الدعم النقدي للمسيحيات المنفصلات.. قانون يصطدم بواقع كنسي

القانون الجديد لا يعترف بالمرأة المسيحية المنفصلة إلا في حال وجود طلاق كنسي أو حكم قضائي، مما يترك العديد من النساء في وضع اجتماعي واقتصادي صعب.
Picture of نادية مبروك

نادية مبروك

ساعات طويلة تقضيها مارثا عطا أمام أكوام من الأحذية المنزلية التي تقوم بـ لصق أجزائها في المصنع الذي تعمل به نظير 150 جنيه في اليوم، يرتفع أحيانًا إلى 200 جنيه في حالة استطاعت إنهاء العدد المطلوب بالكامل، تاركة طفليها بحضانة الكنيسة منتصف المدة، بينما تقوم أمها برعايتهما حتى عودتها من عملها بالمصنع، بعد انفصالها عن زوجها الذي استحالت العشرة بينهما لكن ترفض الكنيسة طلاقهما، وقرر منح طفليه التوأم مبلغ ألف جنيه فقط لاغير.

ظلت مارثا دون أي نفقة أو حكم بالطلاق لتحيا دون دخل يكفيها ويكفي أطفالها أو حتى الحق في الحصول على إعانة أو معاش من الحكومة، مضطرة للعمل لساعات طويلة بعيدة عن طفليها، وتبحث عن سبل لزيادة دخلها مع اقتراب طفليها التوأم من دخول المدارس، خاصة وأن الأب قال صراحة إنه لن يزيد المبلغ الذي يدفعه.

في الوقت الذي تعاني فيه مارثا من ضغط المصروفات، كان مصيرها هي وآلاف من النساء المسيحيات المعلقات يناقش ضمن مناقشات مجلس النواب مطلع الشهر الجاري، من خلال مناقشة مشروع قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي، خاصة البند (20) من المادة (1) الذي يختص بتعريف المرأة المسيحية المنفصلة، الذي اشترط حصول مسيحية الديانة المنفصلة على شهادة انفصال من السلطة الكنسية لتستطيع الحصول على دعم السلطة الذي يستهدف بموجب مشروع القانون توفير حياة كريمة للمواطنين، خاصة الفئات الأولى بالرعاية، لتحسين شبكة الأمان الاجتماعي.

في مصر، تعاني الآلاف من مسيحيات الديانة المصريات من أزمة عدم وجود طلاق، إذ ترفض الكنائس الخمسة الكبرى في مصر (الأرذثوكسية والكاثوليكية والإنجيلية والأسقفية والروم الأرذثوكس)، وتعترف الكنائس الارذثوكسية والانجيلية بالطلاق لعلة الزنا، ولا تعترف الإنجيلية بما يعرف بـ الزنا الحكمي، بينما ترفض الكاثوليكية الطلاق، وهي الكنيسة الوحيدة التي تعترف بالانفصال دون طلاق.

وقبل عام 1971 كانت مصر لا تعاني من أزمة الطلاق، إذ كان الطلاق يخضع لـ لائحة 1938، وهي اللائحة التي وضعها المجلس الملي وهو مجلس يضم شخصيات مسيحية غير كنسية – علمانية- وأسسه الخديوي إسماعيل، ويتم اختياره بالانتخاب، وضمت اللائحة التي وضعها المجلس عدة أسباب للطلاق منها؛ علة الزنا، والغياب لمدة خمس سنوات، والحكم على أحد الزوجين بعقوبة سالبة للحرية لمدة أكثر من سبع سنوات، والجنون أو المرض النفسي، واستحالة العشرة والعنف الزوجي، ولكن مع قدوم البابا شنودة رفض تطبيق اللائحة، وأعلن مخالفة اللائحة لتعاليم الكتاب المقدس التي تقول إنه لا طلاق إلا لعلة الزنا، لكن ظل المسيحيين يحصلون على الطلاق عبر المحاكم، ولا يحصلون على تصريح الزواج الثاني إلا في حالات محدودة فقط.

وفي عام 2008 أصدر القضاء الإداري حكمًا قضائيًا بإلزام الكنيسة إصدار تصاريح الزواج الثاني للمسيحيين، وهو الحكم الذي علق عليه البابا شنودة حينها بأنه غير ملزم للكنيسة، لكن، تجنبًا للازمة، أصدر المجلس الملي قرارًا بتعديل لائحة 38، وتقتصر أسباب الطلاق على الزنا الحكمي أو الفعلي فقط، قبل أن تصدر المحكمة الدستورية حكماً ببطلان حكم المحكمة الإدارية العليا.

لم تلجأ مارثا للمحكمة للحصول على حكم بالطلاق لأنها لا تستطيع تحمل تكلفة التقاضي ودرجاته، وأيضًا- التشريعات التي لا تبيح لها الحصول على الطلاق إلا في حال تغيير الملة، ليصبح ذلك منفذها الوحيد بعد الاحتكام في حال اختلاف الملة إلى الشريعة الإسلامية، لكن هذا الملجأ لا تستطيع مارثا محدودة الدخل أيضًا اللجوء له، إذ يتكلف نحو 70 ألف جنيه عبر تعاون سماسرة تبديل الملة والطلاق المعروفين لدى المجتمع المسيحي المصري. أخبرها المحامي أيضًا أنها لن تحصل على نفقة أكثر من الألف جنيه التي يدفعها زوجها بالفعل وقد يمتنع عن ذلك.

 

نوصي للقراءة: تحديات اجتماعية وقانونية: معاناة مسيحيات مصر بين الضغط والاستغلال والاختفاء 

 

مناقشات المجلس 

وفقًا للبند 20 من المادة 1 من مشروع قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي، يُعرّف مصطلح ‘المرأة المسيحية المنفصلة’ بأنها ‘المرأة التي انفصلت عن زوجها دون حدوث طلاق كنسي، ويتم إثبات ذلك بشهادة من الرئاسة الدينية التابعة لها أو بحكم قضائي بات.’ هذا النص، كما يشير سعيد فايز، المحامي المتخصص في الأحوال الشخصية المسيحية، يعزز من سلطات الكنيسة على النساء في قضايا الطلاق، مما يثير تساؤلات حول تأثير ذلك على حقوق المرأة المسيحية في مصر.

يقول فايز في حديثه إلى زاوية ثالثة: “هناك أزمة متعددة الجهات في مسألة المرأة المنفصلة في المسيحية، فلا توجد كنيسة مصرية تعترف بالانفصال عدا الكاثوليكية التي ترفض الطلاق لأي سبب، لذلك تعترف بالانفصال الجسدي، وهو هنا انفصال دائم، أما باقي الكنائس فتلجأ فيها المرأة أو الطرف الراغب في الانفصال إلى الكنيسة للحصول على الطلاق، وينفصل فيها الزوجين انفصال مؤقت لحين الفصل في الأزمة. هنا قد يطول الانفصال لسنوات لأن الكنيسة لا تعترف بالطلاق إلا لعلة الزنا الذي قد لا يمكن إثباته، ويظل الزوجين معلقان لسنوات طويلة، وتختلف الحالات حسب الكنيسة، فـ تختلف مثلًا كنائس التجمع والشيخ زايد عن كنائس الأقاليم أو المناطق العشوائية التي يكون رجال الدين فيها ضد الطلاق.”

يضيف أن الكنيسة الكاثوليكية لن يكون لديها أزمة في إصدار شهادات الانفصال، بينما باقي الكنائس وعلى رأسها الأرذثوكسية لن تعطي هذه الشهادة، لأنها اعتراف ضمني بوجود أزمة، لاسيما وأن القانون لم يحدد الجهة التي ستصدر الشهادة هل هي الأب الكاهن في الكنيسة التي يتبعها الزوجين، أو الاسقفية أو الكاتدرائية نفسها، موضحًا أن في كل الأحوال إذا رفض الأب أو الأسقف إصدار هذه الشهادة لن تستطيع الزوجة عمل شئ ضد رجل الدين، لأنه ليس جهة إدارية وإنما هو قائد روحي، لا سلطة للحكومة عليه.

ويبين المحامي المهتم بحقوق المسيحيين أن الكنائس الخمسة الكبرى اتفقت على مشروع قانون للأحوال الشخصية ينظم عملية الطلاق، إلا أنه لم يخرج للنور حتى الآن.

لحل الأزمة، يقترح “سعيد” الحد من سيطرة الكنيسة على النساء من خلال إحالة الملف كله إلى التضامن الاجتماعي التي تبحث كل حالة على حدى، خاصة وان هناك حالات لا تلجأ لطلب الطلاق، وتنفصل دون الإعلان على ذلك حرصا على الشكل الاجتماعي، أو رغبة في تطبيق التعاليم المسيحية الكنسية.

إذا كانت مارثا استطاعت الحصول على مبلغ زهيد من زوجها للإنفاق على أبنائها، فإن فاتن رجائي لم تحصل على ذلك الحق، خاصة وأنها لم تنجب من زيجتها التي لم تستمر أكثر من عشرة أشهر، فقدت فيها جنينها بسبب إجبار زوجها لها على خدمة عائلته.

 

نوصي للقراءة: بين الكنيسة والقانون.. مسيحيات لا يحق لهن الطلاق

 

الحصول على المعاش ممنوع

وصلت فاتن إلى مؤهل متوسط فقط، كما هو الحال في عائلتها، وتزوجت زواجًا مدبرًا عبر الكنيسة بعد لقاء مرتب من الأب الكاهن. بعد عام من الخطوبة، فوجئت بأن عليها خدمة أسرة مكونة من سبعة أفراد، رغم اشتراط عائلتها أن تعيش في منزل منفصل. ومع مرور الوقت، تحملت مزيدًا من الأعباء، ورغم حملها، تعرضت للتعنيف من زوجها. بعد فقدانها لجنينها، واتهامها من قبل أسرة زوجها بأنها سعت للإجهاض، قررت العودة إلى منزل أسرتها، حيث ظلت معلقة لمدة ثمان سنوات. لكن بعد وفاة والدها، وجدت نفسها غير قادرة على الحصول على حقوقها القانونية، مثل المعاشات أو الدعم الحكومي، لأن أوراقها تُظهر أنها ما زالت متزوجة.

يرى إسحق ابراهيم – مدير برنامج المساواة ومنع التمييز بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية- أن “منح السلطة الدينية ممثلة في الكنيسة شهادات تعترف بالانفصال، وتشير للأزمة هو أمر جيد، لكن الأزمة تكمن أولاً في هل تقوم الكنائس بمنح مثل هذه الشهادات؟ خاصة وأن هناك أسر حفاظًا على الشكل الاجتماعي لا تلجأ للقضاء أو الكنيسة للحصول على طلاق أو انفصال، وانفصلوا جسديًا فقط، ولا يجب أن يتم معاقبة المرأة، لاسيما إذا كانت فقيرة على تضحيتها للحفاظ على شكل الأسرة أو الأبناء.”

يضيف في حديثه مع زاوية ثالثة: “هناك إشكالية أخرى، تتمثل في عدم وجود جهة رقابية على رجال الدين الذين يتم منحهم سلطة منح الشهادات، لأنهم ليسوا جهة إدارية، ما يعني خضوع المرأة التي ترغب في الحصول على هذه الشهادة لأهواء أو أفكار رجل الدين الذي قد يرى في هذه الشهادة تحدي للتعاليم الكنسية، لذلك لابد أن يكون هناك جهة إدارية ممثلة في وزارة التضامن تلجأ لها المرأة وتبحث حالتها اعتماد على الواقع الاجتماعي وشهادات الشهود من جيران أو غيرهم، وإذا كان هناك أي تحايل؛ فالسلطة لديها الكثير من الأساليب والطرق التي تستطيع بها عقاب المتلاعب واسترداد الدعم.”

حاولت زاوية ثالثة الحصول على تعليق من القمص موسى إبراهيم، المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية، إلا أنه رفض التعليق على الموضوع نظراً لأن القانون ما يزال قيد المناقشة ولم يتم إقراره بعد.

وفي انتظار إقرار القانون، تظل النساء المسيحيات مثل مارثا وفاتن أسيرات لزيجاتهن، حيث لا يستطيعن الانفصال قانونيًا أو الحصول على الدعم المادي الكافي.

نادية مبروك
صحفية مصرية متخصصة في التحقيقات والتقارير

Search