أثار قرار الحكومة المصرية بنقل تبعية بحيرة البردويل -ثاني أكبر بحيرات مصر بعد بحيرة المنزلة بمساحة تبلغ 165 ألف فدان- إلى جهاز “مستقبل مصر للتنمية المستدامة” جدلًا واسعًا بعد انتشار معلومات غير مؤكدة عن احتمالية استثمار الجانب الإماراتي فيها. وتمتلك البحيرة أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة، حيث تشتهر بوفرة أنواع الأسماك القيمة، مثل أسماك العائلة المرجانية والبوريات، مما يجعلها مصدرًا مهمًا للأسماك في السوق المحلي. وصرح المتحدث الرسمي باسم الحكومة، محمد الحمصاني، بتاريخ 31 أكتوبر الماضي، أن القرار يهدف إلى تنمية البحيرة اقتصاديًا، مؤكدًا عدم صحة الشائعات حول بيعها أو خصخصتها.
وفقًا للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية يبلغ طول بحيرة البردويل نحو 130 كيلو مترًا، وتعد إحدى أهم مصادر الثروة السمكية فى سيناء ومصر. تتميز البحيرة بضحالتها النسبية وعمقها بين نصف المتر وثلاثة أمتار، كما أن بها عددًا من الجزر. لعل أهميتها تتمحور حول إنتاجها أسماك عالية القيمة الاقتصادية، إذ يصل إنتاجها السمكي إلى 2500 طن في السنة، فيما يقطن في البحيرة أعداد ضخمة من طائرّي (الخطاف الصغير/ دغبز)، و (القطقاط أبو الرؤوس)؛ فضلا عن تجمعاتهم الكبيرة، مقارنةً بالمتواجد منهما في العالم.
يفسر الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني، الأهمية الاقتصادية لبحيرة البردويل في حديثه مع زاوية ثالثة. يقول: “تبلغ مساحتها 650 كيلو متر مربع، تعد واحدة من أهم البحيرات المصرية وأقلها تلوثاً. تحتوي على أنواع عالية الجودة من الأسماك التي تصدر إلى أوروبا وبها بوغاز بعرض 100 متر علي البحر المتوسط، وتضم محمية الزرانيق في الجزء الشرقي منها التي تقع على مسافة نحو 30 كيلو متر غرب العريش، وتمثل هذه المنطقة أحد المفاتيح الرئيسية لهجرة الطيور في العالم، إذ أثبتت الدراسات أهمية المنطقة وموقعها الفريد الذي يربط بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا.”
يبين ما تمثله المنطقة كجسر عبور للطيور المهاجرة بين هذه القارات، خاصةً في فصلي الخريف والربيع من كل عام. وقد تم تسجيل 244 نوعًا من الطيور في المحمية تمثل 14 فصيلة أهمها “البجع، والبشاروش، والبط، والبلشون، وأبو قردان، واللقلق، ومرزة الدجاج، والصقر، والسمان، والحدأة، والكروان، والطيطوي، والنورس، وخطاف البحر، والقمري، والوروار، والغراب، والهدهد، وأبو فصادة، والدقناش، والحميراء، والأبلق وغيرها.”
نوصي للقراءة: الحرارة المرتفعة: سلاح فتّاك يستهدف الاستزراع السمكي في مصر
الأهمية البيئية للبحيرة
تكشف سحر مهنا – خبيرة تقدير المخزون السمكي، رئيسة شعبة المصايد السابقة، الأهمية البيئية للبحيرة. تقول إلى زاوية ثالثة: “تعد أنقى بحيرة في مصر وساحل البحر الأبيض المتوسط شمال إفريقيا، ما يمثل ميزة لا تتوفر في بحيرات مصر الأخرى التي عانت من التلوث؛ علاوة على أن أسماكها مطلب عالمي لجودتها العالية، فضلا عن مردودها الاقتصادي الناتج عن تصدير بعض منتجاتها للأسواق الأوروبية، وإنتاجها الذي يضخ للسوق المحلي. وتمثل أحد أهم مصادر الأمن الغذائي، كما يوجد بها محمية الزرانيق التي تحوي السلاحف البحرية المهددة بالانقراض، التي تأتي لتضع بيضها لدينا، إلى جانب كونها منطقة تشتية للطيور المهاجرة.
وبحسب “الميرغني” تمثل بحيرة البردويل كيان بيئي متميز بما تحتويه من أسماك وطيور، وتخضع لإشراف وزارتي الزراعة وشئون البيئة، وتمتلك تلك الجهات خبرات وخبراء قادرين على إحداث أي تطوير للبحيرة ومعالجة أي مشكلات تشوبها.
ووفق الإحصاء الأخير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تكشف بياناته عن تراجع مساحة المزارع السمكية من 360000 إلى 300000 فدان خلال الفترة من 2008 إلى 2021، فيما ارتفعت كميات الإنتاج السمكي خلال الفترة ذاتها من 1,090,000 إلى 2 مليون طن. إضافة إلى ارتفاع قيمة الإنتاج السمكي والمنتجات البحرية الأخرى خلال الفترة من 2009 إلى 2021 من 11.7 إلى 66.4 مليار جنيه.
واجهت البحيرة معوقات عدة على مدار سنوات، أبرزها؛ حاجة البواغيز للتطهير، فضلًا عن الصيد الجائر للأسماك وتوافد الطيور المهاجرة على شاطئ البحيرة، ويقوم البعض بصيدها بشكل مخالف؛ ما يتسبب في إحداث خلل في التوازن البيئي.
في هذا السياق، يقول سامي الهواري – مدير عام منطقة شمال سيناء للثروة السمكية-، في حديثه إلى زاوية ثالثة، عن حاجة البحيرة لتطهير البواغيز التي تربط بين البحر والبحيرة من الرمال والشوائب، وهما بوغاز رقم 1، وبوغاز رقم 2، مشيرًا إلى مخالفات تمارس من قبل بعض الصيادين على المسطح المائي للبحيرة كالصيد بالإضاءة، إذ يوجه هؤلاء إضاءة شديدة بواسطة كشاف على الأسماك؛ ما يؤدي لشل حركتها ليسهل استخراجها، ليتم صيد أسماك البوري فقط ويطلق عليه بوري رقم 1 ويتميز بجودته العالية ومذاقه المميز وحجمه الكبير.
تتفق سحر مهنا في وجود معوقات تواجه البحيرة، وتكشف عن ذلك. تشرح: “رغم من مساحتها الكبيرة؛ إلا أن إنتاجها متذبذب، ويبلغ متوسطه نحو ثلاثة آلاف طن/سنويًا. تعاني بعض أجزاء من البحيرة من معدلات الملوحة المرتفعة، ما يجعل تلك المناطق مكان غير مناسب لسكن الأسماك؛ لذا فإن مشاريع تطهير البواغيز التي تنفذ حاليًا هامة لسريان المياه؛ ما يسهم في خفض معدلات الملوحة.”
تضيف، أنه علاوة على معاناتها من الصيد الجائر، فإن الشباك المخالفة تعد من أهم مشاكلها، إذ تتسبب في تدمير المخزون السمكي وإهدار قيمة اقتصادية، إذ لا تصدر الأسماك الصغيرة وتباع بسعر أقل من مثيلتها. يأتي ذلك في الوقت الذي يؤثر ترسب الرمال في بواغيز البحيرة سلبًا على هجرة الأسماك التي تؤدي بدورها لفشل موسم التكاثر، ويترتب عليه تناقص الذرّيعة؛ لذا فإن تطهير البواغيز بصفة دورية ضروري.
وتشير خبيرة تقدير المخزون السمكي، رئيسة شعبة المصايد السابقة، إلى إصدار هيئة الثروة السمكية قرار بتأجير بعض مساحات من البحيرة في أعقاب 30 يونيو 2013، لصالح رجال أعمال، لإقامة ملاّحات، ما ترتب عليها من أعمال تجفيف المياه وإدخال معدات وتغير زيوت، معتبرة ذلك مصدر من مصادر التلوث للمنطقة، فضلًا عن اقتطاع أجزاء من البحيرة لاستغلالها كملاحات في إطار قرار التأجير.
كشفت النشرة السنوية لإحصاءات الإنتاج السمكي لعام 2021، الصادرة مايو 2023، عن ارتفاع كميات الإنتاج السمكي للبحيرات من 1.8 إلى مليوني طن خلال الفترة الزمنية من 2017 إلي 2021، فيما احتلت بحيرة البرلس المركز الأول بين البحيرات بإنتاجية 103801 طن سنويًا، يليها المنزلة بإنتاجية 71496 طن. في المركز الثالث جاءت بحيرة ناصر بـ 28226 طن سنويًا، فيما احتلت بحيرة مريوط المركز الرابع بـ 22273 طن سنويًا، بينما كشفت النشرة عن إنتاجية بحيرة البردويل التي قدرت بـ4252 طن سنويًا عن الفترة ذاتها.
نوصي للقراءة: سيناء: التغريب أو الاعتقال
نقل ولاية البحيرة
أعلن متحدث الحكومة، محمد الحمصاني، نقل ولاية البحيرة لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، بهدف تنميتها الاقتصادية، وإعادتها لما كانت عليه، إذ وفق حديثه، سيتم تطوير مراسي الصيد لزيادة الإنتاج السمكي، وتطوير أعمال النقل والتداول. يسهم ذلك – بحسب الحكومة- في زيادة الدخل للصيادين والعاملين بالبحيرة، مع تقديم حزمة مساعدات اجتماعية للصيادين، لمساعدتهم حتى تستعيد البحيرة طاقتها الإنتاجية من إنتاج الأسماك، نافية أن تكون هناك نية لبيع البحيرة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وصدر قرار جمهوري رقم 591 لسنة 2022 بإنشاء جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، يرأسه العقيد بهاء الغنام. وقد بدأ الجهاز نشاطه تحت إشراف القوات الجوية المصرية، بغرض المساهمة في مشاريع استصلاح الأراضي الصحراوية في مصر، ويعمل على استصلاح الأراضي الجديدة بالصحراء الغربية والصحراء الشرقية شمال وجنوب مصر.
ينتقد الباحث الاقتصادي والسياسي، إلهامي الميرغني، نقل ولاية البحيرة لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، يبين: “لم يسبق للجهاز العمل في تلك النوعية من المشروعات. أتساءل حول علاقة القوات الجوية التي ينتمي لها الجهاز بتنمية البحيرات؟”
يعتبر إسناد عملية تطوير البحيرة للجهاز سابقة خطيرة، لكونه جهاز غير متخصص في هذا الشأن، في وقت تمتلك الدولة أجهزة متخصصة وقادرة على عمل أي تطوير في البحير؛ لذلك “نخشى من أي أضرار يمكن أن تحدث في البحيرة نتيجة ضعف خبرات الجهاز في هذا المجال.”، وفق قول الميرغني.
ويبدي مزيد من التخوف حول المشروعات المستقبلية. يقول: “بحيرة البردويل أحد أكثر الموارد المصرية ندرة، فهي مورد حيوي ينبغي الحفاظ عليه مصريًا خالصًا، إذ تمثل مصدر رزق لأكثر من 3500 صياد، إضافة لمئات المستفيدين من العمل في البحيرة من سكان سيناء، كما أن نشاط الصيد الحالي يعد أفضل استثمار للبحيرة، ونخشى من أن تقام مشروعات على ضفاف البحيرة لتكون مصدر تلوث لأنقي بحيرة مالحة في مصر.”
يناشد الحكومة بوقف مشروع نقل ولايتها، وتشكيل لجنة من وزارتي الزراعة وشئون البيئة وكليات الزراعة والعلوم، لعمل مخطط علمي لتطوير البحيرة بعيدًا عن الحلول العشوائية التي يمكن أن تدمر البحيرة وتضر بالبيئة المتميزة الخاصة بها، على حد قوله.
أيضًا- انتقدت سحر مهنا، قرار نقل ولاية البحيرة لجهاز مستقبل مصر، مبررة ذلك بعدم امتلاك الجهاز الخلفية العلمية التي تؤهله لمثل تلك الأعمال، منتقدة اشتراط صيد أحجام محددة، لأنها تختلف حسب الحرفة والحجم والموقع، مشيرة لضرورة دراسة البحيرة والاستعانة بالخبراء قبل صدور اشتراطات للصيد وإعلان ملامح خطة التنمية.
من جهته، يؤكد شكري سالمان – مدير إدارة بحيرة البردويل بشمال سيناء-، إلى زاوية ثالثة، تلقيه بلاغ في أكتوبر الماضي، بإخلاء مكتبة تمهيدًا لتسليم وتسلم إدارة بحيرة البردويل من هيئة الثروة السمكية إلى جهاز مستقبل مصر للتنمية، وأنه لم يعد مديرًا للبحيرة وغير مخوّل له الإدلاء بأي تصريحات حول تفاصيل نقل ولاية بحيرة البردويل من هيئة الثروة السمكية لجهة أخرى.
ويعلق مدير عام منطقة شمال سيناء للثروة السمكية، بأنه سيتم خلال الأيام المقبلة نقل ولاية بحيرة البردويل بشمال سيناء إلى ولاية جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، بصورة رسمية وجاري التجهيزات لذلك، مع عدم العمل بالإجراءات الجديدة الموضوعة من قبل الجهاز، الخاصة بتنظيم واشتراطات الصيد التي تم تطبيقها ليوم واحد في 30 من أكتوبر المنصرم، إذ سيتم العمل بالنظام السابق حتى موعد إغلاق البحيرة في نهاية شهر ديسمبر المقبل، لبدء فترة منع الصيد التي تستمر لأربعة أشهر لمنح الفرصة للذريعة الصغيرة من الأسماك لتنمو وتكبر، حتى 25 أبريل المقبل، إذ يتم فتح البحيرة لموسم الصيد الجديد خلال احتفال محافظة شمال سيناء بالعيد القومي .
وقبل سنوات نفذت مصر مشروع تطوير وتنمية بحيرة البردويل، تحديدًا في 2017، إذ تم رفع كفاءة وتطوير أربعة مراسي صيد، إضافة إلى إزالة العوائق الموجودة بها بإجمالي 3500 طن عوائق، وتطهير البواغيز، وتنفيذ الراحة البيولوجية للبحيرة في المواعيد المخططة، بتكلفة 120 مليون جنيه حينذاك. فيما تم التعاون بين أجهزة الدولة المعنية ووضع رؤية لمنع صيد الزريعة والصيد الجائر وتنفيذ قوانين الصيد والإهتمام بالصيادين وأحوالهم المعيشية، كما تم الاستعانة بالخبرات الأجنبية من شركة “إيفر جرين الصينية” لتطوير صناعة الأسماك، مع إنشاء صالة للفرز والتصدير والحصول على رخصة التصدير للاتحاد الأوروبي، كما أنشئت السلطة مركزًا للأبحاث والتطوير يحتوي على معامل متخصصة تعمل في مراقبة جودة المياه والغذاء الحي للأسماك وصحة أمراض الأسماك وتركيب وجودة الأعلاف.
وقد فاز تحالف (التحدى والجرافات الإمارتية) بمشروع تكريك بحيرة البردويل شمال سيناء في أغسطس 2021، ويمتلك سابقة أعمال في السوق المصري منذ عام 2015، حينما شارك في تنفيذ جزء من مشروع قناة السويس الجديدة، عقب ذلك نفذ إحدى المراحل بميناء السخنة، وتطوير ميناء الأدبية، وميناء برانيس بالبحر الأحمر، كما فاز بـ مشروع تعميق ميناء دمياط البحرى الخاص بالممر الملاحي للميناء.
نوصي للقراءة: الحرارة المرتفعة: سلاح فتّاك يستهدف الاستزراع السمكي في مصر
شروط العمل الجديدة
أثارت تبعات نقل ولاية البحيرة لجهاز مستقبل مصر أزمة في أوساط الصيادين بشمال سيناء، إذ وضع الجهاز شروطًا وصفها الصيادون والخبراء بعلوم البحار بـ التعجيزية، التي قد تتسبب في ترك كثير منهم مهنتهم التي المتوارثة عن آبائهم وأجدادهم.
وتعد بحيرة البردويل بشمال سيناء موردًا اقتصاديًا هامًا لسكان مناطق وقرى مركز بئر العبد، إذ يعتمد آلاف السكان عليها كمصدر رئيسي للدخل، ليس فقط للصيادين؛ بل لمجموعة واسعة من العاملين في قطاعات متصلة بالصيد. حسب عدد من العاملين في قطاع الصيد الذين تحدثت معهم زاوية ثالثة من سيناء.
يقول سالم التوني -رئيس جمعية 6 أكتوبر لخدمة الصيادين لمركز بئر العبد-، يتم الصيد في بحيرة البردويل من خلال ثلاثة مواقع رئيسية تُعرف بالمراسي وهي: “التلول، واغزيوان، والنصر”. تتوزع تلك المواقع على امتداد البحيرة بداية من النصر غربًا، والتلول شمال شرق مدينة بئر العبد.
ويعلق سالم دواغرة – أحد كبار الصيادين ببحيرة البردويل- على قرار نقل ولاية البحيرة، واصفًا أنه سيضر بالصيادين ويصادر أرزاقهم في عرض المسطح المائي للبحيرة، معللًا ذلك بأنه من ضمن إجراءات العمل الجديدة التي تم إبلاغهم بها شفاهية من مصدر مسؤول بالجهاز في 30 من أكتوبر الماضي، عدم صيد الأسماك التي لا تقل عن ثلاث سمكات/كيلو جرام بوزن 350 جرام للسمكة الواحدة، مؤكدًا أن تلك الأحجام غير متوفرة بالبحيرة، إلا في أمهات الأسماك وعددها محدود للغاية.
علاوة على عمل الصيادين بشباك مقاس 30 بوصة يقدر ثمنها 100 ألف جنيهًا، فيما تجبر القرارات الجديدة الصيادين على شراء شباك مقاس 35 بوصة؛ ما يكلفهم نحو 100 ألف جنيه إضافية، هذا إلى جانب دفع قيمة استئجار رخصة مركب بما يتراوح من 30 إلى 40 ألف جنيه، فضلًا عن وقود المركب، إذ تقدر سعر الصفيحة الواحدة 20 لتر بـ 400 جنيه، بحسب توضيح سالم دواغرة.
يضيف: “رغم امتلاكي مركبين، إلا أنه من بعد تطبيق القرار لم أتمكن إلا من صيد سمكة واحدة بالاشتراطات الجديدة، لذلك خرجت من البحيرة وعدت إلى بمنزلي مع الصيادين الذين يعملون على المراكب، احتجاجًا على قطع مصدر دخلنا، من خلال قرارات مجحفة لن تعود على الصيادين بخير”، مشيرًا إلى عمل نحو 1600 مركب داخل المسطح المائي للبحيرة وكل مركب يعمل عليها نحو ثلاثة صيادين، وفي ظل اشتراطات الولاية الجديدة لن يستطيع الصيادين العمل.
نوصي للقراءة: مئات المُهجرين من حدود سيناء يطالبون بـ”حق العودة” إلى قراهم
ويكشف “دواغرة” عن وقف العمل بالمراسي الثلاثة للبحيرة من قبل الصيادين الذين عادوا إلى منازلهم، حتى إشعار آخر ولحين التوصل إلى قرار منصف للصيادين المثقلين بالديون ومصاريف التشغيل والوقود التي تُسيّر المراكب، مشيرًا إلى جمع السمك من الصيادين وإعدام إنتاج 1200 مركب بما يزن خمسة طن، بدعوى أن الأحجام صغيرة، في اليوم ذاته عقب تطبيق القرار من قبل بعض المسؤولين، على حد قوله.
يقول محمد غنمي – صياد من شمال سيناء-، إن نسبة الأسماك التي يبلغ عدد الثلاثة منها كجم، هي الأمهات وهو ما يتجاوز نسبة %5 من الإنتاج السمكي بالبحيرة، موضحًا أنه في حال استمرار تطبيق هذا القرار سيتوقف الصيادون عن الصيد لعدم جدواه بعد أن أصبح العمل دون مقابل، فضلًا عن زيادة مصاريف التشغيل التي باتت تثقل كاهلهم.
من جهته، يؤكد محمد حسين – تاجر أسماك بمدينة بئر العبد في شمال سيناء-، أن قرار نقل ولاية بحيرة البردويل ألقى بظلاله فورًا على أسواق الأسماك، التي شهدت موجة غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار؛ ما يعيق المواطنين عن الشراء وخاصة من ذوي الدخل المنخفض، الذين يجدون في الأسماك بديلًا عن لحوم الماعز والضأن والعجالي والبتلو.
يشير محمد العتلاوي – من كبار التجار ورئيس نقابة الصيادين بالعريش- إلى أن خبر نقل ولاية البحيرة أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة تتراوح ما بين 25 إلى 30%، مؤكدًا أن ذلك تسبب في تراجع الإقبال على شراء الأسماك بصورة ملحوظة، خاصةً أسماك الدنيس التي كانت تباع بأسعار تتراوح ما بين 150 جنيه للأحجام المتوسطة إلى 200 جنيه للحجم السوبر، مبينًا أنها تباع اليوم بأسعار تتراوح ما بين 270 إلى 300 جنيه، فيما ارتفعت أسعار العائلة البورية من 170 جنيه إلى 200 جنيه للكيلو، وتراوحت أسعار أسماك اللوت والقاروص من 220 جنيه إلى 300 جنيهًا.
من جهته، ينتقد بكري أبو الحسن – شيخ صيادين السويس- في حديثه معنا اشتراطات عمل الصيادين الجديدة، إذ تسبب حسب وصفه، في عدم قدرة الصيادين على العمل. مطالبًا بمراجعتها من الجهات المعنية، حفاظًا على قطاع الصيد، ومشيرًا إلى إنتاج مشروعات الاستزراع السمكي في مصر ما يقرب من 70 إلى 75%، بينما تمثل النسبة المتبقية إنتاج مصر من مشاريع الصيد الحر الذي تناقص.
ويبقى قرار نقل بحيرة البردويل لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، محل لغط كبير في أوساط الصيادين والخبراء، خاصةً وأنها ظلت خاضعة لولاية هيئة الثروة السمكية لعقود، فضلًا عن صدور قرار نقل الولاية بصورة مفاجئة لجهاز يفتقر لخبرات أصحاب الخبرة العلمية والمهنية في هذا المجال وفرض شروط تعجيزية للصيادين لممارسة أعمالهم؛ أبرزها ما يشير إلى صيد الأمهات من الأسماك، وتعجيز الصيادين من خلال صيد أحجام محددة، إضافة إلى التكاليف الإضافية التي قد تعني تقاعد كثير منهم عن مهنة الصيد.