انهارت آمال مزارع القطن أحمد عثمان، بعد أن سجل مزاد القطن في محافظة البحيرة التي يسكن بها، سعر 10 آلاف و160 جنيهًا للقنطار من صنف جيزة 94، بانخفاض يزيد عن ستة آلاف جنيه عن السعر الذي كان يطمح له ( كان السعر السابق 16 ألف بحسب مزادات القطن منذ سبتمبر 2023، وحتى يناير 2024).
يقول “عثمان” في حديثه مع زاوية ثالثة، إن موسم القطن بدأ بداية كبيرة، فسجلت المزادات الأولي للموسم أسعار بلغت 18 ألف جنيه لـ القنطار، ما دفعني للتفاؤل وعقد آمال كبيرة على محصول حيازتي الزراعية البالغة ستة أفدنة بمنطقة المحمودية، لتحقيق مكسب يعوض الزيادة الكبيرة في أسعار مستلزمات الزراعة، ولكن جاء المزاد مخيبًا للتوقعات، إضافة إلى وجود خسائر جراء عيوب بالتقاوي أدت إلى تخفيض إنتاجية الفدان لأقل من 10 قنطار.
يضيف: هذا الموسم كان الأسوأ، بداية من البذور التي اشتريتها، ولم تنبت بالكامل، فخفضت إنتاجية الفدان، ثم التسعير الذي حط بأمالنا كثيرًا، خاصة مع ارتفاع تكاليف الزراعة هذا العام ثلاث أضعاف العام الماضي، بسبب ارتفاع الأسعار، وأزمة الدولار، التي دفع المزارعين ثمنها، فكنا قد اشترينا المبيدات والبذور مسعرة بناء على سعر دولار السوق السوداء، الذي وصل لـ 70 جنيهًا، وعند البيع تم تسعير المحصول بناء على سعر الدولار الحالي وهو 46 جنيه.
شارك عثمان في آخر مزاد اعتيادي للمحافظة في مارس الماضي، لكنه انسحب بعد أن سجل القنطار نحو 10 آلاف و160 جنيه، وهو سعر أقل بكثير من المتوقع، وبعد الإعلان عن مزاد استثنائي، أمل أن يقترب من الحصول على 15 ألف جنيه للقنطار، لكنه فوجئ بسعر أقل بنحو 60 جنيهًا، زاد عليها ارتفاع رسوم دخول المزاد لـ110 جنيه للقنطار بدلا من 50 جنيه.
على عكس المزاد السابق لم ينسحب عثمان من مزاد القطن الاستثنائي، لأن البديل هو الخسارة الكاملة، أو تخزين القطن، ما قد يؤدي لخسارة 25% من سعره، لأن القطن المخزن قبل الحلج قد يتعرض لعفونة، إلا أنه قرر عدم زراعة القطن مرة أخرى، وزراعة محاصيل مستقر أسعارها مثل الأرز أو الذرة، خاصة وأن محافظته من المحافظات المسموح فيها بزراعة الأرز.
قبل عام 2019، كان القطن المصري يجمع من الفلاحين لشركات التصدير وشركات الغزل عبر وسطاء وتجار، حتى أطلقت الحكومة منظومة تداول القطن بشكل تجريبي، وبناء على هذه المنظومة فإن شركة مصر لحليج الاقطان تجمع المحصول من الفلاحين بمقابل 50 جنيهًا للقنطار الواحد، ويتم طرحها في مزادات علنية لأعلى سعر في كل محافظة، وفي 2021 تم تعميم المنظومة على كافة محافظات الجمهورية، ضمن خطة تطوير الدولة لصناعات الغزل والنسيج، بالإضافة إلى وضع سعر ضمان للقطن، وهو سعر تشتري به الدولة القطن من المزارعين الذين فشلوا في بيع محصولهم للشركات الخاصة داخل المنظومة. |
أزمة
من جانبه، يقول نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، إن الأزمة في المنظومة نفسها، لأن حسب المنظومة الجديدة ترك تحديد سعر القطن للأسعار العالمية، رفع السعر بصورة كبيرة ليبلغ أكتوبر الماضي نحو 18 ألف جنيه، ومع تحرير سعر الصرف وانخفاض سعر الدولار في السوق الموازية من 70 إلى 48 جنيه، انخفض سعر القنطار ليصل في بعض المزادات لنحو ثمانية آلاف جنيه، ما جعل المزارعين يعتقدون أن هناك اتفاق بين التجار والشركات لخفض سعر القطن، ودفعهم للانسحاب من المزادات، خاصة وأن الحكومة حددت سعر ضمان القطن للموسم المقبل الذي سيتم حصاده بداية من سبتمبر المقبل بأسعار تتراوح ما بين 10 آلاف و12 ألف جنيه للقنطار.
يضيف: القطن سلعة استراتيجية، وزراعتها مكلفة ومجهدة، لذلك فإن العائد المتوقع منها مرتفع، ومع تقلبات الأسعار يتجه الفلاح لزراعة محاصيل أخرى مستقرة أكثر في السعر مثل الذرة والأرز. وردًا على سؤال زاوية ثالثة حول تحديد مساحات الأرز، يجيب: هناك 300 ألف فدان يتم زراعتها كل عام بالمخالفة لقرار التحديد، ويقوم المزارع بتسديد غرامة المخالفة، وفي هذه الحالة يفضل المزارعون دفع غرامة لا تتخطى 10 آلاف جنيه، مقارنة بخسائرهم المترتبة على زراعة القطن.
ما قاله أبو صدام يتوافق مع بيانات هيئة التحكيم واختبارات القطن حول مساحات القطن المزروعة حتى 27 أبريل حيث بلغ إجمالي المساحة المزروعة 57558 فدان، مقارنة بنفس الفترة العام الماضي التي بلغت 130 ألف فدان بحسب تصريحات وكيل معهد بحوث القطن بمركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة، وليد يحيى، بينما بلغت المساحة الإجمالية في الحصر النهائي في يونيو الماضي طبقًا لبيانات هيئة التحكيم واختبارات القطن 254875 فدان، وهو الأمر المستبعد لهذا العام طبقًا لـ أبو صدام. |
التخزين
قرر سيد عبد الحفيظ – المزارع بعزبة أبو دراز بمركز فوة كفر الشيخ-، تخزين محصوله من القطن لبداية موسم الحالي في سبتمبر المقبل، بدلاً عن بيعه في المزاد الحالي بسعر 11 ألف و20 جنيه للقنطار.
يقول عبد الحفيظ: الحكومة حددت سعر ضمان القطن للموسم الحالي 2024-2025 بنحو 12 ألف جنيه للقنطار طويل التيلة في وجه بحري، لذلك فأي مزاد سيتم عقده لن يقل عن هذا المبلغ، والأفضل لي تخزين محصولي عدة أشهر لبيعه، خاصة وأن بيعه خارج المنظومة هذا العام لن يزيد عن أسعار المزادات الحالية بسبب اتفاق التجار على تخفيض السعر.
يضيف: ارتفعت أسعار التقاوي لتصل إلى 1500 جنيه بدلًا عن 600 جنيه، بسبب ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية إلى نحو 70 جنيهًا، وهو ما ينطبق على كافة أسعار مستلزمات الزراعة، وكذلك أجور العمال، لذا فالواقع أني أتحمل تكلفة الزراعة بمستلزمات مسعرة بناء على سعر 70 جنيه للدولار، وحين أقوم ببيع محصولي يتم تسعيره بنحو 47 جنيه، مشيرًا إلى أن هناك العديد من السماسرة والتجار الذين يقومون حاليًا بشراء القنطار بأسعار المزاد وتخزينه، لبيعه في مزادات الموسم القادم لتحقيق ربح أعلى، وهو ما قرر فعله بتخزين محصوله للموسم القادم، رغم المغامرة بإصابة محصوله بالعفونة، إلا أنها مغامرة لمرة واحدة لأنه لن يقوم بزراعة القطن مرة أخرى.
يذكر أن الحكومة المصرية كانت قد حددت سعر ضمان للموسم الماضي 2023-2024 بنحو 4500 جنيه لقنطار القطن طويل التيلة وجه قبلي، و 5500 جنيه للقنطار وجه بحري.
وتراجع معدل صادرات القطن المصري طويل التيلة بنسبة 60% عن العام الماضي، نتيجة انخفاض المساحات المزروعة خلال الموسم الحالي بنسبة 24% مقارنة بموسم 2022-2023.
وتهدف مصر إلى عدم تصدير القطن الخام بحلول عام 2025، إذ أعلنت عن نيتها تقليص تصدير القطن بداية من الموسم الجديد لنحو 50% من الإنتاج، وذلك لتغطية السوق المحلي، والذي يستهلك فقط حصة 6% من الإنتاج لتشغيل المصانع المحلية، بينما يصدر باقي الإنتاج المحلي لـ 22 دولة على رأسها الهند وباكستان والصين. |
السوق العالمية
يذكر منير رجب – عضو اتحاد مصدري القطن-، أن الموسم بدأ بإقبال شديد على شراء القطن بعد رفع سعره إلى 18 ألف جنيه للقنطار، بسبب الطلب المتزايد على القطن المصري طويل التيلة في دول شرق آسيا أكبر مراكز صناعة النسيج في العالم. مضيفًا أنه مع اندلاع أحداث غزة، والتوتر في البحر الأحمر، زادت تكلفة الشحن بنحو ثلاثة أضعافها، وكذلك تكلفة التأمين على الشحن لنحو تسعة أضعاف، ما جعل تكلفة تصدير القطن مرتفعة.
وبحسب عبد العظيم طنطاوى – رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق وعضو مجلس المياه العربي الإفريقي-، فإن محصول القطن أكثر شراهة في استهلاك المياه من محصول الأرز الذي اتخذت الحكومة المصرية عدة قرارات لتحديد مساحات زراعته بسبب أزمة سد النهضة في إثيوبيا منذ عام 2017، بعد تعديلات قانون الزراعة، إلا أن الدولة لم تتخذ أي إجراءات لتحديد مساحة زراعته، بل على العكس تشجع على زراعته لدعم خطة الدولة لتطوير قطاع الغزل والنسيج التي كانت تكلفت 22 مليار جنيه.
من جانبه، يقول وليد السعدنى – رئيس الجمعية العامة لمنتجى القطن-، أن السبب وراء التقلبات الكبيرة في سعر القطن هو التقلبات المالية التي شهدها سعر الصرف، ففي بداية الموسم كان المصدر يقوم بالتصدير بناء على سعر الدولار في السوق الموازية وهو 70 جنيه، ومع انخفاض سعر الصرف في السوق الموازية لـ نحو 47 جنيه، وهو نفس سعر الصرف الرسمي انخفضت الاسعار.
يضيف في حديثه معنا: الدولة وضعت سعر ضمان الموسم الجديد بنحو 12 ألف للقنطار، وهو سعر مناسب للغاية لاسيما مع ارتفاع مدخلات عملية زراعة القطن من ضعفين ونصف لثلاث أضعاف، ولكن حتى الآن لم يتم الإعلان عن آليات تنفيذ هذا السعر إذا انخفضت الأسعار العالمية، ونأمل في الوقت الحالي لإعلان الدولة آليات تحقيق هذا السعر حتى يطمئن الفلاح لزراعة القطن، لاسيما مع تردد شائعات حول عزم الحكومة التراجع عن هذا السعر، وهو ما سيؤثر على المساحات المزروعة هذا الموسم والمواسم المقبلة.
ويكشف “السعدني” عن أن هناك عدة عوامل أثرت على التقلب في أسعار المزادات الأخيرة، بداية من التوتر في المنطقة الذي أضاف أعباء على عملية التصدير، وقرارات الدولة لتحجيم التصدير، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار. مستبعدًا أن يكون التجار قد اتفقوا تحديد سعر القطن في المزادات، يقول: “هذه شائعات يروجها السماسرة، ولكن لا يمكن أن يتفق التجار على سعر معين”، مستدلاً على ذلك بأن شركتين فقط استحوذوا على 90% من محصول القطن في المزادات وهما شركة مصر لتجارة وحليج الأقطان الحكومية، والثانية هي شركة أبو مضاوي لتجارة الأقطان والاستيراد والتصدير.
يذكر أنه تراجعت تعاقدات تصدير القطن المصري بنحو 30% منذ بداية الموسم التصديري الحالي، حيث بلغت 42.4 ألف طن حتى 20 أبريل الجاري، مقارنة بـ 60 ألف طن في نفس الفترة من الموسم الماضي.
ويبدأ موسم تصدير القطن في مطلع شهر سبتمبر من كل عام ويستمر حتى نهاية شهر أغسطس من العام التالي. ووفقًا لبيانات رسمية من اتحاد مصدري الأقطان المصري، توزعت صادرات الموسم الجاري بين 26.7 ألف طن من إنتاج الموسم الحالي بقيمة 95.4 مليون دولار، بالإضافة إلى 15.7 ألف طن من إنتاج الموسم الماضي بعائدات بلغت 54.1 مليون دولار.