ارتفاع حوادث الطرق في مصر يُناقض المشاريع العملاقة

رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في تطوير البنية التحتية وتحسين الطرق، إلا أن معدل الحوادث لا يزال مرتفعًا
مي سعودي

تحطمت أحلام ضحى -ذات الـ25 عامًا- على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، في رحلتها الأخيرة لتوصيل بضائع لأحد العملاء عبر “السكوتر” وسيلتها الوحيدة للهروب من الزحام المروري الخانق في مصر، وأيضًا التغلب على الأوضاع الاقتصادية، لتحسين دخلها من خلال العمل كواحدة من مندوبي الشحن الذين يملأون أرجاء شوارع  القاهرة. ولكن الحادث المرّوع الذي تعرضت في ذلك اليوم  له، حال دون ذلك.

تعد الحوادث المرورية في مصر، قضية ملحة تشغل الرأي العام. رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في تطوير البنية التحتية وتحسين الطرق، إلا أن معدل الحوادث لا يزال مرتفعًا. حيث تشهد الطرق السريعة من آن لآخر حوادث مروعة، تسفر عن سقوط ضحايا كُثر، وتتعدد أسباب هذه الحوادث التي تتكرر بشكل شبه يومي، ما يستلزم خطوات جادة للحد من هذه الحوادث المروعة التي تودي بحياة الآلاف سنويًا.

تحتل مصر المرتبة الخامسة عربيًا والمركز الثامن والعشرون عالميًا في مؤشر جودة الطرق لعام 2019 هذا التصنيف يعكس تطور قطاع النقل وتحسين البنية التحتية للطرق في البلاد. وبالرغم من ذلك أظهرت النشرة السنوية لنتائج حوادث السيارات لعام 2022، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن شهر أكتوبر كان أعلى شهور السنة من حيث عدد إصابات حوادث الطرق، حيث بلغ خمسة آلاف و686 إصابة عام 2022، بينما كان شهر فبراير هو أقل الشهور حيث بلغ 2771 إصابة في نفس العام، وبلغ عدد إصابات الذكور 45 ألفًا و400 مصاب عام 2022، مقابل 41 ألفًا و670 عام 2021، بنسبة ارتفاع 9%، بينما بلغ عدد إصابات الإناث نحو 10 آلاف و 591 إصابة عام 2022، مقابل تسعة آلاف و331 إصابة عام 2021، بنسبة زيادة 13.5%.

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية  تزهق حوادث المرور أرواح قرابة 1.19 مليون شخص سنويًا – أي بمعدل أكثر من وفاتين كل دقيقة– مع حدوث أكثر من تسعة من بين كل 10 وفيات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ويتعرض بين 20 و50 مليون شخص آخر لإصابات غير مميتة، علمًا أن العديد منهم يصبح معاقًا. وتتسبّب الإصابات الناجمة عن حوادث المرور في خسائر اقتصادية فادحة للأفراد وأسرهم والبلدان بأسرها. وتنجم هذه الخسائر عن تكلفة العلاج وكذلك فقدان إنتاجية الأشخاص الذين يلقون حتفهم أو يُصابون بالعجز بسبب إصاباتهم، وأفراد الأسرة الذين يضطرون إلى التغيّب عن العمل أو المدرسة لرعاية المصابين. وتكلّف حوادث المرور معظم البلدان نسبة قدرها 3% من ناتجها المحلي الإجمالي.

(أ ف ب)
(أ ف ب)

الركود الاقتصادي: بيئة خصبة لارتفاع معدلات الحوادث

بدأت ضحى عملها في أكتوبر الماضي باستلام البضاعة المراد توصيلها للعميل من شركة الشحن، متجهة نحو منطقة الرماية بمحافظة الجيزة لتسليمها. تقول: “كثيرًا ما نتعرض للاختناق المروري بسبب عدم تخصيص أماكن لمرور الدراجات النارية على الطريق، ما يجعلنا أكثر عرضة للحوادث والاصطدام مع السيارات ووسائل النقل الأخرى، خاصة سيارات النقل الكبرى تلك التي لا تلتزم بمواعيد سيرها المخصصة ليلاً”.

كشف كتاب “الرؤية والإنجاز”، الذي يتضمن المشروعات التنموية في مصر خلال الفترة من 30 يونيو 2014 حتى 30 يونيو 2021، حجم المشروعات التي نفذتها الدولة خلال هذه الفترة في قطاع النقل. ووفقًا للبيانات الرسمية المدرجة، فقد تم إنفاق 1.3 تريليون جنيه على مشروعات الطرق والكباري وتطوير السكة الحديد وخطوط مترو الأنفاق والجر الكهربائي خلال سبع سنوات، مظهرًا إنفاق 474 مليار جنيه على مشروعات الطرق والكباري خلال الفترة المحددة، شاملة إنشاء شبكة طرق جديدة بأطوال سبعة آلاف كيلومتر ضمن المشروع القومي للطرق، بتكلفة 175 مليار جنيه، إضافة إلى 10 آلاف كيلومتر أطوال طرق، يجرى ازدواجها ورفع كفاءتها بتكلفة 121 مليار جنيه.

أُنفق 140 مليار جنيه على مشروعات الكباري العلوية والأنفاق التي نُفِّذَت في مناطق التقاطعات المرورية والبالغة عدد 1000 كوبري ونفق، وبعضها انتهى تنفيذها والبعض الآخر جاري تنفيذها، كما أنه يجري تنفيذ 22 محورًا علويًّا لربط شرق وغرب النيل بالوجهين القبلي والبحري بتكلفة 38 مليار جنيه.

من جانبه، عدّد سيف الدين فرج – أستاذ التخطيط العمرانيّ- في حديثه إلى “زاوية ثالثة”، أسباب حوادث الطرق في العامل البشريّ، والمركبة، والطرق المستخدمة، موضحًا أن المشروعات التنموية الكبيرة التي تتبناها الدولة مؤخرًا، ومنها تطوير الطرق والكباري، تسهم في حل كثير من المشكلات المرورية، وفي المقابل تهدف إلى خفض معدل الحوادث وتكرارها، ولكن ذلك لم يسهم في القضاء عليها أو خفض وتيرتها، لاسيما وأن السائق أحد أهم العوامل المؤثرة في وجود الحوادث، وربما يكون ذلك بسبب معاناته خلال السنوات الأخيرة من التوتر النفسي نتيجة الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها مصر منذ سنوات، ما يؤثر في تركيز السائقين، ويزيد احتمالية وقوع حوادث.

مضيفًا أن الأوضاع الاقتصادية الجديدة ألقت بظلالها على اهتمام كثير من السائقين بالصيانة الدورية للمركبات، وتؤدي دورًا كبيرًا في تقليل المشاكل الميكانيكية في أثناء القيادة، خاصة مع الارتفاع الملحوظ في أسعار قطع غيار السيارات وأيضًا أسعار مراكز الصيانة ذاتها، إضافة إلى أن السرعة المفرطة تعد من أبرز أسباب الحوادث – على حد تعبيره- بالرغم من تحسن الطرق. ولمواجهة ذلك لجأت الدولة إلى زيادة الرقابة الأمنية والرادارات للسعي نحو تقليل السرعة للسائقين، لكن التوعية والتثقيف لا تزال ضرورية للمساهمة في مواجهة هذه السلوكيات التي يتبناها العديد من مستخدمي الطرق.

وأشاد أستاذ التخطيط العمراني بتحسن جودة الطرق ومساراتها التي ساهمت في تقليل التكدس المروري وأيضًا ربط المدن والمناطق ببعضها خلال فترات زمنية أقل، إلى جانب التعليمات التي تفرضها الدولة بالالتزام بالسرعات المقررة في المناطق المختلفة، خاصة تلك التي تتسم بالكثافة السكانية.

وانتقد “فرج” عدم توافر خدمات السير والمشاة وعبور الطريق في كثير من الطرق التي تم تجديدها وتوسيعها، التي من الصعب التعامل معها مع زيادة عدد الحارات المرورية لتصل إلى ثمانية خطوط في بعض من الطرق الجديدة؛ مما يتسبب في ارتفاع عدد الإصابات والوفيات بشكل آخر، خاصة مع صعوبة عبور الطريق، وأشار إلى ضرورة العمل على تحسين التحتية للمشاة، وتوفير ممرات آمنة متمثلة في الأنفاق وكباري المشاة لاستخدام الأفراد مع ضرورة توفير عوامل الأمان والمرونة بها لإمكانية الاستخدام.

وأرجع قسوة الحوادث التي تقع مؤخرًا، وينتج عنها عدد كبير من الإصابات والوفيات إلى عاملي العنصر البشري والآلة (السيارات)، وقال إن العنصر البشري والآلات والبنية التحتية هي عوامل متكاملة لتحقيق الأمان على الطرق.

(أ ف ب)
(أ ف ب)

مخاطر الطرق تُهدد أرواح الأطفال والشباب

قبل أن تصل إلى وجهتها تعرضت لحادث شديد مازالت تتعالج من أثره على مدار الخمسة أشهر الماضية، وتصف ضحى أن الطريق كان معيبًا، به كثير من “الحفر”، ما أفقدها اتزانها، وفي محاولة منها لتهدئة السرعة اصطدمت بأحد المطبات الصناعية في الطريق، ما تسبب في سقوطها على الأرض، لتصدمها سيارة نقل (ميكروباص) وتهرب. عانت بعد ذلك من كثير من الكسور المختلفة والمتفرقة، وخضعت لأربع عمليات جراحية، وتمر الآن بظروف نفسية وجسدية صعبة مع صعوبة الآلام التي تعانيها.

تقدّر منظمة الصحة العالمية أن حوادث الطرق تتسبب في 13 مليون حالة وفاة و500 مليون إصابة حول العالم بحلول عام 2030 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، مشيرة إلى أن حوادث الطرق هي السبب الرئيسي لوفاة الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و29 عاما على مستوى العالم.

وحددت المنظمة نسبة 92٪ من الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق في العالم تقع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، رغم أن نسبة المركبات التي تستأثر بها هذه البلدان لا تتجاوز نحو 60٪ من المركبات في العالم. مبينة أنه يتركز أكثر من نص إجمالي الوفيات الناجمة عن حوادث المرور في العالم بين مستخدمي الطرق الأكثر عرضةً للخطر، وهم: المشاة وراكبي الدراجات الهوائية والدراجات النارية. وتكلّف حوادث المرور معظم البلدان نسبة قدرها 3% من ناتجها المحلي الإجمالي.

سلط رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبد الله شاهد، الضوء على أهمية الخطة العالمية من أجل السلامة على الطرق 2021-2030، وقال إن العالم بحاجة إلى معالجة هذا “العبء المأساوي وغير الضروري على الأسر والمجتمعات والاقتصادات”. وأضاف أن “حوادث الطرق يمكن تفاديها بالكامل، ويجب أن تكون أولويتنا هي تنفيذ الإجراءات الوقائية”. لكنه حذر من أنه “ما لم تُنَفَّذ، فهي ليست أكثر من خطة عمل”.

واستشرافا للمستقبل، قال إن التنفيذ من قبل الحكومات الوطنية والمحلية سيتطلب عنصرين رئيسيين: التمويل وإشراك الجهات الفاعلة ذات الصلة. مع وجود فجوة تمويلية ملحوظة في معظم البلدان، إلا أن 90 في المائة من وفيات حوادث الطرق تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وقال إن هذا يعني أن تحقيق أهداف الخطة يتطلب دعما متزايدا لهذه البلدان.

من جانبه، أكد المستشار سامي مختار -رئيس الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم- لـ “زاوية ثالثة” أن مسببات حوادث الطرق ترجع إلى ثلاثة أسباب؛ أولها العامل البشري المتسبب في 80% من الحوادث، إضافة إلى المركبات والسيارات نفسها وسوء الطريق، مشيرًا إلى أن العامل البشري لا يقتصر فقط على السائق، ولكن المشاة والراكب أيضًا وهو ما يحتاج إلى دور كل فرد في المجتمع للوعي الكامل بهذا الأمر، والمشاة الذين يعبرون الطريق على نحو خاطئ يؤدون إلى الحوادث خصوصًا على الطرق السريعة.

وبيٌن أن عدم وجود مواصفات فنية محددة لدخول السيارات إلى مصر يعد من أبرز المشكلات التي تتسبب في الحوادث، ويجب أن تحدد الحكومة مواصفات معينة للسيارات التي تدخل إلى مصر بحيث تناسب هذه السيارات الطرق المصرية، مشيراً إلى أن المشاة والسائقين والركاب يتقاسمون الأدوار فيما يتعلق بأسباب الحوادث، وهناك أخطاء قاتلة للسائقين وهم النسبة الأكبر من العنصر البشري المتسببة في الحوادث.

وأضاف “مختار” أن نسبة الإصابات في كل حادث على الطرق المصرية أكبر من معدلاتها في أي دولة حول العالم، وهذا يحتاج إلى جهد كبير لتوعية المواطنين بكيفية التعامل مع حوادث الطرق فور وقوع الحادث، فالزمن العالمي هو ثمان دقائق لإنقاذ المصاب، لكن الزمن المصري كبير لإنقاذ المصاب؛ بسبب الزحام الشديد وقلة خبرة المواطنين العاديين عن الإسعافات الأولية للتعامل مع المصابين إلى حين وصول الإسعاف.

(أ ف ب)
(أ ف ب)

مشاريع ضخمة تُغفل احتياجات المُشاة

حسب نشرة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن محافظة الدقهلية جاءت في صدارة المحافظات الأكثر تسجيلًا لعدد إصابات حوادث الطرق على مستوى الجمهورية، بنحو 12 ألفًا و51 إصابة بنهاية عام 2022، بينما كان أقل عدد إصابات سجلته محافظة القليوبية بعدد 200 إصابة عام 2022. وجاءت إصابات حوادث الطرق حسب مستخدم الطريق “الركاب” في المرتبة الأولى بعدد 16 ألفًا و607 إصابات، يليها مشاة بعدد 15 ألفًا و580 مصابًا عام 2022. وإجمالًا بلغ عدد إصابات حوادث الطرق 55 ألفًا و991 إصابة عام 2022، مقابل 51 ألفًا و511 عام 2021، بنسبة زيادة بلغت 8.7%.

بيّنت أحلام صالح -مديرة مدرسة تعليم قيادة السكوتر للبنات- في حديثها مع “زاوية ثالثة” أنّ حوادث الطرق تشهد معدّلات مرتفعة خلال الفترة الأخيرة، خاصّة تلك الّتي ترتبط بالدرّاجات الناريّة والسكوتر، والّتي تسبّبت في وفيات أعداد كبيرة من مستخدميها، وانتقدت سلوك البعض من مستخدمي هذه الوسائل في عدم التزامهم بعوامل الأمان الّتي ترتبط بقيادة هذا النوع من المواصلات، وعلى رأسها عدم ارتداء الخوذة الواقية، إضافة إلى عدم تأهيل بعض من الطرق غير الآمنة لمستخدمي المركبات الناريّة. موضّحة أنّ كثيرًا من الطرق الرئيسة في مصر تفتقد الأماكن المخصّصة لمرور المشاة وأيضًا مرور الدرّاجات والمركبات الناريّة، ما يجعلها تسير بجانب السيّارات وسائل النقل الثقيل، ويتسبّب في وقوع كثير من الحوادث.

وشدّدت مديرة مدرسة تعليم قيادة السكوتر للبنات، على ضرورة تحسين البنية التحتيّة للمشاة والدرّاجات وتوفير ممرّات آمنة، مع زيادة أعداد مستخدمي هذا النوع من وسائل المواصلات مؤخّرًا. لتوفير الحماية وعوامل الأمان اللازمة لمستخدميها. إضافة إلى ضرورة توفير الصيانة الدوريّة للطرق والحرص على توفير طرق خالية من الحفر الّتي تتسبّب في سقوط كثير من السائقين وتعرّضهم للإصابة أو الوفاة.

مي سعودي
صحفية مصرية ومعدة تحقيقات، عضوة في نقابة الصحفيين

Search