“لا شموع… لا ضوء!”: نقص خامات البرافين يُهدد بديلًا أساسيًا للكهرباء في مصر

نقص خامات البرافين يؤثر سلبًا في صناعة الشموع في مصر
Picture of سهاد الخضري

سهاد الخضري

توارث حسين جابر الشماع (54 عامًا) مهنة تصنيع الشموع عن عائلته، ليصبح صاحب أقدم ورش تصنيع شموع في العاصمة القاهرة، إذ أقام جده الأكبر ورشة التصنيع بمنطقة الدرب الأحمر في القاهرة ستينيات القرن الماضي، ومازالت تعمل إلى الآن.

يقول لزاوية ثالثة: بدأ جدي الأكبر العمل في هذا المجال من خلال ورشة صغيرة، وبمرور الوقت ازدهر نشاطنا لنفتتح ورش أخرى في أنحاء المنطقة، نشتري خامات البرافين من الموردين ونقوم بتشكيلها”.

مادة شمع البرافين أحد مشتقات البترول، وتعد عنصرًا أساسيًا في تصنيع الشموع في مصر، ويحصل عليها المصنعون من خلال تعاقدات مبرمة مع شركات البترول، وتصل المواد الخام إلى المصنع بعد إجراء عمليات التنقية من خلال التخلص من المركبات الهيدروكربونية.

في حين يواجه المصنعون تحديات يصفونها بـ الكبيرة، نظرًا لارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج الأساسية وأبرزها خام شمع البرافين منذ بداية عام 2021، بنحو عشرة آلاف جنيه للطن، ليسجل في مارس من نفس العام نحو 45 ألف جنيه للطن، فى حين سجلت الخامات المستوردة منه نحو 100 ألف جنيه للطن. ووفق بيانات جهاز الإحصاء الحكومي، تراجعت صادرات مصر من خام شمع البرافين لتسجل 23.9 مليون دولار في عام 2021، في مقابل 110.4 مليون دولار لعام 2020.

 

ورغم الميكنة الحديثة وانتشارها، يرى “الشماع” أنه لا يمكن الاستغناء عن العمل اليدوي، يقول: “الماكينة قد تتوقف بسبب قطع الكهرباء؛ لذا نلجأ إلى العمل اليدوي في القوالب والاسطمبات”.

لم يتأثر حسين بالشموع صديقة البيئة التي احترفها البعض حاليًا، إذ يُصنّع شموعه برائحة اللافندر أو الفانيليا حسب طلب العميل، يقول: “أمزج العطور بالشمع الخام أثناء التصنيع“.

 رغم ذلك تواجه الصناعة بعض التعقيدات – حسب وصف حسين-، تتمثل في عدم توفر خامات البرافين المصنعة من مشتقات البترول لدى المورد والمتمثل في الجمعية التعاونية للبترول (شركة التعاون للبترول، إحدى شركات القطاع العام الحكومي) التي تورد حصص المصنعين ناقصة بمقدار ما بين 35 إلى 50%. وقد بدأت  بوادر الأزمة قبل عام تقريبا؛ ما يدفعهم إلى اللجوء للسوق السوداء لتدبيرها. يطالب بتوفير المواد الخام لهم إذ يتنوع عملائهم ما بين كنائس، ومساجد، وسياح، يقبلون على شراء منتجاتهم.

 تأثر “الشماع” بتخفيف الأحمال، وبات يحرص على إضافة مواد مصلبة بكميات كبيرة، منعًا لانصهار شموعه؛ ما رفع من تكلفة إنتاجها عليه. وحسب وصفه، فبات المواطن العادي مقبلًا على شراء الشموع بكثرة؛ خاصة في ظل انقطاع التيار الكهربي يوميًا ما بين ثلاث إلى ست ساعات تقريبًا.

تعد وكالة الشمع في الغورية بالدرب الأحمر بالعاصمة القاهرة، مدرسة لتعليم حرفة صناعة الشموع، ويرجع تاريخها إلى عام 1796، ورغم انتشار متاجر بيع الشموع يبقى حسين يصنعها، خاصة وأن بعض الورش القديمة لم يورث أصحابها المهنة لأولادهم كما فعل حسين الذي انتهج نهج والده في تعليم الصنعة لأبنائه، ليستكملوا الرحلة من بعده.

 

محمد الحسيني – صاحب مصنع شموع بمحافظة الإسكندرية- يعمل بهذا المجال منذ ما يزيد عن 30 عامًا، يحرص على التصنيع من خامات محلية الصنع اعتاد شرائها من شركة العامرية لتكرير البترول (تتبع الهيئة المصرية العامة للبترول)؛ إلا أنه شكا من تقليل الشركة حصته من المادة الخام “البرافين” منذ عام 2022، تزامنًا مع أزمة نقص العملات الأجنبية؛ ما أثّر على حجم إنتاجه. يقول: “اضطررت لشراء خاماتي من شركة أموك/ شركة الإسكندرية للزيوت المعدنية التي توفرها لكن بأسعار أعلى كثيرًا من منافسيها لاعتمادها على الخامات المستوردة”.

وحسب هيئة تنمية الصادرات، فإن أهم خمس دول صدرت مصر لهم إنتاجها من شموع البرافين خلال 2022، هي: ألمانيا، وإيطاليا، وجنوب إفريقيا، ونيجيريا وتل أبيب” ، إذ بلغ إجمالي صادرات القاهرة إلى ألمانيا 7.473.000 دولار، فيما بلغت الصادرات إلى إيطاليا 1.204.371 دولار، وقدرت مجمل صادرات مصر خلال العام ذاته من شموع البرافين إحدى عشر مليون و800 ألف دولار، وقد تركزت الصادرات خلال شهري يناير وفبراير فحسب.

 

أزمات توريد الخامات تلاحق المصانع

قبل 39 عامًا، بدأت عائلة نوفل العمل في تصنيع الشموع إلى أنها مع مرور السنوات طورت من صناعتها، لتضيف خامات الصويا والعسل إلى إنتاجها الشمعي لتمنحه روائح عطرية، لكن ظل البرافين أساس صناعاتهم.

 يحصل مصنع الشرقية المملوك للعائلة على خاماته من شركات الحكومة (العامرية لتكرير البترول والإسكندرية للزيوت المعدنية أموك)، حسب حديث  أحمد الخميسي – مالك المصنع- إلى زاوية ثالثة، فقد ظهرت أزمة تقليص حصتهم من الخامات الموردة لهم منذ 2020، علاوة على ارتفاع أسعار البرافين من 500 إلى 2350 جنيه خلال الفترة من يناير 2020 إلى يونيو 2024.

يقول: “دفعني ذلك للتوقف عن الشراء من شركة العامرية لتكرير البترول خلال العام الجاري بعد تقليص حصتنا من 2.5 طن إلى نصف طن فقط، بدعوى تنظيف الفلاتر أو التصدير”.

 ويصدر مصنع الشرقية إنتاجه إلى دول أوروبا والبلدان العربية فضلًا عن ضخ نحو 40% من إنتاجه للسوق المحلي، كما شارك في تنفيذ بعض الأعمال التاريخية رمضان الماضي كـ “الحشاشين وجودر”.

تواصلت زاوية ثالثة مع حمدى عبدالعزيز – المتحدث الرسمي لوزارة البترول- كما قمنا بمراسلته عبر تطبيق الواتس آب، لكن لم نتلقى منه حتى موعد نشر التقرير ردًا بخصوص الأزمة. تواصلنا أيضًا مع شركة العامرية لتكرير البترول للتعرف على أسباب خفض حصة مصانع الشموع من مادة البرافين خلال الفترة الأخيرة ورفض مسؤولوها التعليق.

 

تراجع صادرات مصر من البرافين

بلغت حجم صادرات مصر السنوية من شموع البرافين خلال الفترة من 2012 إلى 2022 نحو 397.1 مليون دولار . احتل عام 2016 أعلى نسبة صادرات من البرافين بإجمالي 69.1 مليون دولار محققًا معدل نمو 80.9%، فيما تراجعت الصادرات في 2022 إلى 11.9 مليون دولار بمعدل نمو متناقص -80.9%.

 بدأ ملاك مصنع الرضوي بمحافظة الدقهلية العمل في تصنيع الشموع قبل 23 عامًا، لم يعتمدوا على الأساليب القديمة في التصنيع، وأدخلوا أنواعًا جديدة من العطور كـ “الصويا والنخيل” لتخلط بالبرافين، يقول محمود منصور – مدير المصنع- في حديثه معنا: “تقلصت حصتنا بنحو 30% قبل ستة أشهر؛ ما دفعنا للعمل برصيدنا الاحتياطي، وتزامنًا مع خطة تخفيف الأحمال زاد الإقبال على شراء الشموع بنحو 25%، مطالبًا الشركات بالالتزام بتسليم حصتهم من المواد الخام”. 

شموع صديقة للبيئة 

الشموع صديقة للبيئة نوع جديد انتشر خلال السنوات الأخيرة يصنع من خامات غير بترولية كي لا تؤثر على مصنعها ومستخدمها، لا ينجم عنها أضرار صحية، لذا تصنع من خامات باهظة الثمن كـ “الصويا، والعسل، والجيل، والنخيل”. تتميز بارتفاع عدد ساعات الاحتراق وعدم انبعاث أدخنة سامة وعدم الإضرار بالبيئة.

احترفت مصريات تصنيعه من منزلهن، إذ حوّلن منازلهن إلى ورش تصنيع، واستطاعت بعضهن تصديره  للخارج، من بينهن رنا أحمد (34 عامًا)، من محافظة الجيزة، احترفت تصنيع الشموع بداية من عام 2020، وكان حبها للشموع و العطور دافعًا لتتعلم عن تلك الصناعة عبر فيديوهات تعليمية تلقتها عبر الإنترنت، وتبدأ مشروعها بعد أن لاقت تصميماتها إعجاب أصدقائها.

 تقول: “بدأت عملي بتصنيع شموع البارافين، ثم اتجهت لتصنيع الشموع المعطرة الصديقة للبيئة من مواد الصويا والجيل وشمع العسل منذ 2021، استورد خاماتي من المملكة العربية السعودية لعدم توفرها في مصر”.

واجهت “أحمد” عقبات كغيرها من العاملين في مجال تصنيع الشموع المعطرة؛ أبرزها صعوبة استيراد الخامات من الخارج، تضيف: “تدبير شركة شحن توصل الخامات من الخارج للمصنعين ليس بالأمر اليسير، علاوة على ارتفاع أسعار الخامات خلال العام  الأخير؛ ما دفعنا لرفع سعر البيع 50%، ليبدأ سعر الشمعة من 250 جنيهًا، ويختلف السعر حسب الوزن ونوع العطر المستخدم؛ ما أدي لتراجع المبيعات بذات نسبة التضخم”، وبحسب رنا تتميز شموع العسل بالمرونة وسهولة التشكيل، أما الصويا فهي الأكثر استخدامًا.

اقتحمت أسماء أحمد (25 عامًا)، من محافظة القليوبية، مجال تصنيع الشموع المعطرة هي الأخري منذ أكتوبر 2023، ورغم احترافها عمل قوالب الصويا إلا أنها توقفت عنها خلال الأشهر الماضية، تقول في حديثها إلينا: “اضطررت للتوقف عن استخدامها قبل أشهر لعدم توفرها في مصر، في الوقت ذاته لا أمتلك القدرة المادية لاستيرادها من السعودية أو أمريكا، ما دفعني للجوء إلى مادة النخيل”. وحسب حديثها، فقد تلقيت الشابة العشرينية طلبات تصنيع من خارج مصر.

بحسب تقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية تبعث الشموع ومعطّرات الجو أكثر من 100 مادة كيماوية مختلفة، منها “المركّبات العضوية المتطايرة”. وهذه المواد المحمولة جوًا تتضمن فئات واسعة من المركبات العضوية، مثل: “الليمونين” (رائحة الليمون) و”ألفا بينين” (رائحة أشجار الصنوبر)، و”بيتا بينين”، والمذيبات كـ”الإيثانول” ، و”الفورمالديهايد” ، و”البنزين”، و”التولوين” و”الزيلين”، وغيرها من المركّبات الكيماوية. تتفاعل هذه المركّبات العضوية المتطايرة مع الأوزون وغيره من المؤكسدات الداخلية لتولّد مجموعة من “منتجات الأكسدة” التي تحتوي على جزيئات سامة، تؤثر غالبًا على الصحة العامة للبشر.

بحسب عاطف وهدان – الأستاذ المساعد بمجال الأمراض الصدرية في جامعة الأزهر- تستخدم الزيوت العطرية في صناعة الشموع لتجنب سلبيات العطور الاصطناعية، ولكنها تسبب أيضًا مخاطر صحية.

يضيف في حديثه إلى زاوية ثالثة: “شمع البرافين خطر على صحة الإنسان لما يسببه من حساسية في الصدر وتليف الرئة، أما شمع الصويا والعسل أقل خطورة”.

و لتجنب أخطار دخان الشموع، ينصح “وهدان” بقص فتيلة الشمعة بانتظام، لتقليل كمية الدخان التي يتم إطلاقها، واستخدم الشموع في مناطق جيدة التهوية، وإطفاء الشموع قبل مغادرة الغرفة أو قبل النوم، والحرص على إبعاد الشموع عن المواد القابلة للاشتعال وإبعادها عن متناول أيدي الأطفال.

يحاول مالكو المصانع والورش ومصنعي الشموع المستقلين المضي قدمًا لتطوير صناعاتهم؛ لكن يقابلهم تحديات متزايدة بدءًا من نقص الخامات وحتى زيادة الأسعار والتضخم، ليبقوا قيد الأمل في تغيير منتظر قبل أن تنهار صناعتهم.

 

سهاد الخضري
صحفية مصرية عملت في عدد من الصحف المصرية والمواقع العربية، وتهتم بالتحقيقات والقصص الإنسانية.

Search