منذ ما يقارب العام تواجه أماني صعوبةً بالغة في العثور على دواء لعلاج انخفاض ضغط الدم، إذ لم تتمكن من الاستغناء عنه منذ عشرين عامًا، لمعاناتها من أعراض الدوار الشديد والصداع النصفي وضيق التنفس وأحيانًا الإغماء، وكذلك أدوية علاج حصوات الكلى والتهاب المسالك البولية، وبعد رحلة بحث طويلة ومرهقة في الصيدليات، أرشدتها صيدلانية إلى إمكانية أن توفر لها الدوائين من السوق السوداء، لكن سعرهما سيزداد إلى الضعف تقريبًا.
“قبل عدة أشهر عندما اختفى دواء علاج الضغط المنخفض من الصيدليات، أعطاني أحد الصيادلة دواء بديل، لكنه سبب لي أعراضًا جانبية مزعجة مثل: برودة تسري في الرأس والجسم والشعور بالخدر في المخ ووخزات كالدبابيس في كل جسدي، وحتى ذلك البديل لم يعد متوفرًا، وفي الوقت نفسه اختفى علاج الكلى وفوارات الأملاح ولم أعد أجدهم إلا في السوق السوداء”.. تحكي أماني.
أمام معاناتها من الأعراض المرضية، لجأت أماني إلى السوق السوداء، كعميلة دائمة، متحملة فارق السعر الذي يصل إلى الضعف تقريبًا، وأثناء بحثها على مواقع التواصل الاجتماعي عثرت على مجموعات على “فيسبوك” لبيع نواقص الأدوية في السوق السوداء، وتعاملت مع أحد بائعيها لكنها اكتشفت بعد شراء الأدوية أنها مغشوشة، وليست أصلية.
على مدار العامين الماضيين، لاحظ محمد الانخفاض التدريجي في توفر حقن الأنسولين في الصيدليات، حتى اختفت تمامًا في الأشهر الأخيرة. والدته، المصابة بمرض السكري من النوع الأول، تحتاج إلى الأنسولين يوميًا، مما دفعه إلى البحث المستمر في صيدليات حي فيصل بالجيزة دون جدوى.
يقول محمد إنه خلال زيارته لصيدلية في منطقة المريوطية، همس له أحد العاملين بأن بإمكانه الحصول على الأنسولين من نوع “ترسيبا” عبر السوق السوداء بسعر 700 جنيه للقلم، رغم أن سعره الرسمي لا يتجاوز 300 جنيه. بعد اتصال هاتفي مع مورد غير رسمي، ارتفع السعر إلى 1200 جنيه، ما دفع محمد لدفع المبلغ خوفًا من تعرض والدته لمضاعفات صحية في حال عدم حصولها على الدواء، متجنبًا الانتظار الطويل في صيدلية الإسعاف.
محمد لم يكن الوحيد الذي عانى من هذه الأزمة؛ فهو نفسه واجه صعوبة في العثور على دواء مستورد لعلاج التهاب المعدة. الدواء الذي كان سعره 40 جنيهًا اختفى من الصيدليات، ولم يكن البديل المحلي فعالًا، مما دفعه للبحث في مجموعات السوق السوداء على فيسبوك، حيث اضطر إلى شرائه مقابل 280 جنيه.
على نفس المنوال، إيناس، التي تعاني من حمى البحر المتوسط، اضطرت إلى شراء أدويتها من السوق السوداء، بأسعار تصل إلى ثلاثة أضعاف السعر الرسمي. توضح إيناس أنها كانت تتردد على الصيدليات بحثًا عن الدواء، ولكنها كانت تُواجه بعروض غير رسمية. تقول: “عندما أخبرني أحد العاملين في الصيدلية أنه يمكنه توفير الدواء الناقص من السوق السوداء، تركت له رقمي. بعد نصف ساعة، اتصل ليعرض الدواء بسعر ثلاثة أضعاف السعر الرسمي. هذا التكرار جعلني أواجه صيادلة بلا ضمير”.
إيناس شاركت تجربة شراء دواء “كولشيسين”، المستخدم لعلاج الالتهابات، حيث دفعت 120 جنيهًا لشريط كان يُباع سابقًا بـ 12 جنيهًا فقط. تشير إلى أن الصيدليات ربما تقوم بتخزين الأدوية الناقصة لبيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، مستغلة حاجة المرضى الملحة إلى العلاج.
نوصي للقراءة: نزيف الأدوية.. نقص الدولار يُهدّد صحة المصريين
الغش وانتهاء الصلاحية
في الفترة الأخيرة، شهدت ظاهرة السوق السوداء للأدوية المغشوشة أو منتهية الصلاحية انتشارًا ملحوظًا، خاصة في ظل النقص الحاد في الأدوية المنقذة للحياة وأدوية الأمراض المزمنة مثل الضغط، السكري، أمراض الكلى، السرطان، بالإضافة إلى مضادات الحيوية وخافضات الحرارة. بعض الصيادلة انخرطوا في هذه التجارة غير القانونية، حيث يتم الترويج لهذه الأدوية عبر مجموعات على موقع فيسبوك، ما يتيح بيع الأدوية غير المتوفرة في الصيدليات بأسعار تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أضعاف السعر الرسمي.
وخلال العام الماضي اختفت عشرات الأصناف الدوائيّة المخصّصة لعلاج معظم الأمراض المزمنة كـ ضغط الدم والسكّريّ والقلب والمرارة والغدّة الدرقيّة و الكلى واضطرابات المعدة وحمّى البحر المتوسّط، والسرطان، إلى جانب نقاط الأنف للرضّع والكبار وعدد كبير من أدوية البرد وأمراض النساء، وتتراوح نواقص الأدوية في السوق بين 30 إلى 40%، من بينها 15% أدوية ليست لها بدائل، بحسب تصريحات إعلامية لرئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، جمال الليثي، في فبراير الماضي.
وتحكي الصيدلانية علا عبد المنعم – مؤلفة كتاب استعمال طبيب– إلى زاوية ثالثة، تجربتها حين اضطرت ذات مرة للتعامل مع السوق السوداء للأدوية، لصالح حالة لسيدة لديها فصيلة دم سالبة، وتحتاج إلى حقنها بدواء مضاد للأجسام المضادة خلال ساعات من ولادة مولودها، لكن يوجد نقص شديد في تلك الحقنة بأسواق الدواء المصرية، منذ عدة سنوات؛ ولجأت الحالة إليها لمساعدتها، لكن الصيدلانية لم تجدها إلا لدى أحد تجار السوق السوداء للأدوية، واتفقت معه على السعر الذي تشتري به الحقنة، لكنها تفاجئت بإلقاء القبض عليه قبل موعد التسليم، لقيامه بتداول وبيع أدوية مغشوشة.
تقول إن كل الأدوية الناقصة حاليًا متوفرة في السوق السوداء، سواء المصرية أو المستوردة، لكن أصلها ومنشأها غير موثوق به، وبعضها أدوية مغشوشة تضر بصحة المريض، وبعض تلك الأدوية تكون منتهية الصلاحية ويتم تغليفها في أغلفة جديدة وبيعها بأسعار أغلى بحجة أنها مستوردة أو محلية غير متوفرة، مستغلين حاجة المريض إليها، مؤكدة أن الجهات الرقابية ألقت القبض على عدد من أصحاب مخازن الأدوية التي تحتكر أدوية ناقصة بالصيدليات، ويبيعونها للصيادلة والمرضى دون خصم رغم حصولهم عليها من مصانع الأدوية بخصم يصل إلى 30% أو أكثر.
وترى علا، التي افتتحت صيدليتها بمحافظة أسيوط، جنوب مصر، في عام 2004، أن بداية انتعاش السوق السوداء للأدوية ظهرت في ظل انتشار جائحة كورونا واختفاء بعض المسكنات وعدد من المضادات الحيوية، وظهورها في السوق السوداء، لكنها تعتقد أن أزمة نواقص الأدوية الحالية، ترجع إلى كون معظم مصانع الأدوية أصبحت تصدر معظم إنتاجها إلى دول عربية وإفريقية للحصول على الدولار، غير مهتمة بمصير ومعاناة المرضى في مصر، لافتة إلى وجود دائرة مغلقة من مندوبي الشركات الذين يحققون معدل المبيعات المطلوب منهم، إذ يبيعون النواقص للمخازن التي تستغل ذلك وتبيعها للصيدلي دون خصم، ويضطر الأخير للشراء لاستكمال الروشتات الطبية، ما جعل شركات توزيع الأدوية عاجزة عن الوصول إليها، مشيرة إلى وجود كيانات كبيرة أجنبية ومحلية مستفيدة من تلك الأوضاع وأن هناك مسؤولين رسميين متورطين معهم، وعاملين بقطاع الأدوية يحصلون على عمولات من بيع الأدوية في السوق السوداء.
نوصي للقراءة: نقص الأدوية وأكياس الدم يفاقم معاناة مرضى الثلاسيميا في مصر
شبكات مصالح
منذ أن افتتحت الصيدلانية هناء محمد – صاحبة مبادرة توفير الدواء-، صيدليتها بمحافظة بني سويف، في عام 2012، اصطدمت بوجود السوق السوداء للأدوية، لكنها كانت مقتصرة على أصناف دوائية معينة، يتم بيعها بزيادة بسيطة في الأسعار، أما الآن فهي تقول إنها أصبحت محتكرة لكثير من الأصناف الدوائية التي عليها طلب كبير أو حدث بها نقص نتيجة أسباب فنية لدى الشركة المُصنعّة لها، وصارت شرسة للغاية وتقوم برفع أسعار الأدوية لـ زيادات تصل إلى 300٪.
ومع تفشي جائحة كورونا وبدء انتعاشة السوق السوداء للأدوية التي نقصت في الصيدليات، بسبب الإقبال الكبير عليها فكرت هناء، في إطلاق تطبيق إلكتروني للهواتف الذكية، يساعد المرضى على العثور على الأدوية في مختلف صيدليات مصر، بسهولة ويقدم الاستشارات الطبية لهم، كما يساعد الصيادلة على إيجاد الأدوية الناقصة، لغلق الباب أمام السوق السوداء؛ فأطلقت تطبيق “هتلاقي دواك“، في شهر أكتوبر عام 2020، إلا أنها اصطدمت بتحديات تتعلق بنقص الإمكانيات ووجود شبكة كبيرة للمنتفعين من السوق السوداء، التي تحولت إلى تجارة تقدر بملايين الجنيهات يتحكم فيها حيتان السوق، بحسب معلوماتها.
وتعتبر هناء أن منشأ السوق السوداء يعود لوجود شبكات فساد تبدأ من موظفين بشركات الأدوية وتمتد إلى مخازن الدواء وشركات التوزيع، وصولًا إلى الصيدليات، مما يخرج الدواء من خط سيره الطبيعي ويجعله يدخل إلى السوق السوداء ليتم تداوله بشكل غير رسمي، وأن الصيادلة يشتركون مع المرضى في كونهم متضررين بسببها وأنه في ظل نواقص الأدوية، لم يعد أمام الصيدلي إلا أن يخبر المريض بعدم توفرها أو أن يحضرها له من السوق السوداء و يجازف بتعرض صيدليته لمشكلة قانونية أو أن يسيء العميل الظن به ويتهمه بالتربح والجشع.
تقول الصيدلانية الشابة إن الأزمة امتدت من الأصناف الدوائية إلى جميع بدائلها، ولم تعد قاصرة على أدوية السرطان والأمراض المزمنة بل شملت خافضات الحرارة للأطفال والمضادات الحيوية، كما أن الصيدليات أصبحت تخسر بسبب الفجوة بين السعر القديم الذي تبيع به الدواء والسعر الجديد الذي تشتريه به، وبالإضافة إلى احتكار تجار السوق السوداء لبعض الأصناف الدوائية فإنها تعزو جزء من مسببات أزمة نواقص الأدوية إلى تهريب كميات كبيرة منها إلى دول الجوار التي تعاني من حروب ونزاعات.
“لا يوجد ضابط لأسعار الأدوية في السوق السوداء، فهناك حقنة لعلاج مرض السرطان، ثمنها 240 جنيه، وصل سعرها إلى ستة آلاف جنيه بالسوق السوداء، وهناك حقنة أخرى ثمنها 21 جنيه ونصف الجنيه، لكن وصل سعرها إلى 150 جنيهًا، وهناك أشخاص كونوا ثروات كبيرة من تجارة السوق السوداء للأدوية، والكارثة الأكبر تتمثل في كون بعض تلك الأدوية مغشوشة ويمكن أن يخدع بها الصيدلي نفسه ثم تسبب كارثة للمريض، وبالنسبة لي حاول شخص أن يبيع لي كميات كبيرة من دواء ناقص، وحين أجريت اتصالاتي بـ معارفي اكتشفت أنه يمتلك مصنع غير مرخص لتصنيع أدوية مغشوشة”.. تحكي هناء.
وفي يناير عام 2022، أطلقت هناء مبادرة توفير الدواء، لتوفير نواقص الأدوية لمرضى السرطان والحالات المرضية الحرجة، بالمجان أو بأسعار مخفضة، بالتعاون مع صيادلة ومتبرعين في مختلف محافظات مصر، بعدما لمست بنفسها معاناة المرضى وذويهم أثناء محاولاتها على مدار عام كامل لتوفير أدوية علاج مرض السرطان لوالدها المريض قبل رحيله.
ارتفاع صادرات الأدوية
بحسب هيئة الدواء المصرية فقد بلغت صادرات الأدوية والمستلزمات الطبية المصرية خلال عام 2023، نحو 1.1 مليار دولار، ووفقًا لوثيقة أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري للفترة من 2024 إلى 2030، الصادرة عن مجلس الوزراء المصري، في شهر يناير من العام 2024؛ فإن مصر تستهدف نمو صادراتها من الأدوية إلى نحو خمسة مليارات دولار بحلول عام 2030.
ويوجد 17 ألف دواء متداول في سوق الدواء المصري من بينهم ألف صنف الأكثر تداولًا وشهرة، وكانت شعبة الأدوية قد أعلنت عن زيادة أسعار المنتجات الدوائية بنهاية شهر يوليو المنقضي بزيادات تتراوح بين 20 و25%.
وتمتلك مصر نحو 176 مصنع دواء، ووفقًا لتقرير صادر عن هيئة الدواء المصرية، وتأتي أزمات قطاع الأدوية رغم إطلاق مصر لمشروع استراتيجية توطين صناعة الدواء والذي يهدف لترسيخ التصنيع المحلي للأدوية.
ورغم أزمة نواقص الأدوية التي تعانيها البلاد فإن مبيعات الدواء في مصر، قد ارتفعت إلى نحو 130 مليار جنيه خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، بزيادة تخطت نسبة 45% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي والتي بلغت فيها قيمة مبيعات الأدوية نحو 88.5 مليار جنيه، بحسب شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية.
نوصي للقراءة: نقص الأدوية النفسية في مصر: صراع يومي من أجل البقاء
مشكوك في مصدرها
أحمد أبو دومة – عضو مجلس نقابة الصيادلة-، يوضح في حديثه إلى زاوية ثالثة أن القانون المصري نظم عملية تداول وبيع الأدوية، وجعل بيع الأدوية داخل الصيدليات الصادر لها قرار بترخيص من هيئة الدواء ووزارة الصحة المصرية، للتأكد من صلاحية هذه الأدوية وملاءمتها للاستخدام الآمن؛ حيث تكون الصيدلية المصدر الوحيد لها، ويتم التفتيش عليها بصفة دورية من مفتشي هيئة الدواء المصرية، وهي الجهة الوحيدة التي يحق لها التعامل مع شركات تصنيع الأدوية وشركات توزيع الأدوية التي تحمل صفة المشروعية.
ويعتبر أبو دومة، أن الإعلان عن الأدوية وتداولها وعمليات البيع والشراء لها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، هي أعمال مجرمة قانونًا، وأن الأمر تطور إلى وجود سماسرة معنيين بتجميع هذه الأدوية والمتاجرة فيها، موضحًا أن خطورة ذلك تتمثل في عدم معرفة مصدرها وكون كثير منها مغشوشة أو أدوية منتهية الصلاحية، تتم إعادة تعبئتها في عبوات جديدة، أو كونها دخلت البلاد بطريقة غير شرعية ولم تحصل على رقم تسجيل في هيئة الدولة المصرية أو وزارة الصحة المصرية، ويستحيل معرفة مصدرها ومدى مطابقتها للمواصفات.
ويكشف عضو مجلس نقابة الصيادلة، أن الشركات المصنعة أو شركات توزيع الأدوية، التي دخلت في بند النواقص في سوق الدواء المصري، تقول إنها غير موجودة على لائحتها حاليًا، في حين تتوفر على مجموعات الواتس آب وفيسبوك، متسائلًا حول مصدرها ومدى صلاحيتها للاستخدام، وكونها أصلية أم مغشوشة، وكيفية توفره بهذه الكميات في ظل ظروف النقص التي يعاني منها سوق الدواء المصري؟، مشددًا على ضرورة توعية المواطنين بالحصول على دوائهم من المصادر الموثوقة.
ويؤكد أن لجوء الصيدلي للسوق السوداء غير قانوني، وقد يعود بالسلب عليه و يعرضه لمشكلات كالتشهير أو الشكوى داخل النقابة أو الملاحقة القضائية، وفقدان ترخيص صيدليته، لكونه غير مؤهل لتمييز الأصناف المغشوشة من الأصلية، في ظل تحول غش الأدوية لصناعة ممنهجة دولية.
ويرى كريم كرم – مسئول ملف الدواء في المركز المصري للحق في الدواء-، أن السوق السوداء للأدوية بدأت بالانتشار قبل سنتين مع ظهور أزمة نواقص الأدوية والتي تفاقمت خلال الأشهر الستة الأخيرة، وامتدت للبدائل، بسبب قيام معظم مصانع الدواء بتصدير غالبية إنتاجها للخارج لتعويض نقص العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد المادة الخام والمواد الغير الفعالة التي تدخل في صناعة الأدوية.
“تفاقمت الأزمة فاضطرت هيئة الدواء إلى حل مؤقت يتمثل في توفير إنتاج شركات الأدوية بصيدليات الإسعاف المنتشرة على مستوى الجمهورية، لكن من الطبيعي أي يؤدي أي نقص لخلق سوق سوداء أو ما باتوا يطلقون عليه ” over price” ويؤدي إلى الاحتكار، ويكمن الحل في توفير الدولار وزيادة إنتاج الدواء توزيعه على شركات التوزيع”. يقول كرم.
ويؤكد مسئول ملف الدواء، أن بيع الأدوية على المنصات الإلكترونية مُجرم قانونًا ويعرض صاحبه لغرامة تصل إلى عشرة آلاف جنيه، وهذه الأدوية غير موثوق في صلاحيتها وغالبًا ما تكون مغشوشة وتُسبب أضرار للكلى والكبد، لافتًا إلى وجود تجارة إعادة تدوير الأدوية المنتهية الصلاحية، والتي تتم إعادة تغليفها والترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أما الأدوية المستوردة التي يتم شحنها من الخارج فيجب أن تأتي معها بوليصة الشحن والتذكرة الطبية الخاصة بها، موضحًا أن هيئة الدواء أنشأت مؤخرًا إدارة العلاج الحر، وهي تتلقى البلاغات المتعلقة بمخالفة بيع الأدوية غير المرخصة، عبر الإنترنت.
غياب الباركود
يبين إسلام عنان – أستاذ اقتصاديات الصحة وانتشار الأمراض والأوبئة-، أن السوق السوداء للأدوية تنتعش حين تكون هناك الكثير من النواقص في أصناف الدواء، وهو ما حدث في مصر بسبب التسعيرة الجبرية التي تضعها هيئة الدواء واضطرار مصنعي الدواء لتقديم أوراقهم والانتظار لحين موافقة الهيئة على السعر الجديد، وكانت الحكومة غالبًا ما ترفض أو تقترح سعر آخر، لافتًا إلى وجود أدوية تم تسعيرها وفقًا لسعر صرف الدولار حين كان 30 جنيهًا، وأخرى مسعرة بسعر 40 جنيهًا، وأدوية مسعرة بسعر 50 جنيهًا، وفقًا لنظام الكوتة المعمول به مع شركات الأدوية، والذي يسمح لها بنسبة معينة وفقًا للسعر الجديد، لأن مصر تعتمد في أسعار الدواء على ما يعرف بالتسعيرة المرجعية والتي تشترط أن يكون سعر الدواء في مصر أقل من نظيره الذي تنتجه الشركة في كافة بلدان العالم، لافتًا إلى أنه في الوقت الذي تنتج فيه مصر نحو 90٪ من دواءها فإن المواد الخام الأولية يتم استيرادها، وبالتالي انعكس ارتفاع سعر صرف الدولار على تكلفة الإنتاج.
ويشير إلى أن عدم وجود باركود، – تمثيل ضوئي لبيانات قابلة للقراءة من قبل الحاسوب مثل: الأرقام والحروف-، يتتبع سلاسل الإنتاج وخط سير علبة الدواء منذ خروجها من المصنع وحتى وصولها إلى الصيدلية، وعدم تحديد مدة التخزين المسموح بها وفرض عقوبات على مخازن الأدوية التي تخالف ذلك، من الأسباب التي ساعدت على وجود السوق السوداء للأدوية، إضافة لما يتم تهريبه من أدوية غير مصرح بها من هيئة الدواء المصرية، عبر المعابر الحدودية، والأدوية الأصلية التي يتم إحضارها من الخارج بطرق تخزين خاطئة قد تؤثر على فاعليتها وصلاحيتها، موضحًا أن هيئة الدواء تركز جهودها على التصدي للأدوية المغشوشة التي يتم تصنيعها في مصانع غير مرخصة، والتي تكون المادة الفعالة فيها أقل أو غير موجودة بالأساس، ويتم تداولها في السوق السوداء.
ويتوقع أستاذ اقتصاديات الصحة، حدوث انفراجة قريبة في أزمة الأدوية، مع بداية شهر نوفمبر المقبل وقبل انتهاء العام 2024، بسبب دخول المواد الخام الأولية إلى مصر، في سبتمبر الجاري، واقتراب حل مشكلة التسعيرة العادلة للدواء، وأنه بمجرد توفر الأدوية في الصيدليات ستبدأ السوق السوداء في الاختفاء، لا سيما في إن تم تفعيل الضبطية القضائية للتصدي لمهربي الأدوية ومحتكريها ومن يغشون الأدوية.
وكانت هيئة الدواء المصرية، قد أطلقت مبادرة الشراء الموحد للمواد الخام غير الفعالة، في الرابع من سبتمبر الجاري، لضمان استقرار إمدادات الأدوية، وتوطين 280٠ مادة غير فعالة؛ معلنة البدء بتوطين 30 مادة غير فعالة تمثل أكثر من 60٪ من فاتورة استيراد المواد الخام غير الفعالة في صناعة الأدوية، بغرض خفض الفاتورة الاستيرادية لتلك المواد والتي بلغت 100 مليون دولار سنويًا.
وفي الوقت الذي يتوقع فيه بعض خبراء القطاع الدوائي في مصر، ومن بينهم “إسلام عنان” حدوث انفراجة قريبة في أزمة نواقص الأدوية؛ فإن كل من “أماني” و”محمد” و”إيناس”، وغيرهم من المرضى في مصر سيكونون ضحايا لجشع السوق السوداء، ومخاطر الأدوية المغشوشة أو المنتهية الصلاحية، وسيظلون يتكبدون أعباءًا مادية إضافية، لتضيف فصلاً جديدًا إلى معاناتهم الحياتية في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية.