شاشة فيصل المقرصنة.. قضية بلا معلومات ومتهم لم يعرض على النيابة

اعتقال فني شاشات إلكترونية واتهامه باختراق شاشة فيصل، دون عرض على النيابة أو تحقيقات معلنة، وسط غياب معلومات عن المتهم والواقعة.
شاشة فيصل المخترقة (فيسيوك)
Picture of زاوية ثالثة

زاوية ثالثة

بعد ساعات من واقعة قرصنة شاشة إعلانات بأحد المراكز التجارية بشارع فيصل بمحافظة الجيزة مساء يوم الأحد الماضي، أعلنت وزارة الداخلية المصرية إلقاء القبض على “فني شاشات إلكترونية”، واتهمته بنشر عبارات مسيئة ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وفي بيان مقتضب نشرته الوزارة عبر منصاتها الرسمية الثلاثاء الماضي، قالت إن المتهم “اعترف بارتكابه الواقعة بتحريض من اللجان الإلكترونية التي تديرها عناصر جماعة الإخوان الإرهابية الهاربة بالخارج”، مشيرة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية.

ومساء يوم الأحد الماضي، أُخترقت شاشة إعلانات أحد المراكز التجارية في شارع فيصل، وعرض فيديو ينتقد ويتهكم على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في فعل احتجاجي فردي تشهده مصر لأول مرة، ما أدى إلى توقف الكثير من المارة في حالة ذهول. 

علمت زاوية ثالثة أنه حتى كتابة هذا التقرير لم يُعرض المتهم بارتكاب الواقعة على النيابة سواء العامة أو أمن الدولة، ولم يُحَقَّق معه، كما أن المحامين الحقوقيين والمراكز العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، لم تستطع الوصول إلى بياناته الخاصة أو أية معلومات عنه، فيما لم تنشر وزارة الداخلية أية تفاصيل عنه أو عن الواقعة المتهم بالتخطيط لها وارتكابها.

تنصّ المادّة 36 من قانون العقوبات على أنّه يجب على مأمور الضبط القضائيّ أن يسمع فورًا أقوال المتّهم المضبوط، وإذا لم يأت بما يبرّئه، يرسله في مدى أربع وعشرين ساعة إلى النيابة العامّة المختصّة. ويجب على النيابة العامّة أن تستجوبه في ظرف أربع وعشرين ساعة، ثمّ تأمر بالقبض عليه أو بإطلاق سراحه.

أما المادة 54 من الدستور المصري تنص على أنه: “فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق”.

أكّد المحامي الحقوقيّ ممدوح جمال عدم وجود أيّة معلومات دالّة على هويّة المتّهم بالواقعة الّتي عرفت بـ “شاشة فيصل”، وأنّه لم يعرض على أيّ نيابة حتّى الآن. مشيرًا إلى أنّه من الممكن توجيه عدد من الاتّهامات للمتّهم في أثناء التحقيق معه منها الانضمام إلى جماعة أسّست على خلاف القانون وفقًا لما ذكره بيان الداخليّة، إضافة إلى نشر أخبار كاذبة، وتكدير السلّم العامّ. مشيرًا إلى عدم يقينه في أن يكون المتّهم الّذي أعلن عنه هو الفاعل الحقيقيّ.

استجواب دون اعتقالات 

 تحركت السلطات في مصر لوقف الفيديو المعروض عبر الشاشة المخترقة، فيما سارعت قوات الأمن بالانتشار في شارع فيصل واستجواب عدد من المارة وأصحاب المحال التجارية.

عقب انتشار الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي ترددت أنباء تفيد بقيام قوات الأمن باعتقال عدد من السودانيين والمصريين أيضًا على خلفية الشاشة المخترقة. بينما نفت السلطات المصرية في بيان مقتضب توقف سودانيين على خلفية ما سمّته أعمال مسيئة.

تواصلت زاوية ثالثة مع عدد من المؤسسات الحقوقية غير الحكومية التي تعمل على قضايا السجناء السياسيين وحرية الرأي والتعبير. وأكدوا جميعًا عدم تلقيهم أية تفاصيل أو معلومات تفيد بالقبض على سودانيين أو مصريين من شارع فيصل. كما أكدوا أنه لم يعرض على النيابة أية متهم على خلفية واقعة فيصل حتى الآن. وهو ما يرجح صحة ما أعلنت عنه وزارة الداخلية، وينفي ما تداولته الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عبر صفحتها على الفيسبوك.

في صباح يوم الاثنين، وبعد ساعات معدودة من اختراق الشاشة الإعلانية في فيصل، وقبل إعلان وزارة الداخلية عن المتهم أو إجراء أية تحقيقات، فوجئ المواطنون بعرض الشاشات الإعلانية المنتشرة في شوارع العاصمة المصرية القاهرة والجيزة لصور تحت عنوان “حتى لا ننسى جرائم جماعة الإخوان”.

من جهته، يرى المحامي الحقوقيّ ياسر سعد أنّ بيانات الداخليّة في معظم الأحيان لا تتضمّن الحقيقة حول بعض الوقائع، والّتي آخرها واقعة شاشة فيصل، مشيرًا إلى احتماليّة أن يكون المقبوض عليه ليس الفاعل الحقيقيّ لواقعة فيصل وهو ما حدث في قضايا أخرى تمّ اتّهام آخرون بدلًا عن الفاعلين الحقيقيّين.

يوضّح “سعد” أنّ الداخليّة لا تهتمّ بإجراء تحرّيات دقيقة للوصول إلى مرتكب الواقعة الحقيقيّ قدر اهتمامها بالقبض العشوائيّ على أيّ مواطن وتقديمه كـــكبش فداء للمجتمع لنشر الفزع بين أفراد المجتمع، حتّى يعتبر الآخرون، ولا تتكرّر الواقعة.

يضيف المحامي الحقوقيّ أنّه حتّى الآن لا توجد جريمة سواء إخوانيّ أو غيره، سوى أنّه اخترق الشاشة طبقًا لقانون الجرائم الإلكترونيّة الّتي تعقّب بالغرامة، وليس الحبس في مثل هذا الانتهاك، لكنّ هذا يتطلّب أن يقدّم المتضرّر صاحب الشاشة الحقيقيّ بلاغًا بالضرر الّذي وقع عليه، مشيرًا إلى أنّ ما حدث مجرّد تعبير عن رأي لمواطن عبر شاشة دعاية مقدّمة للجمهور، وإن المحتوى الذي عرضته الشاشة لم يكن يحرض على الفسق والفجور أو أية محتوى آخر يعاقب عليه القانون، وغالبًا ما تُفَصَّل الاتهامات، وليس تطبيق القانون.

يختتم “سعد” حديثه بأن توجيه الاتهام دائمًا إلى جماعة الإخوان تستخدمه الدولة كفزاعة، لكنه فقد صداه في ظل وضع سياسي واقتصادي مترد.

في السياق ذاته، نشر النائب السابق زياد العليمي الذي تم الإفراج عنه في 2022 بعفو رئاسي تدوينة عبر صفحته الخاصة على الفيسبوك، أشار فيها إلى بيان الداخلية بخصوص متهم واقعة شاشة فيصل. وأوضح أن البيان ذكّره بصديقه الذي تعرف عليه أثناء فترة حبسه والذي كان تم القبض عليه في مايو 2020 وأُجبر على تصوير مقطع فيديو يعترف فيه على نفسه بتلقي أموال من الخارج لصالح مؤامرة إخوانية،  ما تسبب في إغلاق شركته التي كانت تعمل في مجال الإنتاج.

تنص المادة 40 من قانون الإجراءات الجنائية، على أنه لا يجوز القبض على أي شخص أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانونًا، كما يجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا.  أما المادة 41 فتقول أنه “لا يجوز حبس أي إنسان إلا في السجون المخصصة لذلك”.

في يونيو 2017 نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا تحت عنوان قصة “اعتراف” تحت التعذيب في مصر، كشفت فيه عن تعرض عمر محمد الذي تم اختطافه من الشارع  للتعذيب من أجل تصوير فيديو تم نشره من قبل نشرته القوات المسلحة، بزعم أنه يحوي اعترافات أخطر خلية إرهابية، وقد استندت المحكمة العسكرية إلى هذا الفيديو والتي حكمت عليه بالمؤبد في قضية حملت الرقم 174. 

وأعربت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب عن قلقها من التقارير التي تشير إلى أن التعذيب يستخدم بشكل روتيني لانتزاع الاعترافات، وأن الاعترافات المنتزعة عن طريق التعذيب يُستشهد بها ضد المتهمين في المحكمة كدليل على إدانتهم. وذلك ضمن فعاليات دورتها الـ 78، بمراجعة ملف مصر فيما يتعلق بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية، وذلك وفقًا للمادة 20 من اتفاقية مناهضة التعذيب الموقعة عليها مصر في 1987.

رسالة شاشة فيصل  السياسية

اعتبر عدد من النشطاء والسياسيّين عمليّة الاختراق الّتي شهدتها شاشة فيصل نوع من التعبير عن الرأي والمعارضة للرئيس المصريّ، بأسلوب مبتكر وجديد، وأنّ هذه العمليّة والّتي من الممكن أن تتكرّر خلال الفترة القادمة جاءت نتيجة حالة التدهور الّتي تمرّ بها البلاد على المستويين السياسيّ والاقتصاديّ. بينما اعتبر البعض الآخر أنّ ما حدث هو تحرّك فرديّ ليس له أيّ تأثير سياسيّ، وإنّ ما حدث سيتسبّب في حملة اعتقالات لمواطنين لم يرتكبوا ذنبًا.

لم يعلّق أيّ حزب سياسيّ معارض على الواقعة، فيما تواصلت زاوية ثالثة مع مصدر داخل الحركة المدنيّة، لكنّه رفض التعليق على الواقعة بزعم أنّ الحركة لم تناقش ما حدث.

من جهته، يرى الباحث الحقوقيّ والسياسيّ مصطفى شوقي أنّ واقعة فيصل تعتبر فعلًا فرديًّا، وشكّل من أشكال التعبير، في وقت حاصرت فيه السلطات المصريّة كلّ المنابر، حتّى منصّات التواصل الاجتماعيّ، وارتفعت تكلفة التعبير عن الرأي المعارض، وبالتّالي من الطبيعيّ ظهور أشكال من المقاومة الاجتماعيّة لكسر الحالة السائدة.

يتابع: مع حصار السياسة وملاحقة النشطاء وتجفيف منابع كافّة الأشكال المختلفة من المقاومة الاجتماعيّة (المنظّمة) في الجامعات والنقابات والمصانع والشوارع، خلق فراغ مخيف تسبّب في انقطاع التراكم النضاليّ الجماعيّ من أجل التغيير، وأصبح كلّ أو معظم مبادرات التعبير عن الغضب من السلطة وسياساتها، فرديّة الطابع، عفويّة المضمون، تتلمّس أكثر الطرق أمانًا.

وعن انتقاد البعض للواقعة خوفًا من ردّ الفعل الانتقاميّ للسلطة، يرى “شوقي” أنّ الأصل في توجيه اللوم يكون للجاني وليس الضحيّة، إضافة إلى أنّ القبض العشوائيّ في مصر يعدّ سياسة وانتهاكًا ممنهج واعتياديّ، ومن الممكن أن يتمّ في أيّ لحظة إيقاف أيّ مواطن في الشارع وتفتيشه والقبض عليه.

ويختتم الباحث الحقوقيّ والسياسيّ أنّ قرصنة شاشة عامّة في ميدان مروريّ أو شعبيّ، وغيرها من تكتيكات وأفكار حرب اللاعنف الّتي كان تردّد لسنوات ما قبل يناير، لتساهم في كسر حالة الخوف وتحريض الناس على التعبير عن رأيهم ومعارضة السلطة بالوسائل المناسبة لهم.

من جهته، ينتقد الباحث الاقتصاديّ والسياسيّ زهدي الشامي – رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبيّ الاشتراكيّ-، غياب المعلومات والشفّافيّة من قبل الجهات المسؤولة عن الواقعة والمتّهم بارتكابها.

ويؤكّد أنّه مهما كانت القبضة الأمنيّة المفروضة على البلاد منذ سنوات سيظلّ هناك ثغرات يستغلّها المواطنون للتعبير عن رأيهم وغضبهم، منتقدًا حالة الفزع الّتي تستخدمها الأجهزة الأمنيّة لردع المواطنين عن التعبير عن آرائهم، مشيرًا إلى أنّ هناك مبالغة من السلطات المصريّة وإصرار على إغلاق كافّة المنافذ أمام المواطنين في استخدام حقّهم الدستوريّ للتعبير على آرائهم.

يصرّ “الشامي” على وجود حالة غضب مكبوت داخل المجتمع المصريّ، وكــ سياسيّين ومواطنين ندرك تمامًا أنّ الشعب يئنّ من سوء الأحوال الاقتصاديّة واتّباع سياسات سيّئة يستفيد بها بعض من رجال الأعمال على حساب المواطنين، وهو ما يشعر المواطن بالاستفزاز والغضب، متمنّيًا أن يجد الشعب منافذ تعبير سلميّ آمن عن هذا الغضب، تلاشيًا من انفجار محتمل.

 

Search