ضحايا التجميل في مصر.. عدوى وتشوهات في مراكز خارج الرقابة

“كنتُ منهارة نفسيًا وشعرتُ أن حياتي تحطمت.. لم أتخيل أن زيارة مركز تجميل قبل زفافي ستحول حياتي إلى كابوس بعد إصابتي بفيروس خطير.”
Picture of آية ياسر

آية ياسر

 قبل شهر من حفل زفافها قصدت نسمة (26 عامًا)، أحد مراكز التجميل والعلاج بالليزر، بمدينة الزقازيق في محافظة الشرقية، لإجراء جلسات لإزالة الشعر من الجسم بالليزر، ولكن بعد مرور ثلاثة أسابيع لاحظت ظهور مجموعة من النتوءات الخشنة البارزة في منطقة الأعضاء التناسلية، تملكها القلق وزارت من فورها طبيبة أمراض جلدية، ليصدمها التشخيص بأنها مصابة بمرض السنط التناسلي، وهو نوع من العدوى الفيروسية التي يسببها فيروس الورم الحليمي البشري (HPV – Human Papillomavirus).

سألتها الطبيبة عما إذا كانت متزوجة، فأجابت بالنفي، وأوضحت للطبيبة أنها يفترض بها أن تتزوج بعد أسبوع من الآن، فشرحت لها الطبيبة أن السنط التناسلي لا ينتقل إلا عبر الاتصال المباشر بين الجلد والجلد أو من خلال العلاقة الجنسية، وبالتالي فإن إصابتها تعرض شريكها للإصابة بالفيروس، وسألتها عما إذا كانت قد حصلت من قبل على لقاح فيروس الورم الحليمي البشري للحماية من سرطان عنق الرحم وسرطان المهبل، فأجابت نافية، وشرحت لها أن معظم الحالات المصابة بهذا الفيروس تشفى من تلقاء نفسها في غضون عام أو اثنين، لكن في بعض الحالات تصبح الإصابة به مزمنة، وتتطور إلى سرطان عنق الرحم.

تقول إلى زاوية ثالثة: 

“كنت منهارة نفسيًا في ذلك الوقت شعرت وكأن أحدًا سكب فوق رأسي دلو ماء بارد، ورأيت حياتي المستقبلية تتحطم أمام عيناي.. أخبرت الطبيبة أنني لم تسبق لي ممارسة الجنس، ولا أعرف كيف تعرضت للإصابة، وتساءلت إذا كان هناك علاج لمرضي؟، وهل يجب عليّ إلغاء حفل زفافي؟، وعندما سألتني الطبيبة عما إذا كنت قد قصدت مركز تجميل مؤخرًا، أخبرتها بأنني خضعت لجلسات الليزر في أحد مراكز التجميل، وهنا اتضحت الصورة بأكملها، قالت الطبيبة إنني لست الحالة الأولى التي تقابلها مصابة بعدوى من مركز تجميل لا يلتزم بتعقيم الأدوات بالشكل الكافي، ولهذا انتقلت العدوى من شخص آخر مصاب بالفيروس، أجريت له الجلسة قبلي”.

وجدت نسمة نفسها مضطرة لإخبار خطيبها بحقيقة الأمر، وطلبت منه تأجيل حفل الزفاف، ولحسن حظها كان متفهمًا للأمر، لكن كليهما تكبد خسائر مادية بسبب اضطرارهما لتأجيل حجز قاعة الزفاف، وفكرت في الملاحقة القضائية لمركز التجميل، لكنها خشيت من عدم إمكانية إثبات كونه متسببًا في العدوى، وفي النهاية تلقت نسمة علاجًا لإزالة الثآليل التناسلية عبر أشعة الليزر الصبغي، وتطلب التعافي منها نحو ثلاثة أسابيع، لكنها تركت بعض الآثار والندوب تطلبت الحصول على كريمات تجميلية لإزالة آثار الندبات، تحت إشراف الطبيبة.

وخلال الصيف الماضي، قصدت دينا (32 عام)، أحد مراكز التجميل في حي مدينة نصر بالقاهرة، لعمل جلسة تقشير بارد للبشرة، وهو إجراء غير جراحي يهدف إلى إزالة طبقة الجلد السطحية التالفة للكشف عن الطبقة الأكثر صحة وشبابًا، لكنها لاحظت الزحام الشديد في المركز، وعندما حان دورها للدخول لغرفة أخصائية التجميل، التي يدعوها العاملين بالمركز بالطبيبة، تفاجئت بدخول السكرتيرة لتخبرها بأنها مضطرة لإدخال حالة أخرى معها هي قريبة لها، وفي عجلة من أمرها، وبالفعل دخلت السيدة مصطحبة معها ابنتها الصغيرة حاملة في يديها حلويات ورقائق البطاطس.

ولم تراعِ أخصائية التجميل بالمركز أي اعتبارات للنظافة الشخصية وإجراءات السلامة والحماية من العدوى فراحت تجري التقشير البارد لوجه دينا، بينما تقوم بإجراءات تجميلية أخرى لوجه السيدة الأخرى، ولم تقم بتغيير القفازات أو تعقيم يديها وأدواتها، وبعد مرور ثلاثة أيام من الجلسة وتقشر جلد وجه دينا بالكامل، صُدمت بظهور كمية كبيرة من البثور والدمامل في الوجه، التي سببت لها إحمرارًا وحكة، وحين اتصلت بمركز التجميل أخبروها أنها حساسية، وطالبوها بأخذ دواء زيرتك لعلاج الحساسية، ولم يسمحوا لها بالحديث مع طبيبة التجميل المزعومة التي أجرت لها جلسة التقشير، وهو ما دفعها لزيارة عيادتي طبيبي أمراض جلدية، للتأكد من تشخيص حالتها.

تقول إلى زاوية ثالثة: “الطبيبين الذين قمت بزيارتهما أجمعا على أني مصابة بالميكروب السبحي، نتيجة الإصابة ببكتريا عقدية، بسبب غياب التعقيم والنظافة في المركز، ووصفا لي مضادات حيوية موضعية ومضادات للهيستامين ومسكنات للألم، وقمت بالنشر على إحدى مجموعات التواصل الإجتماعي، في ذلك الوقت لفضح هذا المركز وتحذير الفتيات والسيدات من الذهاب إليه”.

تنص المادة الأولى من قرار وزير الصحة والسكان رقم لسنة 2006، بشأن تنظيم استيراد واستخدام أجهزة الليزر في الأغراض الطبية، – استنادًا إلى القانون رقم 415 لسنة 1954 بشأن مزاولة الطب، والقانون رقم 127 لسنة ،1955 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة، وقرار رئيس الجمهورية رقم 242 لسنة 1996 بتنظيم وزارة الصحة والسكان -، على حظر استيراد اجهزة الليزر المستخدمة في الأغراض الطبية إلا بعد الحصول على موافقة استيرادية من مركز التخطيط والسياسات الدوائية بوزارة الصحة والسكان، ولا تصدر هذه الموافقة إلا بعد الحصول على شهادة من المعهد القومي لعلوم الليزر بجامعة القاهرة تفيد صلاحية الجهاز للاستخدام الآمن في مجال التطبيق الخاص به، استيفاء الشروط العامة المعمول بها في مركز التخطيط والسياسات الدوائية بالنسبة لاستيراد الأجهزة والمستلزمات الطبية .

 

نوصي للقراءة: كيف تحولت تجارة الأدوية منتهية الصلاحية إلى سوق مربحة؟

فوضى انتشار مراكز التجميل

في حين قصدت أمنية (43 عامًا)، بعد تجربة انفصال مؤلمة، إحدى مراكز التجميل في منطقة التجمع الخامس بالقاهرة، باحثة عن حل لعلاج الهالات السوداء أسفل العينين، وراغبة في الحصول على بشرة نضرة ومظهر مثير للشفتين، في محاولة منها للخروج من الحالة النفسية السيئة التي مرت بها، لذا خضعت لجلسة تقشير الجلد الجزئي بالليزر، عبر جهاز الفراكشنال ليزر، – وهي تقنية تجميلية غير جراحية يتم خلالها تسليط حزم دقيقة من الليزر الجزئي إلى الطبقات السفلية من الجلد لتحفيز النمو السريع لأنسجة صحية جديدة -، كما قامت أخصائية التجميل في المركز بحقن شفتيها بمادة الفيللر، وكذلك أسفل العينين، بحجة تخليصها من الهالات السوداء تحت العينين، ولتخفيف الانتفاخات والتجاعيد بالجفون.

أخبرتها أخصائية التجميل، التي تزعم أنها طبيبة، أن شفتيها ومنطقة أسفل عينيها قد يصيبهما بعض التورم لوقت قصير، ولكن في اليوم التالي لاحظت أمنية حدوث تورم شديد وظهور تكتلات أسفل الجلد المحقون بمادة الفيلر، وحين تواصلت مع المركز وأرسلت لهم صورة لوجهها عبر تطبيق واتساب، أخبرتها الموظفة أن ذلك شيء طبيعي وسيزول التورم من تلقاء نفسه، ولكن بعد مرور أسبوع ظهرت بثور كثيرة في مختلف أجزاء وجهها، لذا قررت الذهاب إلى مركز التجميل وحجز موعد مع الأخصائية والتي حاولت إعفاء نفسها من المسؤولية وزعمت أن السبب يرجع لحساسية بشرة الضحية، واستخدامها لزيوت أو كريمات للشعر، وعرضت عليها إجراء جلسة تقشير أخرى، لكنها رفضت، فأقنعتها بالخضوع إلى جلسة ديرمابن، وهو علاج بالإبر الدقيقة لتحسين الندبات وندبات حب الشباب وعلامات التمدد والتجاعيد وتغير اللون وتجديد شباب الجلد، لكن الأمر إزداد سوءًا.

تقول إلى زاوية ثالثة: “بعد الجلسة التهبت بشرة وجهي بشدة، وأصبح أسفل عيني أسود اللون، وانتظرت بضعة أيام على أمل التحسن كما أخبرتني الأخصائية التي أشك في أنها طبيبة، لأنها رفضت أن تصف لي أي دواء، لكني لم أتحسن وقصدت طبيب أمراض جلدية والذي شخص إصابتي بعدوى بكتيرية، قال إنها على الأرجح انتقلت لي خلال جلسة التقشير الجزئي بالليزر، وأنهم على الأرجح استخدموا مواد فيللر رديئة الصنع في حقن شفتاي وأسفل عيناي مما سبب لي الحساسية”.

حصلت أمنية على علاج بالمضادات الحيوية لمدة ثلاثة أسابيع، توقفت خلالها البثور عن الظهور، لكنها خلفت بقعًا في بشرتها، ولازالت تعاني من الحساسية المتكررة والالتهابات بالبشرة، التي تخلّف آثارًا على وجهها تشبه حروق أشعة الشمس، ولا تزال تعاني من لون داكن أسفل العينين، وهي تشعر بالأسف بسبب ما حل بوجهها بسبب مركز التجميل، إضافة لخسارتها لآلاف الجنيهات التي دفعتها نظير الإجراءات التجميلية الفاشلة التي خضعت لها، وازدادت حالتها النفسية سوءًا.

 

نوصي للقراءة: حقنة قاتلة.. كيف تحولت المضادات الحيوية إلى خطر يهدد حياة المصريين؟

حروق وتشوهات وعدوى

يوضح د. عصام فرج، أستاذ الأمراض الجلدية بكلية طب جامعة عين شمس، وهو متخصص في علاج الأمراض الجلدية والتجميلية، إلى زاوية ثالثة، أن من يقوم بأي إجراءات تجميلية يجب أن يكون متخصصًا ويحمل على الأقل شهادة ماجيستير في التجميل، أما الدخلاء على مهنة التجميل من منتحلي صفة طبيب فغير مرخص لهم بالعمل في مصر، ولا يتم الاعتراف بشهاداتهم الوهمية خارجها، ويتسبب قيامهم بإجراءات تجميلية دون ترخيص، في كوارث صحية لا تنتهي بالنسبة للحالات التي تتعامل معهم، أقلها الحروق الناجمة عن سوء استخدام الليزر والندبات والتشوهات في الجلد، والتي تتطلب وقتًا طويلًا لعلاجها، مرورًا بعدوى الأمراض الجلدية، ومرض السنط التناسلي الناتج عن فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، وهو منتشر بشكل كبير، يجب مكافحته بقوة.

 

ويحذر أستاذ الأمراض الجلدية النساء من الحصول على جلسات إزالة الشعر بالليزر على أيدي أشخاص غير متخصصين، نظرًا لكون الطبيب المتخصص وحده هو من يدرك مخاطر الليزر وكيفية تجنبها، وآليات الوقاية من العدوى؛ إذ يمكن أن تنتقل الأمراض الجلدية أو الفيروس الحليمي عبر البخار الناتج عن جهاز الليزر، والذي يتطلب تركيب شفاط، وتعقيم رأس الجهاز بعد استخدامه لكل حالة على حدة.

فيما يُبين د. أحمد جميل الشرقاوي، أستاذ جراحة التجميل بكلية الطب بجامعة القاهرة، نائب رئيس الجمعية المصرية لجراحي التجميل، إلى زاوية ثالثة، أن غير المتخصصين من منتحلي صفة طبيب، ويستخدمون جهاز الليزر ويقومون بالحقن بالبوتوكس والفيللر، معتقدين أن الأمر لا يحتاج إلى خلفية علمية، فيكتفون بالحصول على دورة تدريبية بسيطة لتعلم التقنية وتقليدها دون فهم الأساس التشريحي والمضاعفات المحتملة وكيفية تجنبها والتعامل معها، مما يجعلهم عرضة للتسبب في العديد من المضاعفات الذين هم غير مؤهلين للتعامل معها ويؤخرون علاج المريضة بمحاولة طمأنتها أو استخدام علاجات غير مجدية، قبل أن يلجأوا في النهاية لتحويلها إلى طبيب مختص، محذرًا الجمهور من اللجوء إلى الخيارات الأقل سعرًا بالنسبة لعيادات ومراكز التجميل، والخضوع لغير المتخصصين، والذين قد يتسببون لهم بمضاعفات خطيرة كالحروق والندبات والبقع البيضاء لدى أصحاب البشرة السمراء والبقع الداكنة لدى أصحاب البشرة الفاتحة، الناتجة عن الاستخدام الخاطئ لليزر، وعدم القيام باختبار قبل الجلسة، كاشفًا عن معالجته لبعض ضحايا غير المتخصصين، الذين سببت لهم جلسات الليزر بقعًا أو حروقًا في البشرة، كما أن البعض تعرضوا لندبات أو التهابات وتورم نتيجة التعرض لحقن مواد فيلر رديئة.

ويعزي الشرقاوي، حالات العدوى الناتجة عن جلسات الليزر التي يجريها غير متخصصين، إلى استخدام غيارات غير معقمة بعد إجراء الجلسات، أو استخدام عازل بلاستيكي “تمبلت” غير معقم وتكرار استخدامه من مريضة لأخرى، أو عدم ارتداء من يستخدم الجهاز للقفازات المعقمة، أو ارتدائه لنفس القفاز خلال جلسات أكثر من حالة، لاسيما أن الليزر يزيل طبقة من الجلد مما يزيد من فرص العدوى، نفيًا أن يكون جهاز الليزر نفسه هو ما يتسبب في عدوى لأنه عبارة عن طاقة ولا يلمس جسم الإنسان

لا توجد إحصائية رسمية حديثة، تظهر أعداد مراكز وعيادات التجميل في مصر، سواء المرخصة منها أو غير المرخصة، إلا أن تقديرات فاليو لدراسات الجدوى، تظهر أن عدد المنشآت الطبية التجميلية في مصر حوالي 524 عيادة بالإضافة إلى 50 مستشفى تقدم الخدمة الطبية التجميلية، في حين يوجد حوالي 10 آلاف مركز تجميل ومليون محل كوافير في البلاد، ويوفر هذا القطاع نحو 2 مليون فرصة عمل، حسب إحصائيات شعبة أصحاب الكوافيرات، بغرفة القاهرة التجارية، في عام 2015، بينما يظهر بيان صادر عن وزارة الصحة والسكان، في فبراير عام 2022، – بشأن جهود الوزارة لمواجهة فوضى انتشار مراكز التجميل في القاهرة والمحافظات، غير المرخصة أو التي تضم غير المختصين من الأطقم الطبية- ، أن الحملات المكثفة على المراكز الطبية أسفرت عن ضبط أكثر من 3000 منشأة مخالفة وإحالتها للتحقيق، كما تلقت إدارة العلاج الحر والتراخيص الطبية بالوزارة، أكثر من 1300 شكوى خلال العام 2021، وتم التحقيق فيها، وذكرت الوزارة وقتئذٍ أنها أعدت قائمة بأسماء المراكز الطبية والتجميلية غير المرخصة ووعدت بتعميمها لمنع التعامل معها.

وطبقًا للإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص بوزارة الصحة، فإن المخالفات التي تم رصدها أثناء المرور على أكثر من 40 ألف منشأة طبية بالقاهرة والمحافظات، خلال عام 2021، تنوعت بين عدم تطبيق سياسات مكافحة العدوى، وإدارة المنشآت بدون تراخيص، ووجود عمالة غير مؤهلة وغير حاصلة على ترخيص بمزاولة المهنة، إضافة إلى العثور على أدوية مغشوشة ومنتهية الصلاحية، تم التحفظ عليها وتحرير محاضر بكمياتها.

 

نوصي للقراءة: من يتحكم في دواء المصريين؟ السوق السوداء تتصدر المشهد

إغلاق مراكز تجميل مخالفة

خلال السنوات القليلة الماضية تعددت حملات إغلاق مراكز التجميل، سواء غير المرخصة التي يديرها منتحلي صفة طبيب أو طبيبة تجميل أو أمراض جلدية، أو تلك المخالفة لإجراءات الحماية من العدوى، إلا أن وتيرة تلك الحملات قد تسارع خلال الأشهر القليلة الماضية، تزامنًا مع رواج الإعلانات الترويجية لمراكز التجميل والليزر، غير المرخصة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما تطبيق تيك توك، وفي ظل شكاوى العديد من الضحايا عبر مجموعات فيسبوك ومقاطع فيديو على تيك توك؛ إذ أغلقت الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص التابعة لوزارة الصحة والسكان، في مارس الجاري، عيادة توسكا بيوتي سنتر، المتخصصة في الأمراض الجلدية والتجميل والعلاج بالليزر، ومقرها بمنطقة النزهة في القاهرة، وذلك لمخالفتها الاشتراطات الصحية والعمل بدون ترخيص، بالمخالفة للقانون رقم 53 لسنة 2004، والخاص بتنظيم عمل المنشآت الطبية.

وأعلنت وزارة الصحة والسكان، ممثلة في الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص، في فبراير المنقضي، عن قيامها بإغلاق عيادة ديفا كلينك، المتخصصة في الأمراض الجلدية والتجميل والعلاج بالليزر، ومقرها في شيراتون منطقة النزهة بمحافظة القاهرة، وذلك لمخالفتها الاشتراطات الصحية والعمل بدون ترخيص، وعدم وجود طبيب مختص في الأمراض الجلدية بالمركز، إضافة إلى ضبط كميات كبيرة من الأدوية مجهولة المصدر وغير مسجلة بوزارة الصحة أو هيئة الدواء المصرية.

وأسفرت حملة لإدارة العلاج الحر بوزارة الصحة، – المختصة بتنظيم ومراقبة المنشآت الطبية الخاصة -، في محافظتي القاهرة والجيزة، في يناير المنقضي، عن إغلاق فروع عيادة جوفيا كلينك المتخصصة في الأمراض الجلدية والتجميل والعلاج بالليزر، في المهندسين واكتوبر والمعادي والهرم وحدائق الأهرام ومدينة نصر؛ وذلك لمخالفتها الاشتراطات الصحية، ومعايير مكافحة العدوى.

وفي مايو من العام الماضي، أعلنت وزارة الصحة والسكان، عن إغلاق عيادة خاصة شهيرة، للجلدية والليزر، تدعى “سما كلينك”، تعمل بدون ترخيص ويديرها منتحل صفة طبيب بشري، بالمخالفة للقانون، بشارع عباس العقاد، في مدينة نصر، بالقاهرة، بعد قيامها بالترويج لخدمات علاجية وتجميلية وحقن بالفيلر، على مواقع التواصل الاجتماعي، مدعية أن الجلسات العلاجية تتم على يد أطباء متخصصين، وقررت جهات التحقيق بمدينة نصر الجزئية، إحالة سما كلينك واثنين آخرين، إلى المحاكمة بتهمة الإهمال الطبي، وإنشاء عيادة دون ترخيص، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وانتحال صفة طبيب، في القضية رقم 7104 / 2024 جنح أول مدينة نصر 2024/05/1، وفي أغسطس من العام نفسه ألقي القبض على مهندسة انتحلت صفة طبيبة وافتتحت عيادة تجميل في مركز طبي بمدينة نصر، شرق القاهرة، وقامت بإجراء عمليات تجميل لمشاهير ومواطنين، نظير مبالغ باهظة، وأمرت النيابة العامة بحبسها 4 أيام على ذمة التحقيق، بتهمة انتحال صفة طبيبة، كما أمرت بغلق وتشميع مركز التجميل، وفي أكتوبر 2024، ضبط مفتشي هيئة الدواء، منتحلة صفة طبيب أخصائي جلدية وتجميل وعدد من مزاولي مهنة الطب ومنتحلي الصفة بدون ترخيص، وقام القطاع الصحي بالقاهرة بغلق وتشميع مركز للجلدية والتجميل والليزر، لإدارته بدون ترخيص، وضبط بداخله عدد من أجهزة الليزر الغير مصرح باستخدامها، إضافة إلى كميات كبيرة من الأدوية والمستحضرات الطبية المهربة وغير المصرح باستخدامها.

وسبق أن ضبط التفتيش الصحي بمديرية الصحة والسكان في محافظة قنا، في يونيو 2023، أحد مراكز التجميل الكبرى غير المرخصة، بمدينة قنا، تديره سيدة منتحلة صفة طبيبة بشرية، وقام بتشميعه بالشمع الأحمر، وجاء ذلك بعد قيام المركز بالترويج لخدمات علاجية وتجميلية وجلسات ميزوثيرابي لعلاج مشاكل البشرة والشعر، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخلال العام نفسه أمر محافظ الجيزة، بإغلاق وتشميع عيادة تجميل بشارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، تدار بدون ترخيص واتخاذ الإجراءات القانونية بحقها.

ويشرح د. محمد حسن خليل، رئيس لجنة الحق في الصحة، إلى زاوية ثالثة، أن هناك نقصًا في الرقابة التي تقوم بها إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة، على عيادات ومراكز التجميل والمنشآت الطبية بشكل عام، نظرًا لنقص الإمكانيات وقلة الموارد المالية وعدد الكوادر البشرية، لافتًا إلى أن الشهادات المزورة أو الشهادات الوهمية التي يتم شراؤها من الخارج زادت من الأمر سوءًا.

ويؤكد رئيس لجنة الحق في الصحة، أن طبيب الأمراض الجلدية هو المنوط به استخدام جهاز الليزر، وأن أي حقن الفيلر والبوتوكس وغيرها، يعد إجراءًا اقتحاميًا للجلد يحتمل مخاطر أبسطها حدوث العدوى، ويجب أن يقوم به الطبيب البشري فقط، مشددًا على وجود أزمة في اللوائح والقوانين المنظمة للمنشآت الطبية، خلقت حالة من الفوضى.

 

نوصي للقراءة: الحكومة تُقيد الحق في الصحة: لائحةٌ جديدة تُعيدنا إلى الوراء

وجود فراغ تشريعي

يؤكد د. محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري لحماية الحق في الدواء، إلى زاوية ثالثة، أن هناك إشكالية حقيقية ناتجة عن انتشار مراكز التجميل في مصر، ودخول فئات كثيرة غير متخصصة للمجال، حصلوا على دورات عبر الإنترنت في التجميل وشهادة مما يعرف بنقابة المهن التجميلية، وبعضهم كوافيرات وينتحلون صفة أخصائيات تجميل، كاشفًا عن قيام إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة بمداهمة الفروع السبعة لعيادات تجميل شهيرة لها فروع في مناطق راقية، واكتشفت أن ثلاثة فروع منها غير مرخصة وأن من يعملون بها ويديرونها ليسوا أطباءًا.

ويُبين مدير المركز المصري لحماية الحق في الدواء، أن جهاز الليزر يجب أن يكود لديه كود، وعند استيراده يجب أن يحصل على تصريح من المعهد القومي لليزر بعد تصنيفه وحصوله على رقم، وتكون المنشأة الطبية التي تستخدمه مسجلة لدى وزارة الصحة، ومن يستخدمونه يجب أن يكون لديهم ترخيص، إذ أن من يقوم باستخدامه هو طبيب الأمراض الجلدية أو طبيب التجميل الحاصل على رخصة من المعهد، وذلك نظرًا لخروج إشعاعات منه قد تسبب أضرارًا على الصحة العامة أو البيئة، كاشفًا عن تلقي المركز لحالات وشكاوى من سيدات تضررن من عيادات ومراكز الليزر غير المرخصة، تنوعت بين الحروق أو الإصابة بالعدوى، وأنه قام بفضح بعض تلك المراكز، والتي تعرضت بعد ذلك للإغلاق من قبل العلاج الحر وحررت ضدهم محاضر بالنيابة العامة؛ فاضطرت للبحث عن أطباء ليتم تسجيل التراخيص والأوراق الرسمية بأسمائهم.

يقول: “هناك طبيبة أمراض جلدية أعرفها، جاءت من محافظة أسيوط للعمل في عيادة تجميل بحي الزيتون في القاهرة، لكنها لاحظت وجود العديد من ضحايا العيادة، ممن أصيبوا بحروق وندبات أو بهاق، واكتشفت أن زملائها وزميلاتها ليسوا أطباء وطبيبات، وأن مواد الفيلر التي يتم حقن المرضى بها، يتم صنعها بشكل بدائي في شقة في الزيتون، وقامت باللجوء إلى محامي لتحرير مذكرة قانونية ضدهم، لكنها تعرضت للتهديد بإلقاء مادة حارقة على وجهها، وشعرت بالخوف و اضطرت لمغادرة المكان والعودة إلى بلدتها، ولجأت العيادة لتعويض الضحايا الذين قصد بعضهم المركز المصري للحق في الدواء، بمبالغ مالية”.

ويُقدر فؤاد أعداد مراكز وعيادات التجميل في مصر بحوالي 25 ألف، ونحو 70% منهم غير مرخصين، أو حصلوا على موافقة مبدئية من وزارة الصحة دون استكمال الإجراءات القانونية، معتبرًا أنها تحتاج إلى جيش من مفتشي وزارة الصحة للرقابة عليها، لافتًا إلى وجود المركز في البرلمان، الأسبوع الماضي، لمناقشة قانون الإعلانات الطبية، وظاهرة انتشار إعلانات التجميل غير الأخلاقية، عبر تطبيق تيك توك، الذي لا يخضع لأي تشريعات قانونية تحكمه، وأن العقوبات ستصل وفقًا للقانون الجديد، إلى السجن لخمس سنوات وغرامة قدرها مليون جنيه، مؤكدًا وجود فراغ تشريعي يستغله منتحلي الصفة الطبية، وأن الأمر يتطلب تشريعات رادعة، لا تكتفي بالغرامة، ولا تفتح الباب أمام ثغرات قانونية للتهرب من العقوبة.

وطبقًا لقانون تنظيم المنشآت الطبية المعدل، لعام 2004، فإن عقوبة مزاولة منشأة نشاط طبي، قبل ترخيصها، هي الغلق، وغرامة مالية تصل إلى 50 ألف جنيه، وفي حال إعادة المنشأة غير المرخصة النشاط بعد غلقها نص القانون على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه (636.53 دولار)، ولا تزيد على 20 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أدار منشأة طبية سبق أن صدر حكم بإغلاقها أو صدر قرار إداري بإغلاقها قبل زوال أسباب الإغلاق.

وتنص المادة (13) من القانون رقم 51 لعام 1981، الخاص بتنظيم المنشآت الطبية، على أن يلغى ترخيص المنشآت الطبية إذا أديرت المنشأة لغرض آخر غير الغرض الذي منح من أجله الترخيص، وإذا زاول بالمنشأة الطبية أشخاص غير حاصلين على ترخيص بمزاولة مهنة الطب.

وكانت وزارة الصحة والسكان، قد نشرت عبر موقعها الرسمي، المستندات المطلوبة لترخيص مراكز الليزر، والتي تضمنت تقديم شهادة صلاحية جهاز من المعهد القومي لعلوم الليزر، وشهادة صلاحية مركز طبي من المعهد القومي لعلوم الليزر، وشهادة اجتياز دورة تدريبية في أمان الليزر من المعهد، وشهادة إجازة استخدام أجهزة الليزر الطبية، وشهادة تسجيل المركز من النقابة، وترخيص تشغيل منشأة طبية، ورسم كروكي للمركز، وشهادة تخصص للطبيب، وترخيص مزاولة المهنة للطبيب من وزارة الصحة، إضافة إلى صورة البطاقة، وصورة شخصية عدد (2)، وسداد رسوم الترخيص المكاني البالغ قدرها 4000 جنيه، ورسوم الترخيص الشخصي البالغة 1000 جنيه.

وفي حين تُعلن الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص، بوزارة الصحة والسكان، من وقتٍ لآخر عن قيامها بإغلاق مراكز وعيادات تجميل غير مرخصة ومخالفة للشروط، فإن تقديرات الخبراء تشير إلى أن أعداد تلك المراكز والعيادات تفوق بكثير ما يتم ضبطه وإغلاقه، وفي الوقت نفسه تتزايد أعداد ضحايا الإجراءات التجميلية التي يقوم بها غير المتخصصين ومنتحلي الصفة الطبية، مما يُخلّف لديهم تشوهات ويعرضهم لمخاطر الإصابة بالعدوى والأمراض الجلدية، نتيجة غياب التعقيم وإجراءات الصحة والسلامة والحماية من العدوى، ويأتي في ظل ما يعتبره الخبراء فراغًا تشريعيًا وغياب للعقوبات القانونية الرادعة للتصدي لتلك الظاهرة، التي انتشرت في مختلف محافظات مصر.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search