يعاني القطاع الصناعي في مصر من مشاكل كبيرة تتعلق بعدم الالتزام بمعايير السلامة والصحة المهنية وتدهور بيئات العمل، مما يعرض العمال لمخاطر صحية وحوادث متكررة.
وكان آخر هذه الحوادث وفاة ثلاثة عمال في مصنع غزل ونسيج بالمحلة الكبرى، نتيجة انفجار الغلايات.
وفي أعقاب هذه الواقعة، دعى “دار الخدمات النقابية والعمالية” جميع الجهات المسؤولة عن السلامة والصحة المهنية إلى مراجعة إجراءات التفتيش على المنشآت الصناعية وتفعيلها بشكل صارم، ومحاسبة المسؤولين عن الإهمال والتراخي الذي أدى إلى وقوع مئات الإصابات والوفيات في الفترة الأخيرة.
على خلفية الواقعة، تقدمت النائبة إيفلين متى بطرس، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، بطلب إحاطة موجه لوزير قطاع الأعمال ورئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج والمدير التنفيذي للمصنع، بشأن إهمال متابعة الغلايات بمصنع غزل ونسيج المحلة الكبري، الذي تسبب في وفاة ثلاثة عمال واحد يلي الآخر. مطالبة بتحويل طلب الإحاطة إلى لجنة الصناعة بمجلس النواب بالاشتراك مع حقوق الإنسان بمجلس النواب، وذلك لاتخاذ اللازم بشأنه.
وكان النائب عبد المنعم إمام قد تقدم أيضًا في 27 فبراير الماضي، بسؤال برلماني وطلب إحاطة إلى وزير قطاع الأعمال حول الحادث، مطالبًا بتوضيح الأسباب التقنية والإدارية التي أدت إلى وقوع الحادث، والإجراءات التي اتخذتها الوزارة لضمان عدم تكراره.
وطالب النائب الحكومة بتقديم إحاطة شاملة حول الآتي” أولًا: نتائج التحقيق الأولية بشأن أسباب الحادث، وتحديد الجهة المسؤولة عن الإشراف على الصيانة ومراجعة المعدات في محطة الكهرباء. ثانيًا: خطط العمل والإجراءات التصحيحية المتخذة لمعالجة المخالفات الفنية والإدارية، مع توضيح التدابير الفورية لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث. ثالثاً: وضع جدول زمني واضح لإعادة تقييم وتحديث كافة المعدات الحرجة داخل المحطة، والتأكد من توافقها مع المعايير الدولية الخاصة بالسلامة.”
كما طالب عضو مجلس النواب بمحاسبة المسؤولين عن أي تقصير أو إهمال أدى إلى وقوع الحادث، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد الجهات أو الأفراد المتورطين في عدم الالتزام بالمعايير الفنية. مؤكدًا على أن هذا الحادث الأليم يتطلب وقفة جادة لحماية أرواح العاملين وضمان سلامتهم داخل المنشآت الصناعية، مشددًا على أن السلامة المهنية ليست أمرًا يمكن التهاون فيه تحت أي ظرف.
نوصي: للقراءة: الصحة النفسية للعمال المصريين: 32 مادة للسلامة البدنية وصفر للنفسية

قانون العمل
نص قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003، المعمول به حتى الآن على ضرورة توفير السلامة والصحة المهنية في بيئات العمل وذلك في 32 مادة بالقانون بداية من المادة 224. ونص القانون الشركات والمصانع على تطبيق معايير محددة لضمان سلامة العمال، مثل توفير أدوات الوقاية الشخصية، وإجراء الفحوصات الطبية الدورية، وضمان خلو بيئة العمل من المخاطر الصحية والبيئية. كما تُمنح هيئة السلامة والصحة المهنية صلاحيات لتفتيش المصانع والتأكد من التزامها بالقوانين.
تعليقًا على هذا يقول حسن البربري الباحث في الشؤون العمالية:”معايير السلامة والصحة المهنية منصوص عليها بشكل واسع في القانون المصري، لكن المشكلة تكمن في تطبيقها. على المستوى الأول، يتجلى القصور في غياب التفتيش الدوري من قبل الجهات المسؤولة عن مراقبة سلامة الشركات والمصانع. حين يتم التفتيش، فإنه غالبًا ما يكون شكليًا وليس فعليًا، مما يعد إخفاقًا من قبل وزارة العمل في الرقابة على تطبيق إجراءات السلامة والصحة المهنية. ورغم تبرير وزارة العمل بوجود نقص في عدد المفتشين، عقدت شراكة بين مصر ومنظمة العمل الدولية لتطوير منظومة التفتيش، إلا أن النتائج على أرض الواقع لا تزال غير مُرضية.”
ويضيف البربري في حديثه لزاوية ثالثة أما فيما يتعلق بالشركات والمصانع، فالكثير منها ينظر إلى العمال باعتبارهم موارد بشرية رخيصة، ويتم استغلالهم بأبشع الطرق. مفهوم السلامة والصحة المهنية، بمعاييرها الكلاسيكية أو المطورة، يكاد يكون مفقودًا، خاصة في ظل التغيرات البيئية مثل ارتفاع درجات الحرارة والتأثيرات المناخية التي ناقشها مؤتمر العمل الدولي الأخير. معايير السلامة المهنية الحديثة التي أقرّتها منظمة العمل الدولية لم تصل بعد إلى مصر، مما يُظهر تقصيرًا كبيرًا من وزارة العمل في تبني هذه المعايير.
نصت المادة الـ 7 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، على ضرورة توفير الدول الأطراف ظروف عمل تكفل السلامة والصحة، كما نص على ضرورة تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية في المادة 12 من العهد نفسه.
بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العـامة والإحصاء، بلغ إجمالي عدد حالات إصابات العمل 8317 حالة عام 2023، وبلغ عدد حالات إصابات العمل بالقطاع الحكومي 1404، القطاع العام /الأعمال العام 2463 حالة والقطاع الخاص (50 عامل فأكثر) 4327 حالة والقطاع الاستثماري 123 حالة بنسبة 1.5٪ من إجمالي عدد الحالات .
نوصي: للقراءة: المصانع المغلقة في مصر: هل ترفع فاتورة الاستيراد وتؤثر على السلع الاستراتيجية؟
دور النقابات في تدريب وتأهيل العمال
وفقًا لدليل المبادئ الأساسية للسلامة والصحة المهنية في بيئة العمل الصادر عن منظمة العمل الدولية عام 2016، “تقع مسئولية تحقيق وتنفيذ مهام السلامة والصحة المهنية على جميع أطراف الإنتاج. فعلى الحكومات وضع التشريعات وسن القوانين واللوائح التي تضمن مراقبة تنفيذ اشتراطات السلامة والصحة المهنية من خلال مفتشي السلامة والصحة المهنية.
أما أصحاب الأعمال، فعليهم مسئولية تنفيذ شروط السلامة المهنية، وتطبيقها عمليًا وفعليًا. كما يجب عليهم تزويد العمال المعرّضين للمخاطر المهنية بوسائل الوقاية المناسبة لمنع حدوث الأمراض المهنية وإصابات العمل، بالإضافة إلى توفير وسائل الوقاية العامة مثل التهوية، والإضاءة، وضمان مناخ عمل مناسب، وبيئة اجتماعية وإنسانية ملائمة. وبالنسبة للنقابات وممثلي العمال، فإن مسئوليتهم تتضمن التوجيه والتوعية في مجال السلامة والصحة المهنية، والمشاركة في لجان السلامة المهنية داخل المنشآت.
من جهتها تقول منى عزت الباحثة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية:”أن السلامة والصحة المهنية لا تحظى بنفس القدر من الاهتمام في جميع المصانع والشركات، حيث يختلف ذلك وفقًا لنشاط المصنع. على سبيل المثال، المصانع التي تنتج مواد غذائية تولي اهتمامًا أكبر بالسلامة والصحة المهنية مقارنة بالمصانع التي تنتج منتجات أخرى. ذلك لأن أي خلل أو عدم التزام بمعايير السلامة المهنية في المصانع الغذائية يؤثر بشكل مباشر على جودة المنتج.
تضيف عزت في حديثها لزاوية ثالثة، أن في المصانع الأخرى التي لا تنتج مواد غذائية، فغالبًا ما يكون الاهتمام بالسلامة المهنية أقل، رغم ضرورة المتابعة المنتظمة وإجراء الصيانة الدورية على فترات متقاربة. على سبيل المثال، في صناعات الأسمنت التي تُعد من الصناعات شديدة التلوث، تكون إجراءات السلامة والصحة المهنية مكلفة. وفي هذه الحالة، يكون الضرر أكثر على العمال من المنتج، حيث تؤثر الانبعاثات والأبخرة والغبار على صحة العمال بشكل أكبر. لذلك، نجد أن المصانع التي لا تصدر منتجاتها للخارج قد تهمل إجراءات السلامة والصحة المهنية، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الأمراض المهنية.
هناك أيضًا مشكلة أخرى تتعلق بالمصانع القديمة التي لم تُحدث تجهيزاتها أو آلاتها، وغالبًا ما تكون هذه المصانع في طريقها للخصخصة والبيع. في مثل هذه الحالات، لا يوجد اهتمام كافٍ بتطوير المصنع أو الحفاظ على سلامة العمال، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الحوادث، تقول عزت.
وتشير الباحثة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أن العمال أنفسهم في بعض الأحيان يقبلون بشروط عمل قاسية من أجل الحفاظ على وظائفهم، خاصة في ظل ثقافة الاتكال على العادات والتقاليد المغلفة ببعض المعتقدات الدينية التي تؤكد على أن الله هو الحافظ. هذا المزيج من الظروف القاسية والعجز عن التحدث أو الاعتراض على ظروف العمل يجعل العمال يتجنبون المطالبة بحقوقهم في السلامة والصحة المهنية. عادة ما تتمحور الاحتجاجات العمالية حول الأجور والعلاوات، وليس حول السلامة المهنية.
وترى عزت أن دور النقابات العمالية في تعزيز الوعي بأهمية السلامة والصحة المهنية غائب في تثقيف وتدريب العمال على أهمية الحفاظ على سلامتهم وصحتهم في أماكن العمل.
نوصي للقراءة: عمال القابضة لمياه الشٌرب.. سُخرة وأجور أقلّ من الحدّ الأدنى

الصحة النفسية
تناول المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية البعد النفسي الغائب عن السلامة والصحة المهنية في ورقة سياسات بعنوان “الصحة النفسية والعقلية للعامل: الحق المهدر من معايير الصحة والسلامة المهنية”. وسلطت الورقة الضوء على الأهمية البالغة لصحة العامل النفسية في بيئة العمل، والتي غالبًا ما يتم تجاهلها في التشريعات والسياسات.
وأشارت الورقة التي أعدها الباحث العمالي حسن البربري إلى أن الضغوط النفسية التي يتعرض لها العامل نتيجة ظروف العمل الاقتصادية والاجتماعية قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية خطيرة، ما يؤثر سلبًا على جميع عناصر العملية الإنتاجية.
وتبرز الورقة قصور التشريعات المصرية الحالية، بما في ذلك قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، الذي يركز على الصحة البدنية دون الاهتمام بالصحة النفسية. ورغم أن هناك نحو 32 مادة تتعلق بالصحة والسلامة المهنية، إلا أن الاهتمام بالصحة النفسية يكاد يكون منعدمًا.
في حديثه لزاوية ثالثة يقول الباحث في الشأن العمالي حسن البربري:” أنه لا يوجد اهتمام يذكر بالبُعد النفسي في السلامة والصحة المهنية. فالقوانين المصرية، سواء كانت قانون العمل أو قانون التأمينات الاجتماعية أو قانون التأمين الصحي، لم تولِ أي اهتمام للجانب النفسي للعاملين. نتيجة لذلك، ظهرت حالات انتحار بين العمال بسبب الضغوط النفسية الشديدة، في ظل عدم وجود دعم نفسي أو صحي مناسب.”
ويوضح أن بعض العمال يلجأون لتعاطي الأدوية (غير المرخصة أحيانًا) ليتمكنوا من الاستمرار في أداء عملهم تحت الضغط الكبير. مشيرًا إلى أن إصابات العمل المنصوص عليها في قوانين التأمينات الاجتماعية لا تشمل الأمراض النفسية.
ويضيف البربري رغم أن الدولة أنشأت المجلس الاستشاري الأعلى للسلامة والصحة المهنية وأعلنت عن استراتيجية وطنية في هذا المجال، إلا أن هذه الكيانات لم يكن لها أي تأثير ملموس على حياة العمال. حيث لازال تعامل الدولة مع الصحة النفسية للعمال سلبيًا، فبدلًا من الاهتمام بهم وعلاجهم ركزت على الجانب العقابي وفقًا لما أقر به قانون 73 لسنة 2021 المتعلق بتحليل المخدرات، والذي أدى إلى فصل عدد كبير من العمال. مشيرًا إلى أن هذا القانون تعامل مع المشاكل النفسية للعمال من منظور العقاب بدلاً من العلاج، مما ساهم في زيادة الأمراض النفسية والعقلية لدى العمال.
ويرى الباحث في الشأن العمالي أن فصل العمال بموجب قانون تعاطي المخدرات، أدى إلى فقدان عدد كبير منهم لوظائفهم، ما أثر سلبًا على أسرهم بشكل كبير، وأصبح هؤلاء العمال موصومين بتهمة تعاطي المخدرات، مما حرمهم من فرص العمل جديدة واستغلال خبراتهم في سوق العمل. مشيرًا إلى أن غياب معايير الصحة النفسية والعقلية للعمال مشكلة أساسية ليس فقط في مصر بل في المنطقة العربية ككل.
وأوضح البربري أنه خلال العام الماضي، حاول جمع بيانات حول التأثيرات النفسية التي يعاني منها العمال، لكن ندرة البيانات المتاحة وصعوبة حصر الأمراض النفسية التي لا تُدرج ضمن إصابات العمل المعترف بها، جعلت الأمر صعبًا.
نوصي للقراءة: العاملات بالزّراعَة.. نِسَاءٌ يُقهِرنَ الصِّعَاب وتقهرهُنَّ شَاحنات الموت
الأزمة في ضعف إنفاذ القانون
خلال العام الماضي، وقعت عدد من الحوادث للعمال سواء داخل أماكن العمل أو خارجها نتيجة لغياب تطبيق معايير السلامة والصحة المهنية. ففي 25 فبراير 2024، أسفر حادث مأساوي عن غرق 10 عمال وإصابة 5 آخرين، كانوا في طريقهم صباحاً لعملهم بمشروع نهضة مصر بمحطة مياه الضبعية بمشروع الدلتا الجديدة، وقاموا بركوب معدية خشبية بالضفة الشرقية لنهر النيل بمنطقة عزبة ربيع بقرية نكلا شمال الجيزة.
وفي 21 مايو 2024، وقع حادث أسفر عن وفاة 16 فتاة، إثر سقوطهن من أعلى معدية لنقل السيارات عبر ضفتي الرياح البحيري بمنطقة أبو غالب في منشأة القناطر. كانت الفتيات في طريقهن مع أخريات إلى محل عملهن في موقف تصدير الفاكهة عندما وقع الحادث. وفي 20 ديسمبر 2024، شهد مركز تلا بمحافظة المنوفية مصرع 6 عمال في بئر مياه صحي. فيما تبين بالتحقيق أنه حينما نزل أحد العمال إلى البئر لتنظيفه تعرض لحالة اختناق شديد، ونزل 5 من زملائه تباعًا، إلا أنهم تعرضوا جميعهم للاختناق ولطفوا أنفسهم الأخيرة نتيجة استنشاق الغازات السامة داخل البئر.
كما رجح مصدر مسؤول بشركة المشروع الصحي في المنوفية أن أحد العمال نزل إلى بئر الصرف الصحي بمحطة قرية التلا وتأخر في الخروج، ما دفع 5 من زملائه للنزول تباعًا للبحث عنه غير أنهم أصيبوا باختناق جراء الغازات داخل البئر، ما أسفر عن وفاة 6 وإصابة 2 آخرين.يعلق كمال عباس المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية على هذه الحوادث ويقول:” أنه في التقارير السابقة التي أصدرتها “دار الخدمات” سواء في البيانات أو التقارير الدورية الخاصة بحالة الحريات النقابية والعمال في مصر، رصدنا نوعين من الحوادث التي يتعرض لها العمال: خارجية وداخلية”.
يتابع عباس في حديثه لزاوية ثالثة أن الحوادث الخارجية تشمل حوادث الأتوبيسات، مثل حادثة أتوبيسات المطرية-بورسعيد، والتي أودت بحياة حوالي 14 عامل وعاملة. وأكد على أن المشكلة في هذه الحوادث تعود إلى أن الطرق والأتوبيسات غير مجهزة بشكل كافٍ. بالإضافة إلى حوادث المعديات التي تتكرر سنويًا، والتي غالبًا ما تكون مخصصة لنقل البضائع والحيوانات، لكنها تُستخدم لنقل العمال، وخاصة العمالة غير الرسمية مثل الأطفال والبنات الذين هم تحت سن العمل. مشيرًا إلى أن هذه الحوادث تعكس أزمة أكبر، حيث إن الحكومة المصرية لديها استعداد لصرف الملايين على بناء الكباري، بينما لا يتم الاهتمام بتطوير المعديات وجعلها أكثر أمانًا.
وعن الحوادث الداخلية التي تحدث في المصانع، يرى عباس أنها تشمل الحرائق والانفجارات وتسرب الغاز وحوادث آلات الإنتاج وغيرها من الحوادث. كما يرى أن المشكلة في مصر ليست في غياب القوانين، فهناك قانون وهيئة مختصة بالسلامة والصحة المهنية، ولكن المشكلة تكمن في عدم تطبيق هذه القوانين. هناك شركات ومصانع لا توفر أدوات السلامة والصحة المهنية، وآخرون يوفرونها لكن العمال في بعض الأحيان لا يلتزمون باستخدامها.
ويؤكد المنسق العام لدار الخدمات العمالية أن الأزمة مزدوجة؛ من جهة، هناك تقصير من قبل إدارات المصانع والشركات في تطبيق معايير السلامة والصحة المهنية، ومن جهة أخرى، العمال أنفسهم لا يلتزمون أحيانًا بارتداء أدوات الحماية. مشيرًا إلى القانون ينص على إجراء فحوصات دورية على العمال، ولكنه ليس ملزمًا بالشكل الكافي. وعلى الرغم من أن قانون العمل نص على ضمان السلامة والصحة المهنية، إلا أن هناك ضعفًا في إنفاذ هذا القانون.
ويوضح عباس أن هناك مشكلة أخرى تتعلق بما يُعرف بمصانع “بير السلم” أو المصانع غير المرخصة ضمن القطاع غير الرسمي. لأن هذا القطاع غير مراقب بالقدر الكافي، ولا نسمع عن الأزمات التي تحدث داخله إلا في حال وقوع حادثة كبيرة تؤدي إلى خسائر في الأرواح. مؤكدًا على أن هناك حاجة ملحة للاهتمام بالسلامة والصحة المهنية، خاصة في مواجهة التلوث البيئي الناتج عن هذه المصانع، الذي يؤثر على العمال والسكان. في المقابل تظل وزارة البيئة غائبة عن التدخل في هذه القضايا الحيوية.
أكد تقرير أصدره دار الخدمات النقابية والعمالية بعنوان”عمال في دوامة الأزمة.. تقرير حول انتهاكات الحريات النقابية لعام 2024″، على أن الواقع أظهر بوضوح أن هناك إهمالًا فاضحًا من قبل الجهات المعنية في ضمان الأمن والسلامة للعمل، في العديد من الحالات، يجبر العمال على العمل في ظروف بيئية غير صحية أو ملائمة مما يعرضهم لمخاطر صحية جسيمة، كما يبدأ البعض منهم المخاطرة حتى في التنقل عبر طرق غير آمنة، ما يضاعف من معاناتهم ويعرض حياتهم للخطر.
وأوضح التقرير أنه رغم قوانين العمل التي تهدف إلى توفير بيئة آمنة للعمال، فإن هذه القوانين تظل حبرًا على ورق في ظل غياب الرقابة الفعالة والمستمرة. النتيجة الحتمية لذلك هي أن العمال يظلون عرضة للكوارث الصحية والمهنية، وبعضهم من الأمان الذي يستحقونه ليس فقط في أماكن عملهم، بل وحتى في الطرق التي يسلكونها.