أدت حكومة القاهرة الجديدة برئاسة مصطفى مدبولي، اليمين الدستورية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، في قصر الاتحادية الرئاسي بـ(شرق القاهرة) أمس الأربعاء 3 يوليو 2024. وشهدت الحكومة الجديدة تولي 20 وزيرًا جديدًا للحقائب الوزارية، فيما استمر نحو 11 وزيرًا في مناصبهم، بعد مشاورات استغرقت شهرًا كاملًا.
تضمَّن التشكيل عددًا من الوزراء الجدد، هم: منال عوض – وزيرةً للتنمية المحلية-، وأحمد كوجك للمالية، وشريف فتحي للسياحة والآثار، ومايا مرسي للتضامن الاجتماعي، وشريف فاروق للتموين والتجارة الداخلية، وأسامة الأزهري للأوقاف، وسامح الحفني للطيران المدني، وشريف الشربيني للإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، وعلاء الدين فاروق السيد للزراعة واستصلاح الأراضي، ومحمد إبراهيم شيمي لقطاع الأعمال العام، وحسن الخطيب للاستثمار والتجارة الخارجية، ومحمد جبران عبد الحليم وزيرًا للعمل، وأحمد فؤاد هنو للثقافة، ومحمد أحمد عبد الطيب وزيرًا للتربية والتعليم والتعليم الفني، وكريم بدوي وزيرًا للبترول والثروة المعدنية.
واحتفظ عدد من الوزراء بمناصبهم، وهم: اللواء محمود توفيق وزيرًا للداخلية، وياسمين فؤاد للبيئة، وعمرو طلعت للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وأشرف صبحي للشباب والرياضة، و أيمن عاشور وزيرًا التعليم العالي والبحث العلمي، ومحمد صلاح الدين وزير الدولة للإنتاج الحربي، وهاني سويلم وزيرًا للموارد المائية والري، ومحمد عصمت وزيرًا للكهرباء والطاقة المتجددة.
ورغم ضخ دماء جديدة أثار التشكيل الوزراي حالة من الجدل مصحوبة بطرح العديد من الأسئلة حول الخلفيات والأعمال السابقة لعدد من الوزراء من بينهم وزير التعليم، إضافة إلى تساؤلات عن جدوى دمج بعض الوزارات مثل النقل والصناعة واستحداث أخرى مثل وزارة الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي.
تواصلت زاوية ثالثة مع عدد من السياسيين لتقديم قراءة أولية في التشكيل الوزاري الجديد، وتوقعاتهم حول أداء الحكومة الفترة المقبلة.
إرضاء الدانيين
جاء أحمد كوجاك في التشكيل الوزاري الجديد وزيرًا للمالية، خلفًا لـ محمد معيط الذي شغل المنصب منذ عام 2018. وقد عمل الوزير الجديد كـ خبير اقتصادي سابق لدى البنك الدولي، فيما عُرف بتوجهه الداعم للمستثمرين. وحل كريم بدوي كوزير للطاقة بديلًا عن طارق الملا، وقد عمل الأول في شركة خدمات النفط الأميريكية “شلمبرجير” لأكثر من 25 عامًا. فيما شغل وزير الاستثمار الجديد حسن الخطيب مناصب عليا، بما في ذلك منصب المدير التنفيذي في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بين عامي 2012 و 2023.
يقول عمرو عبد الرحمن – عضو أمانة اللجنة المركزية لحزب العيش والحرية تحت التأسيس-، إنه “يتضح أن وزراء المجموعة الاقتصادية تم اختيارهم في الأساس لإرضاء شبكة واسعة من الدائنين وأصحاب الفوائض المالية، تحديدًا دول الخليج العربي، إضافة إلى محاولة إعادة بيع الخطة التي يعمل بها النظام منذ أكثر من عام التي تتلخص في مزيد من الاقتراض، وجذب مزيد من رأس المال الخليجي، خاصة بعد صفقة رأس الحكمة وقرارات التعويم”.
ويظهر ذلك -حسب “عبد الرحمن”- في اختيار وزير المالية الذي كان يعمل في صندوق النقد الدولي وكان مسؤول عن عمليات إدارة الدين الحكومي داخل الوزارة، وفي اختيار وزير الاستثمار الذي جاء من واحدة من أكبر صناديق الاستثمار الخاصة في العالم وحتى وزير التموين الذي جاء من القطاع البنكي، وغيرها من الاختيارات التي تشير إلى أن اختيارهم للمجموعة الاقتصادية جاءت لتنفيذ نفس السياسة الخاصة بطرح أذون الخزانة الحكومية وإعادة هيكلة الدعم وتحويله إلى دعم نقدي أو حتى إلغائه تدريجيًا ورفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، وما إلى ذلك.
ويرى عضو أمانة اللجنة المركزية للعيش والحرية، أن الاختيارات قائمة على إرضاء تحالف الدائنين وأصحاب الاستثمارات القابلة لتحويلها إلى مصر عن طريق ديون قصيرة الأجل بالاستثمارات في السندات، مشيرًا إلى أن السندات الحكومية المصرية المقومة بالدولار قفزت بمجرد اعلان أخبار التشكيل الوزاري، وهذا مؤشر يدل على توجه الدولة واهتماماتها. مؤكدًا أن مصر مقبلة على مرحلة صعبة والحكومة المصرية سوف تتبع سياسات قاسية، شوهدت مؤشراتها الأولية في مراحل التعويم وإلغاء الدعم، خاصة رغيف العيش.
يضيف أن اختيار باقي الحقائب الوزارية جاء من خلال معيار واحد وهو الولاء، مثلًا اختيار بدر عبد العاطي لوزارة الخارجية ليس له معنى سوى أن الدولة تريد من وزرائها الولاء فقط، بخاصة أن هناك شبهات فساد ألحقت به وتردد ذلك في بعض الصحف، و”مع ذلك، تم اختياره متجاوزين عددًا من الكفاءات داخل السلك الدبلوماسي، في ظل ظروف حساسة، وكان يجب أن تكون معايير الاختيار مختلفة؛ لكنهم اكتفوا بشرط الولاء فقط”.
ارتبط اسم بدر عبد العاطي الذي شغل عدد من المناصب في وزارة الخارجية منذ 1991، بتقارير عن قيام بعثة من الرقابة الإدارية في مصر بمداهمة السفارة المصرية في برلين في أبريل 2017 ومداهمة مقر إقامة عبد العاطي، للتحقيق معاه في تبديد مقتنيات للسفارة، قيل إن من بينها سجادة تراثية ولوحة زيتية، قيمتهما تصل إلى ربع مليون يورو. إلى جانب شراء سيارة مرسيدس على نفقة السفارة، وبدلا من تسجيلها باسم السفارة، سجلها باسمه الشخصي.
في المقابل، نفت خارجية مصر ما تردد عن استبعادها سفيرها في ألمانيا، بدر عبد العاطي، بسبب اتهامات بالاختلاس. وقالت إنه تعقيبًا على ما نشرته بعض الصحف والمواقع الإخبارية نقلا عن مصادر مجهولة، بشأن تجاوزات بسفارة مصر في برلين، وخضوعها لإجراءات رقابية دورية، فإنها تنفي نفيًا قاطعًا توجيه أية اتهامات بالاختلاس لسفيرها في برلين، أو تسجيل إحدى سيارات السفارة باسمه.
وكانت صحفًا أجنبية قد نقلت عن سياسيين و حقوقيين مصريين في ألمانيا وصفهم للسفارة المصرية في برلين في عهد “عبد العاطي” بأنها تعمل وكأنها جهاز أمني سري، واستشهدت تلك التقارير بحالة الباحث المصري المعروف إسماعيل الإسكندراني الذي ألقي القبض عليه فور عودته إلى مصر بعد زيارة برلين في إطار عمله البحثي الأكاديمي. وتزايدت تلك الاتهامات مع اتهام موظف يحمل الجنسيتين الألمانية والمصرية ويعمل في مكتب المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل بالتجسس لصالح المخابرات المصرية في يوليو 2020.
دمج الوزارات
شهدت حكومة مدبولي الجديدة دمج أربع وزارات؛ وزارة التخطيط مع وزارة التعاون الدولي وتولتها رانيا المشاط، ووزارة الخارجية مع وزارة الهجرة وتولاها السفير بدر عبدالعاطي، فيما تولى الفريق كامل الوزير وزارة النقل مع وزارة الصناعة ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء، كما يتم ضم قطاع التجارة إلى وزارة الاستثمار.
وعن دمج الوزارات قال الباحث الاقتصادي، إلهامي الميرغني – عضو المكتب السياسي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي- إن دمج وزارتي التخطيط والتعاون الدولي في وزارة واحدة يعتبر اتجاه إيجابي، يحقق التكامل بين تخطيط الاستثمارات وتمويلها. وقد كانت كذلك في فترات سابقة في ظل فايزة أبو النجا في وزارة أحمد شفيق عقب ثورة يناير من عام 2011؛ لكن هناك دمج لن يحقق المطلوب مثل دمج وزارتي التجارة الخارجية والاستثمار رغم أن مهامهم ووظائفهم مختلفة.
وعن دمج وزارتي النقل والصناعة، يرى “الميرغني” أن الوزارتين هما عصب التنمية وكان من الأفضل فصل وزارة الصناعة عن وزارة التجارة الخارجية وأن يصبح كل منهما وزارة مستقلة بوزير متفرغ لها. لكن إلحاقها بوزارة النقل يضعف من دورها وأهميتها ويجعلها مجرد ملحق على وزارة النقل مع تباعد الأهداف والغايات بينهما. بينما “نحن نحتاج لرؤية شاملة للتنمية الصناعية والتصنيع في مصر؛ فمصر تحتاج إلى وزارة صناعة مستقلة، لا أن تكون زوجة ثانية ملحقة بوزارة النقل”.
يختتم عضو المكتب السياسي رؤيته للتشكيل الوزاري الجديد بأن جميع التغييرات التي شهدها مجلس الوزراء شكلية، وهم يعتمدون على تغيير الأشخاص مع استمرار السياسات وبالتالي استمرار الأزمة، بينما كان الهدف الأهم هو تجاوز الأزمة والبحث عن حلول مبتكرة من خارج الصندوق والحلول التقليدية، ما يعني تغيير السياسات وليس الأشخاص.
وتولى وزير الصحة خالد عبد الغفار منصب نائب رئيس الوزراء في ملف التنمية البشرية، فيما يشغل وزير النقل كامل الوزير منصب نائب رئيس الوزراء في الشؤون الصناعية.
كشف “الوزير” عن خطته في وزارتي النقل والصناعة خلال الفترة المقبلة. وأفاد بأنه سيعمل على تقسيم يومه بين وزارتي الصناعة والنقل، من الساعة 8 صباحًا لـ3 عصرًا بوزارة الصناعة، ومن 3 عصرًا لـ10 مساءً بوزارة النقل، ما لاقى سخرية شعبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
لا شفافية ولا معلومات
في السياق نفسه، يرى الكاتب الصحفي والسياسي خالد داوود، أن إعادة تعيين مدبولي رئيسًا للوزراء رغم الأزمات التي اندلعت في فترة رئاسة مجلس الوزراء، يعد مؤشرًا لعدم وجود أية تغييرات، وهذا ما حدث عمليًا. يضيف: هناك نقص في المعلومات وعدم شفافية وانفصال بين ما يحدث والرأي العام، فنحن لا نعلم من تم استبدالهم في الوزارة، وأسباب استبعادهم، وكيفية الاختيار في الحقب الوزارية والمعايير.
يبدي “داوود” تخوفه من سيطرة المصالح الخاصة على القطاعات الهامة مثل التعليم والصحة، مشيرًا إلى أن وزير التعليم الجديد تتركز خبرته في إدارة “مجموعة مدارس”، ما يمكن أن يتسبب في المزيد من التخبط تحت مسمى التطور، مؤكدًا أن الوزارات في مصر عبارة عن سكرتارية تنفيذية للرئيس السيسي، صاحب القرار الحقيقي، ومشيرًا إلى أن عدم الشفافية والضبابية في اتخاذ القرار تنطبق أيضًا في حركة المحافظين التي سيطرت عليها المناصب العسكرية.
تحت عنوان هل جامعة كارديف سيتي التي حصل وزير التربية والتعليم المصري الجديد على الدكتوراه…حقيقة أم وهمية؟، كشفت مبادرة fact check بالعربي أن شهادة الدكتوراه التي جاءت في السيرة الذاتية لوزير التربية والتعليم الجديد محمد عبد اللطيف، التي ذكر أنه حصل عليها من جامعة كارديف سيتي في الولايات المتحدة الأمريكية وتعتبر ضمن أحد إنجازاته، تعتبر وهمية. وبحسب المبادرة، فإن الجامعة (كارديف سيتي في الولايات المتحدة الأمريكية) و موقعها الالكتروني، وهميين، وتمنح أوراق وشهادات وهمية، ولا يوجد لها حرم جامعي أيضا. والجامعات الوهمية تكون عادة شركات دون حرم أو أعضاء هيئة تدريس تمنح أوراق أو شهادات غير معترف بها أكاديميًا.
التمثيل النسائي والمسيحي
تساءل عدد من النشطاء والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي عن تمثيل النساء والمسيحيين. إذ اعتبر البعض أن تمثيل النساء جاء باهتًا في التشكيل الجديد؛ فتقلصت عدد الحقائب الوزارية التي تولت مسؤوليتها النساء إلى أربع وزارات فقط، حيث تولت رانيا المشاط منصب وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، ومايا مرسى منصب وزير التضامن الاجتماعى، وياسمين أحمد فؤاد منصب وزير البيئة، ومنال عوض ميخائيل منصب وزير التنمية المحلية. كما كشف التشكيل الحكومى الجديد عن وصول خمس سيدات لمنصب نائب الوزير. وفي مجلس الوزراء لم يكن في تمثيل المسيحيين سوى وزيرة واحدة فقط وهي منال عوض ميخائيل التي شغلت منصب وزير التنمية المحلية.
في هذا السياق، تقول منى عزت – استشاري التمكين الاقتصادي والنوع الاجتماعي، ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة النون لرعاية الأسرة-، إن من حيث عدد النساء في الحكومة الجديدة أقل عن سابقيه، لكن في المقابل هناك ثلاثة منهم في وزارات غير تقليدية وغير معتادة للنساء؛ منها التعاون الدولي والتنمية المحلية والبيئة، أما وزيرة التضامن فكانت رئيس للمجلس القومي للمرأة ولديها خبرات طويلة في التعامل مع الآليات الدولية وخبرة في قضايا النساء، وله دلالته في العمل في هذه الوزارة.
وعن التمثيل المسيحي، تقول “عزت” بالتأكيد كلما راعت الحكومة التنوع في المجتمع المصري كلما كان أفضل، ما يعطي مثالًا على فكرة المواطنة والعدالة لكل التنوعات الموجودة في المجتمع، مؤكدة ضرورة إعلان الحكومة استراتيجية عملها الفترة القادمة للرأي العام عملا بمبدأ الشفافية والمشاركة.
وبحسب الدستور المصري وقانون مجلس النواب، فقد نصت المادة (146) من الدستور على أن: “يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال 30 يومًا على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال 30 يومًا، يعُد المجلس منحلًا، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال 60 يومًا من تاريخ صدور قرار الحل”.
ويبقى المصريون ما بين تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وبين اختيار “مدبولي” لوزراء حكومته، في غضب مكتوم، ينتظرون تغييرًا إيجابيًا ينعكس على أحوالهم المتدهورة.