منصة العدالة المتصدعة: بدل الطعون يثير الغضب في ساحات القضاء المصري

استقلالية القضاء في مصر تتحول إلى أزمة بسبب التمييز المالي بين القضاة، وسط مطالب بتوحيد المستحقات المالية واستعادة العدالة داخل الهيئات القضائية.
Picture of طارق جمال حافظ

طارق جمال حافظ

قبل عام 2006، كانت جميع الميزانيات الخاصة بالهيئات القضائية في مصر تحت إشراف وزارة العدل، التي كانت مسؤولة عن جميع الشؤون المالية والإدارية لهذه الجهات. كان هناك نظام موحد يضمن التساوي بين القضاة من نفس الدرجة الوظيفية، بغض النظر عن الهيئة القضائية التي ينتمون إليها. ولكن، في 27 يونيو 2006، وافق مجلس الشعب على تعديل قانون السلطة القضائية، والذي منح كل جهة قضائية ميزانية مستقلة تحت إشراف مجالسها الخاصة، بعيدًا عن وزارة العدل. وعلى الرغم من أن هذا التعديل كان يهدف إلى تعزيز استقلالية القضاء، فإنه فتح الباب أمام عدة إشكاليات كانت غير متوقعة في حينها.

من خلال التعديلات الجديدة، حصلت كل جهة قضائية مثل مجلس الدولة، والنيابة الإدارية، وهيئة قضايا الدولة، والمحكمة الدستورية العليا، على ميزانية مستقلة تحت إشراف مجالسها. ومع ذلك، كان الوضع مختلفًا بالنسبة لمجلس القضاء الأعلى، الذي يشرف على أربع جهات قضائية رئيسية هي: النيابة العامة، والمحاكم الابتدائية، ومحاكم الاستئناف، ومحكمة النقض. هذا الوضع أدى إلى تداخل في المسؤوليات، مما جعل تحقيق المساواة المالية بين القضاة العاملين تحت مظلة المجلس أمرًا صعبًا.

قبل هذه التعديلات، كانت وزارة العدل هي المسؤولة عن إدارة الأمور المالية والإدارية لكافة الهيئات القضائية، وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى هو نفسه رئيس محكمة النقض، وهو ما أتاح إدارة موحدة ومنسقة. ومع تطبيق التعديلات، أصبح مجلس القضاء الأعلى، ممثلًا بمحكمة النقض، يشرف على هذه الجهات المستقلة ماليًا، وهو ما خلق تحديات تتعلق بالتحقيق في المساواة المالية بين القضاة. كما أن منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للقضاء أصبح تابعًا لمحكمة النقض، رغم أنه لا يوجد نص قانوني يفرض ذلك، مما أضاف طبقة من التعقيد في الإشراف على العمل القضائي في مصر.

 

نوصي للقراءة: مصر: مشروع قانون اللجوء يثير عداءً رقميًا منسقًا ضد اللاجئين 

 

“بدل الطعون” وتأجيج الخلافات

في عام 2017، أقر البرلمان المصري تعديلًا قانونيًا ألزم محكمة النقض بالتحقق من القضايا المعروضة عليها مباشرة في الطعون المقدمة، وهو دور لم تكن المحكمة تمارسه من قبل. هذه التعديلات أضافت عبئًا إضافيًا على قضاة محكمة النقض، ما وصفه العديد من القضاة بأنه تحدٍ جديد في مسؤولياتهم.

لمواجهة هذا التحدي، قرر مجلس القضاء الأعلى منح قضاة محكمة النقض مكافأة مالية خاصة أُطلق عليها “بدل طعون”، وهو ما أثار جدلاً واسعًا بين قضاة الهيئات القضائية الأخرى، الذين رأوا أن هذه المكافآت تميز قضاة محكمة النقض عن زملائهم في المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، على الرغم من أنهم يتساوون في الدرجة الوظيفية.

تزايدت الأزمة عندما مُنح قضاة محكمة النقض امتيازات مالية أخرى، مثل “بدل الكسب غير المشروع”، و”بدل الطعون الانتخابية”، بالإضافة إلى “بدل حضور الجمعيات العمومية للمحاكم”، بينما لم يتم منح هذه الامتيازات لقضاة المحاكم الأخرى. هذا الوضع ألقى بظلاله على المساواة المالية بين مختلف الهيئات القضائية، مما فتح المجال للنقاشات حول جدوى هذه التعديلات في تعزيز العدالة داخل النظام القضائي المصري.

رغم مرور أكثر من عشر سنوات على هذه التعديلات، لا تزال النقاشات قائمة حول مدى نجاح فكرة استقلالية الميزانيات القضائية في تحقيق العدالة المطلوبة داخل النظام القضائي. وفي يونيو 2021، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بتوحيد المستحقات المالية بين جميع الدرجات القضائية، إلا أن هذا القرار لم يُنفذ حتى اليوم. وفي يناير 2024، تم نقل اختصاص محكمة النقض في الطعون الجنائية إلى محاكم الاستئناف، دون منح قضاة الاستئناف أي مكافآت مالية مماثلة لتلك التي كانت تُمنح لقضاة محكمة النقض، ما أدى إلى تفاقم حالة الغضب بين القضاة.

 

نوصي للقراء: الحصانة القضائية: درع حماية أم سلاح للفساد في مصر؟

 

محكمة النقض تفرض عبئًا إضافيًا على القضاة

في ظل تصاعد الأزمات داخل الهيئة القضائية المصرية، أرسل رؤساء محاكم الاستئناف الثمانية على مستوى الجمهورية مذكرة موحدة إلى المستشار حسني عبد اللطيف، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، للمطالبة بتفعيل قرار توحيد المستحقات المالية، كما قام عدد كبير من رؤساء محاكم الاستئناف بتشكيل لجنة داخل نوادي القضاة لمتابعة الطلب، مؤكدين أن “الاستقلال القضائي يجب أن يشمل توزيعًا عادلًا للميزانيات وفق معايير واضحة.”
ولجأ عدد من القضاة إلى نشر تدوينات ورسوم ساخرة على مجموعات مغلقة خاصة بالقضاة على موقع “فيسبوك”، تنتقد الوضع الراهن، لكن إدارة التفتيش القضائي، بقيادة المستشار وفائي أبسخرون، رصدت هذه التدوينات وأحالت العشرات منهم إلى التحقيق بموافقة وزير العدل المستشار عدنان فنجري، هذه الخطوة أثارت غضبًا واسعًا بين القضاة، واعتبرها البعض “مذبحة قضائية جديدة”، مشابهة لعزل 44 قاضيًا في مايو 2016 على خلفية بيانهم المعارض لعزل الرئيس الراحل محمد مرسي.

القضاة المحالون للتحقيق رفضوا المثول أمام إدارة التفتيش القضائي واعتبروا الإجراء غير مبرر، مؤكدين أن ما فعلوه يقتصر على نقاش أزمة داخلية في جروب خاص. في المقابل، يخطط القضاة لدعوة جمعية عمومية طارئة في نادي القضاة لاتخاذ خطوات تصعيدية، خاصة مع اتساع نطاق الدعم لموقفهم داخل السلك القضائي، وفي ظل تصاعد التوترات واستمرار تجاهل المطالب، تبقى أزمة المساواة المالية داخل الهيئات القضائية في مصر مرشحة لمزيد من التعقيد، وسط دعوات لإعادة النظر في سياسات توزيع المستحقات المالية وضمان العدالة لجميع أعضاء السلطة القضائية.

في محاولة تهدئة الأزمة، التقى وزير العدل المستشار عدنان الفنجري، برئيس مجلس إدارة نادي قضاة مصر المستشار أبو الحسين فتحي قايد، نائب رئيس محكمة النقض، لبحث الأزمة التي اندلعت في مرفق العدالة عقب قرار إحالة عشرات القضاة، يقترب عددهم من 50 قاضيًا بمحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، إلى التحقيق، وقد انتهى اللقاء بوعد من قبل وزير العدل بحل الأزمة بعد العرض على مدير إدارة التفتيش القضائي المستشار وفائي أبسخرون. وطلب وزير العدل من رئيس نادي القضاة تدخله لدى “قضاة الأزمة” لتهدئتهم لحين عرض الأمر وحله، وعدولهم عن فكرة التصعيد بعقد جمعية عمومية طارئة للقضاة والتلويح بالاعتصام والإضراب. ووعد وزير العدل من جانبه فقط بـ”تجميد” أي إجراءات حالية بشأن التحقيقات دون حفظها.

 اللقاء الثاني لتهدئة الأزمة جرى بين رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس محكمة النقض المستشار حسني عبداللطيف، وبين وفد من رؤساء محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية لبحث الأزمة. 

وبحسب ما أكده رئيس بمحكمة استئناف القاهرة طلب عدم ذكر اسمه، وكان من ضمن الحاضرين للقاء ضمن وفد رؤساء محاكم الاستئناف، لـ “زاوية ثالثة”، فإن اللقاء لم يتطرق إلى أزمة القضاة المحالين للتحقيق، وطلب رئيس مجلس القضاء الأعلى إرجاء الحديث عن الأمر لحين اتخاذ وزير العدل قراره النهائي بشأن التحقيقات مع القضاة بإدارة التفتيش القضائي، وتطرق الأمر فقط إلى عرض الأزمات المالية والمطالب التي أدت إلى اشتعال الأزمة، ووعدهم ببحث الأمر ودراسته ومحاولة حله وتطبيق العدالة والمساواة في الأجور تطبيقًا لقرار رئيس الجمهورية، إلا أنه طلب منهم مهلة خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها الدولة والتداعيات الإقليمية المحيطة بمصر حالياً، وجميعها أمور تحتاج إلى تضافر الجهود وعدم البحث حالياً عن مطالب وصفها بأنها “فئوية”، والانتظار لحين استقرار الأوضاع وهدوئها.

 

نوصي للقراءة: أنت الخصم والحكم

 

إحالة القضاة للتحقيق تعدٍّ على استقلالهم

يقول رئيس مؤسسة دعم العدالة بـ المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ناصر أمين، إلى زاوية ثالثة، إن إحالة القضاة إلى التحقيق يجب تداركه فورًا، فلا يجوز أن يكون الرد على الشكوى المقدمة من القضاة بسبب مطالبتهم بتوحيد صرف المستحقات المالية بين جميع الدرجات المناظرة لأعضاء السلطة القضائية هو الإحالة للتحقيق، بل كان ينبغي الاستماع إلى شكواهم والعمل على حلها.

 ويضيف أن هذا الأمر يمثل اعتداءً صارخًا على استقلال القضاء ومخالفةً لالتزامات مصر الدولية والمواثيق الدولية. إذ أنه يعد انتهاكًا واضحًا للحقوق التي يتمتع بها القضاة وفقًا لأحكام مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1985، التي شاركت الحكومة المصرية في صياغتها وتوقيعها، موضحًا أنها أنها نصت في المادة (8) على أنه: (وفقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع. ومع ذلك، يشترط أن يسلك القضاة دائماً، لدى ممارسة حقوقهم، مسلكاً يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء). وما حدث مخالف لتلك المادة.

من جهته يؤكد، أشرف مصطفى – الرئيس السابق بمحكمة استئناف القاهرة-، أن هناك تمييزًا مخالفًا لمبدأ المساواة، والمقر بموجب قرار رئيس الجمهورية، بين القضاة المتناظرين بذات الدرجة الوظيفية.، مستنكرًا قرار وزير العدل الذي أشعل مرفق العدالة بسبب إحالة قضاة للتحقيق لتحدثهم عن أمر مخالف لقرار جمهوري بدلاً عن التحدث معهم وبحث الأزمة وإيجاد حلول لها وتنفيذ القرارات الجمهورية.

 ويشير إلى أن مجلس القضاء الأعلى أصدر قرارات بمنح امتيازات، وخاصة المالية منها، إلى أعضاء محكمة النقض الذين لا يزيد عددهم عن 900 ألف عضو، متمثلة في بدلات بمسميات مختلفة، بينما لم يتم منح ذات الامتيازات إلى نظرائهم من ذات الدرجة الوظيفية القضائية من قضاة المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف الذين يتجاوز عددهم 12 ألف عضو.

ويضيف: “مرتبات قضاة محكمة النقض تصل إلى نحو 800 ألف جنيه، بينما نظراؤهم من قضاة محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية لا تصل مرتباتهم إلى 50 ألفًا، بل تتراوح أغلبها بين 40 و45 ألف جنيه، بينما أعضاء المجلس الأعلى للقضاء تزيد مرتباتهم أيضًا عن قضاة محكمة النقض، إذ يتقاضون بدلات أخرى في مقدمتها بدلات مقابلات خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون، لاختيار دفعات النيابة العامة الجدد.”

 ويتابع: “البدلات التي تم منحها لقضاة محكمة النقض نظير عمل إضافي لهم قد أُلغيت وعاد الأمر إلى قضاة الاستئناف. ورغم ذلك، فإن الامتيازات المالية ظلت باقية لقضاة محكمة النقض دون أن تنتقل لنظرائهم القضاة بمحاكم الاستئناف رغم نقل الأعباء الوظيفية إليهم”، موضحًا أن الامتيازات المالية التي تم منحها لقضاة محكمة النقض ليست المشكلة الوحيدة، بل هناك ما هو أخطر، وهو أن المجلس الأعلى للقضاء أصدر قرارات تتعارض مع أحكام القانون في كيفية توزيع هذه الامتيازات.

 ويلفت الرئيس السابق بمحكمة استئناف القاهرة في حديثه معنا إلى أن هناك بدلات تحت مسمى “بدل الجلسات الإضافية” التي يتم منحها لقضاة محكمة النقض، في حين أن قضاة محاكم الاستئناف، رغم توليهم ذات المهام الإضافية، لا يحصلون على نفس هذه البدلات. 

ويضيف أن الأزمة ليست فقط في الامتيازات، ولكن في انعدام الشفافية والعدالة في توزيعها، ما يخلق حالة من الغضب داخل الأوساط القضائية، مؤكدًا أن الأزمة الحالية تعود في جزء كبير منها إلى غياب أي تحرك حقيقي من قبل المجلس الأعلى للقضاء لتوحيد الامتيازات المالية بين جميع القضاة من ذات الدرجة الوظيفية. وبدلاً عن السعي لحل المشكلة، كانت استجابة المجلس متأخرة ومرتبكة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة.

في السياق ذاته، يؤكد المحامي الحقوقي صالح حسب الله – المحامي بالنقض والدستورية العليا، والمستشار القانوني السابق لحركة استقلال جامعة عين شمس، والوكيل القانوني لعدد من القضاة وأساتذة الجامعة أمام المحاكمات التأديبية-، في حديثه مع زاوية ثالثة أن القضاة المحالين إلى التحقيق لم يرتكبوا أي مخالفات لقانون السلطة القضائية تقتضي إحالتهم للتحقيق.

يضيف أن القضاة قاموا بنشر تدوينات على مجموعات قضائية مغلقة عليهم، وهي مجموعات مخصصة أساسًا لتناول شؤون القضاة وأزماتهم، وطرحوا من خلالها مشكلة مزمنة أثرت على القضاة وأخلت بالمبدأ الأساسي، وهو المساواة والعدالة، مؤكدًا أنها شأن قضائي بحت، ولم يتطرقوا إلى أي شأن سياسي أو أزمات أخرى.

ويتابع: “المجموعات القضائية مقتصرة فقط على أعضاء الجهات القضائية، سواء من النيابة العامة أو المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف أو محكمة النقض. ويتم الدخول إليها تحت إشراف قضاة، ولا يُقبل الإنضمام إلا بعد التأكد من هوية العضو عبر إرسال صورة كارنيه الجهة القضائية المنتمي إليها ورقم الهاتف للتحقق من الهوية. وهذا يشدد على أن هذه المجموعات مغلقة بشكل محكم وليست للعامة، مما يعني أن القضاة ناقشوا أزماتهم في إطار من السرية، ودون تجاوز المسارات القانونية أو نشرها في العلن.”

من جانبه، يؤكد عضو بمجلس إدارة نادي القضاة (طلب عدم ذكر اسمه)، في حديثه معنا أن مجلس إدارة النادي يتفهم موقف القضاة المحالين للتحقيق، وأنه يعبر بالفعل عن موقف السواد الأعظم من القضاة، موضحًا أن النادي يساند القضاة المحالين للتحقيق في أزمتهم الراهنة، وأنه أجرى مباحثات مع وزير العدل لحل الأزمة، وهي مباحثات ما زالت جارية، بالإضافة إلى التواصل مع مجلس القضاء الأعلى لوأد الفتنة التي اشتعلت في مرفق العدالة بسبب هذه الإحالات.

حاولت “زاوية ثالثة” التواصل مع وزير العدل، المستشار عدنان الفنجري، للحصول على تعليقه بشأن الأزمة، لكنه اعتذر عن اللقاء أو الحديث في هذا الشأن.

 

نوصي للقراءة: شهادات ممنوعة: تمييز ضد المسيحيّين في المحاكم المصريّة

 

عمر مروان وسبب الأزمة

تحدثت “زاوية ثالثة” مع عدد من القضاة، الذين يوجهون انتقادات لوزير العدل الأسبق ومدير مكتب رئيس الجمهورية الحالي، المستشار عمر مروان، مؤكدين أنه وراء الأزمة. مشيرين إلى فرضه حضور اجتماع المجلس الأعلى للهيئات القضائية رغم تركه للعمل القضائي، في سابقة هي الأولى من نوعها.

وبحسب القضاة الذين لن نتمكن من ذكر اسمائهم بناء على طلبهم، فقد “تردد في الوسط القضائي أن المستشار عمر مروان، عرض على وزير العدل الحالي، عدنان الفنجري، إحالة القضاة الذين نشروا على المجموعات القضائية المغلقة إلى التحقيق في إدارة التفتيش القضائي. واعتقد الوزير أن هذا الأمر توجيه رئاسي، فاستجاب له واتخذ قرار الإحالة.” 

حاولت “زاوية ثالثة” التواصل مع المستشار عمر مروان، للرد على تلك الشهادات، لكنه لم يُجب حتى نشر هذا التحقيق.

كما ينتقد القضاة حضور المستشار عمر مروان، اجتماع المجلس الأعلى للهيئات القضائية الذي عُقد في الأول من أكتوبر الماضي 2024، وهو الاجتماع الذي رأسه رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بصفته رئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية. مؤكدين أن حضور المستشار عمر مروان يمثل سابقة قضائية غير مسبوقة، إذ أنه من المعتاد أن يقتصر الاجتماع على رؤساء الهيئات القضائية ووزير العدل الحالي فقط، ولم يسبق أن حضر الاجتماع وزير عدل سابق أو مدير مكتب رئيس الجمهورية.

بحسب ما حصلنا عليه من معلومات من عدد من القضاة المعنيين بالأزمة الذين تمكنا من التواصل معهم، طرح بعض كبار القضاة مقترحات لحل الأزمة قبل أن تتفاقم. شملت المطالب الحالية تبادل رئاسة مجلس القضاء الأعلى بين محكمة النقض ومحكمة استئناف القاهرة، بالنظر إلى أن الأخيرة أقدم تاريخيًا من محكمة النقض. كما تم التأكيد على ضرورة تفعيل قرار رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية، الصادر في يونيو 2021، بشأن توحيد صرف المستحقات المالية بين جميع الدرجات المناظرة لأعضاء السلطة القضائية. بالإضافة إلى ذلك، كانت المطالبة بعودة ميزانية القضاة في جميع الهيئات القضائية إلى وزارة العدل كما كانت قبل عام 2006، لضمان تطبيق مبدأ المساواة وتجنب تمييز أي جهة على أخرى. وأخيرًا، طالبوا بتعديل قانون السلطة القضائية لتفعيل دور مجلس رؤساء محاكم الاستئناف كمجلس شرفي للإشراف على ميزانية قضاة الاستئناف على مستوى الجمهورية، وهو ما يتطلب تعديلًا تشريعيًا.

في محاولة للتهدئة المؤقتة للأزمة، وفي انتظار دراسة المقترحات التي تتطلب بعض التعديلات التشريعية، اقترح عدد من القضاة تعيين أمين عام للمجلس الأعلى للقضاء من محاكم الاستئناف بدلاً من محكمة النقض. يأتي هذا المقترح على خلفية أن كافة الأمور المالية للجهات القضائية تقع تحت مسؤولية الأمين العام، وهو ما يبرر الحاجة إلى انتخاب ممثل من محاكم الاستئناف لهذا المنصب. كما اقترح القضاة تعيين مدير نيابة النقض من محاكم الاستئناف، وفقًا للنص القانوني الذي يسمح بتعيين قضاة من محاكم النقض أو الاستئناف في هذا المنصب، وهو ما لم يُنفذ حتى الآن، حيث ظل اختيار هذا المنصب مقتصرًا على قضاة محكمة النقض فقط.

وتُظهر مطالب شيوخ القضاة ضرورة استعادة الثقة بين القضاة والدولة، وذلك من خلال اتخاذ خطوات عملية تضمن تحقيق العدالة وتطبيق القانون بصرامة على الجميع، دون أي تمييز. تُعزز هذه المطالب الجهود المبذولة لحل الأزمة من خلال نادي القضاة والمباحثات مع الجهات العليا التي تسعى لضمان استقلال القضاء واستقراره، وهو ما يعكس ضرورة أن يكون ذلك أولوية لا بديل عنها. ومع تأكيد أهمية الحوار البناء، فإن التزام الدولة بمبادئ الشفافية والمساواة في معالجة الأزمات داخل المؤسسة القضائية هو السبيل الأمثل للمضي قدمًا. يظل القضاء المستقل هو الأساس الذي يضمن تحقيق العدالة ودولة القانون، ويجب أن يكون في صلب الأولويات الوطنية.

طارق جمال حافظ
صحفي مختص بالتحقيقات في قضايا الفساد

Search