انقطاع المياه في الغردقة.. أزمة تهدد السكان والسياحة

مع استمرار انقطاع المياه في الغردقة، تتفاقم معاناة السكان وسط غياب الحلول الفعّالة من الحكومة
Picture of شيماء اليوسف

شيماء اليوسف

في محاولة يائسة لإنقاذ حديقتها، استخدمت أميرة المياه المعدنية لسقي الزهور، لكن هذه المحاولة لم تستمر طويلاً وانتهت بذبول حديقتها بالكامل. وقالت أميرة بحزن: “أبكتني رؤية حديقتي التي ماتت بسبب ندرة المياه، وأعاني الآن من عدم قدرتي على تنظيف منزلي.”
تشتكي أميرة أيمن، ربة منزل وأم لطفلين، من استمرار انقطاع المياه في حي مبارك 7 بالغردقة، لمدة تصل إلى 20 يومًا، مما اضطرها إلى إنفاق نحو 300 جنيه يوميًا لشراء المياه، بعد أن فشلت في الحصول على طن مياه بالسعر المقرر من قبل المحافظة.وذكرت أميرة أن جيرانها الألمان تأثروا سلبًا بانقطاع المياه المستمر، مما دفعهم للعودة إلى ألمانيا. كما غادرت مجموعات أخرى كانت تقيم في حي الكوثر بالغردقة، وألغى آخرون من الألمان حجوزاتهم لزيارة الغردقة بعد انتشار أخبار انقطاع المياه وعدم انتهاء الأزمة.

 


في يوليو الماضي، لاحظت مريان كرليس، ربة منزل تبلغ من العمر 30 عامًا وتقطن في حي الكوثر بمدينة الغردقة، المركز الإداري لمحافظة البحر الأحمر، انقطاع المياه لمدة أربعة أيام متتالية. توقعت أن يكون الانقطاع مؤقتًا كما يحدث كل عام في فصل الصيف بسبب توافد السائحين المحليين إلى المدينة وارتفاع الضغط على المياه، إلا أن المياه لم تعد حتى الآن.

أوضحت مريان في حديثها إلى زاوية ثالثة أن الوضع أصبح شديد الصعوبة، حيث لا تستطيع الاعتناء بطفليها الصغيرين، خاصة الرضيع الذي ارتفعت درجة حرارته ولم يتوفر لديها مياه لتخفيف ألمه. هذا الوضع أصابها بحالة نفسية سيئة، وتراكمت الضغوط عليها بسبب عدم قدرتها على تنظيف منزلها والاعتناء بنظافتها الشخصية ونظافة أطفالها.

تصف مريان معاناتها بقولها: “الوضع صعب وصفه، أنا أعاني نفسيًا بشدة من هذه المشكلة التي لا يلتفت إليها أحد”.

تكررت شكاوى انقطاع المياه على مدار الشهر الماضي في عدد من محافظات مصر، لكن المثير للقلق هو أن مدينة الغردقة الساحلية لم تعد إليها المياه منذ نحو شهر تقريبًا، رغم أهميتها بالنسبة لقطاع السياحة. 

في مطلع الشهر الماضي، أعلنت شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالغردقة عن حدوث كسر مفاجئ في خط مياه قنا – سفاجا. وأرفقت الشركة بالبيان جدولًا بمواعيد ضخ المياه المتغيرة، مشيرةً إلى ضرورة تخزين الأهالي للمياه حتى يتم حل المشكلة. استمرت الشركة في نشر جداول بمواعيد ضخ المياه في قرى مدينة الغردقة، وفي صباح يوم الجمعة، 23 يوليو، أوضحت الشركة وقوع كسر جديد في خط مياه الكريمات، مما أدى إلى توقف ضخ المياه عن مدينتي رأس غارب والغردقة.

يقول مصطفى همام، مهندس كيميائي يبلغ من العمر 39 عامًا ويقيم في حي الذهبية، وهو أحد المتضررين من انقطاع المياه: “كان يوم 27 يونيو الماضي آخر يوم وصلت فيه المياه إلى منزلي، ومنذ ذلك الحين لم تعد المياه.”

وأضاف همام أن “جداول ضخ المياه التي تنشرها شركة المياه ما هي إلا محاولة لتسكين غضب الأهالي، حيث لم يتم ضخ المياه فعليًا، والانقطاع مستمر والمعاناة تتفاقم.”

تقدم همام ببلاغ إلى شركة المياه، مطالبًا بحل مشكلة انقطاع المياه والالتزام بمواعيد الضخ المعلنة في منطقته. وجاء الرد من الشركة بأن خط المياه قديم وغير قادر على تحمل الضغط، مما يجعله عرضة للكسر والتلف المستمر.

وأوضح همام أن انقطاع المياه أدى إلى زيادة كبيرة في تكلفة الحصول عليها، حيث ارتفعت النفقات اليومية إلى نحو 190 جنيهًا، مما أثر سلبًا على ميزانية الأسرة.

تجاهل المسؤولين في محافظة البحر الأحمر لشكاوى المواطنين في الغردقة دفع الأهالي إلى التواصل مع النائب عبدالمنعم إمام، رئيس حزب العدل، لمساعدتهم في عرض المشكلة ضمن جلسات مجلس النواب المصري. بدوره، وجه النائب تساؤلات المتضررين إلى وزير الإسكان شريف الشربيني خلال إحدى جلسات مجلس النواب، متسائلًا عن أسباب انقطاع المياه في محافظة البحر الأحمر، وخاصة في مدينة الغردقة، ومستفسرًا عن الإجراءات العاجلة التي يمكن أن تتخذها الوزارة لحل هذه الأزمة، خصوصًا في ظل الموسم السياحي الهام.

 

نوصي للقراءة: أزمة المياه تتفاقم في مصر: انقطاعات متكررة وارتفاع في الأسعار

ضغط برلماني لحل أزمة المياه 

ونفى رئيس حزب العدل، عبدالمنعم إمام، في حديثه إلى زاوية ثالثة، وجود أي استجابة من الوزارة للرد على الأسئلة التي طرحها سابقًا بشأن مشكلة انقطاع المياه في الغردقة، مشيرًا إلى أن معالجة المشكلة قد تستغرق بعض الوقت بسبب الإجراءات الروتينية البرلمانية.

وأكد إمام أنه يتابع بشكل مستمر تطورات الأزمة مع أهالي الغردقة، خصوصًا في ظل تزايد إقبال السياح المحليين والأجانب على المدينة في هذه الفترة. وأضاف: “لقد أنفقت مصر مليارات الجنيهات على البنية التحتية، مما أدى إلى تحمل الدولة لديون إضافية، ومع ذلك، نتفاجأ بمثل هذه المشكلات. لكننا نأمل في تحرك سريع لحل هذه الأزمة.”

وفقًا لبيان رسمي نشرته الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي في يناير الماضي، أنفقت الشركة نحو 22 مليون جنيه لتطوير وتحسين شبكة المياه في عدة مناطق بمدينة الغردقة، شملت منطقة جبل العفش، خلف مسجد الهداية وشيري، خلف فندق الجولف، خلف جمعية أبناء الشيخية، وخلف فندق شكسبير. وكان الهدف من هذه المشاريع هو تحسين كميات المياه التي تصل إلى المواطنين.

كما أشارت البيانات الرسمية إلى أن تطوير البنية التحتية في المناطق غير الآمنة بالغردقة ورأس غارب قد بلغ تكلفة قدرها 60 مليون جنيه، وتهدف هذه المشاريع إلى توفير 60 وحدة سكنية في منطقة جبل العفش ومجاهد، بالإضافة إلى نحو 80 وحدة سكنية في رأس غارب.

تسببت أزمة انقطاع المياه في قرى الغردقة في مشاكل كبيرة للأهالي، خاصةً ذوي الدخل المحدود، حيث فرضت عليهم تكاليف إضافية غير متوقعة تفوق معدلات إنفاقهم اليومية. زوجة مينا نبيل، مرشد سياحي يبلغ من العمر 28 عامًا، لم تستطع الطهي كما كانت معتادة، مما اضطر الزوجين للاعتماد على الطعام الجاهز، وهو ما زاد من نفقاتهما. كما ندرت المياه إلى حد أنها لم تعد متوفرة لتنظيف الأواني والمنزل.

طالب صاحب العقار الذي يستأجر فيه نبيل سكنًا متواضعًا في حي أرابيا بشارع الثلاثيني، بدفع مبلغ ثلاثة آلاف جنيه لشراء خزان مياه لتخزين المياه التي يجب عليه شراؤها من التجار. حيث رفع التجار سعر طن المياه من 30 جنيهًا مصريًا إلى 300 جنيه، وقد يصل سعر الطن إلى ألف جنيه لدى بعض التجار.

يؤكد نبيل أن هذه المياه رغم تكلفتها العالية ليست صالحة للشرب، مما اضطره إلى شراء المياه المعدنية بتكلفة تبلغ 150 جنيهًا يوميًا.

تضرر كل من المصريين والأجانب المقيمين بالغردقة من أزمة انقطاع المياه. نشرت سائحة أجنبية مقيمة بالغردقة تُدعى “كوكو”، عبر مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، شكوى حول انقطاع المياه المتواصل لمدة أسبوع في حي مبارك 6. وتفاعل معها العديد من السياح المقيمين، إذ علقت سائحة أخرى تدعى “كرين” أن المياه انقطعت في حي مجاويش منذ 17 يومًا. كما أعرب بعضهم عن غضبهم من عدم اهتمام المسؤولين بحل المشكلة، بينما اشتكى آخرون من ارتفاع أسعار طن المياه في السوق السوداء.

رد المحافظة

وصلت شكاوى المواطنين ومناشداتهم للمسؤولين لحل أزمة المياه، وفي الرابع من أغسطس، استجابت المحافظة بتحديد سعر طن المياه عند 60 جنيهًا لتخفيف العبء عن المواطنين. وأوضحت المحافظة أن على المواطنين التوجه إلى مقر شركة المياه لدفع ثمن المياه، وستقوم الشركة بتوصيلها إلى المنازل مقابل رسوم نقل إضافية.

أكد وائل ثابت، مرشد سياحي ومقيم بحي الحجاز، أن التسعيرة التي أقرتها المحافظة لا تضمن الشفافية ولا تمنع المحسوبية، مشيرًا إلى وجود تلاعب واضح في التزام شركة المياه بمواعيد الضخ. وأضاف خلال حديثه معنا: “أنا موظف في قطاع السياحة وأُمثل بلدي أمام الوافدين الأجانب، فكيف يمكنني الظهور بمظهر لائق وأنا أعاني من نقص المياه في منزلي؟ وعندما نتقدم بشكاوى إلى المسؤولين، لا يرد أحد. هؤلاء الأشخاص فقدوا القدرة على تحمل المسؤولية ولا يحاسبهم أحد.”

 

تحلية مياه البحر

اتجهت الحكومة المصرية نحو تحلية مياه البحر لتخصيص مياه النيل للزراعة، التي تستهلك نحو 80% من حصة مصر السنوية من مياه النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب. تُخصص الحكومة 10% من هذه المياه للشرب و10% للأغراض التجارية. ويعود هذا الاتجاه إلى حقيقة أن تكلفة إنشاء محطة تنقية المياه العادية تعادل أربعة أضعاف تكلفة محطة تحلية مياه البحر. ومع ذلك، فإن المياه المحلاة لا تصلح للزراعة، وتكلفة إنتاج المتر المكعب الواحد منها تصل إلى حوالي 15 ألف جنيه، وفقًا للهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

وفقًا لبيان صادر عن شركة مياه الشرب والصرف الصحي ونشر عبر البوابة الإلكترونية لمحافظة البحر الأحمر، تخدم مدينة الغردقة ثلاث محطات لتحلية مياه البحر. أقدمها محطة مياه قنا التي تأسست في عام 1968 وتنتج 18,745 متر مكعب يوميًا، ومحطة مياه الكريمات في حي حلوان بجنوب القاهرة، التي تنتج 68,492 متر مكعب يوميًا، وأخيرًا محطة تحلية اليسر بالغردقة، التي تنتج 33,397 متر مكعب يوميًا.

وفي تعليقه على هذه الأزمة، أوضح عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والدراسات الإفريقية، أن خطوط إمداد المياه في مدينة الغردقة أصبحت قديمة ومتهالكة وتحتاج إلى صيانة دورية، مما يزيد من التكلفة على الدولة. هذا الوضع أدى إلى انتشار محطات تحلية مياه البحر في المدينة. وأضاف: “هذه مشكلة إدارية واضحة تتعلق بإدارة الأزمة ووضع بدائل وحلول فورية لإرضاء المواطنين والمقيمين الأجانب. وعلى الجهات المسؤولة أن توضح سبب التراخي في حل المشكلة، حيث أدى غياب السيطرة إلى استغلال الأزمة وبيع المياه بأسعار خيالية.”

نوصي للقراءة: الملء الخامس لسد النهضة: تحديات جديدة للحكومة المصرية 

حل مشكلة انقطاع المياه في الغردقة

يوضح مصطفى محمود، الخبير الاستشاري في العلوم الجيولوجية، أن الغردقة تعتمد في مياه الشرب على خطين رئيسيين؛ الأول هو خط قنا سفاجا الذي يمتد على طول 160 كيلومترًا من قنا إلى سفاجا، ويضم نحو 15 محطة لرفع المياه من النيل إلى سفاجا ومن ثم إلى الغردقة. أما الخط الثاني فهو خط الكريمات الذي يمد المياه مباشرة إلى الغردقة.

ويرى مصطفى أن كلا الخطين، حتى وإن كانا يعملان بدون مشاكل، غير كافيين لتلبية احتياجات مدينة تتوسع في المنشآت السكنية وتستقبل آلاف المصطافين والسياح سنويًا. وأوضح في حديثه لـزاوية ثالثة أن محطات تحلية مياه البحر ليست بديلاً مناسبًا، خاصة بسبب التكلفة المرتفعة لتحلية المياه، التي لا يفضلها المواطنون للشرب، كما أنها غير كافية لتلبية احتياجات المدينة من الاستهلاك البشري، إلى جانب استهلاكها الكبير للوقود.

وأكد الخبير الجيولوجي أن الحل الأمثل لأزمة مياه الشرب في الغردقة هو مد فرع من النيل مباشرة إلى المدينة، مشيرًا إلى أمثلة ناجحة مثل ترعة السلام وترعة الإبراهيمية والنهر العظيم في الدلتا الجديدة. وأضاف: “مد ترعة من قنا إلى الغردقة سيستغرق ثلاث سنوات، ولكن عند اكتماله سيحل أزمة المياه ويغير مستقبل المدينة بالكامل، مما يجعلها ليست مجرد مدينة ساحلية، بل زراعية أيضًا، ويوفر مئات الآلاف من فرص العمل للشباب.”

وبين شكاوى المواطنين في الغردقة السياحية من الانقطاعات المتكررة للمياه ووعود الحكومة بحل الأزمة، التي لم تُنفذ حتى الآن، يبقى السؤال: كيف ستتعامل الحكومة مع ملف انقطاع المياه في مدن سياحية تساهم في جلب العملة الأجنبية التي تحتاجها القاهرة بشدة للخروج من أزمتها الاقتصادية؟

شيماء اليوسف
صحفية مصرية

Search