بدأت تنسيقية محليات الأحزاب – التي يشارك فيها ممثلو أحزاب الحركة المدنية- عقد تدريباتها، رغم عدم صدور قانون انتخابات المجالس المحلية، إذ عقدت أولى تدريباتها في 21 يوليو الماضي، بعد توقف دام لأكثر من عام. واستهدفت عددًا من المتدربين سواء من أعضاء أحزاب الحركة المدنية أو المستقلين، في إطار استعداد الحركة المدنية للانتخابات المحلية التي لم يحدد موعدها إلى الآن.
تنسيقية المحليات، لجنة انبثقت من الحركة المدنية تضم ممثلي الأحزاب للعمل على المحليات، بدأت بالعمل على إعداد مشروعات قوانين للمحليات، إضافة إلى وضع أطر عامة حول النظام الانتخابي الأمثل لتنتقل إلى مرحلة تدريب وتأهيل كوادر محلية قادرة على خوض الانتخابات القادمة. وتضم التنسيقية أحزاب (المصري الديمقراطي الاجتماعي، والإصلاح والتنمية، والمحافظين، والكرامة، والعدل، والدستور، والعربي الناصري، والعيش والحرية، والحزب الاشتراكي المصري).
أسباب نشأتها
تقول وفاء عشري – عضو التنسيقية والممثلة عن حزب العيش والحرية، تحت التأسيس-، إن فكرة تنسيقية المحليات بدأت عقب الدعوة للحوار الوطني التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية في رمضان 2021، واستجابت لها أحزاب الحركة المدنية.
توضح أن التنسيقية تعتبر واحدة من الملفات التي عملت عليها الحركة المدنية من أجل تقديم أوراق خلال جلسات الحوار التي قُسمت وفقا لموضوعاتها. وكان الهدف الرئيس من التنسيقية تقديم مشروع قانون انتخابات المحليات.
تضيف: “سعينا للخروج بمقترح يعزز مبدأي الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد المحلية والأموال العامة، وضمان استخدامها بكفاءة وفاعلية لصالح المجتمعات المحلية، إضافة إلى تعزيز الحوكمة التشاركية التي تسمح للمواطنين بأن يكون لهم رأي في عمليات صنع القرار على المستوى المحلي ومعالجة الفقر والتفاوت الاجتماعي داخل المجتمعات المهمشة وتعزيز التنمية المستدامة”.
تشير عضو العيش والحرية إلى أنه عند كتابة المادة المقترحة بخصوص القائمة الانتخابية هل تكون مغلقة مطلقة أم نسبية، حدثت اختلافات بين ممثلي الأحزاب ورأت الأغلبية أنه من الأفضل اقتراح القائمة النسبية من مبدأ تعزيز التفاوض مع الدولة التي أقرت القائمة المغلقة المطلقة في الانتخابات البرلمانية خلال السنوات الماضية، وهو النظام الانتخابي الذي تسبب في إقصاء المعارضة التي رفضت التحالف مع الأحزاب الموالية من العملية الانتخابية، وتقديم مقترح القائمة المغلقة في مشروع القانون معناه الرضوخ لما تفرضه الدولة دون محاولة أو تفاوض، حسب قول “عشري”.
توضح “عشري” أن تنسيقية المحليات ستظل مستمرة في عملها حتى بعد انتهاء الحوار الوطني، مضيفة: “من أجل الاستمرارية، أقدمنا على عمل أكاديمية تستهدف الأعضاء من شباب الأحزاب والمستقلين. وبالفعل بدأت دورات التدريب في يوليو الماضي”، مشيرة إلى أن كل حزب يرشح خمسة من أعضائه بحد أقصى للمشاركة في تلك التدريبات، إلى جانب المستقلين، إضافة إلى الاستمرار في مراجعة وتعديل القوانين ذات الصلة المتعلقة بالإدارة المحلية، مثل تخصيص نسب من الضرائب للموارد المحلية، والإجراءات المتعلقة بتراخيص الأراضي والمباني، والمتعلقة أيضا بتراخيص المرور.
كانت زاوية ثالثة قد رصدت الخلافات التي نشبت بين ممثلي أحزاب الحركة المدنية داخل التنسيقية حول القائمة الانتخابية المغلقة والنسبية في تقرير “ما نعرفه عن الخلافات حول نظام الانتخابات المحلية في مصر“، إذ جاءت عكس ما أكده منسق عام الحوار الوطني، ضياء رشوان، الذي أعلن في أغسطس الماضي عن توافق بين المشاركين في الحوار بشأن النظام الانتخابي للمحليات، ويبدو أن هناك حالة من عدم التوافق حول هذا المقترح، تبين من غياب بعض ممثلي الأحزاب من اجتماع التنسيقية الأخير.
إعداد كوادر سياسية
من جهته، يقول المحامي أحمد خميس – القيادي بحزب الدستور وعضو التنسيقية عن أكاديمية المحليات التي تعمل التنسيقية على إنشائها-، إن الأكاديمية خرجت من رحم تنسيقية المحليات المنبثقة من الحركة المدنية، موضحًا أن الهدف منها هو التدريب والتثقيف عن المحليات وما تتقاطع معه، لإعداد كوادر يمكن ترشحها في الانتخابات المقبلة سواء في المحليات أو البرلمان.
ويوضح أن التدريبات تدعم الوعي السياسي والسمات الشخصية، وأن البرنامج التدريبي قد انطلق بالفعل، فيما يتم تجهيز مجموعة من الندوات الشهرية والنصف شهرية والتي تستهدف المحافظات والأقاليم بخلاف القاهرة.
يستطرد القيادي بحزب الدستور قائلًا إن الأكاديمية ستعمل على إعداد ندوات جماهيرية، للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الفئات المستهدفة من المواطنين سواء داخل الأحزاب وخارجها.
وعن إمكانية العرقلة الأمنية، يقول “خميس”: سنحاول بقدر الإمكان العمل دون الاصطدام الأمني، حتى لو اضطررنا لعمل فاعليات تستهدف كافة المواطنين داخل أماكن مغلقة، كما إننا ندعو شخصيات عامة لتلك الفعاليات، مشيرًا إلى أن التكلفة المادية، أحد أبرز الأزمات التي عرقلت إنشاء الأكاديمية ولازالت، “توصلنا داخل التنسيقية إلى اتفاق بأن كل حزب أو كيان يسدد قيمة 500 جنيه شهريًا، ليكون نواة نستطيع التحرك بها، إضافة إلى محاولة جمع التبرعات من المهتمين، كما اتفقنا على أن التدريبات ستتم داخل مقرات أحزاب الحركة المدنية توفيرًا للنفقات”.
يؤكد “خميس” أن الكوادر التي تعمل تنسيقية المحليات على إعدادها ليست في مواجهة الكوادر الشبابية التي تعدها الدولة سواء من خلال التنسيقية أو غيرها من الكيانات، نظرًا لفرق الإمكانيات، لكنها بديلًا لمن يريد التدريب والتطوير والعمل السياسي وبخاصة أن التيار المدني تم إخراجه وحُرم من كافة التدريبات والمعسكرات التي تنظمها الدولة، إذ أنها وجهت لأشخاص بعينها.
ومنذ عام 2021، عمدت تنسيقية شباب الأحزاب إلى تطبيق تدريبات عن المحليات ودورها؛ ففي العام نفسه أطلقت التنسيقية صالونها الخاص لمناقشة دور الشباب في انتخابات المحليات، ومن ثم انطلقت في عدد التدريبات للدفع بالشباب على مقاعد انتخابات الإدارة المحلية.
رقابة شعبية مكبلة
تتحدث كريمة الحفناوي – عضو الحركة المدنية والقيادية بالحزب الاشتراكي المصري- إلى زاوية ثالثة، عن أهمية المحليات. تقول: “الإدارة المحلية بمثابة السلطة الشعبية المنتخبة والوسيط بين السلطة الحاكمة والمواطنين، التي تعمل على تقديم الخدمات المختلفة للمواطن، والرقابة على السلطة المحلية الحاكمة، بالإضافة إلى العمل على الارتقاء بخدمات التعليم والصحة والإسكان والنقل ورغيف العيش وغيرها من الخدمات والاحتياجات”.
تضيف أن المجالس المحلية الشعبية المنتخبة تمارس صلاحيتها فى وضع الخطط مع السلطة التنفيذية في المحافظة، وعلى المحافظين الذين يتم تعيينهم وتمارس المتابعة والرقابة وتفعيل وتنفيذ الخطط. وهناك مواد في دستور 2014، تنص على الإدارة المحلية والحق في مساءلة المحافظ وإمكانية سحب الثقة منه، مشيرة إلى أن توقف الانتخابات المحلية منذ أكثر من 15 عامًا، أدى إلى تردي الخدمات في المحافظات من جهة و استشراء الفساد من جهة أخرى.
توضح أن الأحزاب السياسية بشكل عام ومنها أحزاب المعارضة تسعى إلى ترشح أكبر عدد من أعضائها الحزبيين و القريبين منها، على سبيل المثال، النشطاء المتواجدون في الأحياء والقرى الذين يقدمون الخدمات لأهالي الحي بطرق مختلفة، مشيرة إلى أن المحليات هي المضخة الأساسية للدخول إلى البرلمان الخاص بالتشريع بعد ذلك، مؤكدة أن عدم وجود محليات ساهم في تردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية للمواطنين، وأن تأخير إجراء الانتخابات المحلية معناه مزيد من التردي في كافة أنحاء الجمهورية.
تعتبر الإدارة المحلية طبقًا للدستور المصري الذي أقر عام 2014 وتعديلاته في 2019 الفرع الثالث من السلطة التنفيذية بعد رئيس الجمهورية والحكومة، وقد أفرد الدستور فصلًا كاملًا لتنظيم آلية تقسيم الدولة إلى وحدات إدارية منها المحافظات، والمدن، والقرى، على أن يكون لكل وحدة إدارية موازنة مستقلة. وألزم البرلمان بإصدار قانون يتضمن شروط وطريقة تعيين أو انتخاب المحافظين، ورؤساء الوحدات الإدارية المحلية الأخرى، واختصاصاتهم، وطريقة الانتخاب لكل وحدة محلية خلال خمس سنوات والتي بدأت في يناير 2014، وانتهت بالفعل في يناير 2019.
قانون المحليات لا يفارق الأدراج
يستنكر عمرو الشريف – عضو حزب المحافظين وتنسيقية المحليات- عدم إصدار قانون المجالس المحلية حتى الآن، معتبرًا أن هناك مماطلة غير مبررة بشأن إصدار القانون.
يوضح أن محكمة القضاء الإداري قضت بقبول دعوى أقامها الحزب في مايو الماضي، ضد رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، لـ إلزامها بدعوة الجهات الإدارية لإجراء انتخابات المحليات.
وجاء في الدعوى التي أقامها حزب المحافظين، وفقًا لما نشره الحزب على صفحة الفيسبوك الرسمية، أن “القانون الخاص بالإدارة المحلية لم يصدر بعد وهذا ادعاء غير صحيح، فالقانون موجود ولم يلغ ومازال سارىًا حتى هذه اللحظة وهو القانون رقم 43 لسنة 1979 والخاص بنظام الحكم المحلي، والادعاء باحتياج القانون لبعض التعديلات فهذا ليس شأننا، فمجلس النواب منعقد لأكثر من عشر سنوات وأصدر المئات من القوانين فلماذا لم يصدر ويدخل التعديلات على القانون، فهذا الأمر لا يجوز أن يعتد به كـ شماعة لتحول بين الشعب وممارسة حقوقه الدستورية والعمل على عدم الالتزام وتنفيذ أحكام الدستور”.
وتعد هذه الدعوى الأولى من نوعها في تاريخ القضاء المصري، تطالب فيها جهة ما بإجراء الانتخابات بعد تعطيلها لسنوات، بينما يظل التاريخ حافل بالعديد بالقضايا والأحكام التي طالبت بإلغاء الإنتخابات.
وتعتبر مصر من أوائل الدول التي اعتمدت نظام الإدارة المحلية، وأنشأت لأول مرة تحت مُسمى “مجالس المديريات” كفروع للإدارة المركزية في جميع أنحاء البلاد بموجب “القانون النظامي المصري” الذي أصدره الخديوي توفيق عام 1883. ثم جاء دستور 1923 معترفًا بنظام الإدارة المحلية، وتضمنت المواد الدستورية اختصاصات والتزامات تلك المجالس. وتعاقبت الدساتير المصرية متضمنة نفس الاختصاصات حتى دستور 1971 الذي صدر بموجبه القانون رقم 43 لسنة 1979 بشأن نظام الإدارة المحلية والساري حتى الآن.
بموجب دستور 2014 وتعديلاته، ينقسم نظام الإدارة المحلية في مصر إلى “وحدات الحكم المحلي” وتتمتع بالشخصية الاعتبارية مثل (المحافظات، المدن، المراكز، الأحياء، القرى)، ولها الاختصاص الأصيل في إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة في دائرتها ومُباشرة جميع الاختصاصات التي تتولاها الوزارات بمقتضى القوانين واللوائح وفي حدود السياسة العامة للدولة وفقا للمادة 2 من قانون رقم 43 لسنة 1979. يضاف إليها “مجالس محلية” أو ما يعرف بـــ”المحليات” التي تشكل على مستوى كل وحدة من وحدات الحكم المحلي عن طريق الانتخاب المباشر.
وينتخب مجلس محلي لكل (محافظة، مدينة، حي)، تكون وظيفته الأساسية الرقابة على عمل تلك الوحدات المحلية ومتابعة أداء القائمين عليها ومحاسبتهم. وفي عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، سيطر الحزب الوطني الحاكم في ذلك الوقت، على مقاعد المجالس المحلية. ومع اندلاع ثورة يناير 2011، تمّ حلّ كافة المجالس الشعبية المحلية على مستوى الجمهورية بحكم قضائي أشار في حيثياته إلى فساد الحياة السياسية التي طالت المجالس المحلية.
ومنذ أكثر من ثمان سنوات تقريبًا، لم يتم انتخاب مجالس محلية جديدة، في الوقت الذي تقدمت فيه الحكومة أكثر من مرة بمشاريع قوانين خاصة بنظام الإدارة المحلية، كان آخرها المشروع المقدم في أبريل 2017، وناقشته لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، لكن القانون لم يفارق الأدراج من هذا التاريخ.