طرق قاتلة: لماذا لا تحمي مليارات التطوير أرواح العمالة الزراعية؟

تظهر الإحصائيات تحليلاً لـ 583 خبراً صحفياً لحوادث الطريق الدائري الإقليمي بين 2018 ومنتصف 2025، أن عام 2024 شهد أكبر عدد للحوادث (151 حادثاً)، أودت بحياة 95 شخصاً على الأقل
Picture of آية ياسر

آية ياسر

 أعاد الحادث المأساوي الذي شهده الطريق الإقليمى بنطاق مركز أشمون بمحافظة المنوفية، في صباح 28 مايو،- والذي لقيت على إثره 19 فتاة مصرعها وأصيبت أخريات، أثناء توجههن للعمل في مزارع العنب بمدينة السادات، جراء تصادم بين سيارة ميكروباص وأخرى نقل -، تسليط الضوء على واقع العمل الهش للعمالة الزراعية في مصر، وحرمانها من وسائل النقل الآمن، مما يجعلها فريسة لحوادث الطرق السريعة؛ إذ أن الحادث لم يكن الأول من نوعه، وقد سبقه عدة حوادث دامية، أبرزها: اصطدام شاحنة ربع نقل على الطريق الصحراوي بمركز ملوي بمحافظة المنيا، في 20 إبريل، كانت تقل 30 من العمالة الزراعية معظمهم من الأطفال، مما أسفر عن وفاة 8 أطفال وإصابة 25 آخرين.

 وفي 21 مايو 2024، وقع حادث غرق 17 طفلة من العاملات الزراعيات، تتراوح أعمارهن بين 12 و16 عامًا، كنّ على متن ميكروباص قديم يعبر بهن نهر النيل عبر معدية أبو غالب المتهالكة، في منشأة القناطر بالجيزة، وفي يناير عام 2022، سقطت سيارة نقل تحمل 22 من عمال وعاملات الزراعة بنهر النيل، أثناء عبورها معدية القطا بمنشأة القناطر بالجيزة، مما أسفر عن غرق 8 ضحايا من الفتيات، وفي أبريل 2022، لقي 8 أطفال من العمالة الزراعية مصرعهم غرقًا في حادث انقلاب تروسيكل داخل ترعة ساحل مرقص أمام كوبري السوالم في مركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة.

ولم تكد تمر 48 ساعة على حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية، حتى وقع حادث تصادم مأساوي لسيارة ميكروباص، على طريق وادي النطرون، مما أسفر عن وفاة فتاة وإصابة 17 آخرين من العمالة الزراعية، وفي وقتٍ ألقت فيه تحقيقات النيابة العامة باللوم على سائق سيارة النقل الذي اتهمته بالتسبب في حادث عاملات المنوفية بعدما تجاوز الحاجز الفاصل بين الاتجاهين، مما أدى إلى اصطدامه بسيارة ميكروباص كانت تُقل العاملات الضحايا، وكشفت نتيجة التحليل المعملي للعينة المسحوبة منه عن ثبوت تعاطيه مواد مخدرة وقت ارتكاب الواقعة، وأمرت النيابة بحبسه احتياطيًّا على ذمة التحقيقات، فإن الكثيرون ربطوا بين الحادث وإهمال صيانة الطريق الدائري الإقليمي، – الممتد لمسافة 400 كيلومتر والذي يربط نحو 15 محافظة -، مما جعله يشهد العديد من الحوادث، بسبب تدهور حدوث هبوط أرضي في أجزاء منه واستمرار مرور النقل الثقيل وضعف الإضاءة.

 وسبق أن تولت شركة النيل العامة للطرق والكباري، التابعة للشركة القابضة لمشروعات الطرق والنقل البري، المملوكة لوزارة النقل، تنفيذ الطريق، بمشاركة الهيئة القومية للإنتاج الحربي، وشركة بتروجيت التابعة للقطاع الاستثماري بوزارة البترول، في الفترة من 2014 و2024، وشاركت في استكمال تنفيذ القوس الشمالي من الطريق، والذي يمر من محافظة المنوفية -موقع الحادث-، وبلغت تكلفته نحو 8 مليارات جنيه، شركات: سامكريت، والنيل العامة للطرق الصحراوية، ومحمد عبد الوهاب، ومنذ دخوله للخدمة في سبتمبر 2018، تولت “الوطنية للطرق” إحدى شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، إدارة الطريق، بما يشمل الصيانة الدورية وتحصيل الرسوم من محطات العبور.

 

ويُظهر تحليل نحو 583 خبرًا صحفيًا لحوادث الطريق الدائري الإقليمي في مصر خلال الفترة من عام 2018 حتى منتصف 2025، أن عام 2023 شهد قفزة كبيرة في أعداد الحوادث، إلى 111 حادثًا على الأقل، وتزايدت الحوادث في عام 2024 ليسجّل أكبر عدد لحوادث الطرق بإجمالي 151 حادثًا أودى بحياة 95 شخصًا على الأقل، وأصيب على إثرها ما لا يقل عن 1084 شخصًا، كان معظمهم من العمال، وخلال النصف الأول من عام 2025، تم تسجيل 101 حادث، أسفر عن 95 وفاة شخصًا.

 

رسم بياني يُظهر أعداد الحوادث التي شهدها الطريق الإقليمي، طبقًا للسنوات

 

نوصي للقراءة: حادث المطرية ـ بورسعيد.. تطوير بالمليارات والنتيجة جنازات جماعية

2025 الأعلى من حيث الضحايا

تمثل العمالة الزراعية في مصر، قطاعًا هامًا من القوى العاملة، بما يقرب من 19% من إجمالي المشتغلين، تشير إحصائيات غير رسمية إلى أن النساء يشكلن نسبة كبيرة من العمالة الزراعية، حيث تصل إلى 45% من إجمالي العاملين في القطاع، وتظهر نتائج المسح الصحي للأسرة المصرية لعام 2021، أن هناك ما لا يقل عن 900 ألف طفل/ة يعملون في مصر، نصفهم تقريبًا في ظروف عمل خطرة تشمل: الزراعة، المصانع، الورش، والنقل.

ويظهر تحليل عينة من أخبار الصحف المتعلقة بحوادث الطرق التي تعرضت لها العمالة الزراعية في مصر، خلال الفترة من عام 2014 حتى نهاية يونيو 2025، ارتفاعًا مقلقًا في خسائر في أرواح والإصابات، مع تركّز لافت للحوادث في محافظة البحيرة التي استأثرت وحدها بنحو 90.5% من إجمالي تلك الحوادث، في حين بلغ إجمالي الضحايا من العمالة الزراعية خلال هذه الفترة 87 قتيلًا و843 مصابًا، سُجّل أكثر من ثلثهم تقريبًا في النصف الأول من عام 2025 فقط، والذي شهد وحده 11 حادثًا بنسبة 20.75% من إجمالي الحوادث خلال الفترة، وقد أسفرت تلك الحوادث عن وقوع 30 وفاة و146 مصابًا حتى منتصف العام، وكان الأسوأ من بينها حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية في 28 يونيو 2025، والذي أودى بحياة 19 عاملة زراعية بعضهن قاصرات، ليكون عام 2025 هو الأعلى من حيث عدد القتلى والمصابين.

 

أعداد الحوادث والوفيات والمصابين طبقًا للسنوات من 2014 وحتى 2025

 

أعداد الوفيات والمصابين من العمالة الزراعية في حوادث الطرق، خلال الفترة من 2014 وحتى 2025
أعداد الوفيات والمصابين من العمالة الزراعية في حوادث الطرق، خلال الفترة من 2014 وحتى 2025

 

وبتحليل  53 خبرًا صحفيًا منشورًا على موقع واحدة من كبرى الصحف المصرية، وجدنا تكرارًا لنمط حوادث نقل العاملات الزراعيات في سيارات ربع نقل أو جرارات غير مجهّزة، مما يشير إلى استمرار تجاهل شروط السلامة في وسائل نقل العمالة الزراعية، كما يُلاحظ تفاوت نسب الحوادث على مدار السنوات، إذ شهد عام 2019 و2022 أعلى معدلات لحوادث نقل العمالة الزراعية، بواقع 11.32% لكل منهما، يليه عام 2017 و2020 بنسبة 9.43%، بينما تراجعت النسبة إلى 1.89% فقط في عام 2021.

 

أعداد حوادث الطرق التي تعرضت لها العمالة الزراعية، خلال الفترة من 2014 وحتى 2025
أعداد حوادث الطرق التي تعرضت لها العمالة الزراعية، خلال الفترة من 2014 وحتى 2025

 

النسب المئوية لحوادث العمالة الزراعية طبقًا للسنوات من 2014 وحتى 2025
النسب المئوية لحوادث العمالة الزراعية طبقًا للسنوات من 2014 وحتى 2025

 

نوصي للقراءة: “الحصاد القاتل” أطفال العمالة الزراعية في مصر ضحايا سماسرة الأنفار والتشريعات

248 ضحية من عمال التراحيل

أظهرت ورقة سياسات عاجلة، أصدرها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عقب حادث المنوفية المأساوي، تكرار الكارثة في ظل غياب الرقابة ونقل العمال بوسائل متهالكة، ووفقًا لرصد أجراه المركز، سُجلت خلال عام واحد فقط (من يوليو 2024 حتى يونيو 2025) ما لا يقل عن 248 ضحية من العاملات والعمال، بينهم 55 وفاة و193 إصابة، في ظل غياب الإحصاءات الرسمية وتجاهل الجهات المعنية.

وانتقد المركز تقاعس وزارات القوى العاملة والنقل عن أداء دورها في حماية هذه الفئة، مطالبًا بمجموعة من الإجراءات العاجلة، أبرزها: إنشاء مكاتب محلية لحصر وتنظيم عمال التراحيل، والرقابة على وسائل نقلهم، وضمان حصولهم على أجر عادل، وتفعيل التفتيش على مواقع العمل، وإطلاق برامج حماية صحية واجتماعية متكاملة، مؤكدًا أن تجاهل هذه التوصيات المتكررة يمثل خيانة لمبادئ العدالة الاجتماعية وتفريطًا ممنهجًا في أرواح العمال لصالح مصالح الربح والاستغلال.

 

نوصي للقراءة: العاملات بالزّراعَة.. نِسَاءٌ يُقهِرنَ الصِّعَاب وتقهرهُنَّ شَاحنات الموت

وسائل نقل غير مرخصة وغير آمنة

تٌبيّن لمياء لطفي، مؤسسة مبادرة المرأة الريفية ومديرة البرامج بمؤسسة المرأة الجديدة، أن الحوادث التي تتعرض لها العمالة الزراعية، تكاد تحدث بشكل يومي، وعادة ما تُخلّف إصابات فقط أو حالة وفاة أو اثنتان، وبالتالي لا يتم تسليط الضوء عليها إعلاميًا، كما هو الحال مع حادث المنوفية الذي أودى بحياة 19 روحاً، مؤكدة أن هناك مشكلة في النقل الآمن في المناطق الريفية بشكل عام، لكون الطرق ضيقة ومعظمها يقع على حواف الترع، مما يسهل حدوث تجريف أو حفر فيها، وقد يتعرض الطريق المرصوف للتلف بعد وقت قصير نتيجة للأشغال المستمرة، والحفر في الطريق، واستخدام المياه لرش الأسفلت، ووضع الناس للمطبات بشكل عشوائي خوفاً من سرعة السيارات في المناطق السكنية، مما قد يعرّض أهلها للخطر، مؤكدة ضرورة إنشاء مطبات متوافقة مع المقاييس التي يمكن أن تحفظ أمن الركاب وأمن السكان على جوانب الطريق، أو أولئك الذين يسكنون على جوانب الطريق.

تقول لـ”زاوية ثالثة”:  “العمالة الزراعية تنتقل لمسافات طويلة من مساكنهم وقراهم إلى المزارع الواقعة في المناطق الصحراوية المحيطة، وللأسف، تتمثل الطريقة التي تتنقل بها الفتيات والنساء إما في “التروسيكل” (دراجة نارية بثلاث عجلات) إذا كان المكان قريباً، وهي وسيلة غير مرخصة وغير آمنة، ولا يُفترض أن تسير على الطرق السريعة، وإذا تعرض لحادث تكون نسبة الوفيات والإصابات عالية للغاية، أو يتم استخدام سيارات نصف نقل، ويتم اللجوء إليها عندما يكون عدد العمال كبيراً، وغالباً ما تكون هذه السيارات متهالكة وإطاراتها بالية، ولو انقلبت السيارة تكون احتمالات الخطر عالية جداً، والنساء اللاتي يعشن في الريف، والأطفال، وكبار السن، هم الأكثر عرضة للخطر عند ركوب هذه السيارات، وتزيد احتمالات سقوطهم منها أو تعرضهم لكسور وجروح بالغة”.

وتضيف: “حتى الحافلات الصغيرة (الميكروباصات)، التي يتنقلون بها،تحمل عدد زائد من الركاب مما يضاعف الخطر؛ ويزيد الضغط على إطارات السيارة، وحتى لو كانوا يستقلون وسيلة نقل تبدو إنسانية، فإن طريقة الركوب والعدد بداخلها ليسا كذلك، خاصة مع الحر وعدد الساعات الطويل، فنحن نتحدث عن رحلة تستغرق ساعة ونصف إلى ساعتين”.

وتتابع: “قانون كان يتضمن استثناءً في باب تشغيل النساء، يستبعد العاملات الزراعيات. ما حدث هو أن هذا البند قد أُلغي، ولكن تظل المشكلة في آليات تفعيل القانون. لدينا عمالة لا يوجد لديها عقود عمل، وليست مسجلة في نقابات، ولا تتمتع بتأمينات اجتماعية، ويجب توفير نقابة تحمي هؤلاء الناس وتتحدث باسمهم، على أن يكون التنظيم داخلها لا يستوجب دفع اشتراكات، بل تتلقى دعماً من الدولة، وتكون النقابة هي المسؤولة عن توفير خدمات النقل مقابل مبلغ مادي معقول، بالإضافة إلى توفير العمالة لأصحاب المزارع ويذهب جزء من الأموال لصالح النقابة، وفي المقابل يتقاضى العمال أجوراً عادلة، لا 120 أو 130 جنيهاً في اليوم”.

وترفض لمياء تحميل أفراد مسؤولية منظومة كاملة فاشلة ومليئة بالمشكلات، تفتقر إلى الحماية القانونية ومظلات الحماية الاجتماعية، معتبرة أن توفير وسائل نقل آمنة ومنح أجور عادلة، هي مسؤولية الدولة وصاحب العمل، وليست مسؤولية “مقاول الأنفار” أو السائق، ومشيرة إلى أنه يجري استغلال صغار السن والنساء والفتيات لأنهن يمثلن عمالة أرخص، داعية الدولة، بمؤسساتها، لسن قانون عمل يحمي هؤلاء النساء، وتوفير مظلة تأمينات وخدمات لهن، ومكان لتقديم الشكاوى. 

 

نوصي للقراءة: المرأة الريفية في مصر: من البطالة إلى السوق العالمي عبر المنتجات المُجففة


الفقر وقسوة شروط العمل 

بدورها تعتبر المحامية المعنية بقضايا العمال، انتصار بدر، أن عمال الزراعة غالبًا ما يكونون خارج نطاق قانون العمل، لأنهم يشكلون قطاعاً كبيراً جداً، وبما أنه لا يوجد قانون يحميهم، فهم خارج إطار الحماية القانونية، وبالتالي، هم يعملون في ظروف صعبة جداً من حيث الأجور والنقل، ولا تنطبق عليهم أي شروط عمل جيدة، وفي ظل معدلات الفقر المتزايد نتيجة للسياسات الاقتصادية وغيرها، زادت قسوة شروط العمل، والناس تضطر للقبول.

وتؤكد أن أحد شروط العمل اللائق هو توفير المواصلات، وهذا لم يحدث أبداً مع عمال الزراعة؛ فلطالما تحدث لهم الحوادث على الطرق الزراعية، ولحماية هذه الفئة يجب توفير شروط عمل عادلة، وإدخال عمال الزراعة تحت مظلة قانون العمل بأي صورة، وأن يتم إلزام أصحاب العمل بتوفير مواصلات آمنة، معتبرة أن تكون لدى الدولة الإرادة لتطبيق شروط عمل عادلة كتلك المنصوص عليها في المواثيق الدولية. 

تقول لـ”زاوية ثالثة”: “لو التزمت شركة بالمسؤولية الاجتماعية، ستقدم أجراً عادلاً، وتوفر الأمان للعمال، والسكن الإداري، والمواصلات الآمنة، وتخصص 10% من أرباحها للعمال وللمجتمع المحيط بها. فلنتخيل كم الأعباء التي ستُرفع عن كاهل الدولة، والمسألة تتعلق بربط الاستثمار في مصر وقطاع العمل كله بشروط العمل اللائق، وإدخال عمال الزراعة تحت مظلة قانون العمل”.

 

نوصي للقراءة: المزارعون في مواجهة الفقر المائي… آبار جوفية خوفًا من قرارات حكومية

الحمولات الزائدة وإتلاف الطرق

يؤكد الدكتور حسن مهدي، أستاذ الطرق والمرور بجامعة عين شمس، ضرورة وجود وسيلة مواصلات تستوفي الحد الأدنى من عناصر الأمن والسلامة،  لنقل العمالة اليومية التي تستخدم الطرق، وهذا غير متحقق في كثير من المواقف؛ إذ نجد سيارة ربع نقل تحمل أطفالاً لنقلهم إلى المصانع أو الأراضي الزراعية، وهذه المركبة غير مؤهلة بأي عنصر من عناصر الأمن والسلامة، ومعرضة للحوادث، وغالباً ما يكون جميع من في الصندوق الخلفي ضحايا، لأنها ليست مجهزة لنقل الأفراد بل لنقل البضائع، مبينًا أن المشكلة تكمن في تطبيق القانون الذي يجرم الفعل عند ضبطه.

ويوضح مهدي أن هناك مشاكل في الطرق، ينتج عنها كثير من الحوادث؛ فبالنسبة إلى الطريق الدائري الإقليمي، فإن مشكلاته لم تكن بهذا الحجم في البداية ثم بدأت تتزايد، لأن الحالة الفنية للطريق في عامي 2019 و2020 كانت أفضل من الحالة التي وصل إليها في عام 2025. وبناءً عليه، اتخذت الدولة قراراً بالقيام بصيانة جسيمة أو إعادة إنشاء له، مبينًا أنه من الطبيعي أن يحدث للطريق إهلاك مع مرور الوقت، فنصل إلى مرحلة تتطلب صيانة، أياً كان مسماها: صيانة روتينية، دورية، أو جسيمة.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “الحمولات الزائدة، مشكلة كبيرة جداً على شبكة الطرق المصرية لأنها تؤدي إلى سرعة إهلاك أو تهالك طبقة الرصف نتيجة تصميم الطرق لحمولات معينة، بينما الحمولات التي تسير عليها بالفعل أعلى منها بكثير جداً، وهذا يعني أن العمر الافتراضي للطريق يقل. وعندما نتحدث عن الحمولات، لا نعني عدد المركبات، بل وزنها. الطريق مصمم لأعداد كبيرة من المركبات، لكن المشكلة تكمن في الحمولات الزائدة (Overload). فالشاحنة التي يبلغ وزنها القانوني 70 طناً، تحمل 180 طناً. هذا يؤدي إلى معدل تلف أعلى، ولم تصمم الطرق منذ البداية لتحمل هذه الحمولات الزائدة، لأن اقتصاد الدولة لا يسمح بذلك، كون تكلفة المتر المسطح من الرصف سترتفع إلى ضعفين ونصف أو ثلاثة أضعاف”.

ويضيف: “بدأت الدولة منذ عدة سنوات في تنفيذ ما يسمى بـ”الرصف الخرساني”، حيث يتم فصل مسارات النقل الثقيل وإنشاء طبقة رصف خرسانية لها، لأن قوتها وقدرتها على التحمل أعلى من الأسفلت، هذا حل مرحلي. أما الحل النهائي فهو إدخال “النقل متعدد الوسائط”، أي توفير بدائل جيدة مثل النقل بالسكة الحديد، والذي سيكون أكثر اقتصاداً وسيقلل من تلف الطرق، حيث نهدف إلى نقل ما بين 25 إلى 30 مليون طن سنوياً عبر السكك الحديدية، مقارنة بـ 5 ملايين طن حالياً. هذا سيساهم في القضاء على مشكلة الحمولات الزائدة على شبكة الطرق البرية”.

ويكشف خبير الطرق عن أن هناك مشكلة ظهرت في منطقة المنوفية التي تمتد لخمسين أو ستين كيلومتراً من الطريق الإقليمي، الذي يبلغ طوله 400 كيلومتر، والذي يمر بمناطق ذات تربة قوية (غالباً صحراوية)، ومناطق أخرى ذات تربة ضعيفة (طينية كانت أراضي زراعية) كما هو الحال في الجزء المار بمحافظة المنوفية، مما ساعد في سرعة ظهور العيوب به وهبوط الطريق، نتيجة اجتماع عاملي الحمولات الزائدة، والتربة الضعيفة، مشيرًا إلى أن جودة شبكة الطرق في مصر ارتفعت من المرتبة 118 عالمياً إلى المرتبة 18، وهذا ساهم في توسع الرقعة الجغرافية المأهولة من 6% إلى 14% من مساحة مصر.

 

نوصي للقراءة: ارتفاع حوادث الطرق في مصر يُناقض المشاريع العملاقة

تحركات برلمانية

في أول تحرك برلماني تقدّم النائب أحمد بلال البرلسي، نائب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، ببيان عاجل إلى المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، لإلقاء بيان عاجل في الجلسة العامة المقررة يوم الأحد 29 يونيو 2025، بشأن الحادث المأساوي الذي وقع على الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية، وأسفر عن استشهاد 19 فتاة مصرية من العاملات باليومية.

وانتقد البرلسي الاكتفاء بإعلان تعويضات مالية دون بيان يوضح الأسباب، أو تحديد المسؤوليات، هو إهانة غير مقبولة للمصريين، موضحًا أن دماء المواطن المصري أغلى من أن تُقابل بعدم اكتراث أو تجاهل من السلطة التنفيذية، مؤكدًا أن وزارة النقل تتحمل المسؤولية المباشرة عن الحادث، باعتبارها الجهة المسؤولة عن إنشاء وصيانة الطريق، إلا أن المسؤولية تمتد إلى وزارة الداخلية، المعنية بالرقابة المرورية وضبط السرعات على الطرق، ومحافظة المنوفية التي تقع الواقعة ضمن نطاقها، ووزارة العمل التي تتحمل مسؤولية الرقابة على أوضاع العمالة الموسمية.

وحمّل النائب المسؤولية السياسية على الحكومة بأكملها، وفي مقدمتها رئيس مجلس الوزراء، مشددًا على أن تجاهل الكارثة لا يُسقط الحق في المساءلة، بل يُضاعف من الإدانة، معتبرًا أن صمت الحكومة ليس مجرد خطأ سياسي، بل “خطيئة وطنية” تستوجب المحاسبة، وقد تستدعي إقالة الحكومة إذا ثبت تقصيرها في أداء واجباتها.

ورغم مليارات الجنيهات التي أنفقت الدولة على تطوير شبكة الطرق في مصر، لا تزال أرواح العمالة الزراعية تُزهق على الأسفلت ذاته الذي وُعد بتحسينه، تُظهر الحوادث المتكررة، هشاشة منظومة نقل تلك العمالة، وغياب الرقابة على وسائل انتقالهم غير الآمنة، فضلًا عن القصور في صيانة الطرق الحيوية كالدائري الإقليمي.

 وتظل العمالة اليومية هي الحلقة الأضعف في سلسلة إهمال متراكم، وغالبًا ما يدفع الأطفال والنساء حيواتهم ثمنًا لإستغلال أصحاب الأعمال لفقرهم وهشاشة أوضاعهم، الأمر الذي يبرز ضرورة أن تتخذ الدولة إجراءات تشريعية وتنفيذية عاجلة تضمن الحماية والنقل الآمن، وإلاّ ستبقى الطرق شاهدًة على نزيف لا يتوقف.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search