تضاعف معدلات العنف ضد النساء والقاهرة الكبرى تتصدر خريطة العنف

شهدت مصر تصاعدًا غير مسبوق في معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال عام 2024، حيث تم تسجيل 1195 جريمة ضد النساء والفتيات، بزيادة 25.68% عن العام السابق
Picture of آية ياسر

آية ياسر

كانت فاتن زكي، لا تزال طفلة، حين قامت والدتها بتزويجها قسريًا بعقد عرفي وهي في الـ12 من عمرها، من أحد أبناء قرية كفر يعقوب في محافظة الغربية، لتجد نفسها في دوامة من العنف والتعذيب اليومي، على مدار سنتين، وفي أغسطس من العام الماضي، قُتلت فاتن، بوحشية على يد زوجها المُغتصب، وهي لم تتجاوز الـ14 عامًا، لمجرد كونها شعرت بالجوع وأكلت طبق مكرونة قبل عودته، وعندما علم القاتل، انهال عليها بالضرب المبرح بعصا خشبية “شومة”، وأحرق جسدها بالمكواة، ثم ألقاها من فوق سطح المنزل، وحاولت عائلته التستر على الجريمة، قبل أن تنكشف الحقيقة، ويتم إلقاء القبض عليه، أما ياسمين عصام محمد، معلمة اللغة العربية، ذات الـ28 عامًا، فلم تكن تتخيل أن تنتهي خلافاتها مع زوجها محمد الصافي، الناتجة عن شعوره بالغيرة ورغبته في السيطرة عليها وعزلها عن أهلها ودفعها لترك العمل، بأن يقتلها طعنًا في الطريق العام أمام المارة، وهي تحتضن طفلتها الرضيعة ذات العام ونصف، أثناء عودتهم من كفر الدوار إلى الإسكندرية، في 8 أكتوبر 2024، لتختلط صرخاتها بصرخات طفلتها، وتسقط الأم مدرجة بدمائها، لافظة أنفاسها الأخيرة، ويحاول القاتل الهرب، إلا أن شهود العيان أمسكوا به وقاموا بتسليمه للشرطة. 

وبعد خلافات دائمة مع زوجها وحياة زوجية تعيسة، اتخذت ستيرة عبدالرحمن سيد (56 عامًا)، قرارًا فارقًا بترك المنزل، والاستقلال في مسكن منفصل بحثًا عن حياة أكثر أمانًا، بعد ذلك قررت رفع دعوى خُلع، ضد زوجها المٌسيء، لكنها لم تكن تتخيل أن قرارها بالرحيل والنجاة، سيصبح سببًا لقتلها، في صباح يوم الاثنين 25 نوفمبر 2024، خرجت من منزلها متجهة إلى عملها كالمعتاد في التأمين الصحي ببني سويف لكنها لم تصل إليه أبدًا، إذ كان زوجها المجرم في انتظارها وهي في طريقها إلى عملها صباحًا، يحمل سلاحًا وطعنها عدة مرات أمام مدخل بيتها، ولم يتركها حتى تأكد أن الضحية فارقت الحياة، في حين قُتلت مرام أسامة العماوي ( 32 سنة)، أم لطفلتين، على يد زوجها، في ديسمبر 2024 ، بعدما قام بضربها وخنقها حتى أصيبت بقطع في البلعوم طوله 8 سم وكسر في الحنجرة، ورغم حالتها الحرجة لم يتحرك الزوج الجاني لإنقاذها، بل احتجزها 5 أيام  داخل المنزل حتى  تفاقمت حالتها وأصيبت بصديد في القصبة الهوائية والبلعوم نتيجة الجرح العميق الذي تعرضت له، مما زاد من معاناتها ومنعها حتى من التنفس وبعد نقلها للمستشفى كانت حالتها قد تدهورت تمامًا؛ إذ وُضعت على أجهزة التنفس الصناعي، وخضعت لست عمليات جراحية لمحاولة إنقاذها، دون جدوى وفارقت الحياة في يوم 2 ديسمبر 2024، متأثرة بإصابتها.

تختلف تفاصيل النهايات المأساوية لكلٍ من: فاتن وياسمين وستيرة ومرام، وغيرهن من ضحايا جرائم القتل، إلا أنها تتشابه في كونها فصل الختام في سلسلة المعاناة التي تعيشها العديد من النساء ضحايا جرائم العنف الأسري في مصر، خاصة، والعنف ضد النساء بشكل عام، وكلاهما شهد ارتفاعًا كبيرًا في العام 2024، مما يجعله العام الأكثر عٌنفًا ضد النوع الاجتماعي في مصر، بامتياز، خلال العقد الأخير، إذ سُجلت خلاله نحو 1195 جريمة عنف ضد الفتيات والنساء في مصر، وبلغ إجمالي جرائم العنف الأسري الواقعة ضد النساء 540 جريمة، خلال العام نفسه، وتصدرت معدلات العنف ضد النساء والفتيات جرائم القتل بإجمالي 363 جريمة، وسجلت جرائم الشروع في القتل 100 جريمة، وبلغ عدد جرائم الاغتصاب 153 جريمة، سجلت 182 جريمة تحرش جنسي، وسجلت 90 جريمة ضرب مبرح تسبب في كسور وعاهات، إضافة إلى 13 حالة منع من الحركة، إضافة إلى 97 واقعة انتحار لأنثى و33 محاولة فاشلة للانتحار.

وخلال السنوات الأربعة الأخيرة، ازدادت الجرائم ضد النساء، بشكل ملحوظ، وشهد معدلات تلك الجرائم قفزة في الفترة بين عامي 2020 و2021، بنحو 96.39%، وانخفضت النسبة بين عامي 2021 و2022، بنسبة 5.7%، بينما كانت هناك زيادة طفيفة فقط من 2022 إلى 2023، حوالي 23.76%، في حين عادت الجرائم مرة أخرى للارتفاع بنسبة نحو 25.68%، في 2024، التي تعتبر السنة الأكثر في محصلة الجرائم المسجلة ضد النوع الاجتماعي، إذ سُجلت خلاله نحو 1195 جريمة عنف ضد الفتيات والنساء في مصر، بزيادة عن العام 2023، والذي سُجلت خلاله 950 جريمة، مقابل 1006 جريمة في عام 2022، وارتفاع عن معدل جرائم العنف ضدهن في عام 2021 والتي بلغت 813 جريمة مقابل 415 جريمة في عام 2020، وفقًا للتقرير السنوي،  الصادر عن مرصد جرائم العنف الموجّه ضد النساء والفتيات في مصر، التابع لمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، خلال الفترة من 1 يناير إلى 31 ديسمبر 2024، طبقًا للوقائع المبلّغ عنها رسميًا، والتغطيات الصحفية الحكومية والمستقلة، وبيانات النيابة العامة والإدارية.

فيما رصد التقرير السنوي لجرائم العنف على النساء في المجال الخاص لعام 2024، الصادر عن مؤسسة براح آمن، بعنوان: “ما نعرفه فقط عن جرائم عنف المجال الخاص في مصر”، 703 جريمة عنف ضد النساء في المجال الخاص، موزعة على 21 محافظة مصرية، تنقسم إلى 312 جريمة عنف جسدي، 132 جريمة قتل، 30 حالة عنف إنجابي، 239 حالة عنف اقتصادي، 185 حالة عنف اجتماعي، وكان أكثر من نصف الجرائم في القاهرة الكبرى، وجاءت محافظات الصعيد في المرتبة الثانية حيث تم رصد 48 جريمة هناك، من بينها 30 في سوهاج، 10 في قنا، 5 في أسيوط، وواحدة في بني سويف، واثنتان في الفيوم، وحلت محافظات الدلتا في المرتبة الثالثة، حيث تم رصد 31 جريمة بها، وسجلت محافظة الشرقية 6 حالات، والدقهلية 9 حالات والغربية  12 حالة وكفرالشيخ 5 حالات ودمياط حالتين، ورصدت 5 حالات في البحيرة ، وثلاث حالات في الإسكندرية، وثلاث جرائم في محافظات القناة من بينها اثنتان في الإسماعيلية وواحدة في السويس، وفي المحافظات الحدودية تم رصد جريمة واحدة في شمال سيناء، و جريمتين في البحر الأحمر، بينما غابت بعض المحافظات عن الرصد بسبب، ما وصفه التقرير بالتعتيم الإعلامي والسلطة القبلية، مؤكدًا أن الأرقام لا تعكس الواقع بالكامل، فهناك ناجيات لم يستطعن الإبلاغ خوفًا من الوصم أو التعنيف المضاعف.

 

نوصي للقراءة: “تضاعف جرائم قتلهن”.. النساء يسددن فاتورة الفقر مرتين

التضخم والمخدرات وزيادة وتيرة العنف

يعد عام 2024 ذو طبيعة استثنائية إذ تأتي جرائم العنف الواقع على النساء في ظل أوضاع محلية أثرت على طبيعة ومعدل الجرائم وتغطيتها؛ فخلال العام ارتفع معدل التضخم الاقتصادي وانخفضت قيمة الجنيه المصري، مما رفع من وتيرة العنف الواقع على النساء في المجال الخاص حيث تعرضت العديد منهن لعنف جسدي واقتصادي، تمثل في الضرب والامتناع عن الإنفاق والاستيلاء على الممتلكات، وفقًا للتقرير، والذي يلفت إلى ارتفاع حدة وطبيعة جرائم القتل تحت ادعاء الشرف والفضيلة، وكان أبرزهم: قضيتي سفاح التجمع الذي قام بقتل العديد من الفتيات بطريقة وحشية بمبدأ الشرف وتعنيف زوجته قبل حصولها على الطلاق، وكذلك قضية سفاح الغربية التي قتل فيها 4 سيدات بمبدأ الانتقام من والدته لأنها قامت بخيانة والده على حد زعمه، ومؤكدًا أن غالبية جرائم القتل خلال العام الماضي حدثت إما بعد تناول مخدر الآيس أو الشابو، الذي يجعل متعاطيه أميل إلى استخدام العنف والهياج دون سبب منطقي، أو بسبب رغبة الجاني في شرائها وعدم رغبة شريكته في منحه أموال كونها هي التي تتولى رعاية البيت من الناحية المادية.

وتعتبر معدلات العنف ضد النساء في مصر مرتفعة، إذ تتعرض حوالي ثمانية ملايين امرأة وفتاة للعنف، وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وتحتل محافظة القاهرة المرتبة الأولى في معدلات الجرائم ضد النساء بنسبة 32.7%، تليها محافظة الجيزة بنسبة 23.3%، وتشير نتائج المؤشرات الإحصائية للعنف ضد المرأة التي أظهرها مسح صحة الأسرة المصرية لعام 2021، إلى أن 31% من النساء تعرضن للعنف الأسري بمختلف أشكاله من قبل أزواجهن، وأن 25.5 % من المتزوجات حالياً أو اللواتي سابق لهن الزواج، في الفئة العمرية 49-15 سنة، تعرضن للعنف الجسدي من قبل الزوج، وبلغت نسبة العنف الجسدي 25.5%، والعنف النفسي 22.3%، في حين تعرضت 31% و 26.1% لأحد أشكال العنف الجسدي أو الجنسي، بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، الصادر في نوفمبر 2022، فيما يبلغ عدد قضايا العنف الزوجي على مستوى الجمهورية، في الفترة ما بين (2022-2021) بخصوص وقائع العنف المنزلي، 9538 قضية؛ منها 8529 قضية من الزوجات ضد الأزواج بواقع 89.5 في المئة من القضايا، وبحسب الأمم المتحدة فإن ما يقدر بنحو 736 مليون امرأة، تعرضوا للعنف الجسدي أو الجنسي، وأن الفتيات معرضات بشكل خاص لخطر العنف؛ حيث تتعرض واحدة من كل أربع فتيات مراهقات للإساءة من قبل شركائهن.

وتشير البيانات إلى أن الفئة العمرية من 12 إلى 18 عامًا هي الأكثر استهدافًا، مما يعكس استغلال الفتيات القاصرات، والنساء من 19 إلى 30 عامًا شكلن نسبة 11% من الضحايا، وشكل الرجال 89% من مرتكبي الجرائم، في حين أن 8% من الجرائم ارتكبتها نساء، هناك 39 حالة ادعى فيها الجاني المرض النفسي لتخفيف العقوبة، خصوصًا في جرائم العنف الأسري، وطبقًا للبيانات والإحصائيات التي أظهرها التقرير الصادر عن “مرصد جرائم العنف 2024″، فإن هناك ارتفاع في جرائم العنف الأسري، والتي بلغت 540 جريمة ارتكبها أفراد من الأسرة أو شركاء حاليين أو سابقين، وجاءت غالبية جرائم قتل النساء لأسباب الخلافات الأسرية أو الزوجية، وهو السبب الأكثر شيوعًا، ويليه القتل بسبب السرقة أو الشك في السلوك، وكانت أكثر طرق القتل شيوعًا هي الطعن (23.1%)، الخنق (19%)، والضرب المبرح (15.4%)، تم تسجيل 3 حالات تشويه بالأسيد، وأخرى باستخدام آلات حادة.

 وفي حين شهدت الجرائم ضد النساء بسبب رفض الزواج تراجعًا مقارنة بالأعوام السابقة لكنها لا تزال تمثل خطرًا، غير أن معدلات العنف الرقمي والابتزاز الجنسي في تزايد، حيث سجل التقرير 60 جريمة ابتزاز، منها حالات ناتجة عن تصوير الضحايا بعد الاعتداء عليهن، إضافة إلى ارتفاع جرائم العنف ضد ذوات الإعاقة، حيث سجل التقرير 13 حالة اغتصاب لفتيات من ذوات الإعاقة، كما سجل التقرير 97 حالة انتحار و33 محاولة انتحار بسبب العنف الأسري، التنمر، الضغوط الاجتماعية، أو الابتزاز.

 

نوصي للقراءة: قتل النساء باسم «الشرف»: هل تستطيع مصر التخلص من هذه الفوضى؟

غياب الحماية في المجال الخاص

توضح الناشطة النسوية آية عبد الحميد، مديرة مشروع “مرصد ألوان” بمؤسسة المرأة الجديدة، أنه لا توجد مظلة تشريعية بمصر، تحمي النساء في المجال الخاص، وأنه لا تزال هناك قوانين تمييزية ضد النساء تفتح الباب أمام ما يسمى بجرائم الشرف؛ إذ توجد في قانون العقوبات المصري مادة مخففة، يمكن بموجبها أن يحكم القاضي بالبراءة أو عقوبة مخففة على أي مجرم يقوم بضرب ابنته أو أخته أو زوجته ضربًا أفضى إلى موتها، وأن القانون الحالي قد يوفر حماية لمرتكب الجريمة بذريعة الشك في السلوك، وهو أمر يٌطبّع معه المجتمع الذي يتصالح مع فكرة ضرب وقتل النساء سيئات السلوك من وجهة نظره، وبالتالي ستستمر معدلات العنف ضد النوع الاجتماعي في التزايد.

 وتشير الناشطة، في حديثها إلى زاوية ثالثة، إلى أن قرار خروج النساء المعنفات من العلاقات والبيوت المسيئة صعب للغاية، لأسباب تتعلق بعدم التمكين الاقتصادي لهن، وثمن الوصمة المجتمعية في ظل مجتمع لا يدعمها في حال  قررت الانفصال مثلًا، فيظل المُعنف طليقًا على الضحية أو الناجية، مضيفة أن الفتاوى الدينية تبيح للرجل ضرب زوجته وتأديبها، وأن هناك تبرير مجتمعي يعطي الرجال سلطة تأديبية على النساء ولا يعطي المرأة الحق في الرفض، مما أدى لموجة من جرائم قتل النساء بسبب رفضهن للعلاقة مع القاتل، بعد مقتل نيرة أشرف، نتيجة وجود تعاطف مع القاتل محمد عادل بعد إعدامه، والذي وصفه البعض بالشهيد، وقاموا بعمل صدقات جارية على روحه.

فيما تُبين شيماء طنطاوي، ناشطة نسوية وإحدى مؤسسات مبادرة براح آمن، إلى زاوية ثالثة، أن حوادث قتل النساء تزايدت بشكل ملحوظ في السنين الأخيرة، لعدم وجود قانون تلجأ له ضحايا العنف ليحميهن من الوصول لهذه المرحلة من الجرائم، فعادة لا تبدأ حالات العنف الأسري أو الزواجي بجريمة القتل، بل تبدأ بالتهديد والضرب وتمر الضحية بمجموعة من الانتهاكات في الطريق، حتى تصل لمرحلة القتل، ولا تجد الضحية طريقة أو أي سبل مساعدة للخروج من دائرة العنف، نظرًا لغياب مظلة الحماية القانونية والاجتماعية وكون السلطات التنفيذية ذات مرجعية أبوية محافظة، ترى أن السيدة يجب أن تعود لبيت زوجها، إضافة إلى الثقافة المجتمعية والأفلام والمسلسلات، التي ترسخ لمفاهيم مغلوطة تجعل من المرأة تابع للرجل وكائن غير مستقل. 

وتشير الناشطة إلى أن عدد جرائم العنف ضد النساء التي يتم رصدها في شهر رمضان والمناسبات الاجتماعية والدينية، تزداد بشكل كبير عن الأيام العادية، لأسباب اقتصادية وثقافية، لافتة إلى أن بشاعة جرائم قتل النساء هي أمر لافت للنظر، على غرار جرائم سفاح التجمع وسفاح الغربية، ويرتبط معظم الجرائم بالعنف الاقتصادي وحالات الانفصال عن الشريك أو تعاطي أنواع من المخدرات مثل: الشابو، وتزايدت معدلات العنف الجنسي باستخدام مخدر الاغتصاب، مؤكدة أن هناك زيادة ملحوظة في تسجيل محاضر العنف ضد النساء، مشددة على أن النساء في المناطق القبلية يعانين من العنف في صمت ولا يقمن بالإبلاغ لأسباب تتعلق بمنعهن من الخروج من البيوت، ورسوخ ثقافة قضايا الشرف، ووجود سلطة للقبيلة وعلاقتها بالأجهزة التنفيذية.

نوصي للقراءة: الزواج غير الرسمي في مصر.. طريقك إلى الاستعباد والعنف

وجود العنف الخفي

لا يعني ارتفاع نسب العنف المرصودة في المدن الكبرى والعاصمة، ضمن تقارير مراصد العنف، انخفاض معدلات العنف في الريف والمحافظات الحدودية، وإنما يشير ذلك إلى وجود العنف الخفي بسبب محدودية آليات الإبلاغ عبر الخطوط الساخنة ومكاتب المساندة وغيرها والمنظومة الشرطية والقوانين العرفية في المجتمعات القبلية والثقافة الأبوية المغلفة بقناع ديني، والتضييق على النساء الذي يحول دون استخدامهن لأدوات الإبلاغ، بحسب ما تؤكد مي صالح، استشارية النوع الاجتماعي، إلى زاوية ثالثة، مشيرة إلى أن حجم العنف الأسري الممارس على النساء في البيوت أكبر بكثير مما يتم رصده، وأن هناك حالة من الاعتياد وعدم الإدراك لطبيعة أشكال العنف التي يتعرضن لها، بحكم تصورات مجتمعية لا تصنف تلك الانتهاكات على أنها عنف.

وترى  استشارية النوع الاجتماعي، أن هناك ميل لتبرير عنف الجناة وإرجاعه إلى الضغوط الاقتصادية والاستفزاز، مشيرة إلى وجود حالة من التصالح في قضايا العنف ضد النساء، واستخدام مواد الرأفة أو التنازل عن الحق المدني في تلك القضايا، واستخدام السلطة التقديرية للقاضي لتخفيف العقوبة أو تبرئة الجاني في قضايا قتل النساء، وهو ما يؤدي لانتشار أشكال العنف الأكثر خطورة، مضيفة أن النساء يتعرضن للإساءة والعنف في بيئات العمل دون وجود مظلة حماية قانونية في قانون العمل.

وتلفت مي إلى أن أحد أشكال العنف ضد النوع الاجتماعي يرتبط بالتنميط والأفكار المسبقة عن الرجل والمرأة، وتصدير صورة عن الذكر بأن صوته يجب أن يكون عاليًا ويكون عنيفًا، وأن الأنثى يجب أن تكون خاضعة وصبورة، وتتحمل الإساءة، لتربية أبناءها، وأن القضاء على العنف ينبع من رفع الوعي لدى الرجال والنساء جنبًا إلى جنب وتغيير ثقافة المجتمع الأبوي الذكوري.

نوصي للقراءة: محاكم التفتيش الأخلاقيّة في مصر: تمييز طبقي وانتهاك لحقوق المرأة بمادة غير دستورية

ثقافة مجتمعية

يرى دكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، إلى زاوية ثالثة، أن أسباب العنف ضد المرأة متعددة، بعضها ترجع إلى الثقافة المجتمعية الذكورية وبعضها يرتبط بالثقافة الدينية التي تبيح تعنيف الزوجة، مبينًا أن حالات العنف المذكورة في الإحصائيات وتقارير مراصد العنف ومؤسسات المجتمع المدني، ليست حقيقية، لكونها تعتمد على ما تم نشره في الأخبار على وسائل الإعلام، وما وصل إلى محاضر أقسام الشرطة، إلا أن غالبية الضحايا يضطررن لتحمل أشكال العنف الواقعة ضدهن لأسباب ثقافية واقتصادية ومجتمعية، تبرر في العنف ضد النساء، بحجة الحفاظ على البيت، والخطاب الديني الذي يبرر القمع، وتشبع النساء بتلك الثقافة، مشيرًا إلى ضحايا العنف من النساء حين يلجأن إلى الانفصال أو طلب الطلاق قد يصطدمن بالشريك الذكوري السلطوي فيقوم بإيذائهن أو الإقدام على قتلهن، وحين تلجأ الضحية إلى الشرطة ويتم حبس الجاني فإنه قد يعود للانتقام منها بعد قضاء فترة العقوبة وخروجه من محبسه، فيقوم بتشويهها أو قتلها، إذ لا توجد مظلة حماية شُرطية للنساء ضحايا العنف، والتي غالبًا ما تدفع الضحية للتصالح مع الجاني.

 

نوصي للقراءة: جرحٌ عميقٌ يُدمّر حياة النساء.. العنف الرقمي والتشهير في مصر

تعديلات قانونية

تؤكد المحامية هبة عادل، مؤسسة مبادرة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، إلى زاوية ثالثة، أن هناك زيادة ملحوظة في جرائم الابتزاز الإلكتروني والتحرش الإلكتروني، خلال الفترة من عام 2020 إلى 2025، وسط تغيرات في نوعية ارتكاب الجرائم والأشخاص المستهدفين بها، إذ أصبح الجناة يستهدفون فتيات أقل في العمر، بعضهن دون الـ 16، أو نساء أكبر من سن الـ50، موضحة أن مؤسسة المحاميات المصريات، تعكف ضمن قوة عمل على إجراء تعديلات على مشروع القانون الموحد لمواجهة العنف، وأنه يفترض خلال شهر رمضان الجاري الإعلان عن النسخة الأخيرة للتعديلات، والتي تضمنت جزءًا تفصيليًا عن الجرائم الالكترونية، وبعض التوصيفات، والعقوبات الخاصة بها، وجزء كبير خاص بباب الوقاية والحماية لضحايا العنف من النساء.

وتشير المحامية إلى أن القوانين المصرية لا تزال تضم عدد من النصوص التمييزية، وعلى رأسها قانون العقوبات المصري والتي تعطي الأعذار القانونية التي يستفيد منها الرجل، منها عذر الإباحة في المادة 60 التي تبيح، الإعفاء من العقاب في حال إذا ما كان الفعل الذي ارتكب بنية سليمة أو له مقتضى من الشرع وعذر الاستفزاز ومنها السلطة التقديرية للقاضي في بعض الجرائم، وأيضًا السماح بالتنازل عن الجرائم فيما بين الأصول والفروع داخل الأسرة، في أي مرحلة تكون عليها الدعوة، وهذه النصوص كانت الغاية الأساسية منها هي توفير حماية أكبر للنساء، لكن النتيجة أنها أصبحت باب للإفلات من العقاب وتسهيل الإفلات من العقاب، مؤكدة أن قانون العقوبات يحتاج لمراجعة شاملة وإعادة إنتاج قانون جديد يتماشى ويتوافق مع الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر، لإنهاء التمييز بين الرجال والنساء في الجرائم، خصوصًا في الجريمة الواحدة والظروف الواحدة، فلا يصح أن تكون هناك عقوبتين، واحدة مقررة للرجال، وأخرى مقررة للنساء.

وفي الوقت الذي تظهر فيه الإحصائيات وتقارير مراصد العنف، ارتفاعًا متزايدًا في معدلات العنف ضد النوع الاجتماعي، ولا سيما العنف الأسري والزوجي وعنف المجال الخاص؛ فإن خبراء وناشطون يعتقدون أن حجم العنف الخفي في البيوت المصرية وفي البيئات الريفية والمجتمعات القبلية أكبر بكثير مما تظهره الأرقام، متوقعين أن تستمر معدلات العنف وجرائم قتل النساء في التزايد، عامًا بعد عام، ما لم يتم العمل على تعديل القوانين التمييزية ضد النساء وإصدار القانون الموحد لمواجهة العنف، جنبًا إلى جنب مع حملات  رفع الوعي لدى الرجال والنساء لتغيير ثقافة المجتمع الأبوي الذكوري التي تميل إلى التطبيع مع تعنيف النساء، وإيجاد مبررات له.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search