطقة رأس جميلة المطلّة على ساحل البحر الأحمر في مدينة شرم الشيخ، في مواجهة جزيرتي تيران وصنافير. في المقابل، يبرز اسم الإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة، كمستثمرين رئيسيّين في الصفقات المزمعة (1).

تحيّلنا التساؤلات إلى وثيقة سياسة ملكيّة الدولة الصادرة في ديسمبر 2022، المعلن عنها بالتوازي مع بدء الحكومة مفاوضاتها مع صندوق النقد الدوليّ للحصول على قرضها الرابع خلال ستّ سنوات، في أكتوبر من العام نفسه، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وهو القرض الّذي تفاوضت حكومة القاهرة مؤخّرًا لزيادته إلى نحو 7-10 مليارات دولار. برزت الوثيقة كاستجابة من السلطة المصريّة لشروط الصندوق حيال تحسين المناخ الاستثماريّ في مصر، كخطوة أوّليّة مساهمة في تعزيز فرص الحصول على قروض مستقبليّة، أو استكمال مفاوضات قائمة بالفعل.

ووفق مركز مالكوم كير كارنيجي للشرق الأوسط، فإنّ الحكومة المصريّة الّتي باتت عاجزة عن سداد أقساط الديون وفوائدها إلى صندوق النقد الدوليّ، لم تجد أمامها سوى بيع الأصول العامّة. لذا، أعلنت في فبراير 2023 عن نيّتها بيع حصص في 32 شركة مملوكة للدولة بحلول مارس المقبل 2024. أيضًا- أعلنت عن نيّتها في زيادة الاستثمار إلى 25-30 في المئة من الناتج المحلّيّ الإجماليّ.

ما قبل الوثيقة

للحديث عن أسباب وصول المشهد في مصر إلى ما هو عليه الآن، لابدّ من العودة بداية إلى ما قبل إصدار وثيقة ملكيّة الدولة، وتحديدًا منذ العام 2013، حين شكّلت حكومتا أبوظبي والرياض، أكبر الداعمين لنظام السيسي، الّذي صعد بعد خروج جماعة الإخوان المسلمين من السلطة، وعزل الرئيس محمّد مرسي. لتصبح المساعدات الّتي تلقّاها النظام منذ ذلك الحين بمثابة إنقاذ.

واعتمدت سياسة حكومات الخليج منذ سبعينيات القرن الماضي على ما يُعرف بــ “دبلوماسية الإنقاذ”، حيث قدّمت حزم إنقاذ ماليّة إلى دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنها مصر، بلغت ما بين عامي 1974 و 2023 نحو 231 مليار دولار مقارنة بـ81 مليار دولار قدّمها صندوق النقد الدوليّ لنفس الدول خلال الفترة نفسها. وتتمثّل في قروض ماليّة، وودائع في البنوك المركزيّة، ودعم لموازنات الدول ومنح لا تردّ أو عبر إعانات نفطيّة، وقد بلغت حصّة مصر من كلّ تلك الحزم وحدها نحو 35%، خلال العقود الأربعة الأخيرة (وصلت نسبة رأس المال الخليجيّ من الاستثمار الأجنبيّ المباشر إلى 25% في 2007، واستحوذت على 37% من قيمة الخصخصة بين 2000 و2008، فيما وصلت الودائع الخليجيّة من أربع دول هي الإمارات والسعوديّة والكويت وقطر، لدى البنك المركزيّ في الفترة من 2013 إلى 2023 إلى نحو 28 مليار دولار، بين تمويلات قصيرة الأجل بقيمة 13 مليار دولار، فيما تبلغ قيمة الودائع متوسّطة وطويلة الأجل 14.961 مليار دولار).

وقبيل العام 2024، تمكّنت الحكومات الخليجيّة خاصّة في السعوديّة والإمارات، من التغلغل الشديد في عدد من القطاعات الهامّة والصناعات الاستراتيجيّة والخدمات المصريّة، ففي مجال الغذاء، تمكّن الخليجيّون بحلول عام 2016 الاستحواذ الكلّيّ أو كحصّة أقلّيّة على نحو 14 شركة من أصل 31 شركة أغذية مدرجة بالبورصة، متحكّمين بذلك في نحو نصف إنتاج الدواجن وتصدير الفواكه والخضروات (مثل شركات مزارع دينًا، وجهينة، و فارم فريتس، المملوكة جزئيًّا أو كلّيًّا لمستثمرين من الخليج). أمّا في مجال العقارات، فقد وصلت قيمة الاستثمار الخليجيّ في شركات الاستثمار العقاريّ إلى نحو 44% من رأس مال قدّر بنحو 100 مليون دولار ما بين عامي 2008 و 2017.

وفي عام 2022، اشترى الصندوق السياديّ السعوديّ والإماراتيّ، حصص تعدّت الـ 40% من شركات “أبوقير” و “موبكو” للأسمدة. وهما شركتان تنتجان 20% من إنتاج مصر للأسمدة، وتمتلكان أسهمًا في خمس شركات أخرى تعمل في نفس القطاع. وظهر عام 2022، كعام فاصل في سياسة استحواذ الصناديق الخليجيّة على أصول مصريّة، إذ بلغت قيمة استحواذات صندوق الثروة السياديّة في أبو ظبي (الشركة القابضة إيه دي كيو) وصندوق الاستثمارات العامّة السعوديّ 3.1 مليار دولار.

كيف دعم الخليج السلطة الحالية؟

بدأت دول خليجيّة، خاصّة الإمارات والسعوديّة، دعم السيسي في عام 2013 بشكل فوريّ، عقب احتجاجات 30 يونيو ضدّ حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر. إذ منحت الرياض مساعدات بقيمة خمسة مليارات دولار، وأبوظبي مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات دولار، فيما منحت الكويت القاهرة مساعدات بقيمة أربعة مليارات دولار، وذلك بعد أسبوعين فقط من الاحتجاجات الّتي أسقطت حكم الرئيس محمّد مرسي. لتصل قيمة تلك المساعدات في العام الأوّل لحكم السيسي -وفق تصريحات له- إلى نحو 20 مليار دولار.

ومنذ العام 2013، استبدلت القاهرة المؤسسات المالية الدولية بالجهات المانحة الخليجية، لتصبح المساعدات والقروض الخليجيّة، حجر أساسيًّا، وتفرض على مصر سياسة استرضاء الدول المانحة الخليجيّة كي تخرج من وضعها الاقتصاديّ المتدهور. خاصّة بعد أن ضخّت تلك الدول مليارات من الدولارات دعمت النظام في بداية حكمه. في عام 2013، قدّمت الإمارات هبة بقيمة مليار دولار ووديعة إضافيّة بقيمة ملياري دولار في البنك المركزيّ المصريّ ومساعدة عينيّة للنفط والغاز (بقيمة 225 مليون دولار)، فيما قدّمت السعوديّة مجموعة من المساعدات بقيمة خمسة مليارات دولار، في شكل هبة نقديّة بقيمة مليار دولار وملياري دولار مساعدة عينيّة (للنفط والغاز) ووديعة بقيمة ملياري دولار في البنك المركزيّ المصريّ، فيما قدّمت الكويت هبة نقديّة بقيمة مليار دولار، وديعة في البنك المركزيّ المصريّ بقيمة ملياري دولار.

وفي عام 2014، قدّمت الإمارات 3.21 مليار دولار على هيئة استثمار في تطوير البنى التحتيّة وقطاعي النفط والزراعة. وفي العام التالي قدّمت مجموعة من المساعدات بقيمة أربعة مليارات دولار مقدّمة إلى مصر، بواقع ملياري دولار للبنك المركزيّ المصريّ وملياري دولار لتمويل المشاريع، أمّا السعوديّة فتعهّدت بتقديم مليار دولار للبنك المركزيّ المصريّ واستثمارات أخرى بقيمة ثلاثة مليارات دولار، كما تعهّد الكويت باستثمار بنحو أربعة مليارات دولار، وفي عام 2016، أعادت أبوظبي تعهّدها بدعم قيمته أربعة مليارات دولار؛ ملياري دولار كوديعة لدى البنك المركزيّ المصريّ، ومثلهما على هيئة استثمار أجنبيّ مباشر، كما أودعت الرياض هبة نقديّة بقيمة 500 مليون دولار كدفعة أولى من قرض بقيمة 1.5 مليار دولار، كجزء من حزمة أكبر تبلغ 25 مليار دولار تشمل صندوقًا للاستثمار ومشاريع استثماريّة.

يقول كورادو أووك – المحلّل الاستشاريّ في “جلف ستيت أناليتيكس”- في تحليل اقتصاديّ له، إن بعد ضخّ دول خليجيّة مليارات من الدولارات لدعم النظام المصريّ، لمدّة سنوات، فإنّهم يتوقّعون أن تسهّل لهم السلطة في المقابل انتقال ملكيّة/ استحواذ على أصول هامّة. مضيفًا: “كثيرًا ما ننسى أنّ مصر وعدت بنقل السيادة على الجزر في مضيق تيران للسعوديّين مقابل دعم ماليّ”.

ويرى “أووك” أنّ دول الخليج أكثر استفادة، لأنّها حسب وصفه، تتوسّع في مصر، وتفرض سيطرتها على أصول وشركات مملوكة للمصريّين. مرجّحًا أنّهم يستهدفون مشروعات “جيو-اقتصاديّة واستراتيجيّة هامّة، مثل المحور الاقتصاديّ لقناة السويس” ويلقى ذلك مقاومة واعتراضًا شعبيًّا محلّيًّا ، وقطاعات مثل الاتّصالات والبنوك والأعمال التجاريّة الزراعيّة وتمويل شراء الأسلحة. مؤكّدًا أنّ السعوديّة تستهدف منذ إعلانها عن مشروع “نيوم” – مدينة ذكيّة من المقرّر بناؤها في شمال غرب السعوديّة، يستهدف أن تمتدّ عبر مضيق تيران إلى سيناء-، السيطرة على التطوير العقاريّ على ساحل البحر الأحمر المصريّ (حسب أخبار متداولة، فإنّ هناك مؤشّرات تلمّح إلى أنّ الرياض هي المستثمر القادم بقوّة لشراء/ استثمار منطقة رأس جميلة الواقعة في مدينة شرم الشيخ، المقابلة لجزيرتي تيران وصنافير). في المقابل فإنّ الإمارات وقطر، مهتمّتان أكثر بالموانئ الّتي توفّر لهما فوائد جيوسياسيّة بصرف النظر عن الفوائد الاقتصاديّة

 (في عام 2022، كشف وزير النقل كامل الوزير، أن هناك تنافسًا بين الدوحة وأبوظبي على تشغيل موانئ مصر، وقد قال السيسي في وقت سابق إنه قد طرحها للتشغيل أمام مستثمرين، مثلها مثل المطارات والسكك الحديدية والبنية الأساسية والكهرباء).

الأصول مقابل الديون

في عام 2015، دشن السيسي مؤتمرًا اقتصاديًا لدعم الاقتصاد المصري، وعد فيه مسؤولون خليجيون، القاهرة، بضخ استثمارات بقيمة 100 مليار دولار. لكنّ حكومة أبوظبي رفضت ضخ ودائع جديدة لدى البنك المركزي المصري. ثم في العام التالي تقدمت مصر للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، واشترط الصندوق تعويم العملة المحلية للحصول على القرض وبدء برنامج إصلاح اقتصادي. فرض هذا على النظام المصري دخول صفقة جديدة مع السعودية لتوفير سيولة أجنبية، وكانت النتيجة تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير في المقابل.

وتعثرت القاهرة في تطبيق برنامجها للإصلاح الاقتصادي الذي أعلنت عنه في عام 2016؛ ما أبطأ عملية جذب رؤوس أموال من مستثمرين استراتيجيين خليجيين. وكانت تلك اللحظة بداية تغير في سياسة دول الخليج الداعمة بلا شروط لنظام السيسي. ولم تقدم الدول الخليجية ما وعدت به القاهرة في المؤتمر الاقتصادي لعام 2015. حسب خبراء اقتصاديين تحدثنا معهم.

وحسب بوابة الاشتراكي، فإن مليارات الدولارات التي دعمت بها دول الخليج والإمارات الثورة على نظام “مرسي” في مصر، جعلت الاقتصاد المصري رهينة أموال الودائع الخليجية، ومساومة الخليج على بيع الأصول مقابل الديون. وهو ما أكده خبراء اقتصاديون تحدثت معهم “زاوية ثالثة”؛ حيث لم تسر المفاوضات بشكل جيد مع حكومات الخليج، منذ إعلان القاهرة عن بيع 32 شركة من أصول الدولة، لسد فجوة تمويل قدّرتها وكالة “ستاندرد أند بورز” بنحو 37 مليار دولار من التمويلات الخارجية حتى يونيو 2024. وذلك لأن القاهرة اشترطت بيع أصولها بفارق سعري كبير؛ ما عارضته حكومات قطر والإمارات والسعودية، وأدى إلى لجوء مصر إلى صندوق النقد الدولي للتفاوض على قرض جديد؛ لكن الحكومات الخليجية خاصة الإمارات ضغطت من ناحيتها على إدارة الصندوق، لتأجيل الموافقة على القرض حتى تتنازل القاهرة عن عروض أسعارها، وأيضًا- تخفف قبضة الجيش على الاقتصاد المصري، عبر طرح بعض من شركاته في البورصة أو للبيع المباشر.

وظهر ذلك التوتر جليًا، حين أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان، أنهم: “اعتادوا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط. لكنهم غيروا ذلك الآن. لحاجتهم إلى رؤية إصلاحات”. في الوقت ذاته، رفض جهاز قطر للاستثمار عرضًا للحصول على حصة في شركة تصنيع بسكويت مملوكة للجيش، بينما في مايو 2023، جمَّد صندوق أبوظبي السيادي، مشاريعه الاستثمارية، بحسب ما نقلته فاينانشال تايمز، بعد أن أنفق في عام 2022 نحو أربعة مليارات دولار للاستحواذ على حصص أقلية في شركات مصرية.

وبعد تغيّر السياسات الخليجيّة على نحو صريح، رضخت القاهرة، وزادت عدد صفقات الاستحواذ الخليجيّة، لترتفع عدد الصفقات المكتملة إلى 66 في عام 2022، حيث شاركت السعوديّة والإمارات وحدهما في 40 صفقة استحواذ عام 2022، أغلبها في قطاع الخدمات المصرفيّة والماليّة والصناعة والطاقة. تلاها 16 صفقة دمج واستحواذ في القطاع المصرفيّ والماليّ.

وبعد بدء عمليّات الاستحواذ سيطر صندوق الثروة السعوديّ والإماراتيّ على عدد من الأصول المصريّة، مثل امتلاك القابضة الإماراتيّة وصندوق الاستثمارات العامّة السعوديّ 41.5% من شركة أبو قير للأسمدة و45% من شركة مصر لإنتاج الأسمدة “موبكو”.

واشترت القابضة الإماراتيّة حصّة 17.2% في البنك التجاريّ الدوليّ مقابل 911.5 مليون دولار، و11.8% من فوري مقابل 55 مليون دولار. واستحوذت على حصّة حاكمة في مجموعة عوف للأغذية الصحّيّة المالكة لعلامة أبو عوف التجاريّة الغذائيّة. كما استحوذت القابضة الإماراتيّة بالشراكة مع شركة “الدار العقاريّة” الإماراتيّة على شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار (سوديك) في عام 2021. وعلى ثلث شركة الإسكندريّة لتداول الحاويات والبضائع، المدرجة في البورصة المصريّة مقابل 186.1 مليون دولار. ودفعت شركة موانئ أبوظبي، 140 مليون دولار لشراء حصّة 70% من شركة الشحن والخدمات اللوجستيّة المصريّة “إنترناشونال أسوسييتيد كارجو كارير- أي أيّه سي سي” المالكة لشركتين للخدمات اللوجستيّة البحريّة: شركة ترانسمار، ومشغّل المحطّات ترانسكارجو الدوليّة “تي سي آي”. واستحوذت “شيميرا للاستثمارات الإماراتيّة” على 56% من “بلتون الماليّة القابضة” مقابل 20.3 مليون دولار، وتبعها شراء حصّة 22% في “إم إنّ تي إنفستمنتس الهولنديّة” المملوكة بحصّة أغلبيّة من قبل شركة جي بي كابيتال للاستثمارات الماليّة.

في الوقت ذاته، استحوذ صندوق الاستثمارات العامّة السعوديّ على حصّة 25% في “إي فاينانس” الحكوميّة. و 4.7% من شركة المصريّة الدوليّة للصناعات الدوائيّة (إيبيكو)، إضافة إلى أنّه أصبح أكبر ثاني مساهم في شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائيّة والمستحضرات التشخيصيّة (راميدا). كما استحوذ على 34% من شركة “بي تك”، المتخصّصة في تجارة التجزئة وتوزيع الأجهزة المنزليّة والإلكترونيّة، بينما دخل الصندوق إلى قطاع التعليم من خلال الاستحواذ على حصّة 15% في سيرا للتعليم. كما استحوذ على حصّة 20% من شركة الإسكندريّة لتداول الحاويات والبضائع مقابل 156.3 مليون دولار.

وتتابعت الصفقات الخليجيّة في مصر، إلى أن وصلت إلى الصفقة الأخيرة، المتمثّلة في مدينة رأس الحكمة في الساحل الشماليّ؛ والّتي يعدّها خبراء بمثابة “نقلة نوعيّة”، نظرًا لحجم الصفقة الّتي قالت عنها الحكومة إنّها أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر.

وفق خبراء اقتصاديّين تحدّثت معهم “زاوية ثالثة” فإنّ السلطة الحاليّة غير مستقرّة، ولا تملك سياسات اقتصاديّة واضحة، وحسب المعلن عن صفقة رأس الحكمة، فإنّ 11 مليار دولار ودائع إماراتيّة خرجت من قيمة الصفقة، وهي ودائع لا تستطيع مصر استخدامها، وتمثّل نحو ثلث الاحتياطيّ النقديّ المصريّ. ورجّحوا أنّ النظام المصريّ وصل إلى مرحلة الإفلاس، لذا يلجأ الآن لبيع الأراضي المصريّة في تصعيد جديد، بدلًا من استثمارها عن طريق المصريّين وطرح اكتتاب دوليّ لتطويرها. وأنّ ما يحدث الآن هو “استسلام تامّ لدول الخليج، وليس دخول في استثمارات مباشرة”.

يقول الباحث الاقتصاديّ والسياسيّ ونائب رئيس حزب التحالف الشعبيّ الاشتراكيّ زهدي الشامي، في حديثه إلى “زاوية ثالثة” “ليس هناك استثمار أجنبيّ جادّ في حقيقة الأمر، ما يتمّ هو بيع الأصول لسداد الديون، فمن المعروف أنّ هناك أزمة سيولة نقديّة خانقة، إضافة إلى نحو 48 مليار دولار مستحقّات ديون على القاهرة للعام الحاليّ”. مؤكّدًا أنّ مسلسل بيع الأصول بدأ من العام الماضي نتيجة سياسات الحكومة الخاطئة خلال السنوات الماضية.

يستكمل: اعتبر أنّ بيع الأصول ليس استثمارًا؛ فالاستثمار هو ما يمنح قيمة مضافة للدولة، والأدهى أنّ النظام بدأ في بيع أراضي الدولة المميّزة دون ضوابط محدّدة، لكنّ مرجعه التعثّر في سداد المديونيّات وهو ما يحرّكه، وجزء منه مرتبط بالمفاوضات مع صندوق النقد الدوليّ للحصول على قرض جديد، حيث اشتراطات الصندوق على القاهرة ببيع الأصول. مؤكّدًا أنّ ما يتمّ الآن لا يمكن أن ينقذ الاقتصاد المصريّ، فعلى سبيل المثال الصفقة الأخيرة الخاصّة برأس الحكمة وقيمتها المعلنة 35 مليار دولار، في الحقيقة لن تستقبلها مصر كاملة، حيث إنّ 11 مليار دولار هي قيمة ودائع إماراتيّة لدى البنك المركزيّ. ما يعني أنّه ربّما يستطيع النظام سداد نصف مديونيّاته العام الجاري؛ لكنّه قد يلجأ إلى بيع أراض أخرى وشركات رابحة، لتوفير عملة أجنبيّة.

ويختتم نائب رئيس حزب التحالف الشعبيّ الاشتراكيّ أنّ ما يحدث من نزع ملكيّة السكّان الأصليّين من أراضي، ليست نفعًا عامًّا كما يقول القانون، ويحيط الغموض بعمليّات البيع والاستثمار الجارية حاليًّا، مؤكّدًا أنّ هناك أزمات أخرى يواجهها السكّان أبرزها ارتفاع الأسعار، والّتي يتوقّع ألّا تنخفض الفترة المقبلة.

 الأولوية للمستثمر الأجنبي 

 “الاستثمار الأجنبيّ قد يكون حلًّا حال وجود خطّة ورؤية اقتصاديّة، بمعنى أن تطرح الدولة مشاريعها الّتي تحتاج إليها، ثمّ يأتي مستثمرين لتنفيذها من أجل خدمة مصر وتوفير احتياجاتها الأساسيّة” يقول الخبير الاقتصاديّ إلهامي الميرغني في تصريح إلى زاوية ثالثة. ويضيف “للأسف، الاستثمار الأجنبيّ في مصر يركّز على السياحة والعقارات؛ ولا يتوجّه إلى القطاعات السلعيّة في الزراعة والصناعة الّتي تعدّ المخرج الوحيد من أزمة مصر الاقتصاديّة”. ويعتقد الميرغنيّ أنّه من غرائب السياسة الاقتصاديّة المصريّة أنّها توفّر الحوافز والإعفاءات على المستثمر الأجنبيّ الّذي سيحوّل أرباحه للخارج، وتترك المنتج المصريّ يعاني بلا حماية، كما أنّ مئات المشاريع المصريّة متعثّرة دون مساعدة.

يؤكّد الميرغني أنّه بعد أن غرقت مصر في الديون أصبح بيع الأصول هو الوسيلة لسداد الأقساط والفوائد والمزيد من القروض الجديدة، ولا يهمّ إذا كانت الأصول تباع لدول الخليج أو للعدوّ الصهيونيّ المهمّ البيع وبأيّ ثمن؛ لأنّ الالتزامات كبيرة وإذا توقّفت مصر عن السداد، أو تعثّرت لن تحصل على قروض جديدة؛ ولذلك هي تقترض وتبيع لسداد بعض الأقساط والفوائد والحصول على ديون جديدة. والمشكلة أنّ الأصل الّذي نخسره لا يعوّض وبالتّالي يتزايد الاعتماد على الخارج.

ويجيب عن سؤال هل الاستثمارات المتدفّقة المعلن عنها مؤخّرًا في حقيقة الأمر تدعم الاقتصاد المصريّ، بأن لا، هي الإجابة القاطعة، إذ إنّ هناك “11 مليارًا من الإمارات ضمن الاحتياطيّ النقديّ الّذي بلغ 35.2 مليار دولار يعني حوالي 33% من الاحتياطيّ ومصر لا تستطيع سحبها وتحويلها لنشاط آخر، ولكنّ صفقة رأس الحكمة حوّلتها من قرض إلى جزء من استثمارات المشروع فهي مجرّد تغيير في توصيف هذه الوديعة دون تحوّل أو إضافة حقيقيّة”.

وتابع “الاقتصاد تحوّل منذ عقود، ولكن للأسف السياسة الاقتصاديّة المطبّقة في العقد الأخير تعتمد على بيع الأصول كلّها، بل والبشر فالحكومة بشرتنا بأنّها ستصدر 3 ملايين مصريّ للخارج خلال السنوات القادمة؛ لأنّها عاجزة عن تصدير سلع ومنتجات مصريّة والبشر لا يباع؛ لأنّ عصور العبوديّة انتهت فرأت أنّ حلّ الأزمة هو بيع الأصول وتصدير البشر كدليل على فشل هذه السياسات الاقتصاديّة الّتي تقود من فشل إلى آخر”.

كما يرى الخبير الاقتصاديّ أنّ الحكومة لا تقدّم حلولًا ولا مخرج من الأزمة، ولكنّها تقدّم مسكّنات وقتيّة سينتهي مفعولها، وتعود الأزمة أشدّ ضراوة. سنبيع الأصول كلّها، وتفقد مصر سيطرتها على مواردها، وتنتقل أرباح المشروعات للمستثمرين الأجانب، مع الاستمرار في الاقتراض والإنفاق السفيه على مشروعات غير ضروريّة سيدفع المواطن المصريّ البسيط تكلفتها هو وأبناؤه وأحفاده نفقد الأصول، ونزيد قروضًا جديدة ممّا يعني استمرار الأزمة الاقتصاديّة وتفاقمها وفق تعبيره.

_________________

  1. يمكنكم معرفة المزيد عن صفقة رأس الحكمة، عبر  تقريرنا المنشور بتاريخ 13 فبراير الجاري، عبر الرابط التالي: أهالي رأس الحكمة.. سنواجه بيع مدينتنا.
رباب عزام
صحفية استقصائية مصرية، مهتمة بالصحافة الحقوقية والعمالية، ومقدمة برامج إذاعية، وباحثة في دراسات شرق إفريقيا الناطقة بالسواحيلية.

Search