عقدت الحركة المدنية الديمقراطية، أمس الاثنين 26 مايو، مؤتمرًا صحفيًا في مقر حزب المحافظين بوسط القاهرة، لإعلان موقفها من الانتخابات البرلمانية المقبلة، وتسجيل اعتراضها على القانون الانتخابي الجديد الذي أقره البرلمان.
وشارك في المؤتمر عدد من قيادات أحزاب الحركة، من أبرزهم: طلعت خليل، المنسق العام للحركة، أكمل قرطام، رئيس حزب المحافظين، جميلة إسماعيل، رئيسة حزب الدستور، أكرم إسماعيل، مسؤول التنسيق السياسي بحزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، وسيد الطوخي، رئيس حزب الكرامة. وخلال المؤتمر، وجهت هذه القيادات انتقادات حادة لمشروع القانون، معتبرين أنه يسعى إلى إعادة إنتاج تركيبة البرلمان الحالي، ويُقصي أي فرص حقيقية لتعددية سياسية فعالة.
ورغم ذلك، أكدت الحركة أنها لم تحسم قرارها بعد بشأن خوض الانتخابات المقبلة، مشددة على أن موقفها النهائي لا يزال قيد الدراسة، وسيتحدد بناءً على قراءتها لتطورات المشهد السياسي وقدرتها على خوض معركة انتخابية حقيقية.
ويجمع القانون الجديد، وفق التعديلات التي أقرها مجلس النواب، بين نظامي القائمة المغلقة المطلقة والفردي، مع تقسيم البلاد إلى أربع دوائر انتخابية للقوائم، و284 دائرة للفردي. ويُبقي القانون على عدد مقاعد مجلس النواب عند 568 مقعدًا، دون احتساب المعيّنين. وتُوزع مقاعد القوائم على أساس: قائمتان بواقع 102 مقعد لكل منهما، وقائمتان بواقع 40 مقعدًا، مقابل 284 مقعدًا مخصصًا للنظام الفردي.
ولا يُلزم الدستور المصري بشكل محدد للنظام الانتخابي، بل أوكل تحديده إلى القانون. وتنص المادة 102 من الدستور على أن “يُبيّن القانون شروط الترشح الأخرى، ونظام الانتخاب، وتقسيم الدوائر الانتخابية، بما يراعي التمثيل العادل للسكان والمحافظات، ويجوز الأخذ بالنظام الانتخابي الفردي أو القائمة أو الجمع بأي نسبة بينهما”.
وقد مثّلت هذه المادة محورًا للنقاش خلال جلسات “الحوار الوطني” التي دعا إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث دعت قوى المعارضة، وعلى رأسها الحركة المدنية الديمقراطية، إلى اعتماد نظام القائمة النسبية المفتوحة باعتباره الأعدل والأكثر تمثيلًا لتنوع المجتمع. في المقابل، تمسكت أحزاب الأغلبية البرلمانية، مثل “مستقبل وطن” و”حماة الوطن”، بالإبقاء على نظام القائمة المغلقة المطلقة، وهو ما كرسه التشريع الجديد.
نوصي للقراءة: البرلمان المقبل… توزيع مسبق للمقاعد؟
قانون لا يعبر عن التطلعات

قال أكرم إسماعيل، مسؤول التنسيق السياسي بحزب العيش والحرية وعضو مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية، إن عقد المؤتمر الصحفي يأتي في إطار التعبير عن رفض الحركة للقانون الانتخابي الذي أقره البرلمان، والذي يجمع بين نظام “القائمة المغلقة المطلقة” والنظام الفردي.
وفي حديثه إلى زاوية ثالثة على هامش المؤتمر، اعتبر إسماعيل أن القانون يمثل تراجعًا كبيرًا عن مطالب القوى الديمقراطية التي ناضلت طويلًا من أجل الوصول إلى نظام انتخابي عادل، مشيرًا إلى أن أي إصلاح جاد للمشهد السياسي والاجتماعي في مصر لا يمكن أن يبدأ دون قانون انتخابي يضمن التعددية والتمثيل الحقيقي.
وأكد إسماعيل أن الحركة عبّرت، من خلال مشاركتها في محطات سياسية مختلفة، وعلى رأسها جلسات “الحوار الوطني”، عن موقفها الواضح تجاه النظام الانتخابي، داعية إلى تبنّي نظام القوائم النسبية المفتوحة باعتباره السبيل إلى انتخابات حقيقية. وأوضح أن هذا النظام يسمح للبرامج السياسية بالتنافس، ويعكس التنوع السياسي والاجتماعي والديني والعرقي داخل المجتمع، كما يضمن عدم ضياع أصوات الناخبين، ويُمكّن الأحزاب من خوض السباق ببرامج واضحة تتيح للناخبين اختيار ما يمثلهم فعليًا.
وأضاف أن الحركة طالبت صراحة خلال الحوار الوطني بتضمين هذا النظام ضمن مخرجات النقاش السياسي، غير أن القانون الصادر تجاهل هذه المطالب تمامًا، ليعيد إنتاج تصور تشريعي لا يعكس إرادة القوى الديمقراطية، ولا يفتح المجال لأي مشاركة سياسية جادة.
وتابع إسماعيل بأن السياق السياسي والأمني والتشريعي الحالي يشكّل بيئة خانقة تُضيّق على المعارضة وتُقيّد حرية التعبير وتمنع تمدد الأحزاب. ولفت إلى أن المناخ العام لا يُبدي أي انفتاح تجاه فكرة الانتخابات الحرة، مؤكدًا غياب الانتخابات الطلابية عن الجامعات منذ سنوات، وتعليق انتخابات المحليات، في مقابل إعادة هندسة الانتخابات البرلمانية على نحو يعيد إنتاج المشهد القائم.
وأشار إلى أن الحركة، رغم ذلك، تجري حاليًا مشاورات داخلية لبحث كيفية التعامل مع الاستحقاق الانتخابي، في ظل المساحات المحدودة المتاحة. وأوضح أن المشاركة لا يجب أن تكون شكلية، بل محاولة حقيقية لطرح البدائل السياسية والاجتماعية والتواصل مع جمهور الناخبين، حتى وإن جرت العملية الانتخابية في بيئة مشبعة بالتحكم السياسي، وتوزيع المقاعد على أساس الولاءات والمال السياسي.
وشدد إسماعيل على أن قرار الحركة بالمشاركة أو المقاطعة ليس وسيلة لمعاقبة النظام، بل هو خيار استراتيجي يتحدد بناءً على القدرة الواقعية على الوصول إلى الجمهور وتمثيله بفاعلية. وأكد أن الحركة ليست معنية بمنح شرعية للنظام أو نزعها، بل تقيّم موقفها وفقًا لمدى فاعلية المشاركة في إيصال صوتها ومشروعاتها السياسية.
وبيّن أن أحد مظاهر القمع الانتخابي في الأنظمة السلطوية يتمثل في تضييق نطاق المنافسة لتأمين نتائج محددة سلفًا، مشددًا على أن دور المعارضة يتمثل في توسيع أي هامش ممكن وخوض معارك سياسية حقيقية، حتى وإن كانت في حدود ضيقة. واستشهد بمثال مفاده: “إذا تم ترحيل مناقشة قانون الإجراءات الجنائية إلى الدورة البرلمانية المقبلة، فهل لا يحق لنا أن نخوض الانتخابات لنقول للناس: انتخبونا من أجل إسقاط هذا القانون؟”
وأردف بأن أحزاب الحركة لا تشارك فقط من أجل حصد مقاعد، بل من أجل إيصال رسالة سياسية مفادها أن هناك من يمثل مصالح المواطنين ويدافع عنهم. الهدف هو إعادة ترسيخ قوى المعارضة كفاعل سياسي حقيقي، وبناء قاعدة جماهيرية تمهّد لمرحلة يكون فيها تمثيل هذه القوى أوسع وأعمق.
واختتم إسماعيل تصريحه بالتأكيد على أن استمرار المشاركة يبقى مرهونًا بعدم تعرض أحزاب الحركة للتضييق أو الملاحقات أثناء الاشتباك مع العملية الانتخابية. فإذا ضاقت الساحة تمامًا، فستضطر الحركة إلى التراجع، أما إذا بقيت نافذة صغيرة مفتوحة، فستحرص على استغلالها، باعتبار أن البقاء في الساحة، ولو بشكل محدود، جزء لا يتجزأ من بناء معارضة حقيقية ومستدامة.

تمسك بالمشاركة رغم الإحباطات
من جانبها، قالت جميلة إسماعيل، رئيسة حزب الدستور وعضو مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية، إن دخول الحركة إلى الحوار الوطني جاء مدفوعًا بأمل إحداث تحول ديمقراطي حقيقي في المشهد السياسي، إلا أن القانون الانتخابي الجديد جاء ليعكس استمرار نهج السيطرة الأمنية وإقصاء الإرادة الشعبية. وأشارت إلى أن البرلمان المقبل يبدو مهددًا بأن يكون مجرد إعادة إنتاج لمشهد سياسي تُهيمن عليه الأجهزة الأمنية، بدلًا من أن يُعبّر عن إرادة الناخبين.
وفي تصريح إلى زاوية ثالثة، شددت إسماعيل على تمسك الحركة بخيار المشاركة، رغم ما وصفته بالواقع المثقل بالإحباطات. وقالت: “نحن لا نزال نؤمن بأهمية تمثيل الشعب والتعبير عن طموحاته. هدفنا هو الوصول إلى برلمان يعكس إرادة المصريين، لا أن يُنتج بفعل المال السياسي أو النفوذ الأمني”.
وخلال كلمتها في المؤتمر الصحفي، اعتبرت إسماعيل أن الانتخابات البرلمانية القادمة تمثل “فرصة جديدة ضائعة”، تُضاف إلى سلسلة من الفرص التي أهدرها النظام لتحويل الغضب الشعبي المتراكم إلى طاقة سياسية بنّاءة تفتح أفقًا جديدًا للبلاد. وانتقدت بشدة الصيغة التي أُقر بها القانون الانتخابي، ووصفت إصرار السلطة على تمريره بأنه تعبير عن توجه مقصود لإغلاق المجال السياسي، داعية إلى التراجع عن هذا المسار وفتح المجال أمام مشاركة حقيقية تضمن الحد الأدنى من التعددية والتمثيل.

نوصي للقراءة: من الهامش إلى المحاولة: 6 أبريل وأمانة الشباب يبحثان عن حياة سياسية ممكنة
الاشتباك الانتخابي
أكد طلعت خليل، رئيس مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية، أن خيار المقاطعة لم يُطرح على طاولة النقاش داخل الحركة، رغم التحفظات العديدة على المناخ الانتخابي والقانون المعتمد. وشدد في حديثه إلى زاوية ثالثة على أن الحركة تعتبر المشاركة السياسية والاشتباك مع الاستحقاقات الانتخابية من الثوابت التي لا تُراجع إلا بقرار جماعي مدروس.
وأوضح أن القرار النهائي بشأن خوض انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب سيُتخذ بعد عودة كل رئيس حزب إلى الهيئة العليا لحزبه، مؤكدًا في الوقت ذاته أن مؤشرات العمل الداخلي لا تعكس توجهًا نحو المقاطعة، بل العكس. وأشار إلى أن الحركة بدأت بالفعل في تشكيل لجان انتخابية داخل أحزابها، وداخل الحركة نفسها، كما بدأت في استقبال استمارات الترشح بنظامي الفردي والقائمة.
ونوّه خليل إلى أن الغاية الأساسية للحركة هي إيصال صوت المواطنين إلى البرلمان من خلال قوائم انتخابية مستقلة ومرشحين أفراد لا يخضعون لقوائم الموالاة التي تُكرّس التبعية السياسية. وأضاف أن الحركة تزن خياراتها بناءً على ما يخدم المصلحة الوطنية، فإن رأت أن المشاركة تفتح نافذة لتمثيل حقيقي وفاعل، فلن تتردد في خوض المعركة الانتخابية، أما إذا تأكد لها أن شروط العدالة معدومة، فسيُتخذ القرار المناسب وفق قراءة شاملة للواقع.
وختم بالتأكيد على أن التحفظات القائمة على القانون الانتخابي والمخاوف من تأثير المال السياسي لا تُغفل البوصلة التي توجه الحركة، وهي السعي إلى ما يخدم المواطن المصري أولًا وأخيرًا، بما يفرض على الجميع مسؤولية مضاعفة في اتخاذ القرار النهائي بوعي وتأنٍ.