فُوجئ أهالي قرية جميمة، الواقعة على بعد 11 كيلومترًا من مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح، بقدوم شاحنات وجرافات، مصحوبة بقوة أمنية من الجيش، إلى أراضيهم ظهر يوم الإثنين الماضي. ومع تجمهر الأهالي لمنع تقدم المعدات، أطلق أحد الضباط طلقات حية، ما أدى إلى إصابة الشاب عبد القادر صافي جاب الله، المعروف بـ”قدوره بوصافي الأبكم”، البالغ من العمر 23 عامًا. نُقل عبد القادر إلى مستشفى الهدايا في الإسكندرية، حيث أُجريت له عمليات جراحية، وتم نقله إلى وحدة العناية المركزة. وفقًا لعمر الأبكم، أحد أقرباء المصاب، فإن شابًا آخر أصيب بجروح سطحية في الساق أثناء الاشتباكات.
يشير عمر إلى أن الأزمة بدأت منذ حوالي عام، عندما طالبت السلطات المحلية الأهالي بإخلاء الأراضي التي ورثوها عن أجدادهم، مقترحةً تعويضات للملكيات السكنية بقيمة تتراوح بين 100 ألف جنيه للمنزل بمساحة 100 متر، و50 ألف جنيه للشقة، دون تعويض على الأراضي الزراعية التي يزرعون فيها التين والزيتون والشعير والقمح. ويضيف أن العديد من الأهالي يعتمدون على هذه الأراضي لتوفير احتياجاتهم الغذائية وتربية الأغنام. كما ذكر أن قوات أمنية مدعومة بقوات من الجيش سبق وأن نفذت حملات في المنطقة، منها حملة في شهر رمضان الماضي، أُطلقت خلالها طلقات تحذيرية، وتم خلالها احتجاز بعض الأهالي حتى عيد الأضحى، حيث قال إن الإفراج عنهم كان مشروطًا بتخلي البعض عن أراضيهم، وهو ما رفضه الأهالي.
كان رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، قد أصدر في الـ29 من فبراير عام 2017، القرار الجمهوري، رقم 101 لسنة 2017، المنشور في الجريدة الرسمية، بإعادة تخصيص مساحة 14596.35 فدان من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة بجهة غرب وصلة الضبعة بمحور الضبعة بمحافظة مطروح، لصالح القوات المسلحة. وعقب ذلك بثلاث سنوات أصدر السيسي، القرار الجمهوري رقم 361 لسنة 2020، بإعادة تخصيص قطع الأراضى فيما بعد ناحية الساحل الشمالى الغربى بإجمالى مساحة 707234.50 فدان، لصالح هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، لاستخدامها فى إقامة مجتمعات عمرانية جديدة، فيما أعلن عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية وقتئذٍ، سبتمبر 2020، أنه يتلقى طلبات التصالح فى مخالفات البناء بتلك الأراضي، والتقدم بالمستندات الخاصة بملكيات للأراضي، في المقر المؤقت لجهاز تنمية الساحل الشمالي الغربي.
وفي يناير 2021، تم تشكيل لجنة الحصر والتفاوض، وفقًا للقرار الوزاري رقم 537، بمشروع تنمية الساحل الشمالي الغربي، وباشرت العمل على إعادة تخطيط المناطق الكائنة داخل حيز القرار الجمهوري رقم 361 لسنة 2020، المتعلق بتخصيص مساحة 707 آلاف فدان بالساحل الشمالي الغربي، التي تضم ممثلين عن كلٍ من: وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والقوات المسلحة، وهيئة الرقابة الإدارية، ومحافظة مطروح، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وجهاز تنمية الساحل الشمالي الغربي، والمركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة، والجهاز المركزي للمحاسبات، ودار المحفوظات العمومية والميكروفيلم بمصلحة الشهر العقاري والتوثيق.
نوصي للقراءة: ما نعرفه عن بيع أراض في مدينة “رأس الحكمة” لجهات سيادية إماراتية
مساومة
يحكي حسن فراج (اسم مستعار)، أحد أهالي قرية جميمة، أنه كان يمتلك 300 فدان أرض زراعية، ورثها عن أجداده الذين يزرعون التين والزيتون منذ مئات السنين، وكان من بين الأرض 70 فدان لها سند ملكية يعود إلى السبعينات من القرن الماضي، أما البقية في أراضي وضع يد، وضمت أراضيه عشرة منازل، وتفاجئ قبل أشهر بقوة مصحوبة بقوات من الجيش وضعت يدها على الـ 300 فدان، وأبلغته أنها أراضي تابعة للقوات المسلحة، وأن هناك لجنة ستأتي لمعاينة الـ70 فدان المملوكة له لتحديد قيمة التعويضات، مبينًا أن السلطات لا تمنحهم تعويضات عادلة عن الزرع والمباني؛ إذ يحصلون على مبلغ ألف جنيه فقط مقابل كل شجرة زيتون أو تين مثمرة، يعود عمرها عادة إلى عشرات السنوات وتعطي الواحدة منها إنتاجًا يقدر بنحو 20 ألف جنيه سنويًا، ويمنحون 300 نظير تجريف الشجرة الصغيرة، في حين يقدرون سعر متر المباني الخرسانية بسبعة آلاف جنيه، ومتر البيوت الخشبية بخمسة آلاف جنيه.
يقول لزاوية ثالثة: “في عام 2022، فوجئنا نحن أهالي قرية جميمة التابعة لمحافظة مركز ومدينة الضبعة بمرسى مطروح بمجيء مجموعة من مهندسي وفنيين المساحة، إلى الأراضي وأخبرونا أنهم تابعين للمحافظة ويريدون القيام بالرفع المساحي، من أجل تخطيط جديد للمنطقة لإنشاء طرق وكهرباء وخدمات لصالح القرية وبعد فترة لا تتعدى الثلاثة أشهر، تفاجئنا بأن هؤلاء المسّاحين يتبعون الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وأن الأرض تم رفعها وتسليمها لمستثمر خليجي بالمشاركة مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، لإنشاء مشروع سياحي ضخم يعرف باسم “ساوث ميد ايجيبت”؛ فبدأنا التحرك واجتمعنا مع المحافظ وأخبرنا أن الأرض انتقلت تبعيتها إلى القوات المسلحة، وأن هناك مستثمر خليجي سيقيم مشروع سياحي عليها بالمشاركة مع القوات المسلحة وهشام طلعت مصطفى؛ فطالبناهم بحقوقنا وتعويضنا تعويضاً عادلاً.”
ويضيف الساكن المحلي: “أراضي جميمة مساحتها 5540 فدان وبها لا يقل عن 700 منزل، ويعيش بها نحو خمسة آلاف نسمة، توارثوا الأرض عن أجدادهم منذ مئات السنين، وهناك 5٪ فقط من السكان قاموا بتسليم أراضيهم وبيوتهم وحصلوا على تعويضات غير عادلة، بتدخلات من أعضاء مجلس النواب ومشايخ وعُمد موالين للسلطة، والذين حذروهم من مصير الاعتقال حال رفضهم، وبالنسبة لي لم أستطع الوقوف في وجه الجيش وأُخذت الأراضي رغمًا عني، ولم أتلق إلى اليوم تعويضًا عنها، ولا أرغب في أن يتم اعتقالي كما جرى لعدد من أهالي قريتنا يوم الإثنين، أو كما حدث في رمضان الماضي؛ إذ تم احتجاز أربعة شباب في معسكرات داخل قاعدة محمد نجيب العسكرية حتى ثاني أيام عيد الأضحى.”
نوصي للقراءة: كيف تسببت شركة “إعمار” الإماراتية في تآكل شواطئ مصرية؟
تهجير للمرة الثانية
في عام 2003، كانت عائلة عبد الله محمد، واحدة من العائلات التي تم تهجيرها من أراضيها بعد إعادة إحياء فكرة إنشاء محطة الضبعة النووية، التي يعود فكرة إنشاءها إلى عام 1981، بموجب القرار رقم 309 الذي نص على تخصيص نحو 11 ألف فدان لإنشاء المحطة، وحصلت العائلة آنذاك على تعويضات ضئيلة، وانتقلت للعيش في قرية جميمة.
في الفترة بين عامي 2010 و 2011 حصلت العائلة على عقود ملكية الأراضي التي يزرعونها تين وزيتون، وبنوا عليها منازلهم، لكنهم تفاجئوا في العام 2017 بتخصيصها للقوات المسلحة، وصدموا في يونيو 2023 بأخذ مساحات أراضي القرية بالكامل والتي تضم نحو ستة آلاف إلى سبعة آلاف نسمة وتضم مجمعات سكنية ومستشفى وثلاث مدارس وعدد من المساجد وأراضي زراعية وحظائر دواجن وأغنام، يقتات منها أهالي القرية.
“في عام 2013، تلقت عائلتي تعويضات عادلة من الحكومة نظير أراضينا في الضبعة، تقدر بـ 30 ألف جنيه للفدان، أما اليوم تعرض علينا السلطات تعويضات تتراوح بين خمسة آلاف وسبعة آلاف جنيه للمتر المباني، وهي مبالغ هزيلة لا تمكننا من شراء بيوت في منطقة أخرى، كما أنهم وعدونا بإعطاءنا 350 متر مربع لكل أسرة في إحدى القرى بالضبعة، على أن نبني نصف المساحة فقط، وسنفقد أراضينا الزراعية وأشجار التين والزيتون مصدر رزقنا، والتي تريد السلطات دفع ألف جنيه فقط نظير كل واحدة منها”.. يشكو عبدالله.
ويؤكد الساكن المحلي أن أهالي قرية جميمة عُزل يحيون حياة بسيطة على الزراعة والرعي، وكل ما يريدونه تعويضات عادلة، لكنهم تفاجئوا بالتعامل العنيف معهم يوم الإثنين، حين أطلق أحد ضباط الجيش الرصاص الحي على الأهالي الذين رشقوا القوات بالحجارة لمنع تقدمها في أراضيهم، ما أسفر عن إصابة أحد الشباب بطلق ناري في أوتار الكتف ونقل على إثرها إلى مستشفى في الإسكندرية وهناك خضع لإجراء عملية جراحية له استغرقت ساعات وتم وضعه في العناية المركزة، لافتًا إلى أن بعض المسؤولين التقوا بالأهالي لتهدئتهم وأخبروهم أن ما حدث تصرف فردي من الضابط وأنه سيتعرض للمحاكمة العسكرية، على حد قوله.
وفي يوليو الماضي، كشفت مجموعة طلعت مصطفى القابضة، عن تحقيقها مبيعات بـ مشروع “ساوث ميد” فى الساحل الشمالي، تقدر بنحو 200 مليار جنيه، خلال ستة أيام عمل فقط، وأعلن رجل الأعمال، هشام طلعت مصطفى، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي للمجموعة، أن المشروع يتم تطويره على مساحة 23 مليون متر مربع، باستثمارات تقدر بتريليون جنيه مصري، متوقعًا أن يحقق المشروع مبيعات تقدر بـ 35 مليار دولار، وزاعمًا أن المشروع سيوفر 1.6 مليون فرصة عمل مباشرة.
ووفقًا للموقع الرسمي لمجموعة طلعت مصطفى، فإن مشروع ساوث ميد يقع على ساحل البحر المتوسط بمنطقة سيدي عبد الرحمن بالكيلو 165 على طريق الإسكندرية – مطروح، ويبعد مسافة 18 دقيقة فقط من مطار العلمين الدولي، ويمتد على مساحة 23 مليون متر مربع، ويفترض أن يتضمن شواطئ رملية وحمامات سباحة، مارينا لليخوت وكريستال لاجونز، فنادق ومطاعم فاخرة، ومراكز للتسوق والترفيه، ملاعب جولف وأنشطة رياضية، وخدمات أخرى، وتبدأ أسعار الوحدات في المشروع من 13,200,000 جنيه مصري، ويقدر متوسط سعر الشقة البالغة مساحتها بـ 156 متر مربع، بنحو 28 مليون و850 ألف و130 جنيه مصري، ويصل سعر الفيلات المستقلة بالمشروع، الواقعة على مساحة قدرها 731 متر مربع، بنحو 195 مليون و845 ألف و330 جنيه مصري، ويقدر سعر الشاليه الممتد على مساحة 142 متر مربع، بسعر 17 مليون و541 ألف و220 جنيه مصري.
نوصي للقراءة: جرافات التطوير تصلُ “ضاحية الجميل” ببورسعيد: إخلاءٌ دون تعويض
حماية الملكية في الدستور
يوضح المحامي بالنقض والدستورية العليا ونقيب المحامين السابق في مرسى مطروح، راغب الدربالي، إلى زاوية ثالثة، أن أهالي الساحل الشمالي ومرسى مطروح، من بينهم أهالي قرية جميمة، يعيشون على تلك الأراضي منذ نحو ألف عام، وكان الرعي نشاطهم الأساسي، ومنذ مئة عام مارسوا دور سيادة الدولة في غيابها، وفي الـ20 عامًا الأخيرة أصبح الساحل الشمالي مطمعًا للاستثمار السياحي، وكان من المفترض التعامل مع تلك الأراضي وسكانها ووفقًا للدستور والقانون، الذي نص على أن الملكية في الدستور مصونة لا تمس؛ إذ تنقسم إلى ثلاثة أنواع، هي: الحيازات الكبيرة المستقرة للأراضي لأكثر من 15 عام، والتي تعرف بوضع اليد الطويل المكسب للملكية، والتي يشترط وجود علامات لها كالغرس والآبار، وملكيات وفقًا لشهادات الاعتداد بالملكية، والملكية بعقود زرقاء مسجلة وفقًا للقانون المصري.”
يقول: “السلطة حاولت الاستيلاء على تلك الأراضي، وفقًا للقرار الرئاسي 177 لسنة 2004، سيء السمعة المتعارض مع الدستور، الذي نص على إخلاء 455 كيلو متر من الساحل الشمالي كله ونقل المواطنين المقيمين به إلى الظهير الصحراوي، جنوب الطريق الدولي، وعرضه للاستثمار العربي والأجنبي. انتفضنا جميعًا كمحامين ومثقفين ضد هذا القانون الذي يمس الأمن القومي المصري، لأنه يخلي الساحل الشمالي لمصر، الممتد لنحو ألف كيلومتر، من سكانه المصريين الذين هم درع الدفاع عنه، ولهم تاريخ في الدفاع عنه منذ الاحتلال البريطاني.”
يمتد نطاق الساحل الشمالي الغربي لمصر من العلمين وحتى السلوم لمسافة نحو 500 كيلومتر، بنطاق وظهير صحراوي يمتد في العمق لأكثر من 280 كيلومتر، ليشغل مسطح نحو 160 ألف كيلومتر مربع تقريبًا، بحسب موقع رئاسة الجمهورية.
وحول أزمة قرية جميمة، يقول الدربالي، إنه تردد أن تلك الأراضي اشترتها شركة إماراتية بشراكة مع مصر، في الوقت الذي يقيم فيه السكان على تلك الأراضي ولم يتم أخذ رأيهم أو التعامل معهم وفقًا للقانون والدستور المصري والقوانين الدولية، ولا يتم إجبارهم على ترك الأراضي مقابل تعويضات؛ إذ أن التعويضات يتم صرفها في حالات نزع الملكية للمنفعة العامة في حالات المشروعات القومية أو انتقال ملكيتها إلى القوات المسلحة، وليس للاستثمار السياحي.
ويعتبر أنه يجب في تلك الحالة محاسبة أصحاب الأراضي بالأسعار الحقيقية لها، لا أن يعطى صاحب الأرض الأصلي 300 ألف جنيه مصري للفدان، في حين يباع الفدان إلى المستثمر العربي بمبالغ تقدر بملايين الدولارات، وإلا تكون توقيعات الأهالى على التنازل عن الأراضي غير قانونية وغير شرعية، وتصبح السلطة متهمة بالاعتداء للحقوق الدستورية للمواطنين وارتكاب جريمة التهجير القسري باستخدام القوة الغاشمة، وهي جريمة دولية وفقًا للمحكمة الجنائية الدولية وميثاق روما، الذي وصفها بأنها ترقى إلى جرائم الحرب، إضافة إلى تورطها في التمييز العنصري وجرائم القتل خارج القانون والتي راح ضحيتها أكثر من ألفي شخص في الصحراء الغربية خلال السنوات الأخيرة، مستغربًا إقحام قوات من الجيش في الصراع على أراضي جميمة والذي قد يؤدي لحالة من العداء مع الأهالي، لافتًا إلى كونه ومحاميون آخرون يستعدون لدعوى قضائية ضد الحكومة بشأن تهجير سكان رأس الحكمة وجميمة في مرسى مطروح.
وتنص المادة 33 من الدستور المصري الصادر في عام 2014، على أن تحمى الدولة الملكية بأنواعها الثلاثة، الملكية العامة، والملكية الخاصة، والملكية التعاونية، فيما نصت تعديلات المادة 35 من الدستور، على أن الملكية الخاصة مصونة، تؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد الوطنى، دون انحراف، أو استغلال، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون، وبحكم قضائى، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل، لا يجوز التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام، وبقانون، ومقابل تعويض عادل، وتحظر المادة 49 من اتفاقية جنيف، لعام 1949، النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضٍ أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة.
نوصي للقراءة: رغم التكلفة العالية… لماذا أخفقت المدن العمرانية الجديدة في جذب السكان؟
ليست الجميمة وحدها
يحكي سعيد الحفيان – أمين مجلس شؤون القبائل العربية وعضو المجلس المحلي السابق بمطروح-، إلى زاوية ثالثة، أن أهالي قرية جميمة تفاجئوا يوم الاثنين، بقوة من حرس الحدود إلى قريتهم مصحوبة بالجرافات والمعدات، وأن ضابطًا بالجيش أمر أحد الجنود بإطلاق الرصاص الحي على الأهالي المتجمهرين لتخويفهم، إلا أنه رفض تنفيذ الأمر، فانتزع منه الضابط سلاحه وسدد طلقة نارية نحو صدر الشاب عبد القادر صافي جاب الله، اخترقت الجانب الأيمن من جسده مرورًا بالكبد ومزقت شريانًا بالكتف الأيمن، ونقل إثر إصابته إلى إحدى المستشفيات في الإسكندرية، لتجرى له ثلاث عمليات جراحية، ويتم إيداعه بوحدة العناية المركزة قبل أن تستقر حالته ويسمح بدخول الزيارات إلى غرفته يوم الثلاثاء، في حين انسحبت شاحنات ومعدات الشركات العاملة في المشروع من أراضي القرية ولا يزال مقبوضًا على إثنان من أهالي القرية ولم يخل سبيلهم حتى الآن.
يوضح أن هناك من ينقلون للقيادة السياسية صورة خاطئة عن الأوضاع في جميمة والأراضي المعروضة للاستثمار في الساحل الشمالي بـ مرسى مطروح، ويزعمون أن الأهالي موافقون على ترك بيوتهم وأراضيهم مقابل التعويضات الضعيفة المعروضة عليهم، في حين أن الأهالي يريدون محاسبتهم بسعر السوق الحالي والذي لا يتعدى في مجمله نسبة 10% من قيمة صفقة مشروع “ساوث ميد” السياحي، الذي استطاع جمع 60 مليار جنيه خلال 12 ساعة، لافتًا إلى أن بعض الأهالي رضخوا للأمر الواقع وقبلوا بالتعويضات الهزيلة مقابل المباني ولم يسمح لهم إلى اليوم بالحصول على أراضي بديلة والبناء عليها، مستشهدًا بحالة أحد أهالي القرية والذي مات كمدًا بعدما ترك البيت والأرض للسلطات وحصل على مبلغ مليون جنيه فقط، كتعويض عن منزله البالغ سعره الحقيقي 10 مليون جنيه، ورفضت السلطات تعويضه عن الأرض، زاعمة أنها أرض الدولة، مقترحًا أن يتم تخصيص خمسة آلاف فدان فقط لمشروع ساوث ميد بدلًا من 5555 فدان ونقل أهالي قرية جميمة للسكن في الـ 555 فدان المتبقية، وتوظيفهم للعمل كـ أمن للقرية السياحية وفي وظائف أخرى داخل المشروع، لتعويضهم عن فقدانهم لمصدر رزقهم المتمثل في الزراعة الموسمية والرعي.
ويرى أمين مجلس شؤون القبائل العربية أن هناك تقصير وغياب واضح عن المشهد، لمحافظ مرسى مطروح والنواب البرلمانيين عن دوائر المحافظة، في حين يتوقع أن تحدث أزمة مشابهة مع أهالي منطقة الجنينة الذين تخطط السلطات لنقلهم من أراضيهم، كما لا زال أهالي منطقة أرض مطار الضبعة الذين تركوا أراضيهم لبناء المطار يستغيثون للحصول على تعويضات عادلة، مستغربًا إقحام قوات الجيش في المشهد لكون الأراضي مملوكة للأهالي وتابعة لهيئة المجتمعات العمرانية وتم تخصيصها للاستثمار السياحي لصالح مستثمر خليجي ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، وليست مملوكة للقوات المسلحة، مبديًا تخوفاته من إحتمالية حدوث احتقان بين الأهالي نتيجة لذلك.
وفي الوقت الذي أكدت فيه مصادرنا أن حالة المصاب عبد القادر صافي، قد استقرت، إلا أن أهالي قرية جميمة لا يزالون يشعرون بالخطر تجاه مشروع “ساوث ميد” السياحي، الذي يهددهم بفقدان بيوتهم وأراضيهم الزراعية التي يقتاتون منها، وتساور المخاوف نفسها كثير من السكان الأصليين للساحل الشمالي وسواحل مرسى مطروح، تجاه مشروعات الاستثمار السياحي، آملين أن تقوم السلطات المعنية في مصر بمنحهم تعويضات عادلة تتناسب مع أسعار سوق العقارات والأراضي، وتضمن لهم حياة كريمة من ناحية أخرى.