ممنوع من التصويت: مصريون أنهوا عقوبتهم لكن حُرموا حق الانتخاب

في الوقت الذي يؤكد فيه الدستور المصري على أن المشاركة السياسية حق أصيل لا يجوز تقييده إلا بحكم قضائي، يكشف الواقع عن فجوة عميقة بين النصوص القانونية والتطبيق العملي، حيث يُحرم عشرات المواطنين من حقهم في التصويت أو الترشح رغم انتهاء العقوبة أو حصولهم على أحكام برد الاعتبار
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

حصل المحامي الحقوقي ممدوح جمال على حكمٍ بردّ الاعتبار القضائي في 20 أبريل 2023، وهو الحكم الذي يفترض أن يعيد إليه اعتباره كمواطن، ويمنحه كامل الحقوق التي فقدها بسبب إدانته السابقة. لكنّه فوجئ بعدم تحديث بياناته في الهيئة الوطنية للانتخابات رغم محاولاته المتكررة لتقديم طلب قيد اسمه في الجداول الانتخابية، ما جعله، حتى اليوم،  محرومًا من ممارسة حقوقه الدستورية والقانونية في الترشح والانتخاب، في مشهد يلخّص أزمة مستمرة يعيشها العشرات ممن زالت عنهم أسباب الحرمان السياسي دون أن تُعاد إليهم حقوقهم فعليًا.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “صُدمت بعدم تحديث قاعدة البيانات الخاصة بالهيئة الوطنية للانتخابات، رغم محاولاتي المتكررة لتقديم طلب قيد اسمي في الجداول الانتخابية، ما يجعلني محروم حتى الآن من ممارسة حقوقي القانونية والدستورية سواء في الترشح أو الانتخاب”.

رد الاعتبار هو زوال آثار الحكم الصادر بالإدانة بقوة القانون، و هو نظام يمنح المحكوم عليه بالعقوبة فرصة لإزالة الأثر في المستقبل، للحكم الذي صدر ضده، فيسترد بذلك اعتباره الذي تأثر بالحكم المذكور، ومن ثم يسترد كافة حقوقه السياسية والمدنية التي منعت عنه مؤقتًا خلال إدانته.

جمال خاض تجربة السجن قبل عدة سنوات في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”أحداث مجلس الشورى”. إذ أُلقي القبض عليه عام 2013، وكان حينها في الثامنة عشرة من عمره، ضمن مجموعة كبيرة من المتظاهرين نظموا وقفة احتجاجية أمام مجلس الشورى تحت شعار “لا للمحاكمات العسكرية”، اعتراضًا على إحدى مواد مشروع الدستور التي كانت تتيح محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري والتي وضعتها لجنة الخمسين المكلفة بإعداد الدستور عقب أحداث 30 يونيو 2013.  وقد صدر ضد جمال  حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات، بتهم “التجمهر، والتظاهر دون تصريح، وإعاقة المرور” في أول تطبيق فعلي لقانون التظاهر الصادر في العام نفسه. 

في الوقت الذي ينص فيه قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014 على حرمان المحكوم عليهم في قضايا الجنايات أو الجرائم المخلة بالشرف من حق الانتخاب والترشح إلى أن يُرد إليهم اعتبارهم. غير أن الواقع يكشف عن امتداد آثار الأحكام في القضايا ذات الطابع السياسي إلى ما بعد انتهاء مدة العقوبة، إذ يواجه المفرج عنهم من السجناء السياسيين قيودًا غير معلنة تحول دون إدراج أسمائهم في الجداول الانتخابية أو مشاركتهم في أي استحقاق سياسي، رغم استيفائهم شروط استعادة الحقوق المدنية.

وبينما يؤكد الدستور المصري في مادته ( 87) أن المشاركة في الحياة السياسية حق أصيل لا يجوز تقييده إلا بنص قانوني، غير أن الممارسة الفعلية تكشف عن فجوة واضحة بين النصوص الدستورية والتطبيق العملي، خاصة فيما يتعلق بحق المعتقلين والسجناء السياسيين في مباشرة حقوقهم بعد الإفراج عنهم. 

ورصدت زاوية ثالثة 10 حالات حُرمت من حقوقها السياسية رغم أنها لا تندرج ضمن الفئات التي نص القانون على استثنائها، من بينهم أشخاص حصلوا بالفعل على أحكام برد الاعتبار، لكنهم ظلوا محرومين فعليًا من ممارسة حقهم في الانتخاب أو الترشح. وتشير الشهادات  التي تم توثيقها خلال التقرير إلى أن الأمر لا يختلف كثيرًا بين من أنهى مدة محكوميته أو من شملهم عفو رئاسي، فالنتيجة واحدة: الحرمان من الترشح أو الانتخاب، في ظل سؤال يطرح نفسه حول مدى تفسير مواد القانون ومدى التزام الجهات المعنية بتطبيقه.

 

نوصي للقراءة: الطريق إلى برلمان بلا معارضة.. عبر بوابة الإعفاء العسكري وتحليل المخدرات


رد الاعتبار فاقد للتطبيق

رغم حصول جمال على عفو رئاسي في سبتمبر 2015، ظل محرومًا من ممارسة حقه السياسي، ما دفعه إلى رفع دعوى قضائية والحصول على حكم قضائي برد الاعتبار عام 2023، إلا أنه فوجئ أن هذا غير كافي لعودة اسمه إلى قاعدة بيانات الناخبين، كمواطن له كافة الحقوق السياسية والمدنية. 

يواصل جمال سرد تفاصيل رحلته في استعادة حقه السياسي، ويقول لـ”زاوية ثالثة:” وفقًا للقانون فإن رد الاعتبار يتم تطبيقه بعد تسليم الحكم إلى الهيئة الوطنية للانتخابات، لكن الهيئة رفضت تسليمي أي مستند أو رقم يفيد باستلام الطلب، ما اضطرني إلى رفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري لإثبات حقي، لكن ممثل الجهة الإدارية طعن على الدعوى بحجة أننى لم أسلك الطريق الصحيح، إذ يفترض، وفقًا لتفسيرها، تقديم الطلب إلى لجنة يشكلها رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها محل إقامة مقدم الطلب”.

يتابع جمال:”بناءً على هذا التفسير، قررت تقديم الطلب إلى رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها محل الإقامة، فتوجهت أولًا إلى محكمة جنوب القاهرة، ثم إلى محكمة جنوب الجيزة. لكن المفاجأة كانت أن موظفي السكرتارية لم يكونوا على دراية بالإجراءات الخاصة بهذا النوع من الطلبات، وكأنهم يتعاملون مع الأمر لأول مرة. لم أجد أي مسؤول يمكنه إستلام الأوراق أو يشرح لي الخطوات المطلوبة، ولم يُسمح لي بإثبات تقديم الطلب رسميًا”.

ويضيف المحامي الحقوقي أن الأزمة لا تكمن فقط في التعقيدات الإدارية، بل في غياب اللجنة المنصوص على تشكيلها بموجب المادتين (19) و(20) من قانون مباشرة الحقوق السياسية، وهي اللجنة المختصة بمراجعة القيد في الجداول الانتخابية والنظر في طلبات الحذف أو رد الاعتبار.

ويتابع: “بحثنا طويلًا ولم نجد أي قرار صادر من الهيئة الوطنية للانتخابات بتشكيل هذه اللجنة، رغم أن القانون يُلزمها بذلك. وهذا يعني أن المواطنين الذين انتهت أسباب حرمانهم من مباشرة حقوقهم السياسية، سواء بانقضاء العقوبة أو بحكم رد الاعتبار، لا يجدون حتى الآن جهة رسمية يمكنهم التوجه إليها لاستعادة تلك الحقوق”. لافتًا إلى أنه بجانب قضيته الشخصية، حصل بصفته محاميًا على حكمين قضائيين آخرين برد الاعتبار لموكلين واجهوا أوضاعًا مشابهة، إلا أن الحكمين لم يُنفذا حتى الآن أيضًا.

تنص المادة 19 من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية على:”لكل من أهمل قيد اسمه في قاعدة بيانات الناخبين بغير حق أو حدث خطأ في البيانات الخاصة بقيده أو توفرت فيه شروط الناخب أو زالت عنه الموانع بعد تحرير قاعدة البيانات، أن يطلب قيد اسمه أو تصحيح البيانات الخاصة بقيده.

ولكل ناخب مقيد اسمه في قاعدة بيانات الناخبين أن يطلب قيد اسم مَنْ أُهمل قيده بغير حق أو حذف اسم من قيد بغير حق أو تصحيح البيانات الخاصة بالقيد، وتقدم هذه الطلبات كتابة على مدار العام إلى اللجنة المنصوص عليها في المادة (20) من هذا القانون، وتُقيد بحسب ورودها في سجل خاص، وتُعطى إيصالات لمقدميها”.

كما تنص المادة 20 من القانون نفسه على:”تُنشأ لجنة للنظر في الطلبات المشار إليها في المادة السابقة يصدر بتشكيلها قرار من اللجنة العليا برئاسة المحكمة الابتدائية للمحافظة رئيسًا وعضوية قاضيين بالمحاكم الابتدائية يختارهما مجلس القضاء الأعلى، ويتولى الأمانة الفنية للجنة ممثل لوزارة الداخلية يختاره وزيرها، وتفصل اللجنة بقرار منها في الطلب المقدم إليها خلال أسبوع من تاريخ تقديمه، وتبلغ قرارها إلى ذوى الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره. وتبين اللائحة التنفيذية كيفية تقديم الطلب وقيده ونظره والفصل فيه وإعلانه”.

العفو لا يعني استعادة الحقوق

توضح سوزان ندى، -المحامية الحقوقية-،  في حديثها لـ”زاوية ثالثة”، أن قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية لا يتضمن بين فئاته المحرومة مؤقتًا من الحقوق السياسية أي إشارة إلى قضايا التظاهر أو التجمهر، ما يعني أن حرمان من صدرت ضدهم أحكام في هذه القضايا من حق التصويت أو الترشح يُعدّ «افتئاتًا على نص القانون».

وينص القانون رقم 45 لسنة 2014 بشأن تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، المعدل بالقانون رقم 92 لسنة 2015، على عشر فئات فقط محرومة مؤقتًا من مباشرة الحقوق السياسية. اثنتان من هذه الفئات يُحرم أصحابها مؤقتًا خلال فترة محددة، هما:(المحجور عليه خلال مدة الحجر، المصاب باضطراب نفسي أو عقلي خلال فترة احتجازه الإلزامي بإحدى منشآت الصحة النفسية).

بالإضافة إلى الحرمان المؤقت لكل من صدرت ضدهم أحكام نهائية في جرائم مثل:  التهرب الضريبي، إفساد الحياة السياسية المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 344 لسنة 1952، مصادرة الأموال، أو الفصل من الخدمة العامة بسبب جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة. كما يشمل الحرمان من صدر ضده حكم نهائي في جناية، أو بعقوبة سالبة للحرية في جرائم مثل السرقة، النصب، خيانة الأمانة، الرشوة، التزوير، أو الجرائم المتعلقة بالمال العام وهتك العرض وإفساد الأخلاق. ويُستثنى من هذا الحرمان – وفقًا للقانون – كل من رُدّ إليه اعتباره أو أُوقف تنفيذ العقوبة بحكم قضائي.

أما أحمد سمير، المعروف باسم أبو سمرة، فرغم اختلاف وقائع قضيته عن قضية ممدوح جمال، إلا أن أزمته في استعادة حقوقه السياسية بعد خروجه من السجن بعفو رئاسي تتقاطع مع عدد من الحالات المشابهة، من بينها حالة جمال نفسه، حيث يواجه كلاهما النتيجة ذاتها: غياب التنفيذ الفعلي للأحكام القضائية التي ترد إليهما اعتبارهِما وتعيد إليهما حقهما في المشاركة السياسية.

 يروي سمير في حديثه لـ”زاوية ثالثة” أنه تعرض للاعتقال أكثر من مرة، كانت أولها في مارس 2013، على خلفية ما عُرف بـ”أحداث المقطم” ثم في يونيو 2014، في القضية المعروفة إعلاميًا باسم “أحداث قصر الاتحادية”، التي ضمّت عددًا من النشطاء البارزين، خلال تظاهرة سلمية نظّمت في اليوم العالمي للتضامن مع المعتقلين، للمطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين بعد أسبوع واحد من تولي الرئيس الحالي الحكم.

يقول سمير: “ألقي القبض علينا في محيط منطقة مصر الجديدة التي يوجد فيها قصر الاتحادية، كنا 24 شخصًا بينهم سبع فتيات. حكم علينا بالسجن ثلاث سنوات وثلاث سنوات مراقبة وعشرة آلاف جنيه غرامة، وبعد الاستئناف خُففت العقوبة من محكمة جنح مصر الجديدة إلى سنتين سجن وسنتين مراقبة، ثم خرجنا بعفو رئاسي في 23 سبتمبر 2015، ضمن قرار شمل أيضًا المحكومين في قضية مجلس الشورى”.

 ويتابع: “في 2022 أقمت دعوى قضائية بمحو السجل الجنائي للقضيتين ورد الاعتبار وحصلت على حكم قضائي لصالحي، لكن رغم ذلك رفضت وزارة الداخلية تنفيذ القرار أو حذف القضايا من قاعدة البيانات”. ويشير إلى أن هذا الرفض حال دون تنفيذ أي خطوة لاحقة ودون تنفيذ حكم رد الاعتبار لاستعادة حق الترشح والانتخاب

ألقي القبض على سمير عقب تظاهرة احتجاجية ضمن أكثر من ٢٠ ناشط وناشطة،  نظموا مظاهرة مع عشرات آخرين في يونيو 2013،  للمطالبة بإسقاط  قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمي ( قانون التظاهر) إلا بعد الحصول على تصريح من وزارة الداخلية. ولدى اقتراب المتظاهرين من قصر الاتحادية، ألقت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع ومن ثم ألقت القبض على المحكوم عليهم خلال فض المظاهرة. وفي سبتمبر 2015، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارًا رئاسي بالعفو عن المحكوم عليهم في قضية مجلس الشورى وقصر الإتحادية معًا.

من جهتها تقول سوزان ندى المحامية الحقوقية إن “رد الاعتبار،  هو أحد الحقوق التي كفلها القانون للمواطن سواء بعد تنفيذ العقوبة كامة أو شمله العفو الرئاسي، بهدف تمكينه من استعادة اعتباره القانوني والاجتماعي وممارسة حقوقه السياسية والمدنية كاملة. 

ويستند هذا الحق إلى أحكام قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 في المواد من 536 إلى 540، والتي تحدد نوعين من رد الاعتبار: القضائي الذي يُمنح بقرار من محكمة الجنايات بعد التحقق من حسن سلوك المحكوم عليه وانقضاء المدة القانونية، والقانوني الذي يتحقق تلقائيًا بعد مرور سنوات طويلة دون صدور حكم جديد- تقول ندى.

وتضيف أن الغرض من رد الاعتبار ليس مجرد محو آثار الإدانة من السجلات، بل هو ” إقرار لحق الإنسان في البدء من جديد”، غير أن التطبيق العملي في مصر يواجه عقبات كبيرة، أبرزها غياب آلية واضحة لتنفيذ أحكام رد الاعتبار، وتضارب اختصاصات الجهات المعنية، إلى جانب عدم تفعيل اللجنة المنصوص عليها في قانون مباشرة الحقوق السياسية للنظر في استعادة الحق في القيد بالجداول الانتخابية، ما يجعل كثيرين ممن زالت عنهم أسباب الحرمان عاجزين عن استرداد حقوقهم فعليًا.

 

نوصي للقراءة: عسكرة الأحزاب في مصر: الطريق إلى انتخابات 2025 يمر عبر الأجهزة

بين انتهاء العقوبة واستمرار المنع

يقول  ممدوح جمال، في حديثه معنا، إن “الحق في التصويت والترشح يُعد من الحقوق الأساسية التي تضمنتها المواثيق الدولية والإقليمية، باعتبارها ركيزة جوهرية للديمقراطية والمشاركة في الشأن العام.”

ويوضح أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته (25) كفل لكل مواطن، دون أي تمييز أو قيود غير معقولة، الحق في أن ينتخب ويُنتخب ويشارك في إدارة شؤون بلده. وقد شددت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في تعليقها العام رقم (25) على أن حرمان الأفراد من هذا الحق يجب أن يكون مبررًا وضروريًا ومتناسبًا مع طبيعة الجريمة، وألا يُفرض بشكل تلقائي أو إلى أجل غير مسمى، بل يُنظر في كل حالة على حدة.

ويتابع المحامي الحقوقي أن هذه المواثيق تُلزم الدول الأطراف، ومنها مصر التي صدّقت على العهد الدولي عام 1982، بمواءمة تشريعاتها الوطنية مع تلك المبادئ، بحيث لا تُستخدم الأحكام الجنائية أو العقوبات السابقة كوسيلة لإقصاء الأفراد سياسيًا بعد انقضاء العقوبة أو صدور عفو قانوني، طالما استوفوا شروط رد الاعتبار التي تمحو آثار الحكم نهائيًا وتعيد إليهم كامل حقوقهم المدنية والسياسية.

من جهته يقول  السياسي أحمد ماهر، -مؤسس “حركة 6 أبريل-“:” إن التهمة التي حُكم علي بسببها كانت “التظاهر دون تصريح”، وهي جنحة وليست جناية، حُكم فيها بالحبس ثلاث سنوات تلتها ثلاث سنوات من المراقبة، انتهت بالكامل في عام 2020. 

ويوضح ماهر في حديثه لـ”زاوية ثالثة”، أن هذه التهمة، وفقًا لقانون مباشرة الحقوق السياسية، لا تندرج ضمن الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة التي تستوجب الحرمان من الحقوق السياسية، ومع ذلك ما زال اسمه غير مدرج في كشوف الناخبين حتى الآن.

أفرج عن مؤسس حركة 6 إبريل، في يناير عام 2017، بعد ثلاث سنوات في الحبس، وهو الحكم الذي قضت به محكمة جنح عابدين وأيدته محكمة النقض، وأصدر الحكم بعد أن سلم  ماهر نفسه للسلطات المصرية في 30 نوفمبر 2013، عقب صدور أمر بضبطه وإحضاره بتهمة مخالفة قانون التظاهر. يشير ماهر إلى أنه خاطب الهيئة الوطنية للانتخابات أكثر من مرة لإزالة اسمه من قوائم المنع، إلا أنه لم يتلقَّ ردًا، ما دفعه إلى  التقدم رسميًا بطلب رد اعتبار بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على انتهاء العقوبة، ومازال ينتظر الفصل في القضية التي قاربت على العام في أروقة المحاكم.

ويتابع ماهر: “ما يحدث معه ليس حالة فردية، بل يعكس “اتجاهًا عامًا لإقصاء أو تعطيل مشاركة المنتمين إلى المعارضة المدنية في الحياة السياسية”، مشيرًا إلى ما حدث مع النائب السابق هيثم الحريري الذي مُنع من الترشح بقرار من الهيئة الوطنية للانتخابات بدعوى عدم أداء الخدمة العسكرية.”

ما بين منع المرشحين هيثم الحريري ومحمد عبد الحليم، عضوي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، من خوض الانتخابات، وحرمان من حصلوا بالفعل على أحكام برد الاعتبار من القيد في الجداول الانتخابية، تتجلى بوضوح الفجوة بين النصوص القانونية وواقع التطبيق، الذي يحرم قطاعًا من المواطنين من ممارسة أحد أبسط حقوقهم في المشاركة العامة.

ففي حين يؤكد الدستور والقانون المصريان أن المشاركة السياسية حق أصيل لا يجوز تقييده إلا بموجب حكم قضائي مسبب، تكشف الممارسة الفعلية عن اتساع دائرة الإقصاء السياسي لتشمل حتى من صدر لصالحهم حكم نهائي برد الاعتبار، بما يفترض أن يعيد إليهم كامل حقوقهم المدنية والسياسية.

وتشير الحالات التي وثقها هذا التقرير إلى نمط متكرر من التعطيل الإداري والقانوني لحق إعادة القيد في الجداول الانتخابية، الأمر الذي يُفرغ أحكام رد الاعتبار من مضمونها ويجعلها منزوعة الأثر العملي، مُبقيًا على حرمان غير مبرر من الحقوق السياسية، في مخالفة صريحة للدستور والقانون.

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search