كان بهاء عثمان في الخامسة والثلاثين من عمره، يتمتع بصحة جيدة ولا يعاني من مشكلات صحية، حين أصيب فجأة بجلطة قلبية في يناير من عام 2022، بعد مرور أسبوعين فقط على تلقيه لقاح “أسترازينيكا” المضاد لفيروس كورونا؛ ما اضطره للخضوع إلى تركيب دعامة بالشريان التاجي بالقلب، واشتبه طبيبه في وجود علاقة بين الجلطة واللقاح، لكنه لم يستطع التأكد من صحة شكوكه.
ظلت الشكوك تساور الطبيب ومريضه إلا أن أقرّت شركة “أسترازينيكا” لأول مرة في إبريل الماضي أن لقاحها ضد فيروس كورونا، الذي تم تطويره مع جامعة أكسفورد، يمكن أن يسبب أعراضًا جانبية نادرة، تتمثل في تجلط الدم مع متلازمة نقص الصفيحات، يتسبب في إصابة الأشخاص بجلطات دموية وانخفاض في عدد الصفائح الدموية.
بعد اعتراف الشركة، سجل “عثمان” شكوى رسمية إلى مجلس الوزراء، تحمل الرقم “7922819” مرفقة بتقارير طبية مختومة، تثبت حدوث جلطة بالشريان التاجي بالقلب لديه، بعد تلقيه لقاح “أسترازينيكا” في المركز الصحي بمدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، مطالبًا وزارة الصحة باتخاذ اللازم، وأحيلت الشكوى إلى مديرية الشؤون الصحية بمحافظ الشرقية، التي أكدت في خطاب رسمي أنه تم تطعيم المواطنين بناءً على رغبتهم الشخصية، مجانًا، ولم يتم إجبار أي مواطن على تلقي اللقاحات، زاعمة أنها قامت بتطعيم نحو 2985403 جرعة “أسترازينيكا” لم يتم خلالها رصد أي حالات حدثت لها هذه المضاعفات، نافية وجود دليل على أن اللقاح تسبب في جلطة القلب.
رد المديرية لا يختلف عن تأكيدات مصطفى المحمدي – مدير التطعيمات في المصل واللقاح (فاكسيرا) بوزارة الصحة والسكان المصرية-، خلال تصريحات إعلامية أدلى بها في إبريل المنقضي، بأن اللقاحات في مصر وخاصة أسترازينيكا تم منحها تحت بند الموافقة الطارئة، وأن أي شخص تلقى اللقاح حصل عليه على مسؤوليته الخاصة، ووقع على استمارة “موافقة مستنيرة“.
وينفي “عثمان” أن يكون قد وقّع على نموذج إخلاء المسؤولية أو تم تحذيره من الآثار الجانبية المحتملة، مبينًا أنه لم يسع لأخذ اللقاح بناءً على رغبته الشخصية؛ بل بسبب الضغوطات التي فرضتها الشركات على العاملين بها، والمصالح الحكومية التي منعت الدخول إليها دون شهادة تلقي اللقاح، بناءً على تعليمات من رئاسة حكومة القاهرة.
متلازمة مناعية نادرة
في حين لم يتطلب الأمر مرور أكثر من يومين على تلقيها الجرعة الأولى من اللقاح نفسه في العام 2022، تفاجئت نهلة كرم، بـ ظهور كدمات زرقاء غير مؤلمة ونقاط حمراء انتشرت في جسدها، الأمر الذي جعلها تقصد عيادة طبيب أمراض الباطنة، الذي طلب منها إجراء تحليل دم، ليصدم كليهما بأن تعداد الصفائح الدموية لديها بلغ 35 ألفًا، بينما يتراوح تعداد الصفائح الدموية الطبيعي ما بين 150 إلى 400 ألف صفيحة لكل ميكروليتر من الدم، ويحيلها الطبيب إلى آخر مختص في أمراض الدم، وأخبرها أنها ثاني حالة نقص صفائح دموية تقصد عيادته بعد تلقيها لقاح “أسترازينيكا”، لكنه لا يستطيع الجزم قبل إجرائها لتحليل فيروس سي ونقص المناعة المكتسبة “الإيدز”، التي جاءت نتائجها سلبية، لتصبح أصابع الاتهام موجهة إلى اللقاح، لا سيما أن نهلة كانت في الـ32 من عمرها حينها، ولا تعاني من أي مشكلات صحية قبل حصولها عليه.
وصف لها الطبيب فيتامينات ساعدتها على التحسن قبل أن تزداد حالتها سوءًا وتنتشر النقاط الحمراء في مختلف جسدها ووجهها وتصيبها سيولة شديدة بالدم ونزف، ووصل تعداد الصفائح لديها إلى نحو 15 ألف فقط خلال مساء أحد الأيام، وبحلول الصباح كان التعداد قد نقص إلى سبعة فقط؛ لتصبح حياتها مهددة بالخطر، فتم حجزها على الفور بمستشفى الدمرداش مدة يومين، واضطر شقيقها لشراء صفائح دموية لها من بنك الدم، لكونها لم تكن متوفرة بالمستشفى، وبعد خروجها أصبحت مضطرة للحصول على جرعات عالية من مادة الكورتيزون.
وتوجد متلازمة مناعية نادرة الحدوث عند تلقي أيًا من لقاحات الناقل الفيروسي، ومنها: لقاحات “أسترازينيكا” و”جونسون آند جونسون” المضادة لـ”كوفيد 19″، تؤدي لحدوث نقص الصفائح الدموية أو التجلطات، ونسبة حدوثها شخص واحد من كل ثلاثة ملايين شخص يتلقى اللقاح، وتحدث خلال فترة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاث أسابيع من تلقي اللقاح، بحسب ما يفيد أمجد الحداد – رئيس قسم الحساسية والمناعة بـ شركة المصل واللقاح المصرية-، في حديثه إلى”زاوية ثالثة”.
ويعتبر أن فائدة التلقيح كانت كبيرة في ظل تفشي الجائحة ومعدلات الوفيات الناجمة عنها؛ حيث أن الإصابة نفسها بـ”كوفيد 19″، سببت لدى الكثير من المرضى جلطات في الرئة أو الشريان الرئوي أو المخ؛ ما أدى لوفاة بعضهم، مشيرًا إلى أن أعداد هؤلاء الضحايا تفوق بكثير أعداد من أصيبوا بالمتلازمة المناعية نادرة الحدوث بعد تلقيهم أحد لقاحات الناقل الفيروسي.
وفي إبريل من عام 2021، كانت وكالة الأدوية الأوروبية قد كشفت عن حدوث جلطات الجيوب الأنفية الوريدية الدماغية لدى مجموعة من الأشخاص بعد تلقيهم جرعة من لقاح أكسفورد/أسترازينيكا، ممن تقل أعمارهم عن 60 عامًا، بنسبة واحد من أصل كل 100 ألف شخص، في حين أعلنت مجموعة من الوكالات الصحية الأوروبية، في سبتمبر 2021، عن حدوث عرض جانبي نادر جدًا للقاحات، التي تصنعها شركة “فايزر” و”مودرنا”، تمثلت في التهاب عضلة القلب “مايوكاردياتس”، والتهاب السوائل التي تملأ الكيس المحيط بالقلب “التهاب التامور أو بيريكاردايتس”، وتتمثل الأعراض في حدوث آلام في الصدر، وضيق التنفس وخفقان أو تذبذب ضربات القلب.
ولا يعرف “الحداد” إذا كان قد تم تحذير متلقي لقاحات الناقل الفيروسي، داخل مراكز تلقي اللقاحات في مصر، من أنها قد تسبب أعراضًا جانبية نادرة الحدوث، لاسيما لمن يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو لديهم استعداد للإصابة بالجلطات، لكنه يوضح أنه وعدد من أطباء ومسؤولي مراكز المصل واللقاح حذروا من ذلك عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى كون بعض المواطنين كانوا يطلبون تلقيحهم بسبب الإجراءات الاحترازية المتعلقة بالسفر، وكونها معتمدة في دول العالم.
وسبق أن تقدم ضحايا لقاح أسترازينكا المضاد لكورونا في المملكة المتحدة، وحدها، بنحو 51 دعوى قضائية إلى المحكمة العليا للحصول على تعويضات من الشركة تصل إلى 100 مليون جنيه إسترليني، وكان أول الضحايا في بريطانيا، أب لطفلين يدعى جيمي سكوت، والذي أصيب بجلطة دموية ونزيف في الدماغ منعه من العمل بعد حصوله على اللقاح في أبريل 2021.ووفقاً للبيانات الرسمية، توفي 585 شابًا في بريطانيا حتى 2 فبراير 2022، تتراوح أعمارهم بين 12 و29 عامًا، خلال 12 أسبوعًا من تلقي لقاح كورونا، نتيجة إصابتهم بالتهاب عضلة القلب أو التهاب التامور وهو الغشاء المليء بالسوائل المحيط بالقلب، ووجهت أصابع الاتهام إلى لقاحات فايزر وموديرنا، غير أن العلاقة بينها وبين الوفيات، لم يتم إثباتها.
ويؤكد رئيس قسم الحساسية والمناعة بالمصل واللقاح أن الوضع الوبائي الآن اختلف عما كان عليه خلال تفشي الجائحة، وأن فيروس كورونا قد أصبح ضعيفًا؛ لذا لم تعد هناك حاجة لتلقي لقاح قد يسبب أعراضًا جانبية نادرة، وهو ما أدى لصدور قرار سحب لقاح “أسترازينيكا” من الأسواق.
وكان حسام عبدالغفار – المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان-، قد أعلن في يناير من عام 2022، أن إجمالي من حصلوا على الجرعة الأولى من لقاح كورونا يبلغ 37 مليون مواطن، فيما حصل 25.2 مليون مواطن على الجرعة الثانية، وحصل 580 ألف مواطن على الجرعة الثالثة التنشيطية، وبلغ إجمالي عدد الجرعات المستهلكة من لقاح كورونا 62819935 جرعة.
وسبق أن أعلنت وزارة الصحة والسكان المصرية، في مارس 2023، أن إجمالي عدد الوفيات الناجمة عن كوفيد 19 في مصر بلغ 24 ألفًا و812 وفاة، وحّلت مصر في المركز 43 عالميًا في قائمة الدول التي لديها عدد وفيات تم إبلاغ منظمة الصحة العالمية بها، ووصل إجمالي الإصابات 515 ألفًا و759 إصابة.
إجراء روتيني لإخلاء المسؤولية
يؤكد محمد حسن خليل – خبير النظم الصحية ورئيس لجنة الدفاع عن الحق في الصحة هي لجنة شعبية حددت المطالب الخاصة بالصحة، ومقرها بالقاهرة -، أن الموافقة المستنيرة على أي إجراء طبي بدءًا من أي شيء يدخل إلى الجلد مثل: حقن الصبغة لإجراء أشعة ووصولًا إلى العمليات الجراحية، لإطلاع المريض على الإيجابيات والسلبيات لهذا الإجراء والمخاطر أو الآثار الجانبية المحتملة، تعد أحد حقوق المرضى، وإجراء متبع في القطاعات الطبية في معظم دول العالم؛ لكن في مصر لا يتم تنفيذها على النحو الصحيح إلاّ في حالات فردية من بعض الأطباء؛ إذ تكتفي المستشفيات عادة بالحصول على توقيع المريض أو ذويه على إقرار يفيد بموافقته على العملية الجراحية كإجراء روتيني لإخلاء مسؤوليتها، مبينًا أن الظروف المتعلقة بتفشي وباء كوفيد 19، حالت دون تطبيق “الموافقة المستنيرة” على اللقاحات، لاسيما أن عنصر الوقت لم يكن في صالح إجراء تجارب علمية كافية لمعرفة الآثار الجانبية غير الشائعة للقاحات كورونا وتأثيراتها على المدى الطويل.
ويوضح خبير النظم الصحية أنه ليس من حق أي جهة إجبار المواطنين على إجراء طبي، إلاّ أنه يعتبر أن حالة تفشي وباء تعد وضعًا استثنائيًا يسمح باتخاذ بعض التدابير الاحترازية ومنها إلزام الموظفين العاملين في مؤسسات تكتظ بالمواطنين بالحصول على اللقاحات للحيلولة دون تفشي الوباء، معتقدًا أن المخاطر والوفيات الناتجة عن تفشي وباء كورونا خلال ذروته أكبر من التأثيرات الجانبية والمخاطر المحتملة للقاحات، التي تضمنت حدوث الجلطات ونقص الصفائح الدموية ووصلت في حالات نادرة للوفاة.
ويشير إلى كون الشركات المنتجة للقاحات ماطلت وتحفظت لفترة طويلة على الكشف عن التأثيرات الجانبية الخطيرة غير الشائعة، للحفاظ على أرباحها من بيع اللقاحات التي بلغت مليارات الدولارات، وأن الكشف عنها جاء في ظل وجود توجهات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لرفض التطعيمات بشكل عام، مستندين على حقائق شبه علمية مغلوطة مثل: كون الألومنيوم الموجود في معلقات حفظ اللقاحات تسبب التخلف العقلي والتوحد والشلل الدماغي.
الحكومة لم تتعمد الإخفاء
ينفي أيمن سبع – الباحث في ملف الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية-، أن تكون وزارة الصحة المصرية كانت على علم بالآثار الجانبية غير الشائعة للقاحات كورونا وعلى رأسها “أسترازينيكا”، وتعمدت إخفاء ذلك على المواطنين، مؤكدًا أنها كانت ملتزمة بتوجيهات منظمة الصحة العالمية المتعلقة بمكافحة كوفيد 19، التي تضمنت إجراءات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات وإعطاء اللقاحات والتي حصلت على موافقة الصحة العالمية وإدارة الأدوية الفيدرالية الأميركية “أف دي آي”.
ويرى “سبع” صعوبة إثبات وجود علاقة بين اللقاحات وبعض الآثار الجانبية النادرة والتي قد تصل إلى حد الوفاة، كونها تحتاج إلى العديد من الأبحاث العلمية ووقت طويل لاكتشافها، مستشهدًا بكون أضرار السجائر لم تكتشف إلا بعد نحو 50 عامًا من صناعتها والترويج لها، وكذلك الحال بالنسبة إلى الألبان الصناعية للأطفال التي ثبت فيما بعد كونها ليست أفضل من الرضاعة الطبيعية، إضافة لتسبب الحقن الزجاجية في نقل أمراض الدم وتفشي فيروس سي بين المصريين، معتبرًا أن لكل الأدوية آثار جانبية وبعضها تكون خطيرة وقد تسبب الوفاة، وأن أضرار اللقاحات لا تقل عن مخاطر تفشي الوباء.
في حين يعتقد علاء الغنام – خبير السياسات الصحية ومدير برنامج الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية-، أنه يصعب إثبات العلاقة بين لقاحات كوفيد 19، وبعض المشكلات الصحية التي حدثت لمن تلقوها، لا سيما إن حدثت بعد مرور أكثر من أسبوعين، وإن حصل المتلقي على جرعات من لقاحات مختلفة، مشيرًا لكونه حصل على ثلاث جرعات من لقاحات كورونا وكانت الثالثة من إنتاج شركة “أسترازينيكا”، وبعد مرور عامين على ذلك، أصيب بجلطة، وهو لا يعرف إن كانت هناك علاقة بين الجلطة واللقاح أم لا، لصعوبة إثبات ذلك.
ويرى “غنام” أنه لم يحدث إجبار للمواطنين في مصر على تلقي لقاحات كوفيد 19، لا سيما أن عدد اللقاحات كان محدودًا، وأن من تلقوها نسبة قليلة مقارنة بعدد السكان، موضحًا أن من تطوعوا للاشتراك في التجارب السريرية للقاح الصيني قاموا بالتوقيع على الموافقة المستنيرة، مؤكدًا أن ما حدث في مصر من إجراءات للتعامل مع الجائحة جاء ضمن حالة المبالغة العالمية في التعامل مع الجائحة وتهويل بشأن خطورتها، التي جعلت شركات الأدوية ومعامل التحاليل والقطاعات الطبية حول العالم تحقق مكاسب طائلة.
الإجبار على تلقي اللقاحات
لا يُحمّل مالك عدلي – المحامي البارز في مجال حقوق الإنسان ومدير شبكة المحامين في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية-، الشركات المنتجة للقاحات كورونا، مسؤولية الآثار الجانبية غير الشائعة التي أصابت بعض المواطنين في مصر؛ لكونها كشفت عن أن لقاحاتها لم تتعرض لتجارب سريرية كافية، وحذرت بعضها من آثار جانبية محتملة كالتجلطات.
في الوقت نفسه، يلوم الحكومة المصرية المستقيلة مؤخرًا على حزمة من القرارات والإجراءات الإدارية التي اتخذتها خلال تفشي جائحة كورونا، وقد تضمنت إجبار لقطاعات واسعة من المواطنين على تلقي لقاحات كوفيد 19، مثل: عدم السماح لطلاب الجامعات بالدخول إلى الجامعة دون تلقي اللقاح أو إجبار موظفي القطاع العام على التلقيح، وإلزام المحامين بإحضار شهادة الحصول على التطعيم للولوج إلى المحكمة، أو عدم استخراج أوراق رسمية أو تجديد رخصة السيارة بدون شهادة التلقيح، مؤكدًا أنه لا يوجد أي نص قانوني يعطي الحكومة الحق في ذلك، حيث لا يتم الإجبار على إجراء طبي ضروري إلا في الحالات المهددة للحياة وفي حالات فقدان الأهلية أو فقدان العقل، إلا أن حالة جائحة كورونا كانت الأولى من نوعها في العصر الحديث وصاحبتها إجراءات استثنائية غير مسبوقة، مشيرًا إلى تجارب دول أخرى في ترك خيارات غير ملزمة لمواطنيها بأخذ اللقاحات، مثل: العمل والدراسة أونلاين، والاستثناء لأسباب صحية.
ويرى “عدلي” أن مصر تعاني بالأساس من تردي الخدمات الصحية ونقص الشفافية وتداول المعلومات، إضافة إلى هيمنة الشركات العابرة للقارات وتأثيرها على بعض القرارات، معتبرًا أن هذه الأسباب أدت إلى عدم كشف وزارة الصحة عن وجود حالات تضررت من اللقاحات أو توفيت بسبب آثارها الجانبية غير الشائعة، مبينًا أنه كان يتم عادة إجبار متلقي اللقاحات على التوقيع على إخلاء للمسؤولية، ويحصل عليها المواطن على مسؤوليته الشخصية، رغم كونه قد يكون مجبرًا على ذلك.
وكان المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، قد أوضح في تقرير صادر عنه في مارس 2021، إرشادات ما قبل تلقي اللقاح المتمثلة في ضرورة إخبار الطبيب عند الشعور بأية أعراض مرضية قبل تلقي اللقاح، وإخبار الطبيب بالتاريخ المرضي بالتفصيل، وما إذا كان هناك معاناة من أي مرض مزمن ومدى التحكم به والخطة العلاجية، فضلاً عن إخبار الطبيب بأي رد فعل تحسسي من أي من اللقاحات التي تلقاها سابقًا.
إلا أن العديد من المواطنين الذين تحدثت معهم “زاوية ثالثة” نفوا أن يكون قد تم سؤالهم عن ذلك أو تحذيرهم من الآثار الجانبية غير الشائعة، في حين أُلزم البعض بالتوقيع على نموذج يتضمن بيانات مُتلقي اللقاح الشخصية، وطبيعة فحصه وحالته الصحية قبل الحصول على التطعيم، وأن المتلقي وافق على أن اللقاح ليس إجباريًا، ولا يحمي من عدوى فيروس كورونا المستجد بشكل كامل، لكنه قد يقلل من فرص حدوثها ومن فرصة حدوث أعراض حادة أو مضاعفات خطيرة، وأن اللقاح قد تم منحه رخصة “الاستخدام الطارئ” فقط، وأنه تلقى شرحًا وافيًا عن اللقاح الذي اختاره وعن الآثار الجانبية والمضاعفات، والعلم بجميع الآثار الجانبية والمضاعفات المحتملة والمرتبطة بتلقى اللقاح، وكذلك بكافة المخاطر والفوائد المحتملة والمرتبطة بتلقى اللقاح، وإعفاء الدولة والسلطات والجهات الصحية في البلاد وموظفيها ووكلائها، والشركات التابعة لها ومصنعي اللقاح وموظفيهم، وموردي اللقاح، وتابعيهم ووكلائهم من أي وجميع المسؤوليات أو المطالبات لأي من الأسباب المعروفة وغير المعروفة والتي قد تنشأ أو تتعلق أو ترتبط بأي شكل من الأشكال بتلقى اللقاح، إلا في حالة الإخلال الجسيم أو المخالفة الصريحة للقواعد والممارسات الطيبة السليمة.
الدعوى مرفوضة
سبق أن تقدم عدد من المواطنين بدعوى قضائية في عام 2022، ضد قرارات الإجبار على اللقاح في مصر، تحمل رقم 4912 لسنة 76 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، طالبوا بإلغاء قرار مجلس الوزراء، الصادر في 19 أكتوبر 2021، بحظر دخول العاملين بالمنشآت الحكومية دون لقاح، بدءًا من 15 نوفمبر 2021، وإلزام الموظف بتقديم تحليل البي سي آر بالنتيجة السلبية، كل ثلاثة أيام، للسماح له بدخول مقر عمله.
ووفقًا للمحامي الحقوقي أسعد هيكل في حديثه معنا، وكان قد تقدم بالدعوى نيابة عن 12 مدعي إضافة إلى 10 مواطنين آخرين انضموا إليها، فإن المحكمة قضت في 28 مايو عام 2022، بقبول الدعوى شكلًا ورفضها موضوعًا، وجاء الحكم بسبب صدور القرارات عن اللجنة العليا لإدارة أزمة الأوبئة والجوائح الصحية، برئاسة مجلس الوزراء، التي تضمنت منع دخول المواطنين والعاملين بالمنشآت الحكومية دون تلقي اللقاح أو تقديم شهادة تحليل البي سي آر، لم يمضي عليها أكثر من ثلاث أيام، استنادًا إلى المادة الثانية من قرار رئيس الوزراء، مبينًا أنه طعن على الحكم أمام الدائرة الأولى في المحكمة الإدارية العليا، في القيد رقم 77539 لسنة 68 قضائية عليا.
ويرى “هيكل” أن تلك الإجراءات صاحبها مبالغة وتعسف وأدت إلى تعطيل مصالح المواطنين وقطع أرزاقهم، وبها انتهاك لحق إرادة المواطن في تناول الدواء من عدمه.
ويؤكد أنه ليس من حق السلطة إجبار المواطنين على تناول عقار ما، لا سيما أن اللقاحات كانت تحت التجربة ولها آثار جانبية على البعض، مشيرًا لإمكانية لجوء المتضررين من اللقاحات للقضاء، إذا ثبت وقوع الضرر ووجود علاقة بينه وبين اللقاح، مستشهدًا بالمادة 163 من القانون المدني، التي نصت على الالتزام بالتعويض على كل خطأ سبب ضررًا للغير، وأورد عبارة النص في صيغة عامة؛ بما يجعلها شاملة لكل فعل أو قول خاطىء سواء أكان مكونًا لجريمة معاقبًا عليها، أم كان لا يقع تحت طائلة العقاب.
وجد “بهاء” نفسه مضطرًا للعيش مع دعامة قلبية وهو شاب، تحول دون ممارسة حياته بشكل طبيعي وتهدده باحتمالية وقوع مضاعفات مستقبلية، وقد أصيب بخيبة أمل من رد مديرية الصحة عليه، بينما واجهت “نهلة” انتكاسة جديدة مؤخرًا بسبب نقص الصفائح الدموية والتي تسبب لها نزيفًا، رغم مرور عامين على تلقيها اللقاح، وتعتبر نفسها أكثر حظًا من آخرين أصيبوا بجلطات بجانب الحالة التي تعاني منها؛ في حين يعاني آخرون بصمت، ويعتقد غيرهم أن اللقاح كان سببًا في وفاة أقرباء لهم نتيجة الجلطات، دون أن يتمكنوا من إثبات الأضرار التي لحقت بهم ومقاضاة المسؤولين عنها.