أثار إعلان وزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف، عن تطبيق نظام البكالوريا بدلًا عن الثانوية العامة، على طلاب الصف الأول الثانوي بدءًا من العام المقبل، حالة من الجدل الواسع والاستنكار في الأوساط التعليمية والسياسية وبين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، إذ يرى الكثيرون أنه بمثابة عودة إلى الوراء، لكون نظام البكالوريا كان معمولًا به في مصر في الفترة من (1854- 1962)، في حين اعتبر البعض أن النظام الدراسي الجديد، سيزيد من الأعباء المادية على الأسر المصرية، وأنه بمثابة خطوة نحو خصخصة التعليم وخفض الحكومة لمعدلات الإنفاق عليه، في وقتٍ تعاني فيه قطاعات كبيرة من المجتمع المصري من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على جودة التعليم وقدرة أبناء الأسر الأكثر فقرًا والواقعة تحت خطر الفقر، على الوصول إلى مقاعد الدراسة.
ويتكون نظام البكالوريا الجديد – الذي وافق مجلس الوزراء عليه مبدئيًا ووجه بمناقشة آليات تنفيذه في المجموعة الوزارية للتنمية البشرية، والتوافق على صيغة نهائية تطرحها الحكومة للحوار المجتمعي- ، من مرحلتين: المرحلة التمهيدية (الصف الأول الثانوي)، والمرحلة الرئيسية (الصفين الثاني والثالث الثانوي)، ويعتمد على دمج المواد العلمية، والأدبية والفنية، وتتضمن تدريس 14 مادة منهم سبع مواد بالصف الأول الثانوي العام وسبع مواد بالصفين الثاني والثالث الثانوي العام، ويتم تقسيم المواد على مدار عامين على الأقل، مع توفير فرص امتحانية مرتين سنويًا، تكون الأولي مجانية والثانية بمقابل قدره 500 جنيه لكل امتحان، ويكون الحد الأقصى لعدد سنوات الدراسة للمرحلة الرئيسية أربع سنوات بخلاف الصف الأول الثانوي، بحسب ما أوضح عبد اللطيف، خلال اجتماع مجلس الوزراء المصري، الأربعاء الماضي، معتبرًا أن الفلسفة الأساسية لهذا النظام تقوم على تعزيز مهارات التفكير النقدي والتحليلي لدى الطلاب بدلاً من الاعتماد على الحفظ والتلقين، ضمن إطار تعليمي شامل يتضمن التقييم المستمر، ومن المزمع أن يتم تطبيقه على المدارس الرسمية والمدارس الرسمية للغات والمدارس الخاصة التي يدرس فيها الطلاب بالنظام المصري، ولن يتم تطبيقه على طلاب المدارس التي تمنح شهادات غير مصرية، مثل المدارس الدولية ومدارس النيل.
وتبلغ قيمة رسوم إعادة امتحان المادة الواحدة في نظام البكالوريا 500 جنيه، بما يعادل 3500 جنيه لإعادة الامتحان في المواد السبع للطالب الواحد. مع وجود 750 ألف طالب سنويًا في الصف الثالث الثانوي، ما يعني أنه إذا أعاد نصف الطلاب الامتحانات يمكن أن تجمع وزارة التربية والتعليم أكثر من 1.3 مليار جنيه، بينما يعادل إعادة 25% من الطلاب حوالي 656 مليون جنيه، مما يثير جدلًا حول الأعباء المالية على الأسر.
وتأتي التخوفات من تطبيق نظام البكالوريا في وقتٍ تقل فيه معدلات الإنفاق الحكومي على التعليم في مصر عن المعدلات السائدة في معظم العالم، وكان الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، قد أقر خلال المؤتمر الوطني للشباب بالإسكندرية في يونيو من عام 2023، بعدم الالتزام الحكومي بنسب التعليم المقررة في دستور 2014، التي تُلزِم الدولة بتخصيص 4٪ و2٪ من الناتج المحلي الإجمالي، للإنفاق على التعليم قبل الجامعي والتعليم الجامعي على الترتيب، كاشفًا أن التعليم الأساسي وحده يحتاج إلى أكثر من 400 أو 500 مليار جنيه لنحو 25 مليون طالب، وهو مبلغ لا تستطيع الحكومة تخصيصه في الوقت الحالي، ولا توجد بيانات رسمية حديثة حول ما تنفقه الأسر المصرية على تعليم أبنائها، إلا أن بحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لعامي 2020/2019، قد أظهر أن متوسط الإنفاق السنوي للأسرة على التعليم، بلغ 8850.6 جنيهًا بنسبة 12.5٪ من إجمالي الإنفاق العائلي، وسجل متوسط إنفاق الأسرة على التعليم فى الحضر نحو 12829.8 جنيهًا بنسبة 15.7٪، مقابل 5720.2 جنيهًا في الريف بنسبة 9.2٪ من إجمالي الإنفاق العائلي.
وطبقًا للمادة 19 من دستور عام 2014: “تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيًا أيضًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”، ورغم ارتفاع إنفاق الموازنة العامة على قطاع التعليم، لأكثر من 125.6 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو إلى نوفمبر من العام المالي 2024/2025، بزيادة 26 مليار جنيه عن الفترة المماثلة من العام الماضي بنسبة نمو 26.1%، بحسب التقرير الشهري لوزارة المالية، الصادر في يناير 2025، إلا أن نسبة الإنفاق الفعلي على الصحة والتعليم في موازنة العام المالي 2024/ 2025 ، بلغت نحو 3.8% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغ حجم الإنفاق الفعلي على التعليم نحو 295 مليار جنيه، طبقًا لبيانات التصنيف الوظيفي للمصروفات الوارد في مشروع الموازنة العامة، ويمثل الإنفاق على التعليم نحو 2.3% من الناتج المحلي، البالغ نحو 13 تريليون جنيه.
نوصي للقراءة: المعلمون المصريون يتحدون قرارات وزير التعليم في ساحة القضاء
نهاية التعليم المجاني
يعتقد الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية ورئيس مجلس أمناء المركز المصري للحق في التعليم، كمال مغيث، أن التوجهات الحكومية المتعلقة بالتعليم، تتسق مع نظام سياسي يتماهى نحو الرأسمالية المتوحشة، ويخضع لشروط وروشتة البنك الدولي المطالبة بخفض نفقات الحكومة وتقليص الدعم وتقليل عدد موظفي الدولة، دون إصلاحات اجتماعية والفلسفة التي أعلنها الرئيس بشكل واضح، حين قال إنه لا يوجد شيء مجاني، وماذا يفعل التعليم في وطن ضائع؟، وإشارته إلى إمكانية تعليم أقلية تعليمًا جيدًا بدلًا عن تعليم الأغلبية، مؤكدًا أن نظام البكالوريا ليس وليد تجارب أو أبحاث، إنما يهدف إلى خفض الإنفاق الحكومي على التعليم لإرضاء صندوق النقد الدولي، وهو ما يمثل اعتداءًا على الدستور المصري الذي ينص على أن التعليم مجاني في مؤسسات الدولة.
يقول إلى زاوية ثالثة: “يبدو أن هناك حزمة سياسات، تبدأ بانتقاد أعداد خريجي الكليات النظرية، والتوجيه بدراسة البرمجة والتي لن تستطيع دراستها سوى أعداد محدودة، بالتزامن مع ارتفاع الرسوم الدراسية، وفي ظل ارتفاع معدلات الفقر، أدى ذلك لانخفاض نسبة الملتحقين بالتعليم الإلزامي لعدم قدرة أسرهم على الإنفاق على تعليمهم، ثم تظهر فكرة إعادة الكتاتيب، فهل يريدون الوصول إلى رفع الدولة يدها عن التعليم، وأن تكون الأغلبية تجيد فقط مهارات القراءة والكتابة وتعمل كخدم لدى الأغنياء المتعلمين؟”
وتبلغ نسبة التسرب من التعليم في مصر، في المرحلة الإعدادية 0.87 % بنحو 43351 متسربًا، مقابل نسبة 0.2 % بعدد 25380 متسربًا في المرحلة الابتدائية، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2022، و سجلت محافظة مطروح الأعلى في نسب التسرب بالمرحلة الإبتدائية بين عامي 2020/2019 – 2020/2021 بواقع 0.39% ، تليها أسيوط بنسبة 0.36%، بينما كانت محافظة الوادى الجديد الأقل بواقع 0.02% ، تليها محافظة جنوب سيناء بواقع 0.05%، وبلغت نسبة المتسربين من التعليم في المرحلة الإبتدائية في الفترة من 2019/2020 و 2020 / 2021 حوالي 0.2% منهم 0.17% بنات و 0.23 % بنين، بحسب البيانات والإحصاءات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم والواردة في كتاب الإحصاء السنوي 2021/2022.
نوصي للقراءة: إلغاء مواد من الثانوية العامة في مصر: خطوة نحو التغيير أم تقليص للتعليم؟
انتقائية التعليم
يُبين عمار علي حسن – الكاتب والمفكر والباحث في العلوم السياسية-، إلى زاوية ثالثة، أن هناك اتجاه حكومي لتخفيف الإنفاق على التعليم، تمثل في زيادة الرسوم الدراسية من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية وتوقف السلطة عن إنشاء جامعات حكومية وترك الأمر لرجال الأعمال والجامعات الأجنبية، وفتح باب التطوع دون أجر للتدريس في المدارس الحكومية، معتبرًا أن ذلك هو قمة الاستهانة بالتعليم، وأن مسابقة توظيف الـ30 ألف معلم كانت قمة الهزلية بشروطها العبثية، وأنه لا يجب بقاء وزير التعليم في منصبه بعد ثبوت تزوير شهادته.
ويشير “حسن” إلى كونه لم يطلع بعد على التفاصيل الدقيقة لقرار تطبيق نظام البكالوريا، الذي تستعد وزارة التربية والتعليم لتطبيقه كبديل للثانوية العامة، ليقرر أن ذلك يعني انسحاب السلطة من الإنفاق على التعليم أو اتجاهها لتعليم قلة قليلة وترك الأكثرية بلا تعليم، أم أنها محاولة من الحكومة لتطوير نظام التعليم الحالي؟، لكنه يؤكد ضرورة طرح القرار للنقاش المجتمعي وألاّ يتم اتخاذ القرارات في الغرف المغلقة.
يقول: “في تقديري أن السلطة ستتجه إلى انتقائية التعليم، وفي ظل ثورة الاتصالات وارتباطها بالديمقراطية من العبث التفكير في قصر التعليم على فئات معينة وتعليم البقية في الكتاتيب أو ربط التعليم بالعمل فقط وتوظيف فئة معينة في دواليب السلطة، وهو توجه تبناه الخديو عباس والذي كان يرى تعليم الأتراك فقط وترك المصريين جهلاء ليبقوا أيدي عاملة رخيصة، لكن اتضح لاحقًا ارتباط التعليم ببناء الأمة وارتباطه بالحرية والديمقراطية، لذا لا تريد السلطة للشعب أن يكون متعلمًا كي لا ينادي بحقوقه وواجباته، ويجب ألاّ يتم التذرع بقلة الموارد المالية لأن الأموال تنفق على الأسمنت والحجارة والطرق بدلاً عن بناء المدارس، والإنفاق على التعليم يأتي بالأساس من جيوب دافعي الضرائب، ولا يحظى بالميزانيات الضخمة المرصودة لقطاعات أخرى، ولا يمكن ربط ذلك بمطالب صندوق النقد الدولي.”
نوصي للقراءة: غضب مكتوم على أبواب اللجان: انتهاكات جسدية لطلاب الثانوية
ارتفاع وتيرة الخصخصة
يؤكد الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني – نائب رئيس حزب التحالف الاشتراكي-، إلى زاوية ثالثة، أن هناك توجه حكومي نحو خصخصة التعليم، بدليل عدم الالتزام بالنسب الدستورية ومشكلة كثافة الفصول والتسرب من التعليم وإطلاق يد القطاع الخاص وتقديم خدمة مدفوعة الثمن في مدارس حكومية ووجود عجز 250 فصل دراسي و650 ألف معلم، معتبرًا أن تلك مؤشرات على خصخصة التعليم وتخلي الدولة عن مسئوليتها، إذ عمدت الحكومة المصرية منذ سنوات إلى خفض الإنفاق على التعليم من 12% من مصروفات الموازنة العامة في 2014/2015 إلى 7.6% في 2024/2025، وخفض الإنفاق على التعليم من 3.9% إلى 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وبذلك يتم تقليص الانفاق الحكومي وتسليع التعليم وتحوله من خدمة عامة إلي سلعة يحصل عليها من يملك تكلفتها.
يقول: “مصر منذ سنوات تعيش اقتصاد المول والكمبوند، والذي يحتاج إلى بائعين وعمال نظافة وعمال صيانة وعمال أمن، ويتم تعليم النخبة في مدارس دولية أو خارج مصر، أما تعليم الفقراء فهو طارد رغم مساعدات تكافل التي لا تغني ولا تثمن، ومنذ تحول التعليم إلى بيزنس جاذب لرجال الأعمال ومنذ التحول من الجامعات الأهلية إلى الجامعات الخاصة والدولية بل وإنشاء تعليم موازي داخل الجامعات الحكومية بمصروفات ولغات أجنبية، ارتفعت وتيرة الخصخصة في قطاع التعليم العالي.”
كان تقرير صادر عن البنك الدولي، في 2022، قد أكد أن تراجع الإنفاق العام على التعليم في مصر، أدى إلى نقص عدد المعلمين والفصول الدراسية في مصر واكتظاظها، وانخفاض جودة التعليم، مبينًا أنه يوجد حاليا أكثر من 24 مليون طالب في مراحل التعليم ما قبل الجامعي في البلاد، نحو 90% منهم في المدارس الحكومية، وهناك نحو 56 طالبًا في المتوسط لكل فصل دراسي بالمرحلة الابتدائية، وهناك ما يقرب من مليون معلم يعملون في مجال التعليم، إضافة إلى 500 ألف شخص يعملون في إدارة المدارس والإشراف وأطقم الصيانة، ويصل العجز إلى 250 ألف معلم، وتحتاج مصر إلى بناء نحو 117 ألف فصل دراسي في غضون خمس سنوات لتخفيف الضغط على المدارس الحكومية.
نوصي للقراءة: لمن استطاع إليه سبيلا.. بيزنس “الكريديت” يجتاح الجامعات الحكومية
تعميق الاستقطاب الديني
واحدة من الانتقادات التي وجهت إلى نظام البكالوريا الجديد، تتمثل في جعل مادة التربية الدينية مادة أساسية تخصص لها 100 درجة من المجموع الكلي، لكون ذلك سيفتح الباب أمام المزايدة والبعد الطائفي، كما يحذر السياسي محمد أبو الغار – الرئيس السابق للحزب المصري الديمقراطي-، من ناحية، كما سيخلق أزمة لعدم وجود كلية أو معهد لتخريج معلم التربية المسيحية، و سيثير غضب الطوائف المسيحية في مصر، لكون المسيحيين الإنجيليين والكاثوليك والبروتستانت قد قبلوا مادة تربية دينية وسط لا تثير مشاكل اعتقادية وقد لا يقبلون هذا في ظل امتحانات ودرجات عالية، كما سيفتح ذلك الباب للمقارنات والمزايدات مما سيفتح باب الجحيم على الوطن، على حد تعبير الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية ورئيس مجلس أمناء المركز المصري للحق في التعليم، كمال مغيث، الذي يتسائل في حديثه إلى زاوية ثالثة، كيف يمكن أن نقبل أن يخضع الدين إلى معايير السوق، والدروس الخصوصية والغش في الامتحانات، والذي يحدث بالنسبة للمواد الأخرى؟.
يأتي ذلك تزامنًا مع إطلاق أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، لمبادرة “عودة الكتاتيب“، التي كانت شائعة في قرى مصر في القرن الـ19، والتي قال الوزير إنها تهدف لحفظ القرآن الكريم ومعرفة معانيه والتعرف على أصول الدين الإسلامى من خلال المنهج الوسطي الأزهري على أيدي نخبة مختارة من المحفظين، واستقطاب الناشئة وتحصينهم، ضمن المبادرة الرئاسية “بداية جديدة لبناء الإنسان”، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، والذي وجّه، خلال اجتماعه مع مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، وأسامة الأزهري وزير الأوقاف، بالدراسة الدقيقة لمبادرة عودة الكتاتيب وتحسين أحوال الأئمة والدعاة، فيما أعلن محمد حشّاد، نقيب قراء القرآن الكريم، أن هناك 16 ألف محفّظ وقارئ منهم 500 سيدة جاهزون لتدريب المحفّظين والمعلمين في مبادرة عودة الكتاتيب.
ويخشى البعض أن تؤدي عودة الكتاتيب إلى تعميق الإستقطاب الديني وتعزيز الطائفية، لكون ملايين الأطفال المسيحيين لن يلتحقوا بها، وسيعتمدون على تعليم كنائسي في مدارس الأحد، ويرى الكثيرون أن الكتاتيب التي كانت منتشرة في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر، قد انتهت صلاحيتها بمرور الزمن مع مطلع الستينات، بعد انتشار المدارس الحكومية، لاسيما أن الأولى كانت تعتمد على الحفظ والتلقين والطاعة المطلقة، وافتقاده للوسائل التربوية في التعليم، إذ كان يعتمد فيه المشايخ على قهر الأطفال وتخوفهم من العقاب المؤلم المهين ، عبر ضرب القدمين بعصا غليظة بعد تقييدهما بالحبل، فيما عُرف بـ”الفلكة”.
نوصي للقراءة: شهادات ممنوعة: تمييز ضد المسيحيّين في المحاكم المصريّة
أشبه بـنظام IG
يوضح عادل سرايا – أستاذ تكنولوجيا التعليم بكلية التربية النوعية ومستشار رئيس جامعة الزقازيق، والعميد السابق لكلية التربية جامعة قناة السويس بالعريش-، أن الأسباب الرئيسية للاعتراض على نظام البكالوريا، يرجع للمصطلح نفسه الذي أعادنا للوراء لعقود، بجانب دمج بعض المواد الدراسية وتحويل مادة التربية الدينية لمادة أساسية في الصف الثالث الثانوي، الذي سيثير أزمة جدلية ويواجه مشكلة عدم توفر أساتذة وخبراء مناهج متخصصين في الدين المسيحي، بدلًا عن التركيز على اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والثقافة والتربية الوطنية، وتعد المشكلة الأكبر في كون النظام نابع من مقترح شخصي من وزير التربية والتعليم، أقرب إلى نظام IG الذي يطبقه في مدارسه الدولية، لكنه لم ينبع من مخرجات جلسات الحوار الوطني أو رؤية مصر 2030.
يقول إلى زاوية ثالثة: “إحدى مشكلات النظام الجديد تتمثل في كونه سيجعل الأسر المصرية تعيش تحت ضغط لمدة 24 شهرًا، فليس بالضرورة أن يتماشى نظام شبيه بـنظام IG أو نظام المدارس اليابانية مع غالبية المصريين، ورغم تقليصه عدد المواد الدراسية إلا أن لديه سلبيات تتمثل في كون الطالب سيقضي سنة دراسية كاملة دون دراسة اللغة العربية واللغة الإنجليزية، والمشكلة الأكبر في تطوير المناهج وتغيير الأنظمة الدراسية دون التأكد من وجود معلمين مؤهلين لتدريسها ومدى استعداد الأبنية التعليمية، ما يتطلب اللجوء أولًا إلى جلسات الحوار الوطني ونقابة المعلمين وأساتذة كليات التربية لمناقشة النظام المقترح قبل إقراره، ويبقى توفير المعلم الكفء هو الضمانة الأساسية لنجاح أي نظام تعليمي.”
ويدعو أستاذ تكنولوجيا التعليم، القيادة السياسية إلى تشكيل الهيئة العليا للتخطيط التعليم بعيد المدى، تتضمن نحو 60 خبير في مجالات مختلفة، يعملون على تطويع المناهج التعليمية منذ رياض الأطفال لخدمة رؤية مصر المستقبلية لهويتها وشكلها، والاهتمام بالتعليم الفني والحرفي والمهني وتطويع المناهج الدراسية لتكسب الطلاب المهارات اللازمة لسوق العمل، والاهتمام بمدارس التعليم المجتمعي أو مدارس الفصل الواحد الموجودة في قرى مصر والتي ينضم إليها المتسربين من التعليم وغير القادرين على الالتحاق بالتعليم وكبار السن، وتعليمهم اللغة العربية والإنجليزية والكومبيوتر والوعظ والتربية الوطنية، بدلًا عن إعادة الكتاتيب للعمل، توظيف خريجي قسم التعليم المجتمعي بكلية التربية في جامعة الزقازيق للعمل بتلك المدارس، وليس الواعظ الذي يتحدث فقط في الجانب الديني ويغفل المهارات الحياتية.
وفي حين يرى خبراء تربويين، تحدثت إليهم زاوية ثالثة، أن النظام الجديد يشبه نظام IG أو الدبلومة البريطانية، وهو دولي ثانوي، يعد بديلًا للثانوية العامة، ويمكن من خلاله الالتحاق بالجامعات العالمية أو المصرية أو الخاصة، فإن البعض يعتقد أن الباكلوريا الجديدة ستزيد من معدلات الالتحاق بالشهادات المعادلة والجامعات الخاصة بين أبناء الطبقات فوق المتوسطة، إذ ترى الكاتبة والباحثة سارة علّام، أن النظام الجديد يعني رسالة واضحة للطبقة فوق المتوسطة وما بعدها للابتعاد عن التعليم المصري نحو الشهادات المعادلة، وهو الاتجاه القائم من سنوات بعيدة، لافتة إلى أن نسب قبول طلاب الشهادات المعادلة قد انخفض في الجامعات الحكومية بشكل أصبح يجعل هذه الشهادات بوابة للجامعات الخاصة والأجنبية.
تقول الكاتبة في تدوينة لها: “هذه خصخصة للتعليم تتم عبر إفساد بوابة الدخول للجامعات الحكومية التي صارت بفعل الزمن لا تنافس في سوق الجامعات من ثلاث حروف، معتبرة أن هذا الوضع يحيل إلى تعليم لا يصنع حراكًا طبقيًا. الغني يدفع ويحافظ على فرص أولاده والفقير يظل في دوامة التعليم الحكومي الفقير والمتعب والذي لا يحيل لفرص عمل أولاد الأغنياء، نتيجة لسياسات عامة ولتعيين مالك مدارس خاصة على رأس التعليم في مصر، لتكون نهاية عصر التعليم المجاني.”
من ناحيته، يرى الخبير التربوي والأستاذ الجامعي، محمد خليل، أن وضع التعليم في مصر مؤسف، لأن الطالب لا يشعر بقيمة التعليم المجاني المتوفر منذ الخمسينات، وتحول إلى نشاط تجاري يجعل ما يوفره أولياء الأمور من رسوم دراسية يدفعونه للمراكز التعليمية مقابل الدروس الخصوصية التي يحصل عليها أولادهم، وأنه حال تطبيق نظام البكالوريا، سيضطر الطالب للاجتهاد في دراسته كي يحصل على مجموع جيد منذ المحاولة الأولى، ليُجنب أسرته سداد رسوم دخول الامتحان عند المحاولة الثانية، معتبرًا أن جعل مادة التربية الدينية أساسية هو أمر ضروري في ظل انهيار منظومة الأخلاق ويعد جرس إنذار لأولياء الأمور، لكنه لا يتوقع أن يقبل البرلمان والرأي المجتمعي بإعادة الكتاتيب للعمل، والتي كانت تتبع أساليب تعليمية بالية لا تتوافق مع عصر التكنولوجيا الرقمية وستؤدي لمشكلات طائفية.
وينتقد الخبير إلغاء مادتي اللغة العربية والإنجليزية كمادتين أساسيتين في الصف الثالث الثانوي، وإهمال اللغة الأجنبية الثانية، مما سيؤثر سلبًا على الكوادر الطلابية التي ستلتحق بالجامعات، إضافة إلى عدم تدريب الكوادر التعليمية على النظام الدراسي الجديد قبل تطبيقه، لكنه لا يرفض فرض رسوم لإعادة الامتحانات، معتبرًا أن التعليم المجاني متوفرًا في معظم دول العالم، مشيدًا بخلق نظام البكالوريا لـ مسارات تعليمية جديدة تتناسب مع سوق العمل، لتحسين الحالة الاقتصادية، وهي: مسار ريادة الأعمال ومسار الأدب والفنون ومسار الطب والعلوم ومسار الهندسة وعلوم الحاسب، ومنح فرصة ثانية للطلاب لتحسين مجموعهم، كما هو الحال في نظام الـIG الذي يتضمن مواد أساسية وأخرى اختيارية ووجود مواد المستوى الرفيع وإمكانية الدخول مرتين للامتحان.
ويتناقض ارتفاع وتيرة الخصخصة في قطاع التعليم وتخوفات الخبراء من وجود توجهات لدى الحكومة بخفض نسبة الإنفاق على التعليم، – والذي لا يزال دون النسب الدستورية المقررة- ، وتطبيق انتقائية التعليم لفئات بعينها، مع ما أعلنته وزارة المالية في تقريرها الشهري الصادر في يناير 2025، عن استهدافها أن تصل نسبة الإنفاق على التعليم 24.4% من إجمالي الإنفاق العام في الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2024/2025، وأن تخصص الموازنة مبلغ 565 مليار جنيه للتعليم ما قبل الجامعي، و293 مليار جنيه للتعليم العالي والجامعي، و140 مليار جنيه للبحث العلمي.
وسواء كان نظام “البكالوريا” خطوة في الطريق نحو خفض الإنفاق على التعليم وإلغاء مجانيته والتوسع في خصخصته، كما يتخوف الكثيرون، أو كان محاولة من وزارة التربية والتعليم لخلق نظام دراسي بديل عن الثانوية العامة التي يقر الكثير من الخبراء بفشلها وتداعيها، وفي ظل التخوفات من تسبب النظام الجديد الذي يتزامن مع مبادرة عودة الكتاتيب، في زيادة حد الاستقطاب الديني في مصر، تبقى مشكلة التسرب من التعليم، التي تتفاقم بزيادة نسبة الفقر في مصر التي ارتفعت إلى 32.5% في عام 2022، ، مرتفعًا من 29.7%، في العام المالي 2019-2020، بحسب البنك الدولي، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية الطاحنة.