قدم رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أمس، استقالة الحكومة للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي بدوره قبلها، قبل أن يكلف “مدبولي” نفسه بتشكيل حكومة جديدة.
وفي بيان مقتضب لرئاسة الجمهورية دون تفاصيل، أكد أن الرئاسة كلفت مدبولي بتشكيل حكومة جديدة من ذوي الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة، تعمل على تحقيق عدد من الأهداف، على رأسها الحفاظ على محددات الأمن القومي المصري في ضوء التحديات الإقليمية والدولية.
وأشار البيان إلى أن أهداف الحكومة الجديدة تتضمن: “مواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية، وكذلك على صعيد ملف الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب بما يعزز ما تم إنجازه في هذه الصدد، وتطوير ملفات الثقافة والوعي العام والخطاب الديني المعتدل، على النحو الذي يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي”.
ويعد “مدبولي”، الذي يبلغ من العمر 52 عامًا، ثالث رئيس للوزراء في عهد الرئيس السيسي. إذ كُلف وكان وزيرًا للإسكان في عام 2018، بتشكيل الحكومة خلفًا لحكومة شريف إسماعيل الذي تعرض لأزمة صحية لسنوات قبل وفاته عام 2023. وأُجري تعديلين على حكومة محلب؛ الأول في 19 ديسمبر 2019، والثاني في 13 أغسطس 2022.
لا إلزام دستوري
أثار قرار استقالة الحكومة وعودة تكليف “مدبولي” بتشكيلها مرة أخرى، الجدل بين النشطاء والسياسيين والمواطنين، الذين تساءلوا عن أسباب استمراره في منصب رئاسة الوزراء رغم تراجع الأداء الحكومي وتصدر الأزمات على المستويين السياسي والاقتصادي في عهده.
وكانت آخر القرارات التي أثارت الجدل والاستنكار في الشارع المصري، الزيادة في أسعار الخبز المدعم على بطاقات التموي، إذ قال مدبولي، إن بلاده مضطرة لتحريك الأسعار “لكن سيظل الخبز مدعوما بصورة كبيرة”، وقد بدأ تحريك سعر الخبز بالفعل من خمسة قروش إلى 20 قرشًا للرغيف الواحد بزنة 90 جرام، في الأول من يونيو الجاري.
وتساءل البعض عن أسباب استقالة الحكومة الآن بعد مرورة أكثر من خمسة أشهر على الانتخابات الرئاسية، بينما رأي آخرون أن تشكيل حكومة جديدة إجراء مُتبع يأتي بشكل روتيني عقب تنصيب الرئيس الجديد وبدء فترة ولايته.
من جهته، يؤكد إسلام عبد المجيد – المحامي بمحكمة النقض- عدم وجود سبب دستوري لاستقالة رئيس الوزراء، وأن ما حدث لا علاقة له بأي التزام دستوري، موضحًا أن ما حدث يختلف عما تنص عليه المادة 147 من الدستور المصري، إذ أن المادة تتحدث عن إقالة الحكومة والتي لابد أن تتم وفقًا لعدة شروط أبرزها موافقة مجلس النواب. وتنص المادة 147 من الدستور المصري على أنه “لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. ولرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزارى بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس”.
يوضح المحامي بالنقض في حديثه إلى زاوية ثالثة أنه وفقًا للدستور يكلف رئيس الجمهورية زعيم الأغلبية أو المدعوم من الأغلبية في مجلس النواب بتشكيل الوزارة لضمان موافقة مجلس النواب على التشكيل الجديد، مرجحًا أن ما حدث اتفاق بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية على تغيير وزاري واسع، مشيرًا إلى أن النظام الدستوري المصري شبه رئاسي والسلطة التنفيذية لها رأسين هما رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
و يتعين على “مدبولي” اختيار الحكومة الجديدة خلال 30 يومًا، وفقًا للمادة 146 من الدستور المصري، و تنص على أن: “يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال 30 يومًا على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال 30 يومًا، عُد المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال 60 يومًا من تاريخ صدور قرار الحل. وفي جميع الأحوال يجب ألا يزيد مجموع مدد الاختيار المنصوص عليها في هذه المادة على 60 يومًا. وفي حالة حل مجلس النواب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته، وبرنامجها على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له. في حال اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، يكون لرئيس الجمهورية، بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء، اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل”.
غياب الشفافية وإهدار حق المحاسبة
تعليقًا على استقالة الحكومة، يقول الباحث والسياسي مصطفى شوقي – القيادي بحزب العيش والحرية تحت التأسيس-، إن هناك غياب تام للشفافية وتداول المعلومات ويتجلى هذا في عدم وجود أسباب حول استقالة الحكومة، مشيرًا إلى أنه لأول مرة يرى حكومة تتقدم باستقالتها دون مناقشة مع الرأي العام أو إتاحة معلومات عن أسباب الاستقالة.
ويؤكد القيادي بالعيش والحرية في حديثه مع زاوية ثالثة أن غياب الشفافية وتداول المعلومات يؤثر بشكل كبير على مراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها في حال انها تستحق المحاسبة، وأن استقالة الحكومة بهذه الطريقة يسمح لها بالإفلات من المحاسبة والعقاب الشعبي بسبب انحيازها السياسي والاقتصادي وعدم قدرتها على تلبية مطالب الشعب.
وعن استمرار رئيس الوزراء في منصبه، يرى “شوقي” أن هذا ما يجب على السلطة توضيحه للرأي العام، فما هي أسباب الإبقاء على رئيس الحكومة، هل الرئيس يرى أن رئيس الوزراء نجح في مهامه بينما فشل وزرائه في مهامهم؟. مفسرًا استمرار “مدبولي” في منصبه بأن السلطة السياسية تعيد الثقة في انحيازات الحكومة المستقيلة وتوجهاتها، إذ أن رئيس الوزراء هو من يمثل بشكل أساسي التوجهات و الانحيازات السياسية والاقتصادية، و قرار استمراره يعني إعادة الثقة في نفس الانحيازات والتوجهات الاقتصادية المرتبطة بالاستمرار في الاستدانة من الخارج، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وعدم استقرار سعر العملة، واستمرارا الانحيازات السياسية من تأميم المجال العام، ومصادرة حرية الصحافة والإعلام، وغياب التعددية السياسية، وحصار لنشاط الأحزاب والمجتمع المدني، فضلًا عن استمرار نفس التوجهات الاجتماعية لصالح طبقة من المحاسيب المحدودة على حساب غالبية الشعب ومصالحه.
يستطرد: قبول استقالة الحكومة مع استمرار رئيس الوزراء معناه أن الرئيس يرى أن الأزمة في الأداء الحكومة وليس التوجهات، وهذا عكس الحقيقة لأن أزمتنا الحالية مرتبطة بالتوجهات و الانحيازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وليس أداء الحكومة فقط. ولذلك أرى أن الحكومة الجديدة ستعيد ما قامت به على مدار السنوات الماضية.
وخلال السنوات العشر الماضية، تراجعت العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي أكثر من مرة وهو ما انعكس بدوره على أسعار جميع السلع التي شهدت ارتفاع غير مسبوق أثرت بشكل كبير على الحالة الشرائية للمواطنين. فيما تواجه البلاد ارتفاعًا في نسبة التضخم، الذي بلغ في أبريل الماضي نحو 31.8%، وفق ما تظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. فيما يقول البنك الدولي وإحصائيات التجارة العالمية، إن مصر من بين “البلدان الـ10 الأكثر تضررًا من تضخم الغذاء في العالم”.
الأزمة ليست في الحكومة وحدها
يرى خالد داود – الكاتب الصحفي والقيادي بالحزب المصري الديمقراطي- أن قرار استمرار رئيس الوزراء في منصبه مخيب للآمال، وعمليا بهذا القرار لم يحدث أي تغيير. مردفًا في حديثه معنا: الكل يعلم أن السياسات العامة لم يقررها مدبولي بل أطراف أخرى موجودة داخل نظام الحكم، لكن على الأقل تغيير رئيس الوزراء ووضع شخصية جديدة كان سيعطي انطباع بأن هناك رغبة في ضخ دماء جديدة، وتبني سياسات مختلفة، ولكن إعادة تعيين مدبولي يعني عدم تغيير السياسات التي طبقت على مدار السنوات الماضية.
ويشير “داود” إلى أن مصطفى مدبولى ينفذ سياسات يتم إبلاغه بها، ولا توجد توقعات واسعة باحتمال وجود تغيرات في أي من السياسات الاقتصادية أو أي سياسات أخرى. منوهًا أن هناك بعض الملفات ليس لرئيس الوزراء دخل فيها مثل السياسة الخارجية.
في السياق نفسه، يقول زهدي الشامي – رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي- إن لا أحد يعلم – سواء من الرأي العام أو السلطة بمؤسساتها وأجهزتها- حقيقة هذا التغيير أو دوافعه أو أسبابه كما المعتاد في إدارة العملية السياسية، وهذا أكبر دليل على عدم وجود تغيير حقيقي في أسلوب وتوجه الإدارة. مشيرًأ إلى أن هناك تفاهم بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية على طريقة تقديم الاستقالة.
وأبدى “الشامي” في حديثه مع زاوية ثالثة اندهاشه مما جاء في بيان الرئاسة والحديث عن تشكيل حكومة جديدة من الكفاءات وهذا التعبير لم يستخدم قبل ذلك، وهذا غير مفهوم في الوضع الذي تمر به البلاد التي تحتاج إلى حكومة ذو توجه سياسي واقتصادي قادر على حل الأزمات التي تعيشها البلاد.
ويؤكد أن الحكومة سواء السابقة أو الحالية ليست مسؤولة وحدها عن الأزمات التي تشهدها البلاد، وأن بنية السلطة السياسية جميعها مسؤولة عما وصلت إليه البلاد، لأن الحكومة لا تدير البلد وحدها.
وكشف البنك الدولي خلال الأيام الماضية عن ارتفاع معدل الفقر في مصر، فقد بلغ 32.5%، عن عام 2022 فيما بلغ 29.7%، في العام المالي 2019-2020. ولم تصدر نتائج بحوث الإنفاق والدخل منذ عام 2020. وأشار البنك إلى أن التفاوتات المكانية لا تزال قائمة، خاصة بين المناطق الريفية والحضرية، وأن نحو 66% من الفقراء يعيشون فى مناطق ريفية، مع وصول معدلات التضخم السنوى فيه إلى 42.6%، وهو أعلى من معدل التضخم على مستوى البلاد.