“لم ينجح أحد” يمكن وضع هذه الجملة كعنوان عريض لدراما رمضان هذا العام، باستثناء أعمال معدودة جدًا، منها على سبيل المثال ( أولاد الشمس، النص، 80 باكو وأشغال شقة جدًا) لم تنجح الدراما، في الموسم الأهم، مع انقضاء الثلث الأول من الشهر، في جذب اهتمام الجمهور، فيما تنهال انتقادات واسعة عليها من جانب النقاد والجمهور على حد سواء، يعود أبرزها إلى التكرار المفرط والتفكك الدرامي، والمبالغة في الاعتماد على البطل الشعبي كتيمة غالبة، ذلك فضلًا عن احتكار صناعة الدراما في مصر من جانب شركة واحدة تقريبًا، يندرج تحتها بعض الكيانات ضمن شراكات، مما تسبب في قتل المنافسة، وخروج موسم درامي “أقرب للفشل” على حد تقدير النقاد.
تعرض القنوات المصرية، خلال موسم رمضان هذا العام ٣٩ مسلسلًا، مقارنة بـ34 عمل خلال العام الماضي، تتنوع ما بين الكوميديا والدراما الشعبية والأكشن والفانتازيا والتشويق، ٣٠ منها هي أعمال الـ١٥ حلقة، وهو اتجاه محمود، كما يصفه النقاد، شرع به صناع الدراما مؤخرًا، لمواجهة التطويل والتكرار دون فائدة، والتمكن مع عرض أعمال أكثر خلال الموسم، بالرغم من ذلك يغلب على كافة السيناريوهات المقدمة التكرار والتطويل الغير مبرر، والذي يعد أحد أهم أسباب عدم نجاح معظم الأعمال.
يؤكد خالد عاشور –الأكاديمي والناقد الفني- في حديث إلى زاوية ثالثة أن موسم دراما رمضان 2025 يعاني من ترهل واضح وضعف في جودة الأعمال، مما جعله الأضعف جماهيريًا منذ سنوات، ويرجع عاشور هذا التراجع إلى عدة عوامل أساسية، أبرزها غياب السيناريو القوي، والتدخلات الغير مبررة من بعض الفنانين، واحتكار الإنتاج الدرامي، إضافة إلى تأثير السوشيال ميديا على تقييم الأعمال الفنية.
ومن جهته يرى الناقد الفني آدم مكيوي أن المشهد الدرامي يعاني من التكرار والتشبع الجماهيري، مما أدى إلى فتور في التفاعل مقارنة بالسنوات الماضية. ويقول مكيوي إلى زاوية ثالثة: “لطالما كان هناك بطل شعبي يسيطر على المشهد الرمضاني، وهذا العام نرى محاولات لاستمرار هذا النهج، مثل مسلسل “سيد الناس” و “فهد البطل”، لكنهما لم يحققا الصدى المتوقع. حتى الأعمال ذات الطابع الشعبي مثل “المداح” لم تحقق النجاح الذي اعتدناه.”
ويرجع ذلك إلى حالة تشبع لدى الجمهور، فالقصص والشخصيات تتكرر سنويًا بنفس القوالب الدرامية، مما يفقد المشاهد عنصر المفاجأة والإبهار. يضيف في حديثه معنا: “الفوازير أو مسلسلات “ألف ليلة وليلة” كانت تُقدم بنفس الشكل لسنوات حتى بدأ الجمهور يسخر منها. والآن، نرى نفس السيناريو يتكرر مع الميلودراما الشعبية.” ويتطرق ميكيوي إلى نقطة محورية، وهي غياب المسلسل الذي يجذب مختلف الطبقات الاجتماعية، كما فعل “جعفر العمدة” العام الماضي. “ذلك العمل نجح جماهيريًا لأنه وحّد المشاهدين من مختلف الفئات، من أبناء الطبقة البرجوازية وحتى الجمهور الشعبي. لكن هذا العام، لا يوجد عمل استطاع تحقيق هذا التأثير.”
نوصي للقراءة: فساد واحتكار وتهميش للفقراء.. كيف تعيد مصر تعريف مستقبلها السينمائي؟
جدل إعلامي
الهجوم على مسلسلات رمضان بدأ مُبكرًا، وليس من جانب النقاد فقط، إذ هاجم إعلاميون مصريون الأعمال الدرامية بشكل كبير، وقد شنت الإعلامية لميس الحديدي هجومًا حادًا على ما وصفته بانتشار “الدراما الشعبية” في المسلسلات المصرية، معربة عن استيائها من الألفاظ الخارجة التي باتت سمة بارزة في هذه الأعمال. وكتبت لميس عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك”: “المسلسلات الشعبية (العشوائية) اجتاحت الموسم الرمضاني هذ العام، وربما تكون من بين الأكثر نجاحًا ومشاهدة، والممثلون فيها بارعون ونجوم بارزون، كما أن مشاهد العنف متقنة. لكن لدي تساؤل: لماذا تهيمن على هذه الأعمال لغة الصراخ والتطاول والتعبيرات الغريبة؟ لماذا يتحدث الممثلون بهذه الطريقة؟ العامية المصرية من أجمل اللهجات، فلماذا نحولها إلى لهجة عشوائية ونطمس معالمها؟”
وأضافت: “هناك فرق بين الفن الواقعي، الذي أرسى دعائمه المخرج الكبير صلاح أبو سيف، وبين ما نشاهده اليوم. صحيح أن هناك فئات تتحدث بهذه الطريقة نتيجة تدهور التعليم وتأثير اقتصاد “التوك توك”، الذي اجتاح أحيائنا وأثر على ثقافتنا، لكن لماذا نكرس الأسوأ؟ ماذا نعلم الأجيال التي تتابع هذه المسلسلات؟ وماذا نرسخ لدى معجبي هؤلاء الفنانين؟ هل المطلوب أن يقلدوهم في طريقة الحديث؟ هل بات الممثل الأفضل هو من يبالغ في النطق، والممثلة الأكثر تميزًا هي التي تلوي شفتيها وتتكلم بطريقة مستفزة؟”
وتابعت لميس الحديدي قائلة: “بالطبع، هذا لا يعني أن البديل الوحيد هو تقديم دراما تدور فقط في الأحياء الراقية والمغلقة، فهذا أيضًا لا يمثل المجتمع. لكن هناك فئات واسعة من المصريين يعيشون حياة طبيعية بعيدًا عن هذا التشويه. الفن له تأثير عميق، ولذلك ينبغي الحذر من التأثير السلبي. نجاح مسلسل واحد لن يعوض الثمن الباهظ الذي سندفعه على مدى سنوات طويلة.”
التصريح الأكثر إثارة للجدل جاء على لسان الإعلامي والمحامي خالد أبو بكر، الذي نشر رسالة، عبر صفحته على فيس بوك مخاطبًا وزير الداخلية المصري، للنظر في دراما رمضان، ومراجعة انتشار ما وصفه بـ”أعمال العنف والبلطجة”، وقال أبو بكر في تدوينة إن الدراما تسلط الضوء على مشاهد العنف، والبلطجة، وتجارة الآثار؛ مما قد يؤثر سلبًا على الشباب والمجتمع، معتبرًا أن هذه الأعمال تصور الشارع المصري وكأنه يعاني من فوضى وانعدام للأمان، وهو ما لا يعكس حقيقته.”
يقول أبو بكر في رسالته: “سيادة الوزير، أنت تعلم، وأنا أعلم، والجميع يعلم أن الدراما ليست مجرد ترفيه، بل هي سلاح خطير يؤثر في العقول تأثيرًا مباشرًا، ربما يفوق في بعض الأحيان تأثير الخطط الحكومية الهادفة لرفع الوعي وتصحيح المفاهيم. هذا العام، شاهدنا أعمالًا درامية محترمة وناجحة تستحق التقدير، لكن – ومع كامل الاحترام – أنفقنا أيضًا أموالًا على أعمال أخرى تروج للبلطجة، والعنف، والخطف، وتجارة السلاح والآثار، إلى جانب استخدامها ألفاظًا غريبة عن مجتمعنا المصري.”
وأضاف متسائلًا: “هل هذا هو الشارع المصري الحقيقي؟ هل هذه هي الأحياء الشعبية التي نعرفها، والتي تحكمها الأخلاق والقيم قبل القانون؟”. مشيرًا إلى أن التعليم والثقافة في مصر يواجهان تحديات كبيرة، وأن وسائل التواصل الاجتماعي تعكس صورة غير مطمئنة عن الواقع المجتمعي.
تصريحات أبو بكر فتحت بابًا واسعًا من الجدل، وصل حد التراشق بين عدد من الإعلاميين، منها ما كتبه الإعلامي محمد الباز واصفًا أبو بكر بـ”الحول الإعلامي”، منتقدًا توجّه أبو بكر في رسالته إلى وزارة الداخلية بدلاً من توجيهها إلى المنتجين وصنّاع الدراما أنفسهم، معتبرًا أن الدراما المصرية قدمت خلال السنوات الماضية أعمالًا بارزة أظهرت دور الشرطة في مكافحة الإرهاب والجريمة، مثل مسلسل الاختيار وغيره، مما يجعل التركيز فقط على الأعمال التي تتناول العنف طرحًا غير منصف.
بدورها، علّقت الناقدة علا الشافعي، رئيسة تحرير صحيفة “اليوم السابع” ومسؤولة المحتوى الدرامي في “الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية”، قائلة إنها لم تفهم الهدف من منشور أبو بكر، متسائلة عبر “فيسبوك”: “هل هو بلاغ ضد صنّاع الدراما أم ماذا؟”، وأشارت الشافعي إلى أن دراما رمضان لم تقتصر على مشاهد العنف، بل قدمت محتوى متنوعًا يعكس قضايا اجتماعية مختلفة، مثل مسلسل “النص” الذي تدور أحداثه في عشرينات القرن الماضي، و “أولاد الشمس” الذي تناول قضية استغلال الأيتام. كما شددت على أن الشرطة المصرية ظهرت في العديد من الأعمال الدرامية بصورة لائقة، مع إبراز دورها في مكافحة الجريمة وحماية المجتمع.
نوصي للقراءة: من اتهامات فساد إلى قيادة الإعلام المصري: ماذا وراء تعيين طارق نور رئيسًا للمتحدة؟
احتكار الإنتاج.. وأزمة الإبداع
أحد الأسباب الجوهرية التي أضعفت الموسم الدرامي وفقًا للناقد الدكتور خالد عاشور هو الاحتكار الإنتاجي، إذ يشير في حديثه معنا إلى أن غياب المنافسة بين شركات الإنتاج أدى إلى سيطرة جهة واحدة على السوق، مما أضعف الجودة وأفقد الدراما عنصر التنوع. مؤكدًا أن الوضع في الماضي كان مختلفًا، حيث كانت هناك عدة شركات إنتاج قوية مما خلق تنافسية أجبرت الجميع على تقديم أعمال ذات جودة عالية.
ويضيف: “أما الآن، فإن احتكار الإنتاج أدى لغياب التنافسية وهو ما أفرز موسمًا ضعيفًا. ويلفت الأكاديمي والناقد المصري إلى أن بعض شركات الإنتاج تحولت إلى “مصانع” لإنتاج المسلسلات دون الاهتمام بجودة المحتوى، حيث يتم تنفيذ أعمال درامية بسرعة ودون مراعاة حبكة درامية متماسكة، مما أدى إلى إنتاج مسلسلات متشابهة تكرر نفس التيمات والمشكلات.”
إلأى جانب ذلك يلفت عاشور إلى دور السوشيال ميديا في الترويج للأعمال الدرامية بشكل غير حقيقي، موضحًا أن بعض الممثلين أصبح لديهم لجان إلكترونية تعمل على الترويج لمسلسلاتهم حتى وإن كانت ضعيفة، مما يجعل المشاهد يشعر بأنه يعيش في واقع موازٍ لما يُقال على مواقع التواصل. مشيرًا إلى أن هناك صفحات مدفوعة بالكامل للترويج لبعض الأعمال، كما أن بعض الفنانين يمتلكون فرقًا إلكترونية تعمل على تضخيم نجاحهم، حتى وإن كانت مسلسلاتهم لا تحظى بأي متابعة حقيقية من الجمهور.
وتسيطر “الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية” علىالحصة الأكبر من سوق الانتاج الدرامي، ويرى بعض النقاد وصناع الدراما أن سيطرة جهة إنتاجية واحدة يؤثر في الإبداع الدرامي وتنوعه، وتضم “المتحدة”مجموعة شركات متخصصة في الدعاية والإعلان، منها media hub التي كان يتشارك في ملكيتها محمد السعدي وإيهاب جوهر، وسينرجي التي كان يملكها تامر مرسي، وشركة pod التي كان يملكها عمرو الفقي، والأخيرة هي الوكيل الإعلاني لكل الوسائل الإعلامية الخاصة بالشركة المتحدة حاليا، فضلاً عن شركة ingredients التي تعمل بجانب شركة media hub في إنتاج محتوى إعلاني.
نوصي للقراءة: رتوش كوميكس نجيب محفوظ الأخيرة
الرقابة وتدخلات صناع القرار
يلفت الناقد آدم مكيوي في حديثه معنا إلى أزمة أخرى ترتبط بصناعة الدراما في مصر، تتعلق بانخفاض سقف الرقابة باعتباره أحد أهم الأسباب التي تؤثر على صناعة الدراما في مصر، إذ يضطر المؤلف وصناع العمل عمومًا للتخفي خلف ألف قناع وقناع لكتابة العمل، على العكس من ذلك كان الإنتاج في عام 2011 يتسم بجرأة كبيرة في طرح الموضوعات وبالتالي تم انتاج عدد كبير من الأعمال أصبحت علامات فارقة في تاريخ الدراما، مثل “موجة حارة” و “بدون ذكر أسماء” وغيرهما.
ويضع المجلس الأعلى للإعلام المعايير التي يطلب من منتجي الدراما الالتزام بها، كما تحدد اللجان المنبثقة عنه الموضوعات التي ينبغي على صناع الدراما التركيز عليها. ومن بين هذه التوجيهات، ضرورة التوقف عن تصوير تحقيق العدالة خارج إطار القانون، مثل اللجوء إلى العنف العضلي بدلًا من الطرق القانونية، وتشجيع الأعمال التي تبرز الدور البطولي لأفراد المؤسسة العسكرية ورجال الشرطة في حماية الوطن. كما دعت اللجنة إلى تعزيز الأعمال التاريخية والدينية، وتسليط الضوء على السير الشعبية للأبطال الوطنيين بهدف تعميق الانتماء والوعي القومي.
وكانت لجنة الدراما قد أقرت في عام 2017 فرض غرامة مالية بقيمة 200 ألف جنيه على كل قناة فضائية، و100 ألف جنيه على الإذاعات، مقابل كل لفظ مسيء يُبث عبر هذه الوسائل. كما نص القرار على سحب ترخيص الوسيلة الإعلامية التي تتكرر فيها الإساءات خلال ستة أشهر، على أن يُعاد إصدار الترخيص بعد اتخاذ إجراءات جديدة. كذلك، أصدر المجلس الأعلى للإعلام في 2021 تحذيرًا للقنوات الفضائية من عرض أي أعمال درامية دون الحصول على موافقة جهاز الرقابة، مشددًا على ضرورة الامتثال للإجراءات الرقابية في كل مراحل الإنتاج.
وقد أثارت هذه القرارات، حينها، العديد من التساؤلات، إذ لم ينص القانون رقم 92 لعام 2016، الذي صدّق عليه رئيس الجمهورية، على منح المجلس هذه الاختصاصات. علاوة على ذلك، جاءت هذه العقوبات والغرامات قبل إصدار اللائحة التنفيذية التي تُنظّم عمله، والتي كان من المفترض أن تصدرها رئاسة الوزراء بالتنسيق مع المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين التابعتين له في غضون ثلاثة أشهر من التصديق على القانون.
كما أن اللجنة لم تقدم تعريفًا واضحًا للألفاظ المسيئة أو لما قد يُعتبر إضرارًا بقيم المجتمع والنظام العام، مما يفتح المجال لتفسيرات واسعة قد تشمل أي لفظ أو مشهد باعتباره مخالفًا، الأمر الذي يمنح الدولة سيطرة شبه مطلقة على الدراما باعتبارها وسيلة للتواصل مع الجمهور وأداة لتشكيل الرأي العام. وهذا بدوره يتعارض مع مبادئ الدستور التي تكفل تكافؤ الفرص لجميع التيارات في التعبير عن رؤاها والتأثير في الرأي العام.
نوصي للقراءة: مشاريع هيئة الترفيه السعودية: ستنعش السينما المصرية أم ستُغرقها؟
دراما بلا هوية وبلا منافسة حقيقية
يشير خالد عاشور إلى أن الموسم الحالي شهد ظاهرة غير مسبوقة في صناعة الدراما المصرية، حيث توالت اعتذارات المخرجين والكتّاب والممثلين عن استكمال أعمالهم بسبب التدخلات المستمرة، وهو ما تسبب في اضطراب واضح في بنية المسلسلات.
ويوضح أنه لأول مرة في تاريخ الدراما الرمضانية تحدث هذه الكثافة في الاعتذارات، مستشهدًا بعدة أمثلة، مثل اعتذار المخرج وائل فرج عن مسلسل “شهادة معاملة أطفال”، وتغيير المخرج في مسلسل آخر بسبب تحكم أحد الممثلين في السيناريو والإخراج. كما يشير إلى أن مسلسل “ظلم المصطبة” سيبدأ عرضه في النصف الثاني من رمضان بسبب المشكلات الإنتاجية، بينما شهدت أعمال أخرى انسحاب مخرجين بعد تصوير عدة حلقات. ولم تقتصر الاعتذارات على المخرجين والكتّاب، بل امتدت إلى الممثلين أيضًا، حيث انسحب الفنان دياب من أحد الأعمال وتم استبداله بالفنان خالد كمال، مما تسبب في فوضى إنتاجية انعكست على جودة الأعمال المعروضة.
أما فيما يتعلق بالأعمال الكوميدية، فقد أشار عاشور إلى أن الموسم الحالي يعاني من انهيار شبه كامل لهذا النوع الدرامي، موضحًا أن هناك تصورًا خاطئًا لدى صناع الدراما بأن الكوميديا تقتصر على المبالغات المفتعلة والمواقف غير المنطقية.
ومن بين المشكلات الكبرى التي يشير إليها عاشور، تحكم بعض الممثلين في السيناريو والإخراج، حيث بات من المعتاد أن يتدخل الممثل في تعديل النصوص بما يخدم صورته الشخصية، مما أفقد الأعمال الدرامية تماسكها وجودتها.
ويضيف أن العديد من المسلسلات تعاني من مشكلات في السيناريو، حيث أصبح من المعتاد أن يتسلم الممثل المشاهد قبل التصوير بيوم واحد فقط، وهو أمر لم يكن يحدث في الماضي، حيث كان الممثل يطّلع على السيناريو بالكامل لفهم أبعاد شخصيته وتفاعلاتها مع الشخصيات الأخرى.
وفيما يتعلق بغياب القضايا المهمة عن الدراما، يوضح عاشور أن الدراما المصرية كانت دائمًا تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي للمجتمع، لكنها تراجعت الآن لصالح موضوعات سطحية لا تتصل بقضايا الناس. مشيرًا إلى أن نجاح مسلسل مثل “تحت الوصاية” العام الماضي لأنه تناول قضية اجتماعية حقيقية، في مقابل أعمال أخرى تدور في إطار العنف، وتجارة الآثار، والبلطجة، دون تقديم قضايا تمس المواطن المصري فعليًا.
إلى جانب ذلك يستنكر عاشور بعض المغالطات التي ظهرت في الموسم الحالي، مثل المبالغات غير المنطقية في تصوير تجارة الآثار، حيث قدمت بعض الأعمال مشاهد توحي بأن هذه التجارة قادرة على التفوق على المؤسسات الحكومية والمتاحف الرسمية.
ويؤكد عاشور على أن دراما رمضان 2025 تعاني من غياب الهوية، وافتقاد المنافسة، واحتكار الإنتاج، وغياب السيناريو المحكم، وتدخلات غير مبررة من الممثلين، مما أفرز موسمًا ضعيفًا يفتقد إلى الإبداع والتجديد. مشددًا على أن الدراما المصرية لن تستعيد قوتها إلا بعودة التنافسية بين شركات الإنتاج، وتقديم قضايا مجتمعية حقيقية، والاهتمام بجودة الكتابة والإخراج، والتوقف عن تقديم أعمال نمطية لا تمثل الشارع المصري.
تكثيف الإنتاج يرهق الجمهور
يتحدث آدم مكيوي عن تحول المشاهدين من المتابعة التلفزيونية التقليدية إلى منصات البث الرقمي، حيث باتت فئة الشباب تفضل مشاهدة مقاطع قصيرة أو متابعة مراجعات المسلسلات بدلًا من مشاهدتها بالكامل. يوضح: “جيل الأمهات والعمّات كان وفيًا للتلفزيون، أما الجيل الجديد فهو يشاهد ملخصات عبر المنصات الرقمية.”
كما يلفت إلى ظاهرة النقد الشعبي عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث ظهر العديد من صناع المحتوى الذين يقدمون تحليلات للمسلسلات رغم افتقارهم للخبرة النقدية المتخصصة. يقول: “النقد لم يعد حكرًا على النقاد الفنيين، بل أصبح المشاهد العادي ناقدًا. وهذا يؤثر على استقبال الأعمال الفنية، حيث تنتشر آراء غير متخصصة تؤثر على انطباعات الجمهور.” وينتقد مكيوي تكثيف الإنتاج في رمضان، مشيرًا إلى أن هذه الاستراتيجية باتت تسبب إرهاقًا جماهيريًا. “عرض الأعمال المهمة في شهر واحد يؤدي إلى تشتت الجمهور، فلا يجد وقتًا لمتابعة كل شيء، ما يجعل حتى الأعمال الجيدة تضيع وسط الزحام.”
موسم دراما رمضان هذا العام كشف عن أزمة حقيقية في الصناعة، حيث اجتمعت عوامل التكرار والاحتكار وضعف الإبداع لتنتج موسمًا باهتًا لم يستطع خطف أنظار الجمهور، وبينما تتوالى الانتقادات من الجمهور والنقاد والإعلاميين، يظل السؤال الأهم: هل يشهد الموسم القادم تصحيحًا للمسار، أم أن الدراما المصرية ستواصل انحدارها في دوامة الملل والابتذال؟