السكر في مصر: شُح وارتفاع أسعار واحتكار رغم اهتمام القيادة السياسية

ارتفاع أسعار السكر في مصر يمكن أن يلقي بظلاله على عدة صناعات محلية تعتمد إلى حد بعيد على هذا المكون الأساسي. في صناعة الحلويات، يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار السكر إلى زيادة تكلفة الإنتاج، مما قد يضطر المصنعون إلى زيادة أسعار منتجاتهم. كما يمكن أن يؤثر في صناعة المشروبات الغازية والعصائر، حيث يتوجب استخدام كميات كبيرة من السكر في إنتاج هذه المشروبات.
أحمد جمال زيادة


“هناك اهتمام من القيادة السياسية بصناعة السكر  تحت إشراف وزير التموين والتجارة الداخلية”. هذا ما صرح به أحمد أبو اليزيد، العضو المنتدب لشركة الدلتا للسكر في مايو الماضي، تعليقًا على احتفالات رسمية بـ”أكبر مصنع سكر بالشرق الأوسط” حيث شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، احتفالًا بعيد العمال في هذه الشركة التي تسمى “الشركة الشرقية” بمدينة الصالحية الجديدة، وهي شركة مساهمة مصرية تستخلص السكر الأبيض من محصول بنجر السكر وتصدره للخارج،

لكن يبدو أن اهتمام القيادة السياسية بالسكر أحد أهم السلع الأساسية في مصر؛ لم يمنع اختفاءه من الأسواق المحلية وتوافره فقط على بطاقات التموين التي تصرفها الأسر الأكثر احتياجًا، كنوع من التمهيد لارتفاع الأسعار بعد تعطيش السوق. 

بعد اختفاء السكر من السوق نفى هشام الدجوي، رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية بالجيزة، أن تكون هناك أزمة في السكر قائلًا  “هناك وفرة في كميات السكر بالبلاد، وليس هناك اختفاء كما يُقال من بعض أصحاب المحال”.
عاد “كيس السكر” إلى الأسواق المحلية مجددًا، بعد أن ارتفعت أسعاره إلى مستويات غير مسبوقة؛ حيث وصل سعر الكيلو على تطبيقات توصيل الطلبات للمنازل والسوق المحلية 50 جنيهًا (1.62 دولار) بالمقارنة مع  12 إلى 15 جنيهًا (0.39 إلى 0.48 دولار) سعر العام الماضي.  


لماذا ارتفعت الأسعار؟

في سبتمبر الماضي، كشف وزير التموين علي المصيلحي، عن امتلاك مصر مخزون استراتيجي من السكر يكفي لمدة 7 أشهر، وأعلنت وزارة التموين، استيراد كمية 200 ألف طن سكر خام، لتعزيز الأرصدة الاستراتيجية من السلع الأساسية، بحيث لا تقل عن 6 أشهر؛ وهو ما جعل حسن الفندي رئيس شعبة السكر في غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات يصرح  بأن ارتفاع سعر السكر خلال الفترة الحالية أمر غير مبرر، لافتًا إلى أن سبب الارتفاع يرجع إلى تلاعب بعض التجار داخل السوق المحلية، ككما أن التصدير يعد متحكمًا رئيسيًا في السعر، حيث إنه يؤثر في آليات العرض والطلب ومن ثم تتأثر الأسعار.
أرجع إبراهيم عشماوي، مساعد أول وزير التموين
، خلال تصريحات متلفزة، أسباب ارتفاع السكر إلى  سببين؛  الأول زيادة شركات الصناعات الغذائية والتجار حجم المخزون من السكر قبل شهر رمضان (مارس 2024)؛ لأنه يدخل في مكونات عدد كبير من السلع الغذائية. والسبب  الثاني قرب نهاية موسم حصاد القصب والبنجر، مؤكدًا أن الكميات المعروضة من السكر تتناسب مع الطلب المرتفع بعد استيراد 100 ألف طن سكر لسد الفجوة من الإنتاج المحلي، التي تغطي نسبة 90% من الاستهلاك. وأشار إلى أن هذه الأسباب أدت زيادة الطلب على السكر، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، لافتًا إلى أن مصر لديها اكتفاء ذاتي في السكر بنحو 87%، ويتم استيراد الباقي.
وأوضح عشماوي إلى أن هناك 3 أسعار للسكر؛ الأول داخل المنظومة التموينية، إذ يبلغ 12.60 جنيهًا (0.41 دولار)، والسعر الثاني داخل مبادرة خفض الأسعار بنحو 27 جنيهًا (0.87 دولا)، والثالث هو السعر الحر والذي يصل من 34 إلى أكثر من 40 جنيهًا (1.29 دولار)، لكن عشماوي لم يتطرق إلى أسعار السكر الحقيقة في السوق المحلية والتي وصلت 50 جنيهًا(1.62 دولار).


قال رئيس شعبة السكر والحلوى باتحاد الصناعات المصرية، محمد رأفت، أن أحد أسباب ارتفاع السكر “جاء ضمن تبعات التضخم وارتفاع الأسعار الذي طال السلع جميعها تقريبًا”. ويضيف رأفت أن “بعض ممارسات التجار، وتخزين السلعة بهدف تعطيش السوق، تسبب الارتفاعات المفاجئة في الأسعار من دون تبرير واضح”. وكان قد وصل معدل التضخم السنوي في مصر إلى 39.7% خلال الشهر الماضي.

وأفاد الجهاز المركزي للتعبئة ووالإحصاء عن ارتفاع سنوي بنسبة 71,9 % في أسعار المواد الغذائية. بالإضافة إلى أن سعر السكر قد شهد ارتفاعًا عالميًا، حيث وصل سعر الطن الخام إلى 737 دولار، عوضًا عن 539.20 دولار  في شهر نوفمبر من العام الماضي حسب بيانات يتم تحديثها يوميًا على موقع Invising.


آثار سلبية

ارتفاع أسعار السكر في مصر يمكن أن يلقي بظلاله على عدة صناعات محلية تعتمد إلى حد بعيد على هذا المكون الأساسي. في صناعة الحلويات، يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار السكر إلى زيادة تكلفة الإنتاج، مما قد يضطر المصنعون إلى زيادة أسعار منتجاتهم. كما يمكن أن يؤثر في صناعة المشروبات الغازية والعصائر، حيث يتوجب استخدام كميات كبيرة من السكر في إنتاج هذه المشروبات.

علاوة على ذلك، تأثير ارتفاع أسعار السكر يمتد إلى صناعة الحليب المكثف والمحلى، والتي تدخل في تركيب العديد من المأكولات والحلويات المصرية التقليدية. كما يمكن أن يؤثر في صناعة الخبز والمخبوزات، حيث يستخدم السكر بكثرة في بعض أنواع الخبز.

فيما يتعلق بالمقاهي المحلية التي تقدم القهوة والشاي والعصائر، يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار السكر إلى زيادة تكلفة المكونات الأساسية المستخدمة في تحضير هذه المشروبات. قد ينعكس هذا التأثير في أسعار المشروبات التي يتناولها الزبائن، مما قد يؤثر في الطلب والإقبال على هذه المقاهي.


كيف تتعامل الحكومة المصرية مع أزمة السكر؟

في مايو الماضي خفضت وزارة التموين والتجارة الداخلية،الحد الأقصى لكميات السكر التي يمكن للمواطن صاحب بطاقة التموين شراؤها شهريًا، إلى كيلوجرام سكر واحد لكل فرد عوضًا عن 2 كيلو سابقًا، كما خفضت الحد الأقصى للبطاقة الواحدة من 8 إلى 6 كيلوجرامات.

وقررت الحكومة في أغسطس الماضي، ضم السكر إلى تداولات البورصة المصرية للسلع عن طريق طرح شركات الإنتاج كميات من السكر للبيع من خلال منصة البورصة السلعية لصالح شركات الصناعات الغذائية وشركات التوزيع والتجار وشركات التعبئة، مستهدفة السيطرة على الأسعار في السوق.

كما قررت الحكومة المصرية، سبتمبر الماضي، تمديد حظر تصدير السكر بأنواعه لمدة 3 أشهر أخرى، تنتهي في نوفمبر الجاري، باستثناء الكميات الفائضة عن احتياجات السوق المحلي، والتي تحددها وزارة التموين والتجارة الداخلية،وَسَتَصْدُرُ بَعْدَ مُوافَقَةِ وَزِيرِ التِجارَةِ وَالصَنِّاعة. وتستحوذ الشركة القابضة للصناعات الغذائية، (شركة مساهمة مصرية رئيس مجلس إداراتها اللواء أحمد حسنين ونائب الرئيس اللواء شريف قلين) على حوالي 60 % من حجم الإنتاج في مصر، من خلال 5 شركات توجه أغلب إنتاجها لحساب وزارة التموين والتي توزعه بدورها على المتاجر التموينية المختصة بالسلع المدعمة، فيما يساهم القطاع الخاص بنسبة 40 في المائة من حجم الإنتاج.


توقعات بالانخفاض ونتيجة عكسية

في أكتوبر الماضي، توقع عدد من المسؤولين في الغرف التجارية انخفاض أسعار السكر بنسبة تصل إلى 32%، مرجعين ذلك إلى إجراءات الحكومة من خلال توفير كميات كبيرة من هذه السلعة الاستراتيجية بالبورصة السلعية بسعر لا يتجاوز الـ24 ألف جنيه للطن. وكانت هذه التوقعات بعد أن ارتفعت أسعار السكر حينها بنسبة وصلت إلى 105% بالسوق المحلية خلال شهرين فقط، وقال عمرو حامد، رئيس شعبة المواد الغذائية بغرفة القاهرة التجارية، إن هناك جهودا حكومية على أرض الواقع للعودة بأسعار السكر إلى معدلاتها الطبيعية، مشيرا إلى أن الارتفاعات الماضية غير مبررة وأتت نتيجة تلاعبات كبيرة بالسوق المحلية.
لكن يبدو أن توقعات المسؤولين كانت مخطئة تماما حيث ارتفعت أسعار السكر في السوق المحلية 4 أضعاف السعر السابق.

ويرى أحمد فوزي، نائب رئيس شعبة البقالة بغرفة القاهرة التجارية، أنه يجب تشديد دور الجهات الرقابية لمنع حدوث مثل تلك الأزمات المفتعلة في السلع الاستراتيجية مستقبلا، مشيرا إلى أن أسعار السكر ستتخذ اتجاها هابطا خلال فترة قصيرة جدا، مضيفا أن الزيادات كانت سريعة جدا وفي وقت قصير، وهذا ما يدل على أنها ستتراجع بالوتيرة نفسها عند تدخل الجهات الحكومية.

 

مبادرة حكومية لخفض الأسعار ونتائج عكسية

عقد مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في أكتوبر الماضي، اجتماعا لِمُتابَعَةِ موقف توافر السلع الغذائية في الأسواق وضبط الأسعار، بحضور محافظ البنك المركزي ووزير التموين والتجارة الداخلية وزير المالية ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي ووزير التجارة والصناعة ورئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وآخرين من ورؤساء ومسؤولي عدد من الغرف التجارية، وممثلي عدد من الشركات الخاصة بالسلع الغذائية والتجار، واتفقوا على ضرورة وضع حلول جذرية تضمن انخفاض أسعار السلع الأساسية لتخفيف العبء عن المواطنين.
وأعلنوا بعدها عن إطلاق
مبادرة تخفيض أسعار السلع الأساسية، بنسب تتراوح ما بين 15 إلى 25 في المائة، وكان من بين السلع الأساسية السكر؛ بالإضافة إلى الفول، والعدس، ومنتجات الألبان، والمكرونة، والزيت، والأرز والدواجن والبيض.

ويرى أعضاء بمجلس النواب أن أسعار السلع الأساسية تشهد زيادات مستمرة، رغم مرور أكثر من شهر على إطلاق رئيس الوزراء مصطفى مدبمدبوليبادرة تخفيض السلع الأساسية، مشيرين إلى استمرار تحركاتهم من أجل تطبيق المبادرة بشكل جاد.
وعلق عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، محمود عصام، على هذه المبادرة التي طرحتها الحكومة
 بتصريحه “أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالدواجن واللحوم والأرز والسكر وغيرها من السلع التي تضمنتها المبادرة لم تنخفض، بل شهدت زيادات مستمرة منذ إطلاق المبادرة”.

 

إنتاج السكر في مصر

تحتل مصر المرتبة الـ12 عالميًا في إنتاج السكر، لتأتي بعد مجموعة من الدول، تتقدمهم البرازيل، بكميات تتجاوز 38 مليون طن سنويًا، وفق تقرير وزارة الزراعة الأمريكية. حيث تعد مصر من أكبر الدول المنتجة والمستهلكة للسكر، نظرًا لنمطها الغذائي، وتعتمد مصر على إنتاج السكر من قصب السكر، والبنجر السكري، وتمتلك البلاد عدة مصانع لتكرير السكر، وتصنيع منتجاته المختلفة.

وتنتج مصر السكر من محاصيل القصب التي تصل مساحاتها السنوية إلى نحو 320 ألف فدان، في حين تستخدم البنجر أيضًا في عمليات الإنتاج، بمساحات تصل إلى 650 ألف فدان في المتوسط سنويًا.

رغم ذلك لا تزال مصر بحاجة إلى استيراد نحو 600 – 800 ألف طن سنويًا من السكر، لتغطية الاستهلاك المرتفع من السكر محليًا، كونه من المكونات الأساسية في النظام الغذائي المصري. يحب المصريون السكر ويضعون الكثير منه في الشاي، ويباع في منافذ التموين الحكومية في إطار برنامج ضخم لدعم الغذاء يستهدف الفقراء ويستخدم على نطاق واسع في الطهي، والمشروبات، والحلويات. ويعتمد حجم استهلاك السكر في مصر على عدة عوامل مثل النمو السكاني، والعادات الغذائية. 

 

التضخم والديون

ما زال الجنيه المصري يتراجع أمام الدولار إلى حد بعيد، لا سيما في السوق غير الرسمية، حيث وصل لأكثر من 50 جنيهًا بفارق يزيد عن 60% مقارنة بسعر الصرف الرسمي البالغ 30.9 جنيه للدولار. وسمحت مصر في السابق بعدة جولات من خفض قيمة العملة وتعهدت بالانتقال إلى سعر صرف معوم. وتظل احتياجاتها التمويلية مرتفعة عند 24 مليار دولار في السنة المالية حتى يونيو 2024، ومن المقرر أن يتضاعف عجز الحساب الجاري إلى 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي.

وأعلن البنك المركزي المصري في الشهر الجاري أن المعدل السنوي للتضخم الأساس سجل 38.1 % خلال أكتوبر 2023 من 39.7 % خلال سبتمبر 2023.  وتعد مصر الآن إحدى الدول الخمس الأكثر تعرضا لخطر التخلف عن سداد ديونها الخارجية، وفقا لوكالة “موديز”.

وتضاعفت ديون مصر الخارجية بأكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 165,4 مليار دولار هذا العام، وفقا لأرقام وزارة التخطيط.

وبعدما اعتمدت لسنوات على دعم من دول الخليج بشكل ودائع في البنك المركزي، تحاول القاهرة بيع أصول للدولة أو إطلاق مشاريع على أراضيها للمستثمرين الخليجيين الذين باتوا يقولون إنهم يريدون “عوائد على الاستثمار”.

ومنذ عام 2017، حصلت مصر على أربعة قروض من صندوق النقد الدولي لمواجهة النقص في الدولار ودعم الموازنة، لكن ما زالت مؤشرات التعافي من الأزمة الاقتصادية سلبية.

وكان آخر هذه القروض، العام الماضي، حين وافق الصندوق على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار حتى يتاح للحكومة المصرية تأمين مصادر تمويل أخرى أبرزها من البلدان الخليجية وهو ما لم يحدث حتى الآن.
ومؤخرًا، قالت كريستالينا جورجيفا ، مديرة صندوق النقد الدولي ، في تصريحات لرويترز، إن الصندوق يدرس بجدية زيادة محتملة لبرنامج قروض مصر البالغة 3 مليارات دولار ، بسبب الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الحرب بين إسرائيل وحماس.

وقالت جورجيفا لرويترز في مقابلة على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ ، إن الصراع “يدمر” سكان غزة واقتصادها وله “آثار خطيرة” على اقتصاد الضفة الغربية ، ويشكل أيضا صعوبات للدول المجاورة  مصر ولبنان وإسرائيل والأردن ، من خلال فقدان السياحة وارتفاع تكاليف الطاقة.

أحمد جمال زيادة
صحفيّ استقصائي مصريّ؛ رئيس تحرير زاوية ثالثة، حاصل على ماجستير علوم سياسيّة وعلاقات دوليّة من جامعة بروكسل الحرّة، وعلى ليسانس تاريخ وحضارة من جامعة الأزهر بالقاهرة، عضو نقابة الصحفيّين المصريّين. يكتب في ملفّات السياسة والحقوق والاقتصاد.

Search