إلغاء مواد من الثانوية العامة في مصر: خطوة نحو التغيير أم تقليص للتعليم؟

تثير التعديلات الجديدة على نظام الثانوية العامة جدلاً واسعًا حول تأثيرها على جودة التعليم ومستقبل الطلاب والمعلمين في مصر.
Picture of منار بحيري

منار بحيري

تصاعدت حالة من الجدل خلال الأيام الأخيرة منذ أن أعلن وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، محمد عبداللطيف، تفاصيل نظام الثانوية العامة الجديد 2025 ضمن خطة إعادة تصميم المحتوى العلمي والمعرفي لصفوف المرحلة الثانوية وتوزيعها بشكل متوازن، إذ تستهدف حسبما أعلن خلال المؤتمر الذي عقد الأربعاء الماضي، تقليل العبء الواقع على كاهل الطلاب.

جاءت القرارات كما أعلنها وزير التربية والتعليم عن التعديلات الجديدة للمرحلة الثانوية التي ستطبق اعتبارًا من العام الدراسي المقبل 2024/2025. بالنسبة للصف الأول الثانوي؛ دراسة ستة مقررات أساسية، تشمل: اللغة العربية، والتاريخ، واللغة الأجنبية الأولى، والفلسفة والمنطق، والعلوم المتكاملة، والرياضيات، بدلًا من عشرة مقررات في العام السابق، أيضًا- تصبح اللغة الأجنبية الثانية مادة نجاح ورسوب فقط، دون أن تدخل في المجموع الكلي. ويتم تطبيق منهج العلوم المتكاملة لأول مرة، بديلاً عن مناهج الكيمياء والفيزياء، إلى جانب إعادة تصميم مقرر الجغرافيا لتُلغى من الدراسة في الصف الأول الثانوي، وتصبح مادة تخصص للشعبة الأدبية في السنة التالية.

وبالنسبة لـ مقررات الصف الثاني الثانوي بعد التعديل، فتشمل: دراسة ستة مقررات بدلًا عن ثمانية، وينقسم الطلاب إلى شعبتين؛ العلمية و تدرس: اللغة العربية، واللغة الأجنبية الأولى، والأحياء، والفيزياء، والكيمياء، والرياضيات. والشعبة الأدبية، وتدرس: اللغة العربية، واللغة الأجنبية الأولى، والجغرافيا، والتاريخ، وعلم النفس، والرياضيات. وتظل اللغة الأجنبية الثانية مقرر نجاح ورسوب دون دخولها في المجموع. أما طلاب الصف الثالث الثانوي، فيدرسون وفق النظام الجديد، خمسة مقررات بدلًا عن سبعة، وينقسمون إلى ثلاث شعب؛ العلوم و تدرس: اللغة العربية، واللغة الأجنبية الأولى، والأحياء، والفيزياء، والكيمياء، و شعبة الرياضة، وتدرس: اللغة العربية، واللغة الأجنبية الأولى، والرياضيات، والكيمياء، والفيزياء، وأخيرًا الشعبة الأدبية، وتدرس: اللغة العربية، واللغة الأجنبية الأولى، والتاريخ، والجغرافيا، والإحصاء، فيما تبقى اللغة الأجنبية الثانية كمقرر رسوب ونجاح دون احتسابها في المجموع الكلي.

 

تغييرات مستمرة

في تسعينيات القرن العشرين، خضع نظام الثانوية العامة لتعديل تمثل في إدخال نظام المواد الاختيارية و مواد المستوى الرفيع. في عام 1994، أصبحت شهادة الثانوية العامة تعتمد على نتائج امتحانات السنتين الثانية والثالثة من المرحلة الثانوية، كما أتيح للطلاب فرصة إعادة امتحان المادة نفسها أكثر من مرة للحصول على الدرجة الأعلى، وهو ما عرف بنظام “التحسين”.

وقد أدى هذا النظام إلى تمكن بعض الطلاب من تحقيق مجموع درجات يتجاوز 100%. لكن هذا النظام لم يستمر طويلاً، حيث تم إلغاؤه لاحقًا، رغم استمرار الثانوية العامة بـ نظام العامين و الشعبتين الأدبية والعلمية. وفي عام 2012، جرى تعديل آخر على النظام ليقتصر على عام واحد فقط، وهو الصف الثالث الثانوي.

في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، شهد نظام الثانوية العامة تحولاً جذريًا مع تطبيق نظام “البابل شيت” في عام 2021. تم دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية من خلال استخدام أجهزة التابلت، واعتماد التصحيح الإلكتروني لأوراق الإجابة، إضافة إلى تطبيق نظام “الأوبن بوك” في الامتحانات، حيث تُسلم للطلاب كراسة تحتوي على المفاهيم الأساسية لكل مادة قبل بدء الامتحان.

هذا النظام خضع للتطوير في العام الحالي، حيث تم إدخال تغييرات على نمط الأسئلة لتشمل 15% منها أسئلة مقالية، بينما تظل 85% من الأسئلة بنظام الاختيار من متعدد “البابل شيت”. هذه التعديلات تهدف إلى تحسين جودة التقييم وإعطاء الطلاب فرصة للتفكير النقدي والتعبير الكتابي بجانب مهاراتهم في الاختيار من متعدد، حسبما أعلن القائمون على وزارة التعليم مرارًا.

ومع صعود الوزير الجديد إلى كرسي وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، فاجئ المواطنين بعد أسابيع قليلة من توليه المسؤولية، بالإعلان عن نظام جديد للثانوية العامة في صفوفها الثلاثة بدءًا من العام الدراسي المقبل. فكيف رأى الطلاب والمدرسون تلك القرارات؟

نادي شلتوت – مدرس مادة اللغة الفرنسية منذ ثماني سنوات-، يقطن في محافظة الجيزة، يعرب عن استيائه من قرار الوزارة الأخير بإلغاء تدريس اللغة الفرنسية كمقرر أساسي في المرحلة الإعدادية وتحويلها إلى نشاط اختياري. ويشير إلى أن هذا القرار لا يتسبب فقط في تهميش اللغة الفرنسية وأهميتها للطلاب، بل يتعدى ذلك ويؤثر سلبًا على مستقبل المعلمين الذين يعتمدون على تدريس هذه المادة كمصدر رئيس للدخل.

يوضح أن هذا القرار ينذر أيضًا بتراجع مستوى الطلاب في اللغات الأجنبية مستقبلاً. وأن القرار لا يراعي الظروف الصعبة التي يمر بها أكثر من 100 ألف مدرس وأسرهم، الذين يعتمدون على تدريس اللغة الفرنسية كمصدر وحيد للدخل (بحثنا عن مصدر رسمي يفيد بعدد مدرسي اللغة الفرنسية في مصر، لكننا لم نستطيع الوصول إليه).

حسب سفارة فرنسا في مصر، يبلغ عدد المدارس التي تنتهج نظامًا تعليميًا يعتمد على المناهج الفرنسية في مصر في العام 2016، نحو 13 مدرسة، بينما المدارس ثنائية اللغة التي تدرس اللغة الفرنسية من مرحلة الحضانة إلى الثانوية العامة نحو 50 مدرسة. وفي عام 2021، أعلن مجلس الوزراء عن بدء تدريس اللغة الفرنسية كلغة أجنبية ثانية في المدارس الحكومية، وتدريب نحو 13 ألف مدرس وموجه للغة الفرنسية يعملون في المدارس الحكومية، بعد شراكة مع الوكالة الفرنسية للتنمية وقعت في العام 2020، ما عُني وقتئذٍ أنها ستمتد لمراحل تعليمية مبكرة بدلًا عن تدريسها في مرحلة الثانوية العامة وبعض المدارس في المرحلة الإعدادية فقط.

 

في رسالته إلى الوزارة والمسؤولين، يناشد “شلتوت” بعدم إهمال اللغة الفرنسية لما لها من أهمية كبيرة في التواصل والثقافة، ويحث على التراجع عن هذا القرار الذي قد يؤدي إلى كارثة تعليمية واجتماعية. كما يتساءل: “ماذا سيفعل المدرسون الذين لا يمتلكون مهنًا أخرى؟ كيف يؤمّنون احتياجات أسرهم؟ نحن نعمل فقط خلال فترة الدراسة، ولا نمتلك مهنًا أخرى أو مصادر دخل بديلة”.

وذكرت وزارة التربية والتعليم إحصائيات العام الدراسي 2023، التي تضم الطلاب والمدارس والفصول وأعضاء هيئة التدريس، موضحة أن هناك 25 مليون و494 ألف و232 طالب وطالبة، كما وصل عدد أعضاء هيئة التدريس إلى 958 ألف و 753 معلم ومعلمة، وعدد المدارس إلى 60 ألف و254 مدرسة، بإجمالي 551 ألف و 815 فصل دراسي.

 

الطلاب يعترضون والمدرسون غاضبون

حُسنه حامد سلامة – طالبة بالقسم الأدبي في الصف الثالث الثانوي، من مدينة بنها التابعة لمحافظة القليوبية-، تعبر عن استيائها من قرار الوزارة الأخير بإلغاء تدريس بعض المقررات الأساسية في الثانوية العامة، بما في ذلك اللغة الفرنسية والفلسفة وعلم النفس، موضحة أن هذه الخطوة تمثل ضربة قوية للطلاب الذين يسعون لتطوير أنفسهم في مجالات تتجاوز اللغة الإنجليزية، وتؤثر بشكل مباشر على مستقبلهم الأكاديمي.

وتشير إلى أنها بدأت دروسها منذ أسبوعين فقط، وتشعر بخيبة أمل كبيرة إزاء إلغاء مقرر اللغة الفرنسية كأساسي، معتبرةً أن تعلم لغات أخرى غير الإنجليزية أمر حيوي، خاصة أن هذه اللغات تفتح آفاقًا واسعة للطلاب في كليات مثل الألسن والآثار. تضيف: “إلغاء الفرنسية ليس قرارًا صائبًا، فهي لغة سهلة وممتعة، وتعتبر إضافة قيّمة لـ مهاراتنا”.

وعن إلغاء مادتي الفلسفة وعلم النفس، تقول حُسنه: “هذا القرار كان الأكثر إحباطًا بالنسبة لي، فأنا أحب المقررين بشدة -تقصد الفرنسية والفلسفة وعلم النفس-، وكانا يسهمان بشكل كبير في تطوير تفكيري ونظرتي للأمور. القرار أثر علينا بشكل سلبي، وكذلك على المدرسين الذين فقدوا جزءًا من عملهم”.

تعليقًا، يؤكد محسن فراج – رئيس قسم المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس-، أن القرارات الأخيرة التي أعلنها وزير التعليم حول نظام الثانوية العامة تحتاج إلى دراسة متأنية وتنفيذ تدريجي، مشيرًا إلى أن هذه القرارات ليست حلولًا سحرية يمكن تطبيقها بشكل فوري دون تأثيرات جانبية.

ويوضح إلى زاوية ثالثة، أن هناك جوانب إيجابية في هذه القرارات، خاصة في ظل الأزمة التي يمر بها التعليم حاليًا. ومع ذلك، هناك بعض الأمور التي تتطلب وقتًا ومزيدًا من الدراسة قبل أن تكون قابلة للتنفيذ، خصوصًا مع بدء العام الدراسي الجديد.

فيما يتعلق بإلغاء دراسة المواد باللغات الأجنبية، يشير “فراج” إلى أن هذا القرار قد يؤثر بشكل كبير على كليات مثل كلية الألسن والآداب والتربية التي تشمل برامج لغوية. ويؤكد أن تأثير هذا القرار سيمتد إلى تنسيق القبول في هذه الكليات، إذ من المتوقع أن تنخفض معدلات القبول فيها، خاصة في الأقسام التي تعتمد على تدريس اللغة الثانية.

ويضيف: اللغات الأجنبية لها أهمية كبيرة ولا يمكن إلغاؤها دون النظر إلى تأثيراتها على مختلف العلوم، معربًا عن قلقه من أن تطوير المناهج بشكل مفاجئ قد يؤدي إلى ارتباك في العملية التعليمية.

حسب إحصاءات عام 2023 فيما يخص التعليم الثانوي وصل عدد المعلمين 128.9 ألف معلم بالتعليم الثانوي (منهم 96.2 ألف معلم بالتعليم الثانوي العام، 32.7 ألف معلم بالتعليم الأزهري) يقومون بالتدريس لعدد 2.5 مليون تلميذ (منهم 2.1 مليون تلميذ بالتعليم الثانوي العام، 402.2 ألف تلميذ بالتعليم الأزهري) خلال عام 2022/2023. وبلغ متوسط عدد التلاميذ لكل معلم (22) تلميذ بالتعليم العام، وبالنظر على مستوى المحافظات حققت محافظة الجيزة العدد الأكبر حيث بلغ (31) تلميذ لكل معلم، بينما حققت محافظة الوادي الجديد العدد الأقل وبلغ (6) تلاميذ لكل معلم.  وبالنظر إلى مستوى المحافظات حققت محافظة الجيزة العدد الأكبر حيث بلغ (40) تلميذ لكل معلم، بينما حققت محافظة شمال سيناء العدد الأقل وبلغ (7) تلاميذ لكل معلم.

عبدالله السمان خير – مدرس جيولوجيا يبلغ من العمر 27 عامًا- من محافظة السويس، يعبر عن شعوره بالإحباط تجاه قرار الوزارة الأخير بإلغاء تدريس الجيولوجيا كمقرر يضاف إلى مجموع الثانوية العامة. ويوضح أن هذا القرار سيؤدي إلى إهمال الطلاب للمقرر، التي يعد أساسي في العديد من التخصصات الجامعية.

يؤكد في حديثه معنا: قرار بهذه الجدية لا ينبغي أن يُتخذ فجأة، بل كان يجب التمهيد له، حتى يتمكن المدرسون من التكيف معه والتخطيط لمستقبلهم. يقول: “لا يمكن قطع عيش المدرسين الذين قضوا حياتهم في هذا العمل بين ليلة وضحاها. هذا القرار سيؤثر بشكل كبير على شريحة واسعة من الشعب، وسيترك الكثيرين بلا عمل”.

ويستكمل: إلغاء إضافة الجيولوجيا إلى المجموع يعني أن يقصر الطلاب اهتمامهم على المقررات التي تؤثر مباشرة على مجموعهم النهائي؛ ما سيؤدي إلى تراجع مستوى استيعابهم للجيولوجيا”. ويشير إلى أن “هذا القرار سيخلق فجوة كبيرة بين مستوى الطلاب في المرحلة الثانوية ومتطلبات الجامعة، حيث تعتبر الجيولوجيا جزءًا أساسيًا من العديد من التخصصات”.

يعبر أحمد شحتة – مدرس اللغة الفرنسية، من مدينة بنها، محافظة القليوبية-، عن استيائه من هذا القرار. يقول: “إن قرارات وزير التربية والتعليم غير مدروسة بالمرة وكانت مفاجئة بالنسبة للكثير من المدرسين، لأنه يحاول التغلب على عدة مشاكل مثل: كثافة الفصول، و عجز المعلمين، ولكن بقرارات تعجيزية”. متسائلًا عن  مصير خريجي كليات الآداب والألسن ومصير كل من درس اللغة؟ ما مصير آمالهم في التعيين وإيجاد فرص عمل لهم؟.

في المقابل، تعرب هاجر ناجي – طالبة بالصف الثالث الثانوي علمي علوم-، عن سعادتها بتخفيض عدد المقررات الدراسية في الثانوية العامة، موضحة أنه خطوة إيجابية من حيث تخفيف العبء على الطلاب، حيث قد يقلل من عدد الدروس الخصوصية المطلوبة.

تنتقد هاجر تقليل المجموع الكلي من 410 درجات إلى 320 درجة فقط، مشيرة إلى أن هذا سيجعل نسبة الخطأ في الامتحانات أكثر تأثيرًا على تحقيق حلمها بالالتحاق بالكلية التي تطمح إليها. وتقول: “نسبة الخطأ ستكون أكبر، وهذا قد يؤدي إلى ضياع الحلم بسبب فقدان بعض الدرجات”.

وتعرب هاجر عن قلقها من عدم وضوح التفاصيل المتعلقة بالمنهج الدراسي الجديد، حيث انتشرت أخبار بأن مادة الكيمياء ستقتصر على العضوية فقط، وأن هناك أجزاء جديدة قد تضاف إلى اللغة العربية. وتقول: “الطلاب الآن يشعرون بالضياع، حيث يخشون البدء في دراسة أجزاء من المنهج قد تُضاف أو تُحذف، دون وجود رؤية واضحة لما ينتظرهم”، مشير إلى سهولة المواد الأجنبية الثانية، مثل اللغة الإيطالية، وكان من السهل للطلاب تحقيق معدلات مرتفعة فيها تؤثر على المجموع الكلي.

 

التعليم.. وسيلة لتخريج الموظفين

يؤكد الأديب والمفكر السياسي عمار علي حسن أن سلطة القاهرة تتعامل مع ملف التعليم على أنه مجرد وسيلة لتخريج موظفين يحتاجهم سوق العمل، مشيرًا إلى أن التعليم لا يقتصر فقط على تجهيز الأفراد للعمل في مجالات تقنية كـ الطب والهندسة، أو في الوظائف الإدارية كـ المحاسبة والمحاماة والقضاء، بل يعد وسيلة لفهم العالم والتحضر والتعايش.

ويضيف في تصريحاته إلى “زاوية ثالثة” أن التعليم يلعب دورًا مهمًا في تكوين وعي الفرد بحقوقه وواجباته، مما يدفعه للمشاركة السياسية الفعالة؛ لكن السلطة الحالية، تتجاهل الأبعاد الأخرى للتعليم، مركزة فقط على إنتاج “آلات” تعمل أو تصدرها لسوق العمل الخارجي، دون الاهتمام بتكوين الإنسان المصري معرفيًا وأخلاقيًا وعلميًا ونفسيًا.

ويشير إلى أن إلغاء العلوم الإنسانية يعكس هذا الفهم الخاطئ لدور التعليم. ويعبر عن تعجبه من القرار، خاصة وأن الدراسات أظهرت أن أغلب المتطرفين هم من خريجي الكليات العملية. ويؤكد أنه كان من المطالبين بإدخال مواد العلوم الإنسانية، وخاصة الفلسفة، لطلاب الكليات العملية، ولكن ما حدث كان العكس تمامًا، حيث تم تقليص تدريس الفلسفة والتاريخ والجغرافيا وعلم النفس والاقتصاد والاجتماع في المرحلة الثانوية.

ويوضح “حسن” أن هذا التوجه سيؤثر سلبًا على التعليم الجامعي في المستقبل، مشيرًا إلى أن العلوم الإنسانية تسبق العلوم الطبيعية بقرن على الأقل، وأن تصورات المفكرين وخيالات الروائيين والشعراء هي التي يمهد العلم لترجمتها إلى واقع عبر التجارب. كما يحذر من أن تقليص أو إلغاء العلوم الإنسانية يضعف من قدرة الإنسان المصري على المنافسة أمام الذكاء الاصطناعي في السنوات المقبلة، مؤكدًا أن الإنسان يتميز بتكوينه المعرفي والأخلاقي وامتلائه الوجداني والروحي، وهذه الجوانب هي التي تميز البشر عن الآلات.

ويختتم عمار علي حسن حديثه بالتأكيد على أهمية العلوم الإنسانية، مشيرًا إلى أن الدراسات الحديثة في الغرب تتحدث عن تكاملية العلوم والدراسات عبر النوعية، التي تحلل الظواهر باستخدام عدة علوم من بينها العلوم الإنسانية. ويشدد على أن تقليص هذه العلوم لن يوفر النفقات الحكومية، بل سيقلص من شخصية المصري، خاصة وأن الجزء الأكبر من ميزانية الدولة يأتي من الضرائب، ومن حق المصريين أن يتلقوا تعليماً جيدًا مقابل ما يدفعونه من ضرائب.

يستنكر محمد عبد العزيز – أستاذ العلوم والتربية، جامعة عين شمس والخبير التربوي-، القرارات الأخيرة التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم بشأن الثانوية العامة، مؤكدا أن هذه القرارات لا تصب بشكل كامل في إطار تطوير التعليم بقدر ما هي تغييرات تهدف إلى معالجة بعض المشكلات، مثل نقص عدد المعلمين.

 ويعرب عن قلقه من أن هذه القرارات قد لا تكون الحل الأمثل للمشكلات المتراكمة في منظومة التعليم، مثل كثافة الفصول وعجز أعداد المعلمين.

 

ويشير “عبد العزيز” إلى أن هناك العديد من القضايا والتحديات التي تستدعي الدراسة المعمقة ووضع حلول شاملة لها قبل التصريح بأن هناك تطورًا حقيقيًا في النظام التعليمي، لافتًا إلى ضرورة عرض هذه القرارات على مجلس النواب، بصفته المجلس التشريعي، لمناقشتها بشكل كافٍ واتخاذ القرارات المناسبة. وأكد أنه لا ضرر من الانتظار لمدة عام آخر حتى يتم تناول الموضوع من جميع جوانبه بما يحقق مصلحة الطلاب والمنظومة التعليمية ككل.

وفيما يتعلق بالقرارات الخاصة بتقليص المقررات الدراسية، يشير أستاذ العلوم والتربية بـ جامعة عين شمس والخبير التربوي، إلى أن تخفيف العبء عن طلاب الصف الثالث الثانوي سيكون له أثر إيجابي على الأسر، إذ سيساهم في تقليل الحاجة إلى الدروس الخصوصية. 

أما بشأن قرار إلغاء مادة الجيولوجيا، يرى عبد العزيز أن هذا القرار يصب في مصلحة الطالب وولي الأمر على حد سواء. إذ يسهم في تخفيف عبء الدروس الخصوصية من جهة، ومن جهة أخرى، يشير إلى أن مقرر الجيولوجيا يمكن معالجتها في مقررات أخرى قريبة، مما يجعلها أكثر توظيفًا في إطار المنهج الدراسي. ويلفت إلى أن الطلاب الراغبين في دراسة الجيولوجيا بعمق سيكون لديهم الفرصة للقيام بذلك عند الالتحاق بكليات العلوم المتخصصة. 

تحركات برلمانية

استجابة لمناشدات المدرسين وبعض الأهالي، تقدم فريدي البياضي – عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي-، بسؤال برلماني موجه إلى رئيس الوزراء ووزير التربية و التعليم.

وقال البرلماني: “فوجئنا إن وزير التربية والتعليم أعلن عن نظام جديد يتضمن تغييرات كبيرة، وجذرية تخص نظام الدراسة والامتحانات في مرحلة الثانوية العامة. هل من المعقول أن يقوم الوزير بكل هذه التغييرات دون أن يوضح الأسباب أو آراء الخبراء؟. وأن يقرر الوزير كل هذه التغييرات التي تؤثر بشكل مباشر على بناتنا و أبنائنا و على قطاع كبير من الأسر المصرية دون أي حوار مع لجنة التعليم في البرلمان المصري؟”.

وطالب البرلماني أن يتوقف الوزير عن البدء في أي من هذه التغييرات، والرد على هذه الأسئلة بصفة عاجلة واللجوء لحوار مجتمعي حقيقي وحوار برلماني مع لجنة التعليم والإعلان بشفافية ووضوح عن أسماء الخبراء الذين أقروا هذه التعديلات ووجهة نظرهم.

يجتمع الطلاب والمتخصصون على أن ما جاء في تعديلات الثانوية العامة من قرارات تخص السنوات الثلاث، لم يُدرس جيدًا، ولم يُفسح الوزير المجال لذاته أو معاونيه لدراسة مدى تأثير القرارات على الطلاب أو المدرسين، ظهر ذلك في مطالبات المدرسين بأنه كان لابد للوزير من الاستعانة بالأساتذة والمختصين من أجل مناقشة مثل تلك القرارات المصيرية، فيما يرون أنه كان لابد من عرضها على مجلس النواب لمناقشتها أيضًا، فيما أكد بعضهم أهمية تدريس اللغات للطلاب، مرجعًا ذلك لـ الانفتاح الذي يشهده العالم، وضرورة التواصل التي تُحتم الإلمام بأكثر من لغة، مطالبين بإعادة النظر في قرار اعتبار اللغة الثانية خارج المجموع، وعدم التسرع في اتخاذ المزيد من القرارات التي ربما تؤدي إلى خلل في المنظومة التعليمية، إضافة إلى مناقشة إعادة هيبة المعلمين.

فيما يرى الطلاب أن هناك ضرورة مُلحة لتقديم وزارة التعليم رؤية شاملة وواضحة للرأي العام الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور والجميع، حول مدى أهمية وفائدة إصدار هذه القرارات، مشيرين إلى أن مثل تلك القرارات المصيرية، على الأرجح تؤثر على نفسية الطلاب، وعلى خطتهم التعليمية، هذا على عكس إذا ما كانت وزارة التعليم قد نوهت إلى أن هناك تغييرات سوف تطرأ على الثانوية العامة وأن هناك وقت لمناقشتها وربما إقرارها وهو ما لم يحدث، لكن لابد من وضعه في الحسبان بالقرارات المقبلة. في حين يرى خبراء وسياسيون تحدثنا معهم أن الخطوات الأخيرة ما هي إلا قررات لتجهيل الأجيال الجديدة، خاصة وأنها تتصل بمقررات تدفع الطلاب لقيم المواطنة والوطنية.

 

منار بحيري
منار بحيري
صحفية مصرية

Search