في اليوم الـ77 من الحرب على قطاع غزة، مازالت وسائل التواصل الاجتماعي ساحات حرب ومواجهة بين الداعمين لغزة والداعمين للاحتلال. ويبدو أننا نعيش أزهى عصور قمع المحتوى الداعم لفلسطين على منصات التواصل، وردًا على محاصرة المحتوى الفلسطيني بإزالته أو منع وصوله؛ أطلق ناشطون حول العالم حملة بعنوان “لن يتم إسكاتنا” احتجاجًا على حظر المحتوى الداعم لفلسطين وتضييق وصوله عبر منصات التواصل، وخاصة على منصتي “فيسبوك” و”إنستجرام”.
انتشار الكذب رغم تحكم الخوارزميات
رغم أنه من المفترض أن تحارب الخوارزميات الكذب والكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه ساهم انتشار الأخبار المضللة في امتلاء هذه المنصات بالسلبية والعدائية، ما قد يثني المهتمين بمتابعة الأحداث في فلسطين أو الوصول إلى معلومات موثوقة حول القضية.
على سبيل المثال؛ تداول مستخدمون في منصات مختلفة فيديو يظهر فتاة إسرائيلية تحمل الجنسية الألمانية، وهي فاقدة للوعي بعد اختطافها من قبل مقاتلي كتائب القسام من الحفل الموسيقي “سوبر نوفا” في كيبوتس زعيم الواقع في غلاف قطاع غزة، حيث يتم ضربها ثم حرقها وقتلها بحسب الفيديو. ووفقا لرويترز، يعود الفيديو الذي تم تداوله على نطاق واسع إلى عام 2015، وحادثة إعدام لفتاة تبلغ 16 عاما في في ريو برافو، جواتيمالا.
انتشر أيضًا فيديو 5 أطفال إسرائيليين محتجزين في قفص مخصص للحيوانات في غزة، وكان الفيديو واسع الانتشار على منصات وسائل إجتماعية مثل تيك توك، وفيسبوك ويوتيوب وأظهر 5 أطفال محتجزين في قفص مخصص للأطفال على أيدي مقاتلي حماس. كما يستطيع المشاهد سماع المصور وهو يضحك. ووفقًا لموقع FakeReporter، وهو موقع إسرائيلي للتحقق من المعلومات المضللة، تم نشر الفيديو على منصة تيك توك قبل 3 أو 4 أيام من عملية طوفان الأقصى. وقد تم تصوير الفيديو من قبل أحد مستخدمي تيك توك في بولندا كمزحة ولا علاقة له بالحرب الأخيرة على غزة.
إخراس الأصوات الداعمة لفلسطين
قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن سياسات وأنظمة الإشراف على المحتوى في شركة “ميتا” تُخرس، على نحو متزايد، الأصوات الداعمة لفلسطين في “إنستجرام” و”فيسبوك”، منذ اندلاع القتال بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة في السابع من أكتوبر الماضي.
ووثقت المنظمة في تقرير لها تحت عنوان “نكث الوعود: سياسات ميتا والرقابة على المحتوى المتعلق بفلسطين على إنستجرام وفيسبوك”، نمطا منتظما لعمليات إزالة تعليقات وخطابات وإلغاء حسابات، بشكل غير مبرر وقمعي، شملت التعبير السلمي الداعم لفلسطين والنقاش حول الحقوق الإنسانية للفلسطينيين.
وخلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن أصل المشكلة يكمن في اختلال سياسات ميتا وتنفيذها بشكل تشوبه التناقضات والأخطاء، والاعتماد المفرط على الأدوات الآلية للإشراف على المحتوى، والتأثير الحكومي غير المبرر على عمليات إزالة المحتوى.
وأشارت هيومن رايتس ووتش إلى وجود 6 أنماط رئيسية للرقابة وهي: إزالة المحتوى، وتعليق الحسابات أو إزالتها، وتعذّر التفاعل مع المحتوى، وتعذّر متابعة الحسابات أو ذكرها بـ “تاج”، والقيود على استخدام ميزات البث المباشر في فيسبوك/إنستجرام، وانخفاض ظهور منشورات الشخص أو قصصه أو حسابه بشكل كبير ودون إشعار. ولم يتمكن المستخدمون، في أكثر من 300 حالة، من تقديم طعن بشأن إزالة المحتوى أو الحساب بسبب خلل في آلية الطعن.
وتقول المنظمة إنها وثقت اعتماد ميتا في مئات الحالات على قوائم “المنظمات الإرهابية” التي وضعتها الولايات المتحدة، وتبنت سياسة تقييد التعبير المشروع بشأن الأعمال القتالية بين إسرائيل والفصائل المسلحة الفلسطينية. وأزالت ميتا عشرات المنشورات التي توثق الإصابات والوفيات الفلسطينية التي لها قيمة إخبارية.
وبحسب مركز صدى سوشيال المتخصص في رصد وتوثيق الانتهاكات الرقمية ضد المحتوى الفلسطيني ، تم رصد 3000 حالة انتهاك رقمية للمحتوى الفلسطيني خلال الشهر الماضي .
كما قالت صحيفة الجارديان إن منصة “فيسبوك” حذفت صفحة شبكة “القدس الإخبارية” التي تضم 10 ملايين متابع، في حين اشتكى ناشطون عند البحث على كلمات “فلسطيني” أو “طفل مسلم فلسطيني” على تطبيق “واتساب”، من ظهور “ستيكر” أو صورة لطفل يحمل سلاحا، في الوقت الذي تظهر فيه صورة طفل يلعب عندما يتم البحث بكلمة “طفل إسرائيلي”.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي
يرى خبراء أن قوة تأثير منصات التواصل الاجتماعي على المجتمعات كبيرة، حيث تحولت إلى ساحات حروب ، ويرى آخرون أن قلة وضوح طريقة عمل خوارزميات تلك المنصات يجعلها ساحة لنشر المعلومات الزائفة، ودائما ما تشير تلك المنصات إلى أنه يتم تطبيق معايير السلامة والأمان على جميع المستخدمين. وتشدد على ضرورة مراعاة هذه المعايير عند التعامل مع أي مستخدم، ويتم تحديث هذه المعايير بشكل دوري من قبل منظمة الأمم المتحدة، و من المفترض أن يتم تطبيقها على جميع المستخدمين بنفس الطريقة.
في هذا الصدد قالت رئيسة مؤسسة المستقلين الدولية بسمة فؤاد “إن أحداث ما بعد السابع من أكتوبر، أبرزت دور الداعمين للقضية الفلسطينية الذين كان لديهم تأثير كبير على حشد الرأي العام الدولي والتأثير على الحكومات، وأيضًا أظهرت تأثيرًا في إظهار الحقائق وكبح الأكاذيب والمعلومات المضللة عن دولة الاحتلال والجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب الفلسطيني”.
وأضافت فؤاد في تصريحها إلى “زاوية ثالثة” أن مواقع التواصل الاجتماعي تأثرت إما سلبًا أو إيجابًا، بمعنى أن بعض المنصات التي لم تلتزم الحياد تجاه الطرفين ومنها موقع الفيسبوك و جعل التقييم الخاص به ينخفض خلال الفترة الماضية في نظر الجمهور، ما جعل العديد من المستخدمين يتوجهون إلى منصات أخرى مثل إكس “تويتر سابقًا” وتيك توك ، والتي التزمت الحيادية بشكل أفضل مما رفع من معدل إستخدامها و التفاعل عليها.
وأوضحت فؤاد في تجربتها مع منصة الفيس بوك بعد نشر مؤسسة المستقلين الدولية بيانات تتضامن مع الشعب الفلسطيني وتندد بالحرب الصهيونية على غزة، تقول “تم اختراق الصفحة الخاصة بالمؤسسة” ووفق ما صرحت به فؤاد ” لم تقدم منصة فيسبوك أي مساعدة لاسترجاع الصفحة”.
البحث عن متنفس للتعبير عن الرأي
لجأ كثيرون خلال الأيام الماضية إلى منصات مثل إكس (تويتر سابقًا) وتليجرام للتعبير عن آرائهم بحرية أكبر، نظرًا لقلة تعرض منشوراتهم للحجب مقارنةً بمنصات مثل فيسبوك و إنستجرام وتيك توك.
وبالرغم من تأكيد إكس على حذفها لآلاف المنشورات المتعلقة بالحرب على غزة، إلا أن انتشار المعلومات المضللة عليها كان أقل بسبب ميزة “الملاحظات” التي يمكن من خلالها كتابة تعليق.
وتحظر شركات إكس، ميتا وجوجل، حسابات حماس، لكن تليغرام، قررت السماح للحركة بمواصلة استخدام خدمتها، وهي شركة أسسها رجل أعمال روسي المولد ومقرها الآن في دبي.
وكان لدى قناة تيليجرام التابعة لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، نحو 200 ألف متابع وقت الهجوم، ومنذ ذلك الحين، تضاعف عدد متابعي القناة بأكثر من ثلاثة أضعاف، وفقاً تحليل أجراه مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي (DFRLab) في المجلس الأطلسي.
وقبل الهجوم، شوهدت منشورات القناة في المتوسط نحو 25 ألف مرة، والآن زاد المتوسط إلى أكثر من 300 ألف مرة، أي بزيادة تزيد على عشرة أضعاف.
ووفقًا للتقرير الصادر عن معهد السياسة والمجتمع الأردني فلقد تجاوز حجم المحادثات العالمية عبر الإنترنت 311 مليون محادثة و 1.5 مليار تفاعل في 14 يوما فقط ، وحسب التقرير تضاعفت إحصائيات التفاعل العالمي خلال الأسبوع الأخير بنسبة تجاوزت 200% على بعض المستويات. حيث كانت المنصة الرئيسية للحوار والتفاعل هى أكس “تويتر سابقًا” بنسبة استحواذ 96.5% من الحوارات، و 76% من التفاعل ، تلاه تيك توك بنسبة 10.5%.
معايير أم فرض سيطرة؟
يقول خبير الأمن المعلوماتي الدكتور جمال مختار في تصريحه إلى “زاوية ثالثة” أنه من المفترض أن منصات التواصل الإجتماعي تستخدم معايير للحد من السلوكيات الخارجة أو الأفعال التي تلحق الضرر ببعض الأطراف من قبل بعض من مستخدمي تلك المنصات، مشيرًا إلي أن هذه المعايير يتم تحديثها بشكل دوري ويعد ذلك أمر طبيعي وقانوني ، ولكن ليس من القانوني أبداُ قيام تلك المنصات بفرض السيطرة على آراء المستخدمين وحجب منصاتهم لمجرد الدفاع عن القضية الفلسطينية والتي أثارتها حرب غزة مؤخرًا في ظل الدعم غير المشروط الذي تقدمه تلك المنصات للطرف الإسرائيلي، فإي من المنشورات التي تساند الجانب الفلسطيني وتوثيق الجرائم الصهيونية يتم حجبها ويمكن تصعيد الأمر إلى غلق الصفحات.
وأشار خبير الأمن المعلوماتي إلى أنه بالرغم من كل تلك القيود التي فرضتها هذه المنصات إلا أنها تواجه ” قوة المواطنين”، ما ساهم في تغيير الرأي العالمي تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما نراه في دعم عدد كبير من مواطني الدول الأوروبية للقضية الفلسطينية، وفق تعبيره.
وذكر تقرير معهد السياسة والمجتمع الأردني إلى أن لجان رقمية في الهند تتفاعل مع رواية الاحتلال الإسرائيلي بصورة منظمة لتضعها في صدارة الإحصائيات ونشاط منظم آخر في أوروبا وأميركا الشمالية. إلا أن تنبه الجمهور العربي لمثل هذا العمل المنظم أظهر مجال مقابل قلب موازين الرواية المتصدرة وجعل الروايتين شبه متساويين.
وأوضح التقرير أنه عند تحليل الحوارات والتفاعل خلال الوقت فقد لوحظ أنه في بداية الأحداث كثر التفاعل بشكل أكبر من تولد الحوارات إلى أن بنى الجمهور مواقفه ليصبح حجم الحوار متواز مع نسبة التفاعل.
مقابلة باسم يوسف: الأكثر انتشارًا
تقول الكاتبة والمحللة السياسية سارة منصور علام لـ “زاوية ثالثة” إن مواقع التواصل الاجتماعي تُعد أحد الوسائل الإعلامية الهامة في العصر الحديث بعد التقدم التكنولوجي والعولمة. ولها تأثير واضح على جميع الأفراد والشعوب.
مضيفة أن مواقع التواصل الاجتماعي في معظم الدول الغربية تعمل للصالح الإسرائيلي والصهيونية فلم تقم بنشر الحقيقة بل تتعمد نشر الأكاذيب والمعلومات المضللة عمداً للتأثير على الرأي العام العالمي بشكل عام والعربي بشكل خاص.
و من ناحية أخرى أضافت علام أنه في البلاد العربية ومنطقة الشرق الأوسط، يوجد وعي كبير من المثقفين والنخب والشباب، والجميع يؤمن بحقوق الشعب الفلسطيني. وحق فلسطين لتكون دولة ذات سيادة.
و رغم وجود الكثير من التحديات ومنها مروجي الشائعات من الأعداء في الغرب على حد وصف منصور ، فإن ذلك يجعل الأمر يحتاج إلى المزيد من التعاون والتكاتف لنشر الحقيقة حول القضية الفلسطينية
وتحليلاً لهذا الموقف السياسي العدائي من المخادعين في الغرب أشارت المحلل السياسي إلي أن ذلك يدفعنا إلى بذل مزيد من الجهد والجدية في عرض الحقائق وكشف الكذب والتصدي للشائعات من الإعلام المضلل ومواقع التواصل الاجتماعي. وذلك ما يقوم به الكثير من المؤثرون والإعلاميون لتوضيح حقيقة الأوضاع الراهنة على المستوى العالمي .
ووفقًا لتقرير معهد السياسة والمجتمع الأردني ، فقد كان كان لمقابلة باسم يوسف الإعلامي المصري مع بيريس مورغان ،الأثر الأكبر عالمياً ما جعل الرواية المضادة لإسرائيل تتقدم في ظرف 48 ساعة فقط على صعيد اللغة الإنجليزية والمحتوى البصري.
وفي خضم كل هذا الصراع فقد أعطت منصات التواصل الإجتماعي وبعض من وسائل الإعلام الغربية الحكومة الإسرائيلية الغطاء الذي تحتاجه لمواصلة التطهير العرقي الممنهج ضد الشعب الفلسطيني مع الإفلات من العقاب، ولذلك فلابد من تسليط الضوء على الأصوات العربية بدلاً من محوهم بالاستمرار في دعمهم ونشر محتواهم . ولا ينبغي أن تظل اللقطات التي لا نهاية لها من العنف الموثق ضد الفلسطينيين محصورة في قنوات التواصل الاجتماعي، التي تواجه شكلاً مختلفًا من أشكال الرقابة.