بالأمر المباشر: إجراءات قسرية استعدادًا للإنتخابات الرئاسية

اعتقالات موسعة، جمع الهويات الشخصية، واجبار على دعم السيسي.
Picture of إيزيس الكاشف

إيزيس الكاشف

 

تستعد مصر لانتخابات رئاسية من المزعم إجراؤها في نهاية 2023، وذلك في وقت كانت تتنظر قوى المعارضة المصرية فتح المجال العام، ووجدوا أنه رغم العديد من الإفراجات عن نشطاء سياسين ومدافعين حقوقيين؛ إلا أن قوات الأمن عادت لتعتقل أعدادًا مضافعة عن تلك التي تم الافراج عنها.

علمت “زاوية ثالثة” من مصدر مقرب من المرشح الرئاسي المحتمل أحمد طنطاوي، أن قوات الأمن بدأت مساء أمس الخميس 14 أيلول/ سبتمبر حملة اعتقالات واستدعاءات موسعة لأعضاء الحملة على مستوى المحافظات. ولم يتسنى لنا الحصول على ملعومات عن عدد الاعتقالات أو الاستدعاءات. كنا قد نشرنا تقريرًا في 12  أيلول/ سبتمبر الجاري بعنوان “حبس ضابط شرطة و2 محاميين لتأييدهم طنطاوي رئيسًا للجمهورية“. جاء فيه أن نيابة أمن الدولة العليا أمرت بتجديد حبس ضابط الشرطة “عمرو على عطية” 15 احتياطيًا، بسبب تأييده إلكترونيا للمرشح الرئاسي المحتمل أحمد طنطاوي في القضية رقم 2023 لسنة 2023 حصر أمن دولة عليا. وجاء في التقرير أن احتجازالضابط عمرو علي عطية لم يكن حالة استثنائية، حيث تم التحقيق مع 2 من المحاميين في أعضاء في حملة طنطاوى. وفي اليوم التالي لتقريرنا  قال أحمد طنطاوي، أن هناك “جرائم أمنية تحدث بحق شركائه في الحملة الانتخابية” وأن قوات الأمن “صعدت خلال الأيام الأخيرة من وتيرة تصرفاتها غير القانونية واللا الأخلاقية تجاه حملته الانتخابية”. وقال في بيان صدر الأربعاء 13 أيلول/ سبتمبر 2023، أن “الأجهزة الأمنية استخدمت أساليب متنوعة من التجاوزات والانتهاكات والجرائم تستهدف تخويفه هو وزملائه بالحملة ومؤيديها”.

ذكر بيان طنطاوي أن “قوات الأمن مؤخرًا قامت بالقبض والاحتجاز والإخفاء لعدد كبير من المتطوعين بالحملة، وأقدمت على توجيه التهم النمطية المتكررة لستة منهم حتى الآن، وبموجبها تم حبسهم احتياطيًا من قبل نيابة أمن الدولة العليا”. وأكد البيان أن حملة مرشح الرئاسة المحتمل وصل عددها إلى “أكثر من 16 ألف عضو متطوع بالحملة” ممن أسماهم البيان “المؤمنين بالتغيير السلمي الديموقراطي تحت سقف الدستور والقانون لإنقاذ مصر من محنتها التاريخية”.

كما بدأت قوات الأمن المصرية في آب/ أغسطس الماضي حملات اعتقالات مفاجأة في عدد من المحافظات، يقول محام حقوقي، ويضيف أن الحملة الأمنية “كانت مكثفة أكثر في شوارع الجيزة والقاهرة”. في منطقة ناهيا بالجيزة، يقول مصدر من الأهالي أن قوات الأمن بدأت تعتقل المارة في الشوارع بشكل عشوائي، وأنه في اليوم الذي اعتقل فيه جمال زيادة والد الصحفي أحمد جمال زيادة، 22 آب/ أغسطس 2023، كان قد تم توقيف نحو 22 من المواطنين بشكل عشوائي في نفس الوقت، ومنذ ذلك اليوم اعتادت قوات الأمن أن توقف المارة وتفتشهم وتقبض على عدد منهم، ويقول “رغم أن بعضهم إسلاميين، لكن كثير منهم لا علاقة لهم بالسياسة”.

مخالفة دستورية
تقول جريدة “وول ستريت” في تقرير صدر مؤخرًا أن مصر تخطط لاجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأنه “ستبدأ تسجيلات المرشحين في أكتوبر مع إجراء الاقتراع في أوائل ديسمبر”. رغم ذلك، لم تعلن الهيئات المسؤولة عن تنظيم الانتخابات في القاهرة بعد عن موعد دقيق لإجرائها أو الجدول الزمني للعملية الانتخابية برّمتها، رغم أن المادة 241 مكرر من الدستور تنص على إجراء الانتخابات قبل 120 يومًا من انتهاء الفترة الرئاسية، والتي كانت بدأت في 2 نيسان/ أبريل 2018. وفق أحكام القانون رقم 22 لسنة 2014 بشأن تنظيم الانتخابات الرئاسية، والقانون رقم 198 لسنة 2017 المعدل بالقانون رقم 140 لسنة 2020 المتعلق بتشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات.

لكن عدم الإعلان بوضوح عن الجدول الزمني لانتخابات الرئاسة المصرية للعام 2024 ليست المشكلة الوحيدة الآن؛ فالمراقب للمشهد السياسي في القاهرة يعي جيدًا أن هناك حالة من التضييق المتعمد على المواطنين والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والصحافة التي اُحتكرت لصالح أجهزة رفيعة المستوى في الدولة، ورغم الإعلانات الحماسية المتكررة بخصوص فتح المجال العام؛ إلا أن الأرقام والوقائع تظهر أن هناك مزيد من الإغلاق والتصيد والملاحقة؛ بل والإجبار أيضًا، ليبقى الرئيس الحالي رغم عدم إعلانه عن ترشحه رسميًا بعد، الفائز المفترض بكرسي الحكم للسنوات الست المقبلة.

 

بالأمر المباشر

قال عماد (اسم مستعار حفظًا لسلامة المصدر الشخصية) في مقابلته مع “زاوية ثالثة” إنه فوجئ قبل يومين من الآن بحملة أمنية تداهم الشارع الذي يقطنه في منطقة إمبابة السكنية بالجيزة. وقد حاول الولوج إلى منزله خوفًا من أن تكون الحملة من ضمن حملات القبض العشوائي المنتشرة منذ أسابيع؛ لكنه فوجئ بسؤاله عن هويته الشخصية. وأضاف: “جمعت الحملة كل الهويات الشخصية للمارين بالطريق، وأيضًا أصحاب المحال والمقاهي وروادها، ثم أخبرونا أنهم سيحتفظون بها أو نسخة منها لحين إجراء الانتخابات الرئاسية”. ولم تكن الحملة التي لاحقت عماد وجيرانه الوحيدة؛ فتكررت في مناطق بوسط القاهرة أيضًا، خاصة مع بعض أصحاب المقاهي في مناطق الضاهر والوايلي. 

وأيضًا أصبح من المعتاد أن يتلقى الموظفون الحكوميون أوامرًا شبه يومية تتمحور حول انتخاب السيسي لفترة رئاسية ثالثة حال ترشحه، مع التضييق شبه الكامل وعدم إتاحة أي فرصة للحديث حول مرشحين محتملين آخرين، ووجود تهديدات في حال التفكير في تحرير توكيل قانوني بالشهر العقاري لمرشح آخر. ولم تشعر شيماء (اسم مستعار) وهي موظفة حكومية، بأي غرابة من تلك التوجيهات؛ فحسب شهادتها فإن العملية أصبحت مكررة. في الانتخابات السابقة في العام 2018، كانت هناك توجيهات بالأمر المباشر لانتخاب الرئيس، والأدهى أن استمارات الدعم للسيسي توزّع على الإدارات والمكاتب، ويهدد من يرفض توقيعها بعقوبات إدارية قد تصل إلى حد الفصل من العمل.

مظاهر أخرى لحملات التأييد الإجبارية في مدينة دهب الشاطئية في جنوب سيناء، حيث انتشرت لافتات لصور السيسي، موقعة من أصحاب المقاهي والمحال والفنادق الصغيرة. وبالمثل، انتشرت لافتات التأييد المبكرة في كثير من الأماكن، لتصبح دليل إبراء ذمة ومنعًا للملاحقة. فيما يواجه رجال الأعمال أوامر مباشرة بضخ تبرعات مالية وعينية استعداد للحملة الانتخابية للرئيس، وهو ما أشار إليه الكاتب بلال فضل منذ أيام على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

 

تمهيد مسبق
من المفترض أن تنتهي ولاية الرئيس السيسي بحلول آذار/ مارس المقبل، وفق مواد الدستور التي تجيز للرئيس الترشح لفترتين متتاليتين فقط؛ إلا أنه تم قطع شوطًا كبيرًا للتهرب من عدد فترات الولاية الدستورية الموضوعة سابقًا. وأصبح من حق السيسي الترشح لفترة ثالثة مدتها 6 سنوات، وفق التعديلات الدستورية الأخيرة في العام 2019، وخاصة المادة (140) والتي رفعت مدة الحكم إلى ست سنوات ميلادية. وبناء على تلك التعديلات تم تمديد فترة الولاية الثانية للسيسي التي كان من المفترض أن تنتهي في العام 2022، لتنتهي في العام 2024، ثم سُمح له بالترشح لولاية جديدة بزعم أن أي تعديل على الدستور يشكل نموذجًا جديدًا للحكم. وأن هذه التعديلات تسمح بإعادة بدء فترة الرئاسة.

ولم تكن التعديلات الدستورية هي الوحيدة التي وضعت تمهيدًا للانتخابات المقبلة؛ لكن من خلال القانون رقم (198) للعام 2017 نجد أن بموجبه مُنح الرئيس السيسي سلطة تعيين المشرفين على الانتخابات، بما في ذلك الانتخابات التي من المحتمل أن يترشح فيها. ليبدو المشهد وكأن هناك إشراف قضائي لكنه غير محايد في حقيقة الأمر؛ خاصة وأن تعديلات أخيرة أودت بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء إلى الهاوية، بعد إقرار القانون رقم 13 لعام 2017 لتنظيم عمل القضاء، وتعديلات المواد 185 و193 من الدستور، والتي بموجبها يحق للرئيس تعيين رؤساء الهيئات القضائية، والتحكم في تشكيل المجلس الأعلى للقضاء وبالتالي هيئة تنظيم الانتخابات.

ووفق ورقة موقف أصدرها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في آيار/ مايو الماضي، فإنه: “من المستحيل أن تتسم الانتخابات المقبلة بالحرية والنزاهة في ظل ترسانة التشريعات القمعية، والبناء المؤسسي الذي يجمع كل موارد الدولة وهيئاتها في قبضة الرئيس، ورفض السلطات الممتد لأكثر من 10 سنوات لجميع أشكال المعارضة والانتقاد”. وهو ما اتفقت عليه الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم 12 حزبًا ينتمون إلى تيارات المعارضة المختلفة، في بيان لها، الاثنين، حيث قالت إن البلاد لن تحتمل السيسي في فترة رئاسية ثالثة وأنه ربما يكون هناك انفجار شعبي وشيك، نظرًا للمؤشرات المخيبة للآمال والتعامل بخشونة مع كل من ينوي الترشح للانتخابات.

ووفق منظمة هيومان رايتس ووتش، فإن هذه التدابير؛ والمشابهة للتدابير التي اتخذت قبيل انتخابات العام 2018، تخترق الالتزامات والمعاهدات الدولية والإقليمية والمواد الدستورية المحلية التي وقعت عليها مصر؛ مثل: “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، و”الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب”، وإعلان الاتحاد الأفريقي للعام 2002 بشأن المبادئ الحاكمة للانتخابات الديمقراطية في إفريقيا.

قمع مضاعف
بالأضافة إلى ما ذكرناه عن حملة الاعتقالات الموسعة قبل الانتخابات بشكل عشوائي أو منظم في حالة اعتقال أعضاء حملة المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية أحمد طنطاوي، ألقت قوات الأمن القبض على محمد زهران مؤسس تيار استقلال المعلمين عقب كلمة له في جلسة من جلسات الحوار الوطني التي تقام منذ أيار/ مايو الماضي؛ ليصبح أول مشارك في الحوار الوطني يلقى القبض عليه وتوجه له تهمة الانضمام إلى جماعة إثارية ونشر معلومات تكدر السِلم العام. كما ألقي القبض على هشام قاسم رئيس التيار الليبرالي الحر مؤخرًا على إثر اختلاف بينه وبين القيادي العمالي ووزير القوى العاملة الأسبق، كمال أبو عيطة، والذي اتهم قاسم بالسب والقذف؛ ما خلق فرصة أمام الجهات الأمنية للنيل من الأخير، وشرعنة سياساتها المتبعة مؤخرًا القايمة على ضرب صفوف المعارضة داخليًا. وهو ما أثير بالفعل ووجهت بعض الجهات أصابع الاتهام لأبو عيطة، بزعم أن شكواه قد أصبحت ذريعة للنيل من الليبراليين والمختلفين فكريًا، فيما دافع عنه تياره الناصري بكل قوة، مؤكدين أن الخلافات محلها ساحات القضاء طالما وصلت حد التشهير والسب والقذف.

كان طنطاوي أول الأسماء التي أعلنت نيتها خوض السباق كمرشح محتمل للرئاسة، وهو صحافي وبرلماني سابق، وكان رئيسًا لحزب تيار الكرامة (يسار قومي) قبل تقديم استقالته. أيضًا، أعلن عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد، وحازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري، عن نيتهما الترشح للانتخابات الرئاسية. وأعلن تيار الاستقلال عن ترشيح رئيسه، أحمد الفضالي لخوض الرئاسيات المقبلة، وهو رئيس حزب السلام الديمقراطي. ومن الواضح أن طنطاوي هو المرشح المحتمل الوحيد حتى اللحظة الذي عارض السيسي منذ بدايته، بينما الآخرون كانوا من مؤيدينه وسياساته.

 

 

 

إيزيس الكاشف
صحفية مصرية

Search