كان عمرو محمد طفلًا صغيرًا حين انتقل مع أسرته النوبية من غرب أسوان أقصى جنوب مصر إلى العاصمة القاهرة، سكنوا في حي بولاق الدكرور -أحد أحياء محافظة الجيزة الواقعة ضمن نطاق القاهرة الكبرى- منذ نحو ربع قرن، لكن خلال العامين الأخيرين تعرضت الأسرة لوقائع تنمر وبعض المضايقات، وقد زادت حدتها خلال الأشهر الأخيرة، تفاجئوا بمعاملة سيئة من أقرانهم من المصريين على اعتبار أنهم من السودانيين، لدرجة أن طالبوهم بالعودة إلى بلادهم. وصلت الأمور إلى قيام الأطفال بضرب أقرانهم من النوبيين وأصحاب البشرة السمراء بشكل عام.
لم يعد عمرو يتعجب حين يناديه أحدهم في الشارع: “يا زول”، ظنًا منه أنه سوداني الجنسية، لكن ما يعجز عن فهمه كيف بات يعامل كغريب في الحي الذي نشأ فيه، لدرجة أن يطالبه أحدهم بأخذ أسرته والعودة إلى بلدهم؟.
يقول لزاوية ثالثة أن فرد شرطة بمنطقة ناهيا بالجيزة طلب منه ذات مرة إظهار جواز سفره، وأبدى دهشة لكونه مصريًا يحمل بطاقة رقم قومي.
سمية علي هي الأخرى نوبية مصرية، انتقلت مع عائلتها من أسوان للعيش في محافظة الجيزة منذ سنوات طويلة، تعرضت خلالها لوقائع تنمر بسبب لون بشرتها السمراء، نعتت أحيانًا بـ”السوداء”، لكن بعد وقت من نزوح المهاجرين السودانيين إلى مصر باتت تتعرض للاضطهاد والتمييز والإهانات والاستغلال المادي الذي وصل إلى أجرة المواصلات، حسب وصفها.
كانت سمية عائدة من مقر عملها بمنطقة حدائق الأهرام بحي الهرم في الجيزة، متجهة إلى منزلها بمنطقة خاتم المرسلين التابعة لحي العمرانية بالجيزة، حين صعدت على متن سيارة نقل جماعي وأرسلت الأجرة إلى السائق، والمقدرة بسبعة جنيهات، لكن السائق أجبرها بخلاف بقية الركاب على دفع عشرة جنيهات، ظنًا منه أنها سودانية الجنسية.
“أخبرته أنني مصرية من محافظة أسوان، لكنه لم يقتنع وأصر على أنني سودانية، وبرر استغلاله لي بأن السودانيين المقيمين في مصر يعيشون في مستوى اقتصادي أفضل من المصريين واتهمهم بأنهم السبب في الغلاء المعيشي ومعاناة الشعب”.. تحكي سمية.
لم تقف الأمور عند حد الاستغلال المادي، إذ أن التنمر والمضايقات طالت شقيقها الصغير (12 عامًا)؛ حيث يسخر منه الأطفال من حوله ويقولون له إنه سوداني وليس مصري، ما تسبب له في حالة نفسية سيئة.
اعتداء بالضرب في الشارع
اعتادت لمياء سامي السفر من الأقصر إلى القاهرة والإقامة بها لفترات بسبب الدراسة والعمل، وخلال العامين الماضيين كانت تلتقي من حين لآخر أشخاص يعاملونها على أساس كونها سودانية، بسبب لون بشرتها السمراء، ينعتونها بكلمة “زولة”، وأحيانًا يرفعون أسعار السلع والخدمات وأجرة المواصلات، ظنًا منهم أنها ليست مصرية ولا تعرف الأجرة الحقيقية؛ لكن المضايقات زادت حدتها وارتفعت وتيرتها خلال الفترة الأخيرة التي تشهد حملات تحريضية وخطاب كراهية ضد المهاجرين السودانيين والأفارقة واللاجئين بشكل عام.
قبل أسبوع من الآن كانت لمياء عائدة من عملها مع صديقتها القاهرية، قرب منتصف الليل، أرادت كلتيهما ركوب “توك توك” لتوصيلهما من منطقة فيصل إلى الهرم في محافظة الجيزة، لإيجاد وسيلة مواصلات من هناك تعيدهما إلى البيت؛ لكنها تفاجأت بسائق توكتوك يناديها: “يا زولة” ويدعوها للركوب، تجاهلته، لكنه ألح، فشعرت بالغضب وأخبرته أنها لا تريد ذلك، ومضت مع صديقتها ثم استقلتا توك توك آخر، وبعد أن تحركت عجلاته لمسافة صغيرة استوقفه السائق الأول، وأجبر زميله على طرد الفتاتين خارجًا، وحينما ثارت على أفعاله وأخبرته أنها مصرية صعيدية، جاء رده: أنتِ سمراء، حسبتك سودانية.
بعد مشادة كلامية مع السائقين الذين انضموا إلى زميلهم العنصري ورفضوا أن يقوم أيًا منهم بتوصيل الفتاتين الوحيدتين بالشارع في منتصف الليل، قررتا السير قليلاً حتى عثرن على سائق آخر، وبعد تحركه عادت التراشق بين الفتاتين والسائقين؛ ليقوما بضرب لمياء وصديقتها.
لم تعرف “لمياء” وصديقتها ماذا تفعلان؛ قصدتا قسم الشرطة لتحرير محضر بالواقعة ضد السائقين، واستغرقت الإجراءات ساعات، دون أن تسفر عن ضبط أي من الجناة، واضطرت كلتيهما للبقاء في القسم حتى بزوغ الفجر.
ولم تمض أيام على الحادث حتى تفاجأت أثناء عبورها الشارع بصحبة ابنة عمتها، برجل مسن يرمقها بنظرة اشمئزاز واضحة ويتهمهم بكلمات مسيئة، ظنًا منه أنها مهاجرة إفريقية.
معاناة عمرها نصف قرن
فصل جديد أضيف إلى أزمات النوبيين المصريين الممتدة منذ ستينات القرن الماضي، التي بدأت مع تهجيرهم من أراضيهم الواقعة في المنطقة الممتدة على طول نهر النيل من الشلال الأول جنوب أسوان شمالاً إلى جنوبي التقاء النيلين الأزرق والأبيض جنوبًا، من أجل بناء السد العالي؛ في وقتٍ لا يزالون ينتظرون فيه تحقيق مكتسباتهم من دستور 2014، إذ كان من المفترض تحقيقها قبيل انتهاء مدة العشرة سنوات المنصوص عليها في الدستور، وتحقيق حلم العودة إلى أراضي آباءهم وأجدادهم خلف السد، والذي يُعتقد أن القرار الرئاسي الصادر في 10 أغسطس من العام 2016، بضم 922 فدانًا من أراضي النوبة إلى مشروع “المليون ونصف المليون فدان” وطرحها على المستثمرين في المزاد العلني، قد بدّده.
ومنذ العام 2016، ينتظر النوبيون أن يقر البرلمان المصري، مشروع قانون هيئة تنمية وإعادة توطين النوبة، الذي أعدته الحكومة في عام 2015، والمعروف بالمسودة الثانية، إعمالًا لنص المادة 236 من دستور 2014، وتنص على أن “تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها: الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها في مشروعات التنمية”.
ولا يعد حلم العودة هو الأزمة الوحيدة لدى النوبيين بعد نحو أكثر نصف قرن مضى على تهجيرهم الكبير من قراهم (تعرف هجرة الستينات من القرن الماضي بالهجرة النوبية الكبرى، بينما توالت الهجرات السابقة منذ عام 1902، لبناء خزان أسوان)؛ حيث باتوا يخشون اندثار تراثهم الشعبي وثقافتهم النوبية ولغتهم الأم؛ إذ كانت بلاد النوبة موطنًا لإحدى أقدم الحضارات في إفريقيا القديمة، وهي حضارة كرمة التي استمرت من حوالي 2500 قبل الميلاد حتى تم غزوها من قبل المملكة المصرية الحديثة تحت حكم تحتمس الأول حوالي 1500 قبل الميلاد، ثم مملكة كوش، التي غزت مصر سنة 727 قبل الميلاد مكونة الأسرة الـ25، لتنصهر الروابط بعد ذلك ويصبحون جزءًا أصيلًا من المكون المصري المتعدد.
النظام السياسي هو الملوم
منير بشير – المحامي بالنقض والإدارية والدستورية العليا، مؤسس ورئيس مجلس إدارة جمعية المحامين النوبيين-، يعتبر أن التمييز ضد النوبيين يأتي من الحكومة والنظام السياسي في مصر، وليس فقط قاصرًا على ما يتعرضون له أحيانًا من مضايقات في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ونعتهم بألفاظ “يا أسود، يا زول”، والتي يعزيها إلى جهل هؤلاء المواطنين بالنوبة وحضارتها، إذ تتحمل مسؤوليته السلطة، حسب وصفه.
يعتبر أن هناك شعور عام لدى النوبيين المصريين بالظلم، نتيجة تجاهل تضحيات آباءهم وأجدادهم الذين تعرضوا للتهجير وترك بيوتهم وأرضهم لبناء السد العالي، وأن التعويضات التي تلقوها فيما بعد قليلة للغاية مقارنة مع الأسعار الحقيقية لأراضيهم ومنازلهم المطلة على النيل، كما حرموا من الاستفادة من ثروات وكنوز أرض النوبة التي تمتد من منطقة الشلال وما وراء السد العالي وحتى السودان.
يقول “بشير” إننا عرقية ثقافية تصر الدولة على تجاهلها، فلا يتم تعليم طلاب المدارس عن النوبة وحضارتها، ويتم فرض قيود على الاحتفالات الخاصة بالنوبة وعيدها السنوي في السابع من يوليو كل عام، وكذلك وضع قيود على تعلم اللغة النوبية رغم تدريسها في عدد من دول العالم (ومنها تل أبيب)، أيضًا يشير إلى تقييد دخول النوبيين إلى أراضي أجدادهم الواقعة وراء السد العالي، معللاً ذلك بوجود تهمة السعي إلى الانفصال عن مصر التي يراها غير حقيقية ولا توجد عوامل لانفصال النوبة المزعوم، إضافة إلى إلصاق تهمة الانحياز إلى حركة المركزية الأفريقية “الأفروسنتريك”، مشيرًا إلى أن جمعية المحامين النوبيين سبق أن تقدمت إلى مجلس النواب بمشروع قانون للاستثمار والاستفادة من ثروات وكنوز أراضي النوبة الواقعة وراء السد، ولكن تم تجاهله.
يلوم المحامي النوبي السلطات المصرية على عدم بذل الجهد الكافي لإعادة المصريين العشرة من أبناء النوبة الذين صدر ضدهم حكم من المحكمة الجزائية العليا بالسعودية، بالسجن تصل إلى 18 سنة، بعد احتفالهم بنصر أكتوبر.
وكانت محكمة سعودية قد قضت في أكتوبر من عام 2022، بالسجن لمدد تتراوح بين 10 سنوات و18 سنة على عشرة من المصريين النوبيين الذين كانوا مسجونين احتياطيًا بالمملكة، بتهم نشر أخبار كاذبة وتنظيم تجمع بدون ترخيص، على خلفية القبض عليهم في عام 2019 بعد إقامتهم صالونًا ثقافيًا في مقر الجمعية النوبية بالرياض، للاحتفال بذكرى حرب السادس من أكتوبر.
وحول تفشي خطاب الكراهية ضد اللاجئين السودانيين في مصر، يرى “بشير” أن كثير من السودانيين كانوا يعيشون في مصر بسلام قبل الحرب، ولكن بعد اندلاعها استفادت طبقة المصريين من أصحاب رؤوس الأموال المتمثلة في العقارات والمحلات التجارية من النزوح الجماعي للسودانيين إلى مصر، واستغلوا حاجتهم إلى السكن ورفعوا قيمة الإيجارات، كما استفاد أصحاب المتاجر من زيادة الاستهلاك، في حين تعرضت قطاعات كبيرة للضرر بسبب ذلك في ظل الأزمة الاقتصادية، وفقدت أسر مصرية مساكنها المستأجرة، وشعر الكثيرون بالضيق من الزحام وارتفاع الأسعار وأزمة السكن، فتفشى خطاب الكراهية والتحريض ضدهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت المشاجرات والمضايقات لهم في الشارع، التي طالت بعض النوبيين المصريين.
يعتبر عادل عامر – خبير القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية-، أن أزمات النوبة بدأت بتهجير أهلها لبناء السد العالي وعدم وفاء السلطة بتعهداتها لهم بإعادتهم لموطنهم بعد اندلاع الحرب منذ عام 1967، فيما ألزمت السلطة نفسها بإعادتهم بموجب دستور عام 2014، لكن ذلك لم يتحقق بعد بسبب الظروف الاقتصادية وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة غير مكتملة في منطقة نصر النوبة، نافيًا أن يكون النوبيين قد تعرضوا لتفرقة في حقوق المواطنة أو يشهدون تضييقًا عن أنشطتهم الاجتماعية والثقافية وأنديتهم.
ويربط رئيس المركز بين حملات التحريض ضد المهاجرين والمغتربين في مصر، وبين تصريحات إعلامية تحملهم مسؤولية ارتفاع الأسعار وتردي بعض الخدمات، وتزعم أن عددهم 11 مليون، وأغفلت وجود 25 مليون مصري مغترب بالخارج، في حين كان الخطاب الرسمي يهدف لتوجيه رسالة للدول الكبرى المانحة بزيادة منحها للمهاجرين واللاجئين في مصر.
ويوضح “عامر” أن التنمر ليس قاصرًا فقط على النوبيين وأصحاب البشرة السمراء، بل تحول إلى ظاهرة في المجتمع المصري، دفعت السلطة إلى تغليظ عقوبته في قانون العقوبات المصري، داعيًا الضحايا لتحرير بلاغات في أقسام الشرطة.
تنص المادة الجديدة في تعديلات قانون العقوبات وتحمل رقم 309 مكرر، على أن يعاقب المتنمر، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة لجريمة التنمر، الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين، وذلك إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر أو كان الفاعل من أصول المجنى عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه.
حالات فردية
يرى محمد عطا الله – عضو مجلس الشيوخ بالأقصر-، أن النوبيين ومواطني جنوب مصر بشكل عام لا يتعرضون للاضطهاد والتمييز في القاهرة ومحافظات الوجه البحري، ولكن قد تحدث حالات فردية سببها الخلط بينهم وبين اللاجئين السودانيين، الذين -حسب وصفه- قام بعض منهم بتصرفات سيئة أزعجت بعض المصريين.
ويعتقد “عطا الله” أن الجاليات العربية الأخرى كـ اللاجئين السوريين لم يثيروا المشكلات في المجتمع المصري، التي تسببت بها موجات النزوح الكبيرة للسودانيين إلى مصر بشكل غير محسوب، واستغلال بعض المصريين لذلك، وقيامهم بتأجير شققهم بأسعار مضاعفة لهم دون اتخاذ الإجراءات القانونية المتمثلة في إخطار قسم الشرطة، لكن الأمر انقلب عليهم عندما سكنت شققهم أعدادًا كبيرة وتسببوا في تلفيات ومشكلات، فأصبحوا غاضبين من وجود السودانيين في مصر، إضافة إلى تضرر قطاعات كبيرة من المصريين من ارتفاع أسعار الإيجارات وأزمة السكن التي صاحبت موجات النزوح.
معلقًا، يقول جمال عيد – المحامي الحقوقي والمدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان- إن ما يتعرض له مواطنون نوبيون أو أصحاب بشرة سمراء، من تنمر ومضايقات وتمييز هو نتاج طبيعي لمحاولة صرف الأنظار عن الفشل الاقتصادي للنظام السياسي، وتحويل الإعلام والحملات المنظمة على مواقع التواصل الاجتماعي للغضب تجاه الأجانب المغتربين في مصر، وتحويلهم إلى شماعة يتم تعليق الأخطاء عليها.
ويبين أن الأمر تحول من كراهية للأجانب إلى كراهية لمصريين من ذوات البشرة السمراء، لمجرد الشك في كونهم مهاجرين أفارقة. مؤكدًا أن ذلك سيمتد إلى تصنيف المجتمع إلى شرائح وفئات، متوقعًا أن تسفر تلك الحملات التحريضية عن وقوع جرائم أو أحداث عنف، ما لم يتم خلق خصم أو عدو جديد أو شماعة جديدة لتبرير السياسات الفاشلة واللعب بوعي الجمهور الجائع والخائف.
ويشير “عيد” إلى أن النوبيين المصريين يعانون من تمييز ضدهم بسبب لون البشرة وظلم اجتماعي تتحمل السلطة العبء الأكبر منه، كونها لم تلتزم بتطبيق الدستور، مستشهدًا بقضية “معتقلي الدفوف” بأسوان التي وقعت في 2019، وأسفرت عن تغريم 24 وبراءة ثمانية، ممن طالبوا بتطبيق الدستور وعودتهم إلى أراضيهم.
وكانت قوات الأمن المصرية قد اعتقلت 24 من أبناء النوبة في الرابع من سبتمبر 2017 أثناء مسيرة سلمية في محافظة أسوان، مستخدمين الدفوف والغناء، للمطالبة بتطبيق المادة ٢٣٦ من الدستور المصري والتي تنص على توطين النوبيين على ضفاف بحيرة السد العالي، وتوفي جمال سرور القيادي النوبي الذي يحمل الجنسية الفرنسية في اليوم الرابع من سجنه، بعدما دخل في غيبوبة نتيجة إضرابه عن الطعام مع عدد من رفاقه، لمنعهم من حضور جلسة تجديد حبسهم.
بعد واقعة تعرضها للضرب وسط الشارع صارت لمياء تشعر بالخوف والغربة عند سيرها في شوارع القاهرة والجيزة، أما سمية وعمرو، فيشعران بمزيج من الحزن والغضب لما يتعرضان له هما وأسرتيهما من تنمر ومضايقات، وباتا يحسان بغربة لم يألفانها من قبل في شوارع القاهرة والجيزة التي قضيا بها معظم عمرهما.
ارتبط اسم النوبيين بالهجرة، خاصة وأنهم مروا بخمس هجرات، أولها كانت عام 1902 مع بناء خزان أسوان، والثانية أثناء التعلية الأولى للخزان عام 1912، ثم الثالثة مع التعلية الثانية للخزان عام 1933، ومنها انتقلت كثير من الأسر النوبية إلى مدن القناة، وجاءت الهجرة الرابعة بعد بناء السد العالي في 1963، ثم هجرة النوبيين من أبناء مدن القناة إبان النكسة.
وفي الوقت الذي يحذر فيه محللون ومراقبون من مخاطر تفشي خطاب الكراهية والتحريض ضد اللاجئين والمهاجرين، فإن معاناة جديدة أضيفت إلى حياة كثير من النوبيين المصريين، جعلتهم يشعرون بالقلق مما قد تسفر عنه الأيام القادمة إذا استمر تصاعد خطاب الكراهية والتحريض في مصر، ما لم تتدخل السلطات لوضع حد له. خاصة مع تجاهل مطالبهم وتخوفاتهم المتزايدة وعدم تقديرهم من السلطة التي لا ترى ضرورة في الاحتفال باليوم العالمي للنوبة اليوم.