ظهر مفهوم الاقتصاد الأخضر في مصر استجابةً للأزمات العالمية المتسارعة، مثل تغير المناخ وندرة الموارد، التي هددت التنمية المستدامة. سعت مصر من خلال تبني هذا المفهوم إلى إطلاق مبادرات ومشروعات تخدم اقتصاد صديق للبيئة، ما يسهم في خلق فرص عمل جديدة للشباب، وتحول نمط الاستهلاك نحو الاستدامة الذي بدوره يحسن كفاءة استخدام الموارد. فكيف تخدم المبادرات المصرية المستقلة مشروعات المنطقة نحو أهداف الاقتصاد الأخضر، وما معوقات نجاح هذه المشروعات؟
بحسب الهيئة المصرية العامة للاستعلامات، فإن مصر توجهت للاقتصاد الأخضر بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، ضمن فعاليات مؤتمر المناخ الذي عقد بمدينة بجلاسكو الاسكتلندية، بهدف الحد من انبعاثات الاحتباس الحراري، الناتج عن النشاط الصناعي، في مختلف المجالات، وإعادة تدوير المخلفات. وحتى تستطيع مصر تنفيذ هذه الاستراتيجية طرحت السندات الخضراء السيادية كأول دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بقيمة بلغت 750 مليون دولار، وتتمثل في صكوك استدانة تقدم للراغبين في تنفيذ مشروعات بيئية أو مناخية، وتسدد قيمة الصك على خمس سنوات، بعائد تصل قيمته إلى 5.25%.
تُقدَّر حصة مصر من الانبعاثات الكربونية العالمية بنحو 0.6% فقط، ما يجعلها من بين الدول ذات المساهمة المحدودة نسبيًا في الانبعاثات. ومع ذلك، شهدت مصر ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الانبعاثات خلال العقود الأخيرة. وفقًا لتقرير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لعام 2015، ارتفعت الانبعاثات الكربونية في مصر بنسبة 140% بين عامي 1990 و2016، ما يعكس التطور السريع في البصمة الكربونية. كما بلغت نسبة الانبعاثات الكربونية في مصر 44% في عام 2019، وفقًا لتقرير مؤشر الأداء المناخي المصري الصادر عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية. وخلال الفترة من 2013 إلى 2021، بلغ إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في مصر 238.6 مليون طن، حسب دراسة أجرتها كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية.
وأرجعت الدراسة هذا الارتفاع إلى زيادة استهلاك الوقود الأحفوري، إذ بلغ متوسط استهلاك الوقود 516.4 تيرا وات في الساعة خلال تلك الفترة. على الرغم من هذه المؤشرات، لا تزال مساهمة مصر في الانبعاثات العالمية منخفضة، حيث سجلت في عام 2015 حوالي 325 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وفقًا للتقرير المُحدَّث الأول كل عامين، الذي صدر في عام 2019.
نوصي للقراءة: على ضفاف النيل.. أسوان تعيش 12 يومًا بلا مياه
مخلفات أشجار الموز
داخل مركز ساقلتة بسوهاج، المعروف بانتشار مزارع أشجار الموز، كان الأهالي يتشاجرون في موسم الحصاد من كل عام، بسبب إلقاء مخلفات الأشجار في الطرقات وعلى حواف الترع والمصارف، إضافة إلى تزايد مشكلة السحابة السوداء التي اعتاد الأهالي رؤيتها سنويًا بسبب حرق المخلفات.
كان بعض شباب القرية يفكرون في طريقة آمنة للبيئة تسهم في التخلص من المخلفات، حتى شاهد محمد يسري – المدير التنفيذي لشركة بنانا آرت، المتخصصة في الصناعات صديقة البيئة-، فكرة تحويل ألياف أشجار الموز إلى مادة خام قابلة للتصنيع، ويتم تنفيذها في الهند، من هنا بدأ من مسقط رأسه واتسعت رقعة نشاطه إلى نقل مخلفات الأشجار من أسوان إلى سوهاج لإعادة تدويرها.
انطلقت الفكرة على خلفية حرق الأهالي مخلفات شجر الموز بعد قطف ثماره، فيما تشير البيانات الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن قطاع الطاقة يعد أكبر مصادر الانبعاثات الكربونية في مصر بنسبة 64.4% من حجم الانبعاثات ووصلت نسبة الانبعاثات الكربونية الناتجة عن حرق المخلفات إلى 8.5% من إجمالي نسبة الانبعاثات التي تخرج من مصر، إضافة إلى قيام المزارعين بإلقاء المخلفات بـ الترع ومصارف المياه، أو إلقاء المخلفات على الطرقات، ما يتسبب في نشوب الخلافات بين الأهالي وتلويث البيئة.
يقول يسري – صاحب مبادرة “بنانا آرت” لإعادة تدوير مخلفات أشجار الموز-، في حديثه مع زاوية ثالثة: “اكتشفت أن مخلفات الموز في سوهاج، وأسوان لم تؤثر سلبًا على البيئة فحسب، وإنما خلقت خلافات بين الأهالي بسبب إلقاء المخلفات على الطرق التي قد تتسبب في غلقها وانزعاج الأهالي من وجودها، بسبب حرقها الذي ينتهي بإصابة الأطفال وكبار السن بالربو. وموسم حصاد الموز سنويًا لا يمر إلا بحدوث مشاكل بين الأهالي في القرى.”
تنتج مصر سنويًا من مخلفات أشجار الموز 1.650 مليون طن موزعة على مساحة 83 ألف فدان، وتستحوذ أسوان وسوهاج وأسيوط وقنا، على النصيب الأكبر من إجمالي حجم المخلفات وبناءً على تقرير صدر عن وزارة الزراعة المصرية عام 2018، فإن أسوان وحدها تضم 27 ألف فدان تنتج نحو 50 ألف طن من المخلفات.
ويمثل قطاع الزراعة في مصر ثاني أكبر مسبب للانبعاثات الكربونية، حسبما أظهرت بيانات البنك الدولي، إذ بلغت نسبة الانبعاث الكربوني الصادرة عن النشاط الزراعي 10.2% من حجم الانبعاثات الكلية لعام 2016، بما يعادل 32 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون بارتفاع ملحوظ مقارنة بالسنوات الماضية، إذ سجلت نسبة الانبعاثات الكربونية عام 1990 تبلغ 2% في القطاع الزراعي. وذكرت ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة المصرية في تصريحات سابقة، أن قطاع الزراعة يتسبب في توليد 19 -20% من إجمالي نسبة الانبعاثات الكربونية على مستوى العالم، إضافة إلى تسبب الممارسات الزراعية الخاطئة في تدمير نحو 80% من الغابات عالمياً.
دفع ذلك يسري وصديقيه إلى مساعدة المزارعين للتخلص الآمن من هذه المخلفات ووصلوا إلى فكرة إعادة تدوير سيقان الأشجار واستخراج الألياف القابلة لإعادة تصنيعها. يشرح: “نجحنا في استخراج الألياف ووصلتنا عروض لشرائها، لنصبح مصدرين لكننا فضلنا استغلال هذه المخلفات لابتكار منتج صديق للبيئة وفي نفس الوقت يوفر فرص عمل.”
حسب صاحب المبادرة، فقد سجل عام 2018 نجاح التجربة الأولى للمبادرة التي تمكنت من تقديم مشغولات يدوية ومنتجات صديقة للبيئة صنعت خصيصًا من مخلفات أشجار الموز، استخدم في ذلك ماكينة فرم الأشجار ومخلفاتها، بلغت تكلفة تصنيعها محليًا نحو ثمانية آلاف جنيه، بدلاً عن استيرادها بتكلفة 45 ألف جنيه، وساهمت المبادرة في توفير دخل ثابت لعدد 20 أسرة بداية إطلاقها، وبنهاية أغسطس عام 2022 وصل عدد العاملين/ت في المشروع إلى ألف شخص. كما ساهمت المبادرة في خلق حالة من التعاون بين المزارعين، والفريق، الذي تمكن بدوره من إنتاج اكسسوارات وحقائب نسائية من ألياف أشجار الموز، وتوفير فرص عمل للنساء المعيلات داخل قرى أسوان.
ويضيف: “تمكننا من ابتكار منتج يدوي طبيعي بالمواصفات العالمية التي تمنحه فرصة التصدير خارج مصر وشاركنا في بمنتجاتنا في معارض نظمت بإيطاليا والأردن.”
تنتج مصر سنويًا من نفايات الملابس والمنسوجات 1.4 مليون طن، ووفقًا لدراسة أجراها مكتب بلومين وريفيرس ريسورسز، التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، بهدف دراسة خرائط النفايات في مصر، تبين أن صناعة النسيج والملابس المصرية تنتج 212 ألف طن سنويًا من النفايات بعد الصناعة ونسبة القطن في هذه النفايات عن 50% بحسب ما جاء في بيان نشره بنك الكساء المصري.
ووفق النتائج التي أقرتها دراسة سلسلة القيمة لمخلفات الغزل والنسيج، فإن 50% من المخلفات تتكون من القطن وألياف متنوعة، فيما تصل نسبة البوليستر في المخلفات نحو 20%، والأخيرة تشكل معوقًا أمام إعادة تدوير هذه المخلفات. جرت الدراسة ضمن برنامج سويتش ميد، المدعوم من قبل الاتحاد الأوروبي، وتنفذ منظمة الأمم المتحدة للتنمية هذا المشروع بهدف تعزيز فرص إعادة التدوير، وبحسب الدراسة فإن حجم الواردات المصرية من قطاع الغزل والنسيج بلغ 4.4 مليار دولار خلال عام 2019، وتصدر مصر سنويًا نحو 188 ألف طن من ألياف المنسوجات، فيما تحتاج أسواق المنسوجات المصرية القطنية نحو 78 ألف طن، ويبلغ حجم خيوط الغزل المصنوعة في مصر 140 ألف طن تقريبًا.
نوصي للقراءة: كيف تسببت شركة “إعمار” الإماراتية في تآكل شواطئ مصرية؟
مبادرة “جرين فاشون”
فكرت هدير شلبي – رائدة أعمال من المنوفية- في أن تبدأ مبادرة “جرين فاشون” داخل المنوفية التي تنتشر فيها معاناة النساء الاقتصادية، لتدشن مبادرة خط أزياء أخضر تمثله شركة “جرين فاشون” في 2018، بهدف تمكين النساء الريفيات من تحقيق استقلالهن المادي، بما يتسق مع المسؤولية البيئية. تقوم الشركة بتحويل مخلفات المصانع من الأقمشة بأسلوب الترقيع إلى منتجات جديدة.
تقوم عملية الإنتاج الأخضر الذي تتبعه شركة “جرين فاشون” على استخدام أقمشة صديقة للبيئة قابلة للتحلل، لا تدخل في تصنيعها أي مواد كيميائية، مستهدفة تقليل استخدام المياه وتفضيل استخدام الطاقة النظيفة أثناء التصنيع بنسبة 90%، أيضًا أطلقت – بحسب وصفها- مجموعة مراكز استدامة في عدد من المحافظات، هدفها تعليم النساء صناعة الجلود والمشغولات اليدوية وتدوير الأخشاب في فن الديكوباج، ونجحت في توفير فرص عمل للكثير من النساء القرويات.
تقول بسمة محمد (21 عامًا) وهي واحدة من العاملات في ورش مراكز الاستدامة بالمنوفية، إنها تعلمت داخل ورشة المبادرة تحويل مخلفات الأقمشة إلى منتجات جديدة صديقة للبيئة. تغيرت نظرتها للحياة من حولها خاصة بعد أن عرفت كيف تستفيد من الوقت بدلا عن هدره، إضافة إلى ذلك فإنها استطاعت الحصول على فرصة عمل.
تضيف في حديثها معنا: “هنا عرفت كيف نعيد استخدام كل شيء، لم أكن أفهم في البداية قيمة ما نفعله، إلا أنني أدركت أننا نخدم البيئة ونقدم منتجات جديدة من خامة كان مصيرها صندوق القمامة.”
شهد يناير 2023، إطلاق النسخة الأولى من مبادرة “الشياكة المستدامة” لبنك الكساء المصري بالتعاون مع مركز كوكون الثقافي، وهو مركز ثقافي يقدم ورش عمل في إنتاج الموسيقى، وإعادة تدوير الورق، وصناعة الشموع، إضافة إلى استضافة الجلسات السمعية والفعاليات الفنية المتنوعة. وقد استهدفت المبادرة، تغيير سلوكيات الأفراد غير الواعية للمنسوجات وتقلل استهلاك الموضة السريعة، وكانت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد، قد شهدت تدشين المبادرة لدعم قطاع الاستثمار في صناعة إعادة التدوير، التي تسهم بدورها في المحافظة على الموارد البيئية.
وخصصت المبادرة برنامج تدريبي استهدف تأهيل أكثر من 80 مصممة أزياء في ورش مستقلة، جرت بالتعاون مع البنك التجاري الدولي ومركز كوكون الثقافي، ركزت المبادرة على تجميع مخلفات الملابس للاستفادة من الأقمشة غير القابلة للبيع أو الاستعمال المباشر، مستهدفة بذلك المدارس والجامعات والمولات التجارية الكبرى والمتاجر، فيما يتم تقسيم أصناف وأنواع المخلفات بعد جمعها، ويعاد تدوير هذه المخلفات لاسيما بواقي أقمشة المصانع واستخدامها في صناعة منتجات جديدة كـ استخدامها في حشو المراتب والمخدات، إضافة إلى صناعة حقائب صديقة للبيئة وقابلة للتحلل للحد من انتشار الحقائب البلاستيكية. وتقليل الأثر البيئي الناجم عن استهلاك الموضة السريعة، إضافة إلى تحسين التوعية بالملابس المستدامة.
نوصي للقراءة: كارثة بيئية متجددة: مصنع سُكّر يُهدّد صحّة سكان قرية الفواريقة
مبادرات بيئية لدعم السياحة
يؤكد الخبير البيئي حسن فؤاد الطيب، أن المبادرات البيئية تسهم في نشر الوعي البيئي وتوفر فرص عمل بطرق مباشرة وغير مباشرة، وقد نجح في إطلاق العديد من المبادرات البيئية من خلال جمعيته “الإنقاذ البحري وحماية البيئة بالغردقة”، ومنها ما كان هدفه تنظيف الشواطئ للحفاظ على الشعاب المرجانية التي تجذب محبي سياحة الغوص حول العالم.
يقول، إن المبادرات التي تطلقها الجمعية ساهمت في تشغيل آلاف الشباب على السفن البحرية موزعين على 20 ألف سفينة خاصة بالرحلات البحرية، ويضيف: “المبادرات هدفها الحفاظ على الحياة البحرية البيئية، الذي يساعد بدوره في الحفاظ علي الثروات السمكية وهى دورة للحياة تكمل بعضها البعض.”
بحسب حديثه، تأسست الجمعية سنة 2016، والمشهرة برقم 212، في مدينة الغردقة، بهدف حماية البيئة البحرية من التلوث، من خلال التخلص من بقع الزيوت الناتجة عن تسريب السفن وخطوط البترول في المياه، ومكافحة نجمة البحر المدمرة للشعاب المرجانية، إلى جانب إعداد الكوادر الشابة وتأهيلها على الإنقاذ البحري بالإضافة إلى تدريب المتخصصين على قيادة اللنشات المطاطية المستخدمة في عمليات الإنقاذ، ومواجهة رحلات تهريب المهاجرين غير الشرعيين عن طريق البحر.
وأطلقت الجمعية مجموعة من المبادرات والتي شملت تأهيل وتدريب الشباب على رياضة الغوص، بالتعاون مع الأكاديمية البحرية واللنشات البحرية، بالإضافة إلى الإنقاذ البحري بالشواطئ وحماية السياح الأجانب والمحليين في محافظة البحر الأحمر من الغرق وشملت المبادرة التعاون مع جمعية المحافظة على البيئة وجمعيات البحر الأحمر بهدف اكتشاف مواقع غطس جديدة. كما نفذت مبادرة، استهدفت تنظيف شواطئ البحر الأحمر لاسيما في جزيرتي مجاويش والجفتون، بهدف حماية الشعب المرجانية.
ويؤكد حسن أن المبادرة قدمت عدة أبحاث خاصة باستزراع الشعاب المرجانية إلى جانب استزراع خيار البحر، ويضيف: “تطوع في المبادرة الخاصة بحماية الشعاب المرجانية مجموعة من الباحثين من معهد علوم البحار، لتقديم الخبرات في مجال الاستزراع، ووصلنا إلى الاستزراع بطرق حديثة.”
نوصي للقراءة: انقطاع المياه في الغردقة.. أزمة تهدد السكان والسياحة
أنقذ حياة شجرة
ساهم الترويج لأهمية الوعي البيئي، في توجيه أفكار الشباب إلى مشاريع إعادة التدوير، إذ ابتكر إسلام رجب، المتخرج في كلية الحقوق جامعة بني سويف، ومقيم في الفيوم، طريقة لتحويل براميل النفط إلى أثاث منزلي، وقدم فكرته كمقترح مشروع مستدام لصالح المعهد القومي للحوكمة والتنمية المستدامة، بالتعاون مع وزارة التخطيط.
فكر إسلام، في البحث عن مشروع يسهم في تقديم أثاث منزلي ومكتبي، معاد تدويره بدلاً عن قطع الأشجار. وقد بدأ من منزله شغفًا بإعادة تدوير المخلفات من ورق وحديد وأخشاب وغير ذلك. على المستوى الشخصي، أعجبته الشخصيات الجديدة لكل قطعة كان مصيرها صندوق القمامة.
تطورت تطلعاته بتدوير المخلفات إلى الدراسة والبحث حتى استقر على فكرة تحويل البراميل إلى أثاث منزلي” بدوره أطلق مبادرة “ECO Furniture” التي تحولت لاحقًا إلى شركة للأثاث المنزلي المعاد تدويره من البراميل، والتي قامت على مجموعة من الأهداف؛ أولها الحفاظ على الأشجار وعدم قطعها لإنتاج الأخشاب المستخدمة في صناعة الأثاث، وتقديم منتج للمستهلكين لسعر وتكفلة أقل مقارنة بأسعار الأخشاب، إلى جانب إعادة التدوير.
استطاع إسلام أن يوفر فرص عمل للحرفيين من العاملين في مجال الحدادة والتنجيد وغيرهم حسب الطلب، ويقول في حديثه معنا: “لم أتخيل أن فكرة تدوير البراميل إلى أثاث تحقق هذا النجاح، ويتم الطلب عليها بوفرة في المقاهي، لكننا في الشركة قمنا بتطوير أشكالها حتى تجذب الأسر ويتم استخدامها كبديل عن الأثاث الخشبي.”
أطلقت مصر مبادرة 100 مليون شجرة، بالتزامن مع إطلاق الدورة 27 من مؤتمر المناخ الذي استضافته مصر في عام 2022، واستهدفت المبادرة توزيع الأشجار على مساحة 6600 فدان بغرض تحويلها إلى غابات وزيادة نصيب الفرد الذي يقدر ب 1.2 متر مكعب لكل فرد من المساحات الخضراء، إضافة إلى خفض انبعاثات الكربون بنسبة 20% من إجمالي انبعاثات مصر السنوية.
وفي الأشهر الماضية اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي غضبًا بسبب ما أطلق عليه المصريون “مذابح الأشجار أو مجازر الأشجار“، كنتيجة للقطع الجائر للأشجار، التي بررته الحكومة بأنه جاء لتوسعة الطرق، وتخصيص أماكن لبناء كباري. وقد بدأت مذابح الأشجار في مصر منذ عام 2014، بدعوى توسيع الطرق والتنمية العمرانية، وبالاشارة إلى تقرير نشرته زاوية ثالثة، تتبعت فيه موجات الذبح وأثرها على نصيب الفرد من المساحات الخضراء، فإنه في الفترة من 2013 وحتى 2023 تعرضت مصر لخسارة أكثر من خمسة ملايين ونحو 60 ألف متر مربع من الغطاء الشجري، الذي انخفض منذ عام 2000 بنسبة 0.33 % من المساحات الخضراء. ويشير التقرير إلى تراجع نصيب الفرد في مصر من المساحات الخضراء إلى 17 سم، فيما تؤكد توصيات منظمة الصحة العالمية أن نصيب الفرد يجب أن يكون تسعة أمتار مربعة، فيما يتنافى ذلك مع استراتيجية مصر 2030 للتنمية المستدامة ويخالف أهداف مبادرة اتحضر للأخضر التي تدعو إلى التشجير وأهميته في مواجهة ظاهرة موجات الاحترار العالمي.
وخسرت مصر من الغطاء الشجري خلال الفترة من 2001 إلى 2023، حوالي 4472.6 فدانًا من المساحات الخضراء، وهو ما يمثل 1.2% من إجمالي مساحة الأشجار. وبنسبة 95% من الأشجار المفقودة فإنها تعرضت للذبح نتيجة الإزالة المتعمدة للأشجار، سواء بسبب التوسع العمراني أو أنشطة أخرى، أدى هذا الفقدان إلى انبعاث حوالي 553 ألف طن من الانبعاثات الكربونية خلال هذه الفترة. هذه الأرقام تسلط الضوء على التحديات البيئية التي تواجهها مصر فيما يتعلق بالحفاظ على غطائها الشجري، خاصةً مع تزايد النشاط العمراني.
وتشير المعلومات إلى تراجع المساحات الخضراء في المدن الكبرى خاصة القاهرة والإسكندرية، وذلك نتيجة لعمليات التوسع العمراني وإزالة الأشجار حيث فقدت القاهرة حوالي 910,894 مترًا مربعًا من الغطاء الشجري بين عامي 2017 و2020. فيما خسرت منطقة مصر الجديدة نحو 272,274 مترًا مربعًا من المساحات الخضراء. أما منطقة مدينة نصر فقد خسرت 311,283 مترًا مربعًا من الغطاء الشجري. وتعرضت الإسكندرية لخسارة حوالي 36% من مساحاتها الخضراء بين عامي 2013 و2023. ويُقدر ذلك بحوالي 2.92 مليون متر مربع.
مثلت مبادرة “شجرها” أحد أبرز المبادرات المستقلة لزراعة الأشجار في مصر، والتي شمل نشاطها تأهيل وتدريب الشباب على زراعة الأسطح والبلكونات وزراعة الأشجار المثمرة، وقد تم تدشينها من قبل عمر الديب عام 2016.
نجحت المبادرة في غرس 35 ألف شجرة مثمرة خلال عام 2022، وبلغ إجمالي الأشجار التي تم غرسها في الفترة من 2016 وحتى 2024 أكثر من 350 ألف شجرة مثمرة، موزعة بين 17 محافظة مصرية، بالإضافة إلى زراعة 10 آلاف سطح وبلكونة وشمل عدد المنضمين للمبادرة 180 مدرسة وجامعة، و 200 مؤسسة مصرية ودولية وشاركت شجرها، في 800 فعالية تشجير.
ويقول الديب في حديثه لزاوية ثالثة: “أشعر بالسعادة عندما أرى أشخاص يأكلون من الأشجار المثمرة التي قمنا بزراعتها من خلال المبادرة.”
تعليقًا، يشير الخبير الاقتصادي رشاد عبده، إلى إمكانية تحول جميع المشروعات الاقتصادية في مختلف القطاعات لصالح البيئة، لافتًا إلى ضرورة توجه الإنتاج المحلي لصناعة منتج صديق للبيئة حتى تفسح له طرق التصدير للخارج، ويضيف خلال حديثه مع زاوية ثالثة: “كل قطاع قابل لتحويله لصديق للبيئة وأفضل ما طرحته السلطة للدفع بعجلة الاقتصاد الأخضر هو طرح سندات البيئة.”
كما ينصح عبده، بضرورة التوقف عن تصنيع أكياس البلاستيك في مصر، نظرًا لأثرها السلبي على البيئة وصحة الأفراد، وبحسب تقارير رسمية فإن حجم النفايات من أكياس البلاستيك بلغ في الفترة من 2022 وحتى 2023 بلغ 2.5 طن.
وفقا لما ذكره مركز مالكوم كير كارنيجي للشرق الأوسط، المتخصص في القضايا المعاصرة للشرق الأوسط، فإن مصر من أسوأ الملوثين البيئيين في المنطقة في بعض القطاعات، فيما تشير التقديرات إلى ظهور التغيرات العالمية على مصر بسرعة واضحة مقارنة بغيرها من البلاد، فضلاً عن وقوع مصر في منطقة ترتفع فيها درجات الحرارة بما يتفوق على متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية.
وتبرز المبادرات التي تقدم منتجات صديقة للبيئة كحلول مبتكرة تجمع بين الاستدامة الاقتصادية وحماية البيئة. في ظل التحديات البيئية المتزايدة والتغيرات المناخية، من خلال تحويل المخلفات الزراعية والصناعية إلى منتجات مفيدة، وتسهم هذه المبادرات في تقليل حجم التلوث، دعم الاقتصاد الدائري والاقتصاد الأخضر، وتعزز وعي المجتمع بأهمية الاستدامة. علاوة على ذلك، توفر هذه المشاريع فرص عمل متنوعة، مما يدعم المجتمعات المحلية ويعزز التنمية المستدامة. ومن خلال تبني هذه المبادرات والتوسع فيها، يمكن بناء مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا، يجمع بين الحفاظ على البيئة وتلبية الاحتياجات الاقتصادية للمجتمع.