الطريق إلى برلمان بلا معارضة.. عبر بوابة الإعفاء العسكري وتحليل المخدرات

محكمة القضاء الإداري ترفض طعون المعارضة وتُبقي على استبعاد مرشحين بارزين مثل هيثم الحريري، وسط اتهامات باستخدام شروط الخدمة العسكرية وتحليل المخدرات كأدوات لإقصاء سياسي ممنهج.
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

احتدم الجدل داخل المشهد السياسي المصري، خلال الأيام الماضية، بعد استبعاد عدد من مرشحي أحزاب المعارضة من القوائم النهائية، في واقعة أعادت النقاش حول حدود المشاركة السياسية ومعايير النزاهة في العملية الانتخابية. فبينما تؤكد الهيئة الوطنية للانتخابات التزامها الكامل بالقانون وتطبيقه على الجميع دون تمييز، ترى أحزاب مدنية وحقوقيون أن ما جرى يعكس تضييقًا متزايدًا على القوى الديمقراطية الراغبة في خوض المنافسة، وأن التفسيرات الواسعة لبعض النصوص القانونية باتت تُستخدم بصورة تُضعف من فرص التعددية داخل البرلمان المقبل.

وشهدت الأيام الأخيرة، استبعاد اثنين من مرشحي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي من القوائم النهائية لمرشحي انتخابات البرلمان، إذ خاض المرشحان معركة قضائية في محاولة للعودة إلى قوائم الترشح، إلا أن محكمة القضاء الإداري رفضت الطعون المقدَّمة من كلٍّ من المهندس هيثم الحريري، عضو حزب التحالف الشعبي الاشتراكي والمرشح عن دائرة كرموز بالإسكندرية، ومن محمد عبد الحليم، مرشح الحزب ذاته عن دائرة المنصورة، ضد قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات باستبعادهما من كشوف المرشحين لانتخابات مجلس النواب 2025.وبذلك أصبح قرار الاستبعاد نهائيًا وباتًّا، ما يعني خروجهما رسميًا من سباق الانتخابات البرلمانية.

وقبل أيام، استبعدت الهيئة الوطنية للانتخابات المرشح أحمد الشربيني، عضو حزب الدستور، قبل أن يُقبل طعنه ويُعاد إدراجه في قوائم المرشحين لاحقًا وفقًا لما أعلنه الحزب على صفحته. فيما يرى حقوقيون وسياسيون أن ما جرى مع عضوي التحالف الشعبي الاشتراكي، وما واجهه عضو حزب الدستور من عراقيل، يُجسّد حالة التضييق المتزايد على الأحزاب المدنية والديمقراطية الساعية إلى خوض المنافسة على المقاعد الفردية، بما يُفرغ العملية الانتخابية من مضمونها التعددي، ويعيد إنتاج برلمان يهيمن عليه تيار واحد، في ظل تراجع فرص التمثيل الحقيقي للقوى الديمقراطية والمدنية.

استبعاد المرشحين جاء بسبب عدم الإعفاء المسبق من تأدية الخدمة العسكرية هو توجه لافت ومثير للجدل منذ تطبيقه في انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) والتي جرت في أغسطس الماضي، إذ تم استبعاد ثلاثة من مرشحي حزب النور لعدم أدائهم الخدمة العسكرية، لأنهم لم يكونوا معفيين بشكل قانوني ولم يؤدوا الخدمة الفعلية، كما حدث مع نائب رئيس الحزب السيد مصطفى خليفة. 

المحكمة الإدارية العليا، من جهتها، أكدت أن الترشح حق مقيد ويشترط أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء القانوني، وأن من يتهرب من أداء الخدمة لا يجوز أن يترشح، وهذا تم تطبيقه بقوة في انتخابات مجلس الشيوخ 2025. وقد رفضت المحاكم طعون معظم المستبعدين لهذا السبب، مؤكدة أن الإعفاء ينبغي أن يكون بموجب قرار رسمي وليس استثناء.

ويأتي هذا التطور في سياق أوسع من الجدل حول نظام القائمة المطلقة المغلقة الذي أقرّه البرلمان مؤخرًا، بعد رفض إقرار النظام النسبي الذي كان يتيح تمثيلًا أوسع للقوى السياسية الصغيرة والمستقلة. هذا النظام يستبدل النظام النسبي الذي كان يسمح بتمثيل أوسع للقوى السياسية الصغيرة والمستقلة، وهو ما قوبل برفض ونقد من بعض الأحزاب والقوى السياسية التي ترى أن النظام النسبي يحقق تمثيلًا أكثر عدالة وشمولًا لجميع الأطياف السياسية.

وتعتبر قوى المعارضة المتمثلة في الحركة المدنية الديمقراطية والتي تضم عدد من الأحزاب السياسية المعارضة وشخصيات عامة، أن النظام الانتخابي القائمة على القائمة المطلقة يُقصي الأصوات المستقلة ويُكرّس لهيمنة تيارٍ واحد على البرلمان، كما يُفرّغ العملية الانتخابية من مضمونها التعددي والديمقراطي، ويحوّل القوائم إلى أداة لضمان الولاء السياسي لا للتعبير عن الإرادة الشعبية الحقيقية، وفقًا لما ذكره بعض أعضاء الحركة المدنية في المؤتمر الصحفي الذي عقدته الحركة في 26 مايو الماضي.

وفي بيانٍ وقّع عليه عدد من الأحزاب السياسية، أبرزهم التحالف الشعبي الاشتراكي والحزب الاشتراكي المصري والاشتراكيين الثوريين، إلى جانب عدد من الشخصيات العامة والحقوقيين، من بينهم المحامي خالد علي وعمرو هاشم ربيع عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، وجمال زهران أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية والبرلماني السابق، اعتبر الموقّعون أنّ وقائع الاستبعاد تمثّل عدوانًا صريحًا على جوهر الديمقراطية، ومحاولةً ممنهجةً لتجريف الحياة السياسية، وتحويل الانتخابات إلى طقسٍ شكليّ يُجمّل وجه الاستبداد ولا يعبّر عن إرادة الناس.

وأشار البيان إلى عهد الرئيس الأسبق الراحل محمد حسني مبارك، حيث ظنت السلطة عام 2010 أن إقصاء المعارضة سبيلٌ إلى الأمان، فإذا بالغضب ينفجر في يناير 2011 – بحسب البيان.

وأوضح البيان أنّ إقصاء المرشحين على اختلاف انتماءاتهم يبرهن أنّ الأزمة ليست في الأسماء بل في المبدأ ذاته؛ فالمطلوب برلمانٌ بلا معارضة، وساحةٌ بلا نقد، ومشهدٌ بلا حياة، غير أنّ من يسعى لقتل السياسة لا يُلغِيها، بل يدفعها إلى الشارع والغضب واليأس، فحين تُغلق أبواب الديمقراطية، تُفتح نوافذ الانفجار.

 

نوصي للقراءة: انقسامات أم تكامل أدوار.. لماذا لم تنجح الحركة المدنية في صياغة تحالف انتخابي واحد؟ 

نتائج تحليل متضاربة من نفس المعمل

رفضت المحكمة المختصة الطعن المقدم من المرشح محمد عبد الحليم، عضو حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في 21 أكتوبر الماضي، ضد قرار استبعاده من الكشوف المبدئية لمرشحي انتخابات مجلس النواب عن دائرة بندر المنصورة، ليصبح قرار استبعاده نهائيًا وغير قابل للطعن.

وفي بيان أصدرته الحملة عقب صدور الحكم، أكدت أنها “متمسكة بالمسار القانوني والديمقراطي، حتى استعادة الحق في الترشح وخوض الانتخابات”. وكان عبد الحليم قد فوجئ بقرار استبعاده من القوائم المبدئية بدعوى “تعاطي مواد مخدّرة”، وفق ما أُبلغ به من قبل الجهة المختصة، من دون إرفاق أي مستند رسمي يوضح تفاصيل الاتهام أو يتيح له حق الدفاع عن نفسه.

وسرعان ما بادر عبد الحليم إلى التوجه مجددًا إلى معامل وزارة الصحة، الجهة ذاتها التي أجرت التحليل الأول، طالبًا إعادة الفحص من دون أن يُفصح عن صفته كمرشح انتخابي، لتأتي النتيجة الجديدة مختومة بختم النسر، الختم الرسمي للدولة المصرية، وتنفي بشكلٍ قاطعٍ تعاطيه لأي مواد مخدّرة..

هذا التناقض بين نتيجتين صادرتين عن الجهة ذاتها أحدثت موجة من الجدل في الأوساط السياسية والقانونية، إذ اعتبره المحامي الحقوقي خالد علي فضيحة لنتائج تحليل متضاربة من ذات المعامل، ونصح المحامي الحقوقي إذا كان هناك رغبه فى استبعاده فيكفى الاستبعاد دون تلويث السمعة والشرف على هذا النحو.

علاوة على استبعاد كل من هيثم الحريري ومحمد عبدالحليم، فوجئ  المحامي محمد أبو الديار المتحدث الرسمي السابق باسم حملة المرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي، بحذف اسمه من قاعدة بيانات الناخبين، الأمر الذي حال دون تمكنه من الترشح أو ممارسة حقوقه السياسية، على الرغم من امتلاكه شهادة رسمية صادرة قبل شهرين فقط تُقر بإدراج اسمه في القاعدة ذاتها خلال انتخابات مجلس الشيوخ.

ورفضت محكمة القضاء الإداري الطعن الذي قدّمه أبو الديار على قرار استبعاده، استنادًا إلى حكم قضائي غيابي صدر في فبراير 2024 بحبسه عامًا مع الشغل وكفالة 20 ألف جنيه لوقف التنفيذ في القضية رقم 16336 لسنة 2023 جنح المطرية، المحالة من نيابة أمن الدولة العليا، والمعروفة إعلاميًا باسم “قضية توكيلات أحمد الطنطاوي”.

 من الاستبعاد إلى الاحتياط

بينما قبلت الهيئة الوطنية للانتخابات الطعن المقدم من أحمد الشربيني، عضو حزب الدستور والمرشح ضمن تحالف الطريق الحر، بعد استبعاده من القائمة المبدئية بدعوى “كونه لا يزال على قوة الاحتياط بالقوات المسلحة”، رفضت في المقابل الطعن المقدم من هيثم الحريري، عضو حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، رغم ما قدمه فريق هيئة دفاع الحريري من مستند رسمي يتمثل في  شهادة الإعفاء الرسمية الصادرة من وزارة الدفاع طبقًا لأحكام القانون رقم 127 لسنة 1980.

أما النائب السابق هيثم الحريري، الذي سبق أن شغل مقعدًا برلمانيًا خلال دورة 2015–2020 وخاض الانتخابات التالية بالأوراق نفسها التي تم اعتمادها رسميًا حينها ووصل إلى مرحلة الإعادة، بحسب ما يؤكد في حديثه معنا، فقد فوجئ هذا العام بقرار استبعاده من الكشوف المبدئية، ثم برفض طعنه بدعوى “عدم أداء الخدمة العسكرية”، رغم امتلاكه شهادة إعفاء رسمي صادرة عن القوات المسلحة.

الأمر الذي اعتبره سياسين وحقوقين تناقضًا واضًحا بين الحالتين يعكس ازدواجية في معايير البتّ في الطعون الانتخابية، خاصة أن كلا المرشحين قدما وثائق صادرة عن جهات رسمية.

ويعرب الحريري عن رفضه القاطع على قرار استبعاده من القوائم المبدئية لمرشحي انتخابات مجلس النواب، واصفًا الحكم بأنه “لا يمثل العدالة ولا يعكس أي إنصاف سياسي أو قانوني”.

ويقول الحريري في حديثه إلى زاوية ثالثة: “من غير المقبول سياسيًا أن تُمنع عائلة كاملة من ممارسة حقها السياسي في الترشح دون أي أحكام أو جرائم. هل يُعقل أن يُستبعد أبنائي وأحفادي مستقبلًا لمجرد أنني مستثنى من أداء الخدمة العسكرية؟ لا يوجد أي دستور أو قانون يجيز ذلك، وهو أمر يتنافى مع أبسط مبادئ العدالة”.

في المقابل، صوّتت اللجنة المركزية لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي بالإجماع على اقتراح الانسحاب من انتخابات مجلس النواب، وذلك خلال دورة عقدت تحت اسم “دورة هيثم الحريري ومحمد عبد الحليم”، تكريمًا لمرشحي الحزب اللذين تم استبعادهما من السباق الانتخابي.

وأوضح الحزب، في بيان صدر عقب الاجتماع وحصلت زاوية ثالثة على نسخة منه، أن قرار الانسحاب جاء احتجاجًا على ما وصفه بـ”الانتهاكات الواسعة” التي شابت العملية الانتخابية، وفي مقدمتها الإقصاء المتعمد للمرشحين المعارضين والمستقلين، معتبرًا أن ما جرى يعكس غياب العدالة وتكافؤ الفرص، ويحيل الانتخابات إلى إجراء شكلي لا يعبّر عن الإرادة الشعبية.

تعود أزمة استبعاد الحريري إلى تفسير قانوني يتعلق بالخدمة العسكرية، إذ تخرّج من كلية الهندسة عام 1999 وسلّم نفسه لأداء الخدمة، غير أن وزارة الدفاع استثنته منها بقرار رسمي من الوزير المختص، وفقًا لصلاحياته المنصوص عليها في الفقرة (4) من المادة (6) من قانون الخدمة العسكرية، التي تجيز استثناء بعض الفئات “لضرورات تتعلق بالمصلحة العامة والأمن القومي” بحسب ما ذكره المحامي الحقوقي خالد علي.

ويشير الحريري علي إلى الحكم الصادر عن القضاء الإداري في بني سويف حكمًا سابقًا مشابهًا في واقعة مماثلة، قضت فيه بأن “قرار اللجنة باستبعاد المرشح يفتقد إلى السبب الصحيح قانونًا وواقعًا، ويُعد مخالفة صريحة للقانون، مما يوجب إلغاءه وتصحيح الأمر بإدراج اسم المرشح في القائمة النهائية لانتخابات مجلس الشعب 2025، مع تنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان.

تعليقًا على استبعاد الحريري ورفض الطعن، يقول نجاد البرعي المحامي الحقوقي لـ”زاوية ثالثة”  إن الاستثناء من أداء الخدمة العسكرية لا يسقط عن المواطن حقوقه الدستورية في الترشح والانتخاب، لأن المرشح وضع نفسه تحت تصرف القوات المسلحة، وأن استثناءه لم يكن بإرادته بل بقرار من الجهة العسكرية المختصة، وهو ما يجعله في حكم “المعفى قانونًا” من الخدمة. ويشير بسخرية إلى أن كل ذلك يحدث “بالصدفة” مع نائب معارض من حزب يساري.

هيثم الحريري، نجل القيادي العمالي الراحل أبو العز الحريري، أحد أبرز رموز الحركة الاشتراكية في مصر وأحد مؤسسي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي.

انتُخب أبو العز الحريري نائبًا بمجلس الشعب أكثر من مرة منذ الثمانينيات، واشتهر بجرأته في مواجهة الفساد والدفاع عن حقوق الفقراء والعمال. عُرف بخطابه الصريح وانتقاداته اللاذعة للحكومات المتعاقبة، ما جعله عرضة للملاحقات الأمنية، حيث تعرّض للاعتقال والسجن عدة مرات بسبب نشاطه السياسي ودفاعه عن الحريات النقابية والعدالة الاجتماعية.

سابقة خطيرة في التاريخ النيابي

من جهته، يصف  زهدي الشامي، – نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي-، استبعاد عدد من مرشحي التيار المدني الديمقراطي من القوائم الانتخابية بأنه “فضيحة سياسية وقانونية مكتملة الأركان”، معتبرًا أن ما جرى مع النائب السابق هيثم الحريري “يمثل سابقة خطيرة في التاريخ الانتخابي المصري”، خاصة أنه سبق أن ترشّح مرتين من قبل مستخدمًا الأوراق نفسها، وفاز في إحداهما بمقعد في البرلمان، دون أن تُثار حول موقفه أي ملاحظات قانونية.

ويشير الشامي في حديثه لزاوية ثالثة إلى أن حزب التحالف الشعبي “يدفع ثمن مواقفه السياسية الأخيرة”، سواء عبر مقاطعته للحوار الوطني أو بسبب موقفه من الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي رفع فيها شعار “مدتين كفاية”، مطالبًا الرئيس عبدالفتاح السيسي بعدم الترشح لولاية ثالثة، مؤكدًا أن الفترتين السابقتين شهدتا تراجعًا واضحًا في الأوضاع السياسية والاقتصادية.

 من جهته يعتبر أحمد الشربيني، عضو حزب الدستور والمرشح ضمن تحالف الطريق الحر، أن قبول الطعن المقدم بشأن استبعاده من القوائم المبدئية لمرشحي مجلس النواب يمثل “تصحيحًا لوضع كان يثير علامات استفهام وتعجب”، موضحًا أن مبرر استبعاده بدعوى “استمراره على قوة الاحتياط بالقوات المسلحة” يعكس – على حد وصفه – “توسعًا في تفسير النص القانوني لم يطلبه المشرّع”.

يقول الشربيني، لـ”زاوية ثالثة”، إنه أدى الخدمة العسكرية لمدة 14 شهرًا وحصل على شهادة أداء خدمة حسنة بصفته جنديًا عاديًا، مؤكدًا أن وضعه القانوني “سليم تمامًا ولا يتعارض مع شروط الترشح”، إذ ينص الدستور صراحةً على أن المرشح يجب أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أُعفي منها قانونًا، دون أي إشارة إلى وضع “الاحتياط” أو احتمالية الاستدعاء.

ويضيف أن استمرار أسماء بعض المجندين ضمن قوة الاحتياط بعد إنهاء الخدمة “إجراء روتيني يحدث مع جميع من أدوا الخدمة العسكرية”، معتبرًا أن اتخاذ هذا الأمر ذريعة للاستبعاد يمثل “تفسيرًا غير دستوري”، لأن معظم من يؤدون الخدمة لا يُرفع اسمهم من الاحتياط خلال سنواتها التسع القانونية، وهو ما يعني – بحسب قوله – “حرمان قطاع واسع من الشباب من حقهم الدستوري في الترشح للانتخابات”. 

في السياق، أعرب  حزب العدل عن رفضه استبعاد عدد من المرشحين من خوض انتخابات مجلس النواب، مؤكدًا أن هذا الإجراء يتناقض مع مبادئ الدستور المصري وحق المواطنين في المشاركة السياسية والترشح والانتخاب دون تمييز أو تعسف.

 ورفض الحزب ما اعتبره تفسيرًا ضيقًا، الذي تبنّته الهيئة الوطنية للانتخابات لحكم المحكمة الإدارية العليا السابق، والذي استندت إليه في استبعاد عدد من المرشحين المحسوبين على المعارضة، من بينهم النائب السابق هيثم الحريري، ومرشح الحزب عن دائرة منوف – السادات عبد الرحمن فرغلي، وذلك بحجة الاستثناء من أداء الخدمة العسكرية. واختتم الحزب بيانه بالدعوة إلى إعادة النظر في هذا التوجه حفاظًا على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليه في الدستور وضمانًا لانتخابات نزيهة وتعددية تعبّر عن الإرادة الحقيقية للمواطنين.

استبعاد مرشحين بعينهم “ليّ ذراع للقانون” 

يرى مالك عدلي المحامي الحقوقي إن قرار الهيئة الوطنية للانتخابات باستبعاد مرشحين من انتخابات مجلس النواب الأخيرة “يطرح أكثر سؤالًا جوهريًا: هل تمتلك الهيئة الوطنية للانتخابات حق استبعاد مرشحين بعينهم؟، “الإجابة لا”.  ويوضح عدلي في حديثه لزاوية ثالثة  أن “ما جرى يدخل في إطار استهداف سياسي وتصفية لعدد من المرشحين المعارضين، استنادًا إلى تفسيرات لا سند لها من القانون أو الدستور أو أحكام المحكمة الإدارية العليا”.

يضيف المحامي الحقوقي أن الدستور المصري، عند تنظيمه لشروط الترشح لعضوية مجلس النواب، نص على أربعة شروط فقط:” ألا يقل عمر المترشح عن 25 عامًا، أن يكون متمتعًا بالجنسية المصرية، أن يكون حاصلًا على شهادة إتمام التعليم الأساسي على الأقل، أن يستوفي الشروط الأخرى التي ينظمها قانون مجلس النواب”.

ويوضح أن قانون مجلس النواب أضاف شرطًا واحدًا يتعلق بأداء الخدمة العسكرية، إذ نص على أن يكون المرشح “قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفي من أدائها قانونًا”، وفقًا لنصوص قانون الخدمة العسكرية رقم 127 لسنة 1981.

ويتابع عدلي أن هذا القانون، في مادته السادسة بند (د)، يمنح وزير الدفاع سلطة استثناء بعض الفئات من أداء الخدمة العسكرية لمقتضيات المصلحة العامة أو الأمن الوطني. وبيّن أن معنى ذلك أن هناك حالات قد ترى فيها الدولة أن من المصلحة العامة ألا يُجنّد شخص بعينه، مثل الأبطال الرياضيين أو العلماء أو الرواد الذين يمثلون مصر في مجالات دولية.

ويضيف: “قد يُستثنى أيضًا أشخاص لأسباب سياسية أو أمنية، كأن يكون نجل معارض سياسي بارز أو معارضًا بنفسه، أو متزوجًا من أجنبية، أو يُخشى أن يسبب وجوده داخل المؤسسة العسكرية إشكالات أمنية أو سياسية، فوزارة الدفاع في هذه الحالة تُصدر قرارًا باستثنائه من الخدمة العسكرية لمقتضيات المصلحة العامة أو الأمن الوطني”.

ويوضح المحامي الحقوقي أن هذه القرارات تصدر كل حالة على حدة، ولا تمثل قاعدة عامة، مؤكدًا أن “الجيش في بعض الحالات قد يقبل أشخاصًا لهم نشاط سياسي، مثل حالة الناشط محمد عادل من حركة 6 أبريل، الذي دخل الخدمة العسكرية رغم وجود قضايا سياسية ضده، مما يوضح أن المسألة تقديرية تخص وزير الدفاع وحده”.

ويشير عدلي إلى أن بعض الأشخاص المتضررين من قرارات استثنائهم من الخدمة العسكرية لجأوا إلى القضاء الإداري، مطالبين بإلغائها، لكن المحكمة الإدارية العليا رفضت تلك الدعاوى، معتبرة أنه “لا مصلحة لهم في الطعن”، لأن قرار الإعفاء أو الاستثناء من الخدمة لا ينتقص من الحقوق المدنية أو السياسية، ولا يترتب عليه حرمان من أي ميزة يتمتع بها المواطنون الذين أدوا الخدمة العسكرية.

ويضيف أن المحكمة دللت على ذلك بأن شهادة الإعفاء الصادرة من القوات المسلحة تُعد مستندًا رسميًا صالحًا للتعيين في الوظائف العامة، وبالتالي فإن الشخص المستثنى يمكنه أن يُعيَّن في القضاء، أو في السلك الدبلوماسي، أو في الجهاز المركزي للمحاسبات، أو أن يشغل منصب محافظ البنك المركزي، أو حتى وزير أو رئيس وزراء.

ويستطرد قائلًا: “بالتالي، فإن القول إن هذا الشخص لا يجوز له الترشح لمجلس النواب فقط، دون أي منصب آخر، لا يستقيم قانونًا ولا منطقيًا، ويُعد نوعًا من ليّ ذراع القانون لحرمان أشخاص بعينهم من الترشح”. ويؤكد أن هذا الأسلوب من “العبث والتلاعب بالنصوص القانونية” يزج باسم وزارة الدفاع في مسائل تنأي بنفسها عنها.

يوضح المحامي الحقوقي أن: “الوزارة من حقها أن ترى أن من المصلحة العامة أو الأمنية عدم تجنيد أشخاص ذوي انتماءات سياسية، وهذا مفهوم، لكن لا يجوز أن يُستخدم ذلك لاحقًا لاستبعادهم من الحقوق السياسية، لأن القانون لا ينص على ذلك”.

يوضح عدلي أن الحالات الوحيدة التي يُمنع أصحابها من الترشح أو تولي المناصب العامة هي تلك التي حددها قرار وزير الدفاع رقم 115 لسنة 1981، والذي يقضي باستثناء من التجنيد كل من ثبتت إدانتهم في جرائم جسيمة مثل الاغتصاب، وهتك العرض، والسرقة بالإكراه، وممارسة الفجور أو الشذوذ، أو من سبق الحكم عليه في قضايا جنائية أو سياسية. ويضيف أن ملفات هؤلاء تُعرض على لجنة تضم ممثلين عن المخابرات الحربية، والتحريات العسكرية، وإدارة التجنيد قبل صدور قرار الاستثناء.

ويؤكد عدلي أن هؤلاء الأشخاص يُحرمون من حق الترشح بطبيعة الحال، لأن الأحكام الصادرة ضدهم تُثبت في صحيفة الحالة الجنائية (الفيش)، ولا يمكن استعادة حقوقهم السياسية إلا بعد صدور حكم نهائي برد الاعتبار من القضاء.

 

نوصي للقراءة: انتخابات الشيوخ في مصر: حشود قسرية ومشاهد عزوف


البداية 

التزمت محكمة القضاء الإداري في حكميها بمنع ترشح الحريري وعبد الحليم، بالمبدأ الذي أرسته المحكمة الإدارية العليا خلال انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة، والقاضي برفض ترشح المستثنين من أداء الخدمة العسكرية للمجالس النيابية، ففي يوليو الماضي، ومع بدء الاستعدادات لانتخابات مجلس الشيوخ، أيّدت المحكمة الإدارية العليا قرار الهيئة الوطنية للانتخابات باستبعاد ثلاثة مرشحين من حزب النور بدعوى استثنائهم من أداء الخدمة العسكرية، في سابقة تُعد الأولى من نوعها في تاريخ الانتخابات المصرية.

 ورغم أن المرشحين الثلاثة قدموا ما يثبت تقدمهم لأداء الخدمة العسكرية، فإن الهيئة استندت في قرارها إلى الفقرة (4) من المادة (6) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية رقم 127 لسنة 1980، التي تجيز لوزير الدفاع استثناء بعض الفئات “لضرورات تتعلق بالمصلحة العامة أو الأمن القومي”.

وفي 14 يوليو، أصدرت محكمة القضاء الإداري بمحافظة بني سويف، بقبول الطعن المقدم من الدكتور أحمد يحيى وزير أمين حزب النور بالمحافظة ومرشح الحزب على المقعد الفردي لانتخابات مجلس الشيوخ، حيث أكدت أحقيته في العودة إلى القوائم النهائية للمرشحين استنادًا إلى نص المادتين 6، 7 من قانون الخدمة العسكرية رقم 127 لسنة 1980، إلا أن الهيئة الوطنية للانتخابات طعنت على الحكم الصادر أمام الإدارية العليا والتي أصدرت حكمها في 16 يوليو – أطلعت زاوية ثالثة عن نص الحكم- باستبعاد مرشح بني سويف من القائمة النهائية للمرشحين لعدم استيفاء المرشح شرط أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها.

وبذلك، رسّخ الحكم مبدأ قانونيًا مفاده أن الاستثناء بقرار رسمي من وزير الدفاع لا يُعدّ تهربًا من التجنيد، ولا يُسقط عن المواطن حقوقه الدستورية في الترشح والانتخاب.

في السياق يرى ياسر سعد، المحامي الحقوقي، أن قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات في استبعاد بعض المرشحين توسّعت بشكل غير مبرر في تفسير النصوص القانونية المتعلقة بأداء الخدمة العسكرية، وهو ما يخالف أحكام القضاء الإداري المستقرة منذ ما قبل عام 2011.

ويوضح سعد في حديثه لزاوية ثالثة: أحكام المحكمة الإدارية العليا كانت واضحة جدًا في هذا الشأن، فالمقصود بالتقدم بما يفيد الموقف من التجنيد هو أن يتقدّم المواطن لجهة التجنيد في الميعاد القانوني. حتى لو تجاوز الثلاثين عامًا أو أجَّل موقفه ثم تصالح لاحقًا وسوّى وضعه، يظل من حقه الترشح للانتخابات.”

ويضيف أن التوسع الذي لجأت إليه الهيئة لا يستند إلى أي أساس قانوني أو دستوري، بل يُعدّ قيدًا على حق أصيل هو الحق في الترشح والمشاركة السياسية. مشيرًا إلى أن استبعاد مرشح سبق أن كان عضوًا في البرلمان من قبل “يكشف أن الهيئة تتصرف وفق تعليمات واضحة تتجاوز القانون”، مضيفًا:

ويرى سعد في ختام حديثه أن البرلمان القادم سيكون برلمان تمثيل للرئيس تمهيدًا للموافقة على تعديلات دستورية جديدة تتيح له فترة رئاسية إضافية، وما نشهده الآن مجرد مشهد تمهيدي لإنتاج برلمان على هذا النحو.

استنكار سياسي: الاستبعاد تهديدًا للديمقراطية

من جانبه، يعتبر وليد العماري، المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية، أن ما جرى من استبعاد عدد من مرشحي المعارضة كان “مشهدًا متوقعًا ومُرتّبًا سلفًا”، مؤكدًا إن السلطة “لا ترغب في أي نوع من الرقابة أو وجود بدائل سياسية حقيقية”.

يضيف العماري في حديثه لزاوية ثالثة إن “الحكومة تسعى منذ البداية إلى تقليص الدور الرقابي الذي تمارسه المعارضة، مهما كان محدودًا، خصوصًا بعد تزايد حالة الاحتقان الشعبي وعدم الرضا عن الأداء الحكومي والبرلماني في الدورة السابقة”. وأشار إلى رفض السلطة تعديل قانون الانتخابات أو نظام الدوائر الانتخابية بما يتيح فرصًا متكافئة للمنافسة، يعكس رغبتها في إقصاء الأصوات المعارضة من المشهد السياسي برمّته.

ويضيف:”حتى عندما قررت أحزاب الحركة المدنية خوض الانتخابات على المقاعد الفردية رغم صعوبة المنافسة، لم يُسمح لها حتى بالمشاركة الرمزية. الأمر لا يتعلق بالفوز بالمقاعد، بل بمجرد الوجود والمواجهة، وهذا ما لم تقبله السلطة.”

وختم العوامري حديثه بالتأكيد على أن ما يحدث يُظهر بوضوح أن السلطة لا تريد رقابة ولا بدائل سياسية، ولا حتى كوادر معارضة يمكن أن تُطرح مستقبلاً كمنافسين محتملين.

من جانبها، عبّرت إلهام عيداروس، وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، عن قلقها البالغ من موجة الاستبعادات التي طالت عددًا من مرشحي المعارضة، بينهم هيثم الحريري بالإسكندرية، ومحمد عبدالحليم بالمنصورة، مؤكدة أن “ما يحدث يمثل مساسًا مباشرًا بحق المشاركة السياسية ويكشف عن استخدام أدوات الدولة بشكل غير محايد”.

وترى عيداروس في حديثها لـ زاوية ثالثة إن واقعة استبعاد المرشح محمد عبدالحليم على خلفية “تحليل مخدرات” إيجابي تم نفيه لاحقًا بتحليل رسمي من معامل وزارة الصحة “تثير القلق بشأن توظيف أجهزة الدولة في صراعات انتخابية”، مشددة على أن “ما هو أخطر يتمثل في استخدام تفسيرات غامضة ومطاطة لمفهوم الإعفاء من الخدمة العسكرية”.

وتضيف أن حالات الاستبعاد الأمني من أداء الخدمة العسكرية ليست جديدة، إذ كانت تظهر سابقًا في مجالات التوظيف والعمل وغيرها، حيث “تُمنح منذ سنوات لشباب ذوي نشاط سياسي أو آراء معارضة شهاداتُ إعفاءٍ أمني دون إرادتهم”، موضحةً أن هذه الشهادات “قد تضرّ أصحابها في سوق العمل أحيانًا بشكل غير رسمي، لكن لا يجوز استخدامها ذريعةً لحرمانهم من حقهم في الترشح أو التصويت”.

وتابعت: “إذا كانت المؤسسة العسكرية هي التي قررت استثنائي من الخدمة، فهذا لا يعني أنني قصّرت كمواطنة. كيف يُعقل أن يُعاقَب أشخاص لأن الدولة نفسها رأت عدم تجنيدهم؟”

واعتبرت عيداروس أن استمرار العمل بهذه التفسيرات سيؤدي إلى إقصاء منظم لأبناء التيار الديمقراطي والمعارضين السياسيين مستقبلًا، إذ تقول:“نحن أمام معيار غريب وشاذ قانونيًا. فالقانون نص بوضوح على أن من أدى الخدمة العسكرية أو أعفي منها له كامل حقوقه السياسية، والمهم أن لا يكون متهربًا، أما أن يُحرم شخص من الترشح لأن المؤسسة قررت استثناءه فهذا مرفوض شكلًا ومضمونًا.”

في السياق أعرب الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي عن رفضه وقلقه البالغ إزاء قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات باستبعاد عدد من المرشحين، من بينهم هيثم الحريري (دائرة محرم بك).

ويرى الحزب في بيانه  أن هذه القرارات لا تستند إلى أي نصوص قانونية في قانون مباشرة الحقوق السياسية أو قانون مجلس النواب، ولم تُشر إليها الهيئة الوطنية للانتخابات في قراراتها، كما لا توجد سوابق مماثلة في تاريخ الانتخابات المصرية. فمن المعروف أن عددًا كبيرًا من المرشحين — بمن فيهم معارضون وأعضاء سابقون في أحزاب مؤيدة — قد حصلوا على إعفاءات من الخدمة العسكرية لأسباب أمنية، وخاضوا الانتخابات ومارسوا أدوارهم النيابية دون أن يُعتبر ذلك مانعًا قانونيًا أو انتخابيًا. أما الاحتياط العسكري، فلم يكن في أي وقت سببًا للاستبعاد من الترشح.

بحسب المصادر التي تحدثت في التقرير سواء سياسية أو قانونية  فإن ملف انتخابات البرلمان 2025، يشهد  استبعاد ممنهج لمرشحي المعارضة ما يدل على عمق أزمة الديمقراطية في مصر، ويُبرز كيف يمكن للتفسيرات الواسعة للنصوص القانونية أن تُستخدم أداة لتقليص المشاركة السياسية وتكميم الأصوات النقدية. ما يضع العملية الانتخابية أمام تحدٍ جوهري لإثبات نزاهتها وتعددها.

 

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search