يعاقبوننا على إعاقتنا.. ذوو الإعاقة يرفضون تعديلات قانون 2018

تعديلات قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر تثير جدلًا واسعًا بسبب رفع مدة استحقاق السيارة المعفاة إلى 15 عامًا، واستبدال مصطلحات أساسية في تعريف الإعاقة، ما دفع منظمات وحقوقيين لاعتبارها خطوة تهدد مكتسبات تحققت بعد نضال طويل
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

“كم خمسة عشر سنة في عمر الإنسان؟ السيارة في النهاية آلة معرضة للاستهلاك والتعطل مع مرور الوقت. كنت أقبل بمدّ الفترة إلى سبع أو ثماني سنوات، أما خمس عشرة سنة فهي مدة طويلة للغاية”، بهذه الكلمات بدأ حسام رزق محمد، الحاصل على ليسانس أصول الدين والدعوة الإسلامية من محافظة المنوفية، حديثه إلى زاوية ثالثة عن أسباب رفضه لبعض تعديلات قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، وعلى رأسها رفع المدة الزمنية المقررة للحصول على سيارة مجهزة من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة.

يقول حسام، الذي يعاني من إعاقة بصرية منذ ولادته، إن القانون “لم يعد يمنحني حقي، وإنما يزيد من أعبائي”، موضحًا: “أنا لست ضد القانون ولا ضد التعديلات التي قد تُجرى عليه، لكنني أطالب فقط بحقي الأصيل، لا باعتباره منحة. فمن غير المنصف أن أُعاقَب بسبب مخالفات أو تجاوزات ارتكبها آخرون”.

أثار مشروع تعديلات قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، الذي أقره مجلس الوزراء في أغسطس الماضي،جدلًا واسعًا بين المستفيدين والمنظمات الحقوقية، بعدما اعتبر كثيرون أن التغييرات المقترحة قد تمس مكتسبات تحققت بشق الأنفس في السنوات الأخيرة. فبينما تؤكد الحكومة أن الهدف من التعديلات هو “ضمان وصول الامتيازات إلى مستحقيها الحقيقيين” بعد رصد حالات تزوير وتلاعب، يرى ذوو الإعاقة أن بعض البنود تمثل عبئًا إضافيًا عليهم وتعيد إنتاج منطق الوصاية بدلًا من الدمج والتمكين.

ويتجاوز الجدل البند الأكثر إثارة للانتقادات، وهو رفع مدة استحقاق السيارة المجهزة من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة، إلى قضايا أعمق تتعلق بتعريف الإعاقة ذاته، واستخدام مصطلحات قانونية تحمل دلالات نفسية سلبية، وصولًا إلى تغليظ العقوبات على المخالفين، وفي ظل هذا التباين، يبرز السؤال الأهم: هل تسعى التعديلات إلى تعزيز الحقوق وضبط المنظومة؟ أم أنها تُهدد بتقليص مكتسبات طال انتظارها؟

ما المثير للجدل في التعديلات؟ 

أقرّ مجلس الوزراء خلال اجتماعه الأسبوعي منتصف أغسطس الماضي مشروع قرار بتعديل بعض أحكام قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، متضمنًا تعديلات على أربع مواد رئيسية. شملت هذه التعديلات إدخال تعريف محدث للأشخاص ذوي الإعاقة، ووضع ضوابط جديدة لاستحقاق الحصول على سيارة أو وسيلة نقل فردية معفاة من الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة، فضلًا عن تشديد العقوبات على جرائم تزوير أو إساءة استخدام بطاقات الخدمات المتكاملة.

وأثار مشروع التعديلات موجة من الجدل والاستياء في أوساط عدد من ذوي الإعاقة، الذين رأوا أن المقترحات الجديدة قد تُفاقم الأعباء المعيشية والبيروقراطية الواقعة عليهم، في ظل صعوبات يواجهونها بالفعل في الحصول على فرص عمل لائقة أو الاستفادة من برامج الحماية الاجتماعية. في المقابل، أكد رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي في بيان رسمي أن هدف التعديلات هو ضمان وصول المزايا والإعفاءات المرتبطة بالسيارات المجهزة إلى مستحقيها الفعليين، مشيرًا إلى أن القرار جاء بعد رصد وقائع تزوير وتلاعب في بطاقات الخدمات خلال السنوات الماضية.

وسبق للحكومة أن أجرت تعديلات سابقة على اللائحة التنفيذية للقانون ذاته بعد عامين فقط من صدورها، إذ أصدر رئيس مجلس الوزراء في مارس 2020 قرارًا بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية، نُشر في الجريدة الرسمية في 31 مارس 2020. وشملت تلك التعديلات مواد تتعلق بإجراءات استخراج بطاقة إثبات الإعاقة والخدمات المتكاملة، وضوابط الإعفاء الجمركي للسيارات المخصصة لذوي الإعاقة، إلى جانب تنظيم عمل صندوق دعم الأشخاص ذوي الإعاقة.

ويُعد قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018 محطة تشريعية فارقة في مسار تعزيز حقوق ذوي الإعاقة في مصر، إذ جاء استجابة لمطالب مجتمعية وحقوقية بضرورة تمكين هذه الفئة ودمجها في مختلف جوانب الحياة العامة. وقد صيغ القانون بما يتسق مع الدستور المصري والالتزامات الدولية للدولة، خاصة اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي وقّعت عليها مصر في 4 أبريل 2007 وصدّقت عليها في 10 أبريل 2008.
كما تؤكد المادة 81 من الدستور المصري المعدل عام 2019 على التزام الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وتعليميًا، وتوفير فرص عمل لهم مع تخصيص نسبة من الوظائف.

سيارة كل 15 عامًا بدلًا من خمس سنوات

من أبرز التعديلات التي أثارت الجدل تعديل البند الرابع من الفقرة 31، الذي أصبح ينص على أن: “تُعفى السيارات ووسائل النقل الفردية المعدّة لاستخدام الأشخاص ذوي الإعاقة من الضريبة الجمركية وضريبة القيمة المضافة، وذلك عن سيارة أو وسيلة واحدة كل 15 عامًا بدلًا من خمس سنوات، شريطة أن يكون مستوردها شخصًا ذا إعاقة، أيًا كان نوع إعاقته، وأن تُستخدم الوسيلة للاستعمال الشخصي، سواء كان يقودها بنفسه أو بواسطة سائقه الشخصي المؤمن عليه، أو أحد أقاربه من الدرجة الأولى، أو الولي أو الوصي إذا كان قاصرًا أو غير قادر على القيادة.”

كما نصت التعديلات على أن المستفيد من الإعفاء لا يكون من الحاصلين على مزايا الضمان الاجتماعي، وأن تُسدد قيمة السيارة كاملة أو جزئيًا من الحساب الشخصي لذوي الإعاقة أو أحد أقاربه من الدرجة الأولى. وألزمت المادة بعدم التصرف في السيارة خلال خمس سنوات من تاريخ الإفراج الجمركي بأي شكل من أشكال البيع أو التوكيل أو الاستخدام في غير الغرض المخصص، وفي حال وفاة المستفيد خلال تلك المدة، يحق للورثة التصرف فيها بعد سداد نصف قيمة الضرائب الجمركية وضريبة القيمة المضافة.

كذلك شددت التعديلات على أنه في حال الإخلال بأي من الشروط السابقة تُستحق الضرائب الجمركية وضريبة القيمة المضافة بالكامل، إلى جانب العقوبات القانونية المقررة. وتُحال التفاصيل الفنية الخاصة بدرجة الإعاقة المقررة للإعفاء، وضوابط منح الامتيازات ومواصفات السيارة والعلامات الدالة على تمييزها، إلى اللائحة التنفيذية التي تصدر بالتنسيق بين الجهات المعنية.

و تنص المادة 81 من الدستور المصري المعدل عام 2019 على أن: “تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام، صحياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وترفيهياً ورياضياً وتعليمياً، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم”.

يعتبر حسام رزق، أحد المستفيدين من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أن التعديل الذي رفع مدة استحقاق السيارة من خمس سنوات إلى خمسة عشر عامًا “يمثل عبئًا غير واقعي”، مؤكدًا أن السيارات بطبيعتها عرضة للاستهلاك والتعطل، ما يجعل إطالة المدة تضع ذوي الإعاقة أمام تكاليف إضافية كبيرة.

وينتقد حسام الشرط المتعلق بسعة المحرك 1200 سي سي، الذي أُقر ضمن تعديلات لائحة القانون، معتبرًا أنه “قيد إضافي يرهق المستفيدين”: “بحثت طويلًا عن سيارة بهذه المواصفات وكان الأمر مرهقًا جدًا بالنسبة لي. هذا الشرط يحرمنا من خيارات أوسع مثل السيارات ذات المحرك 1600 سي سي، حتى وإن كنا مستعدين لدفع فروق جمركية”.

ويشير إلى أن اشتراط ألا يقل تاريخ صنع السيارة عن ثلاث سنوات يضاعف الأعباء المالية: “هذا الشرط يجبرني عمليًا على شراء سيارة جديدة تمامًا من فئة 1200 سي سي كي أضمن صلاحيتها لمدة خمسة عشر عامًا، وهو ما يشكل تكلفة باهظة فوق إمكاناتي”.

يعرب حسام أيضًا عن استيائه من حرمانه من معاش تكافل وكرامة عقب حصوله على السيارة، موضحًا أن “إعاقتي البصرية تسببت في رفضي من كثير من الوظائف التي تقدمت لها، وكان من الأجدر بالدولة أن توفر فرص عمل وتزيد نسبة التعيين المقررة دستوريًا بنسبة 5%، بدلًا من حرماني من معاش هو في الأساس وسيلة مساعدة ضرورية للعيش”.

وتساءل حسام عن أسباب تعديل القانون ومطالبة الورثة بسداد نصف الضريبة الجمركية في حالة وفاة المستفيد، قائلاً: “هل هذا من المنطق؟”، في إشارة إلى ما يراه إجراءات إضافية تزيد العبء على ذوي الإعاقة وعائلاتهم.

في السياق تعرب النائبة السابقة في مجلس النواب فايزة محمود عن استيائها من الإجراءات المتعلقة ببطاقة إثبات الإعاقة، مشيرة إلى أن بعض المستفيدين تم استبعادهم من الخدمات بحجة عدم “ثبوت الإعاقة”، إذ تقول: “لا أعرف ما هي المعايير التي تعتمدها اللجان لتحديد الإعاقة، وهذا أمر غريب جدًا”.

توضح محمود في حديثها لزواية ثالثة أن قرار رئيس مجلس الوزراء الخاص بسيارات ذوي الإعاقة بسعة محرك 1200 سي سي أثار جدلاً واسعًا بين المستفيدين، مؤكدة أن “تحديد سعة المحرك بهذه الطريقة يفرض قيودًا غير منطقية على الأشخاص ذوي الإعاقة”.

وأضافت: “الأشخاص ذوي الإعاقة يحتاجون إلى سيارات مجهزة بمواصفات خاصة، مثل أن تكون أوتوماتيك ومكيفة، خصوصًا في حالات الشلل النصفي والإعاقات التي تجعل التعرض للحرارة خطيرًا. فرض شراء سيارة صغيرة يضاعف صعوبة استخدام الكرسي المتحرك داخل السيارة، ويزيد من العبء على المستفيدين”.

من جانبها، رأت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في بيان لها،  أهمية وضع قواعد واضحة ومحددة للمستفيدين من الإعفاء الجمركية وضريبة القيمة المضافة على السيارات ووسائل النقل الفردية المستخدمة لذوي الإعاقة، إلا أن التعديل لم يوازن بين التسهيل على ذوي الإعاقة وأسرهم من جانب – وهو الهدف الأساسي للمادة- وبين الحفاظ على حقوق الدولة المالية من جانب آخر- بحسب المبادرة.

وترى المبادرة أن التعديل يقترح رفع المدة الزمنية للاستفادة من سيارة واحدة إلى 15 عامًا بعدما كانت كل خمس سنوات، وهى مدة طويلة تصعب على ذوي الإعاقة استبدال السيارات الهالكة بامتيازات الإعفاء قبل مضي المدة القانونية المقترحة؛ والأولى أن يربط التعديل المقترح بين معدل الإهلاك الكلي أو الجزئي للسيارة وإمكانية الاستفادة بسيارة أخرى. كما أن التعديل المقترح يضمن إضافة شروط أخرى تستبعد بعض الفئات من ذوي الإعاقة من تلك الامتيازات، ومن بينها استبعاد المستفيدين من الضمان الاجتماعي.

 

عاهة بدلًا من قصور وخلل

تشير التقديرات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر عام 2022، إلى أن نسبة الأفراد ذوي الإعاقة من بعض الصعوبة إلى المطلقة بلغت 11% من إجمالي عدد السكان في مصر.

وبحسب التعديلات الأخيرة، أصبحت الفقرة الأولى من المادة الثانية تنص على أن: “يقصد بالشخص ذي الإعاقة: كل من يعاني من عاهة طويلة الأجل؛ بدنية، أو عقلية، أو ذهنية، أو حسية، قد تمنعه عند التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين”. وقد أثار هذا النص جدلاً واسعًا بين ذوي الإعاقة والمنظمات الحقوقية، بعد استبدال مصطلحات “قصور” أو “خلل كلي أو جزئي” بكلمة “عاهة”.

إذ رأت المبادرة المصرية في بيانها،  أن التعديل المقترح لتعريف الأشخاص (ذوي الإعاقة) واستبدال المصطلحات التي كان يتضمنها القانون بمصطلح” عاهة” من شأنه أن يؤدي إلى خفض أعداد المستحقين للخدمات والمزايا التي تقدمها مؤسسات الدولة لهم، سواء في العمل أو التعليم أو الصحة أو تخفيضات وسائل النقل والمواصلات؛ حيث تضمن التعديل استخدام جملة “كل من يعاني من عاهة طويلة الأجل..” بدلا من “كل شخص لديه قصور أو خلل كلي أو جزئي …”، بما تحمله الجملة المضافة من وقع نفسي سلبي على الشخص وأسرته، كما ترسخ حالة التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، ويفتح المجال أمام الجهات التنفيذية للتعامل معهم كـ”عبء” على الدولة والمجتمع، بدلًا من الاعتراف بهم كمواطنين كاملين يتمتعون بالحقوق والواجبات.

في السياق تقول النائبة السابقة في مجلس النواب فايزة محمود، التي شاركت في إقرار قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة خلال الدورة البرلمانية قبل الأخيرة، أن صياغة بعض التعديلات الأخيرة على القانون ” على ما يبدو أنها تمت من قبل موظفين غير متخصصين، وليس من قبل خبراء فنيين”، مشددة على الفرق الكبير بين الصياغة الإدارية والفنية للقوانين المتعلقة بذوي الإعاقة.

وتضيف محمود في حديثها لزاوية ثالثة: “يجب أن يكون من يراجع ويعدّل القانون ملمًّا بالاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2008، التي وقعت عليها مصر، خصوصًا في ما يتعلق بتعريف الإعاقة. هذا التعريف موحد عالميًا، ولا يجوز تغييره أو الإضافة أو الحذف منه”.

وتوضح: “إن التلاعب بالألفاظ في النصوص القانونية لا يُعد مجرد اختلاف لغوي، بل ينعكس مباشرة على حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وحقوقهم. فبعض المصطلحات قد تُفرغ الحقوق من مضمونها، كما هو الحال عند استخدام كلمة عاهة بدلًا من قصور كلي أو جزئي. فالأولى توحي بضرر دائم يلحق بجسد الشخص ويضعه في إطار من الوصم والتنميط، بينما الثانية توصيف موضوعي لحالة طبية. هذا الاختلاف في الصياغة يكرّس التمييز ويؤثر سلبًا على نظرة المجتمع والجهات الرسمية للأشخاص ذوي الإعاقة”.

وتستكمل القانون الذي تم تعديله لم يمض على إقراره وبدء العمل به كأول قانون للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر ست سنوات كاملة، وكان من غير المبرر تعديله في هذا الوقت. هناك قوانين أقدم بكثير من القانون الحالي، تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، لكنها لم تُراجع بعد، فلماذا يتم التركيز على تعديل قانون الأشخاص ذوي الإعاقة؟”، مشيرة إلى أن القانون الحالي لم يكن يحتوي على أي عوار دستوري، وأن بعض التعديلات المقترحة قد تخلق “شرخًا دستوريًا” بدلًا من تحسين الحقوق.

من جانبنا تواصلنا مع الدكتورة إيمان كريم للاستفسار عما إذا كان ناقش المجلس مشروع قانون التعديلات وآرائه حول البنود المثيرة للجدل، إلا أننا لم نتلقَ أي رد حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

وكان المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة قد أصدر بيانًا بتاريخ 17 أغسطس، أكد فيه أن ما يتم تداوله بشأن التعديلات المقترحة على مواد قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، يظل مجرد مشروع لتعديل بعض المواد، وأن هذه التعديلات لن تكتسب صفة الإقرار أو النفاذ إلا بعد استيفاء الخطوات الدستورية والتشريعية المطلوبة. وأضاف المجلس أن دراسة هذه التعديلات تقع ضمن اختصاصاته المنصوص عليها في قانون إنشائه رقم 11 لسنة 2019، الذي يُلزم المجلس بإبداء الرأي في مشروعات القوانين والسياسات المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

وفيما يخص الجدل الأخير حول استخدام لفظ “عاهة” في بعض النقاشات المتعلقة بالقانون وبخاصة أن المصطلح نفسه تضمنته النسخة المترجمة باللغة العربية للاتفاقية الدولية ، أوضح المجلس أن هذا اللفظ ورد فقط كترجمة حرفية لمصطلح مستخدم في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لكنه ليس المصطلح المعتمد في التشريعات الوطنية. وأكد البيان أن القانون رقم 10 لسنة 2018 استخدم لفظ “قصور”، وهو المصطلح الحقوقي والقانوني الصحيح، وأن المجلس سيعمل على تثبيته وعدم استبداله في أي تعديلات مستقبلية على نصوص التشريعات الوطنية.

أنشئ المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة 2019،  ليحل محل المجلس القومي لشؤون الإعاقة الصادر بقرار رئيس الوزراء رقم 410 لسنة 2012.

 

تغليظ العقوبة على المخالفين 

تنص التعديلات المقترحة على قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على تشديد العقوبات المرتبطة ببطاقات الخدمات المتكاملة وشهادات التأهيل. فقد شملت التعديلات المادة (49) بحيث تصل عقوبة تزوير بطاقة الإعاقة أو شهادة التأهيل إلى السجن مدة قد تصل إلى عشر سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية تصل إلى مائة ألف جنيه، مع مساواة العقوبة بين من يقوم بعملية التزوير ومن يدلي ببيانات غير صحيحة أمام الجهة المختصة.

كذلك تضمنت التعديلات تعديل المادة (51) بزيادة الغرامة والعقوبة لتشمل الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة تصل إلى 200 ألف جنيه، وذلك في الجرائم المتعلقة بالحصول على أي خدمة أو ميزة لغير المستحقين، أو انتحال صفة شخص ذي إعاقة، أو الحصول على بطاقة أو شهادة إعاقة بدون وجه حق.

من جهته، ثمّن المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة ما تضمنه مشروع القانون من تشديد للعقوبات، معتبرًا أن هذه الخطوة تمثل أداة ردع ضرورية لكل من يسعى للاستيلاء غير المشروع على المزايا المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة، ووسيلة لصون حقوقهم وضمان وصول الخدمات إلى مستحقيها.

ويرى المحامي الحقوقي علي أيوب أن العقوبات الواردة في التعديلات المقترحة “مغلظة على نحو يتجاوز حتى عقوبات التزوير المنصوص عليها في القانون العام”. واعتبر في حديثه لزاوية ثالثة أن مساواة من يدلي ببيانات غير صحيحة بمن يرتكب جريمة تزوير صريحة “تجافي قرينة البراءة، وتشكل ظلمًا بينًا”. وأوضح أيوب أن توصيف الإدلاء ببيانات غير صحيحة يظل أمرًا موضوعيًا يخضع لتقدير قاضي الموضوع وفقًا للأوراق وملابسات كل دعوى، وكان يكفي “. ويرى المحامي الحقوقي أن الاكتفاء بالعقوبات المقررة للتزوير في المحررات الرسمية أو العرفية المنصوص عليها في قانون العقوبات المصري.

في السياق، جددت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية انتقادها للنهج التشريعي السائد خلال السنوات الأخيرة، والذي يقوم على التوسع في العقوبات السالبة للحرية وتشديدها باعتبارها الوسيلة الأساسية لمواجهة الجرائم والمخالفات، من دون تقييم فعلي لمدى جدواها في تحقيق الردع أو الأهداف المجتمعية المرجوة.

بينما تؤكد الحكومة المصرية أن التعديلات المطروحة على قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018 تستهدف إعادة ضبط منظومة الامتيازات وضمان وصولها إلى المستحقين الفعليين، يرى قطاع واسع من ذوي الإعاقة ومنظمات المجتمع المدني أن بعض البنود المقترحة تُلقي بأعباء إضافية وتُضيّق نطاق الاستفادة، الأمر الذي يثير تساؤلًا جوهريًا: هل ستُحافظ التعديلات على المكتسبات التي أقرها القانون في نسخته الأولى، أم تمثل خطوة إلى الوراء قد تُعيد إنتاج أنماط التهميش التي حاول القانون تجاوزها؟

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search