المعلمون المصريون يتحدون قرارات وزير التعليم في ساحة القضاء

بعد قرارات وزير التعليم بإلغاء مواد دراسية في الثانوية العامة، تتزايد الدعاوى القضائية المرفوعة من قبل المعلمين، وسط تساؤلات حول تأثير هذه التغييرات على النظام التعليمي في مصر.
Picture of منار بحيري

منار بحيري

تواجه شريحة من المعلمين المصريين مصيرًا ضبابيًا بعد قرار وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، محمد عبد اللطيف، في أغسطس الماضي، إذ أشار إلى إلغاء تدريس بعض المقررات في مرحلة الثانوية العامة، وتهميش مقررات أخرى من حساب المجموع الكلي للطالب. ويعتقد معلمون تحدثت معهم زاوية ثالثة أن هذا القرار لن يؤثر فقط على الهيكل التعليمي؛ بل يهدد بشكل مباشر مستقبلهم، إذ أن مسارهم المهني متوقف على تدريس تلك المقررات؛ ما دفعهم إلى رفع عدد من الدعاوى القضائية ضد قرارات الوزير الجديدة.

أعلن وزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف، التعديلات الجديدة للمرحلة الثانوية التي يجب أن تُطبق اعتبارًا من العام الدراسي الجاري 2024/2025. بالنسبة للصف الأول الثانوي؛ دراسة ستة مقررات أساسية بدلًا عن عشرة مقررات في العام السابق. ويتم تطبيق منهج العلوم المتكاملة لأول مرة، بديلاً عن مناهج الكيمياء والفيزياء، إلى جانب إعادة تصميم مقرر الجغرافيا لتُلغى من الدراسة في الصف الأول الثانوي، وتصبح مادة تخصص للشعبة الأدبية في السنة التالية. وبالنسبة لـ مقررات الصف الثاني الثانوي بعد التعديل، تشمل دراسة ستة مقررات بدلًا عن ثمانية. أما طلاب الصف الثالث الثانوي، فيدرسون وفق النظام الجديد، خمسة مقررات بدلًا عن سبعة، وينقسمون إلى ثلاث شعب؛ العلوم والرياضة والشعبة الأدبية، فيما تبقى اللغة الأجنبية الثانية في السنوات الثلاث كمقرر رسوب ونجاح دون احتسابها في المجموع الكلي.

وفي الوقت الذي لا توجد فيه خطط واضحة لإعادة تأهيلهم أو توفير بدائل مهنية، بات المعلمون في حالة من القلق والخوف من المجهول، إذ وجدوا أنفسهم فجأة – حسب وصفهم- في وضع يهدد استقرارهم الوظيفي والمعيشي.

نوصي للقراءة: طعن على استبعاد معلمات بسبب الوزن الزائد.. واستمرار حبس 127 داعمًا لفلسطين 

 

هل تحدث تغييرات قانونية؟ 

يؤكد علي أيوب – محامي مجموعة من المعلمين في قضيتهم ضد قرارات الوزير-، أن للمعلمين الحق في الاعتراض على القرارات من الناحية القانونية وفقًا للدستور المصري، خاصةً في حالة تدخل مجلس الوزراء أو رئاسة الجمهورية، أو إذا كانت قرارات الوزير غير مدروسة. وفي الظروف الحالية، من المتوقع حدوث تغييرات قانونية في سياسات التعليم تهدف إلى حماية المعلمين من القرارات التي قد تؤثر على وظائفهم بشكل مفاجئ.

يُضيف في حديثه إلى زاوية ثالثة أن هناك سبع دعاوى قضائية قُدمت من معلمين من (القاهرة، والجيزة، وطنطا، والمنصورة، والبحيرة، والزقازيق، والإسكندرية)، وبعض المعلمين من مدن القناة، والصعيد، مع استمرار إيداع الطعون المتبقية. وستُعقد أولى الجلسات في الأول من أكتوبر المقبل.

ويوضح: “هناك من يرى أن التعديلات سبيل للتوفير عن كاهل الأسرة المصرية في الدروس الخصوصية، ونسوا أن المشرّع التعليمي بمصر أضاف مادة الإحصاء بدلاً عن العلوم الإنسانية، فأين التوفير في حذف مادة التخصص وإضافة مادة لا تمت بأي صلة للتخصص الأدبي؟”. 

يستطرد: “ما تعلمناه من علم المنطق أن لكل مقدمات نتائج، وأرى أن نتائج تلك القرارات ضارة وسوف نحصدها جميعًا، معلمون وأساتذة جامعات وطلاب. أيضًا- ستؤثر على العملية التعليمية برمتها وكذلك البحث العلمي”، مشيرًا إلى البطالة الجزئية بين المعلمين غير المعينين، الذين اجتهدوا دون انتظار حقهم في التعيين. 

وحسب نص الدعوى التي حصلت زاوية ثالثة على نسخة منها، يقول المحامي: “تغيير المسار والمسمى الوظيفي للمعلم المعين لهذه المقررات لعدم الحاجة إليهم، يعد إهانة، كما سيتم التوقف عن توظيف معلمين في تلك التخصصات”.

ويبني المحامي بالنقض دعوته على أساس المادة (19) من الدستور، وتنص أن: “التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقًا لمعايير الجودة العالمية.”

وتنص المادة (22) من الدستور المصري المعدل لعام 2019، على: “المعلمون، وأعضاء هيئة التدريس ومن يعاونهم، الركيزة الأساسية للتعليم، تكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية، ومهاراتهم المهنية، ورعاية حقوقهم المادية والأدبية، بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه”. ما يتعارض والقرارات الجديدة التي تمس الحقوق المهنية والاقتصادية لمعلمي اللغة الأجنبية الثانية والجيولوجيا والجغرافيا وعلم النفس والفلسفة.

وحول أسباب الطعن على تلك القرارات، يؤكد “أيوب” في دعوته أن الأمر برمّته يرتكز على خلو القرار الإداري المطعون به من ركن السبب، “فمن المبادئ المستقرة أن لكل قرار إداري مجموعة من الأركان يجب توافرها عند إصداره، تتمثل في ركن الاختصاص، وركن المحل، وركن الشكل والإجراءات، وركن السبب، وركن الغاية ـ وكل ركن من هذه الأركان يشكل عند تخلفه عيبًا يشوب ذلك القرار ويكون سببًا للإلغاء.”

يستكمل: “تحظى دراسة ركن السبب في القرار الإداري بأهمية بالغة تفرض نفسها على واقع الأمر وذلك لعدة اعتبارات؛ أولها يتمثل في أن ركن السبب يعد العنصر الأول في القرار الإداري، ويعتبر تخلفه أو عدم صحته من قبيل عدم المشروعية فيقع القرار باطلاً؛ ما يمكن إلغاؤه، وأيضًا يعد ضمان وقرينة على أن تدخل الإدارة له ما يستجوبه، وذلك لأن القرارات الإدارية تنطوي في معظم الأحوال على الحد من حريات الأفراد والإضرار بـ مراكزهم المالية والأدبية. إلى جانب أنه أحد أهم الوسائل التي تحد من انحرافات الإدارة وتعسفها في استعمال سلطتها، والرقابة عليه تؤدي إلى تقليص السلطة التقديرية للإدارة وذلك عن طريق الرقابة على ملائمة القرار.”

كما يرى المحامي في دعوته أن القرار يأتي بالمخالفة لنص المادة رقم (26) من القانون رقم 139 لسنة 1981 المعروف باسم قانون التعليم، وتنص على أن: “تتكون مقررات الدراسة في التعليم الثانوي العام من مواد إجبارية ومواد اختيارية، ويصدر بتحديد هذه المواد وعدد المواد الاختيارية التي يتعين على الطالب أن يجتازها بنجاح، قرار من وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي وموافقة المجلس الأعلى للجامعات.” 

نوصي للقراءة: هل تستعد الجامعات المصرية لمستقبل بلا طلاب دراسات عليا؟

 

سخرية من إلغاء اللغة الفرنسية

 

تواصل معنا نحو 700 من المعلمين ممن يدرسون مقررات اللغة الفرنسية (لغة أجنبية ثانية)، والجيولوجيا، والجغرافيا، والفلسفة وعلم النفس، بعد أن نشرنا تقريرًا بعنوان “إلغاء مواد من الثانوية العامة في مصر: خطوة نحو التغيير أم تقليص للتعليم؟“، في أغسطس الماضي. إذ تحركوا لرفع دعاوى قضائية لإبطال قرارات وزير التعليم الجديدة، التي يبدأ تطبيقها من الفصل الدراسي الجاري.

يشير المعلمون في استغاثتهم إلى زاوية ثالثة إلى ضرورة تبني قضيتهم التي يربطونها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. إذ يعانون من تدهور في الرواتب والمعيشة؛ ما يدفع بعضهم للعمل في الدروس الخصوصية لتوفير الحد الأدنى من المعيشة وزيادة الدخل، إضافة إلى ذلك تعاني منظومة التعليم المصرية من حاجتها الماسة لتوظيف نحو 20 ألف معلم/ معلمة سنويًا، وفق تقرير حديث أعدته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، استندت فيه إلى تصريحات لوزير التعليم السابق، رضا حجازي. يشكل هذا عبئًا إضافيًا على المعلمين المعينين أو المتعاقدين لمدد محددة، إذ يجب عليهم سد العجز المستمر في أعداد المعلمين، من خلال التدريس لأكبر عدد من الطلاب وزيادة عدد الساعات الدراسية المقررة لكل معلم (وفق المبادرة، فإن متوسط عدد الساعات للمعلمين من الذكور أسبوعيًا تصل إلى نحو 48 ساعة، فيما تصل في المعلمات من الإناث إلى نحو 47 ساعة عمل أسبوعية).

تعليقًا، يقول محمد خليل – معلم لغة فرنسية من كفر الدوار بمحافظة البحيرة-، إنه عمل مدة 26 عامًا؛ لكن القرار الجديد بتهميش اللغة الثانية من المجموع النهائي – رغم مرور أيام قليلة على بدء العام الدراسي الجديد-، إلا أنه بدّل من أهمية ما يقدمه في أعين الطلاب وأسرهم، وبات محل سخرية. مضيفًا: “الإداريون ممن يعملون معنا في المدارس يسخرون منا، يشيرون إلى أن الفرنسية لم يعد لها قيمة تذكر، ونتيجة ذلك تعرضنا لمضاعفات نفسية وصحية سيئة للغاية.”

يشير “خليل” إلى الأثر الاقتصادي لقرار الوزير، يؤكد أنه وأسرته التي تتكون من سبعة أفراد – هو معيلها الوحيد-، سوف تتأثر سلبًا، إذ أن راتبه البالغ خمسة آلاف جنيه بالكاد يغطي تكاليف الكهرباء والمياه والغاز وإيجار المنزل. مردفًا: “أبحث الآن عن عمل إضافي بعد انتهاء اليوم الدراسي، لزيادة دخلي.” 

وقد سعت حكومة القاهرة إلى حل أزمة نقص المعلمين، إذ أعلن وزير التعليم السابق، رضا حجازي، في عام 2022، عن بدء نظام التعيين بالتعاقد لمدد محددة من خلال نظام المسابقات (أصبح تعيين المعلمين خاضعًا للإجراءات المطبقة في نظام الخدمة المدنية، ومن بينها نظام المسابقات)، في خطة لتعيين 150 ألف معلم على مدى خمس سنوات. ورغم تعدد المسابقات التي شابتها بعض من الانتهاكات التي رصدناها سابقًا في زاوية ثالثة، فإن معلمين قد حدثونا عن أن بعضهم ممن نجحوا في تلك المسابقات لم يحصلوا على رواتبهم الكاملة التي قدرتها الحكومة بنحو ستة آلاف جنيه، ووصل الراتب – قبل خصم الاستقطاعات التأمينية والضريبية- إلى نحو أربعة آلاف جنيه، وحسب شهادات المعلمين التي أوردناها في تقرير سابق بعنوان: “لا مكان للبُدناء والحوامل.. استحقاقات مفقودة لمعلّمي مصر“، فإن الحكومة تعثرت في دفع رواتبهم بشكل منتظم، لدرجة أن بعضهم حصل على راتب كل ثلاثة أشهر؛ ما يؤثر على الحقوق الاقتصادية لتلك الشريحة من المعلمين أيضًا.

 اعترفت الحكومة بالنقص الحاد في أعداد المعلمين، وفق ما أعلنه وزير التعليم الأسبق، طارق شوقي، أمام البرلمان، إذ أعلن أن منظومة التعليم ما قبل الجامعي في مصر بمراحلها المختلفة تحتاج إلى نحو 323 ألف معلم/ معلمة. فيما أعلن نقيب المعلمين، خلف الزناتي، في إحدى جلسات الحوار الوطني لعام 2023، أن العجز في أعداد المعلمين وصل إلى نحو 400 ألف معلم/ معلمة.

 

نوصي للقراءة: غضب مكتوم على أبواب اللجان: انتهاكات جسدية لطلاب الثانوية 

 

أخطار مهنية

تشير حسناء صلاح الدين – معلمة لغة فرنسية من محافظة بني سويف-، إلى أنها تعمل بموجب عقد في مدرسة خاصة. تقول: “تم تهميش اللغة الفرنسية وإخراجها من المجموع في المرحلة الثانوية، إضافة إلى إلغائها تمامًا من المرحلة الإعدادية. كان القرار بمثابة قضاء على أحلام كل المعلمين الذين سعوا لتقديم قيمة حقيقية من خلال تعليم هذه اللغة، التي تمثل جسرًا نحو مواكبة التطورات في عالم مفتوح على اللغات والتكنولوجيا.”

تضيف: “لأكثر من 15 عامًا، كانوا يعدوننا بتطبيق اللغة الفرنسية كلغة ثانية في المدارس. وفي العام الذي كان من المقرر أن يتم فيه تطبيق هذا القرار على المرحلة الإعدادية، فوجئنا بإلغاء الفرنسية من الأساس، ويعد هذا تمديرًا لمستقبل المعلمين المختصين في تدريسها.”

وتوضح أن المعلمين/ المعلمات الذين تم الاستغناء عنهم من المدارس الخاصة يواجهون واقعًا قاسيًا، إذ يُطلب منهم البحث عن وظائف أخرى. مشيرة إلى أنها تكلفت الكثير خلال سنوات دراستها وبعد تخرجها في عام 2007، لتتقن تدريس سلاسل اللغة الفرنسية لكل المراحل الدراسية، لكن خبرتها تلك لم تعد ذات جدوى، خاصة مع توقعات بتقليص عدد معلمي اللغات الأجنبية الثانية، ليصبحوا بلا وظائف.

أحمد عبد الحميد، معلم اللغة الفرنسية الذي يمتلك خبرة 20 عامًا في مجال التدريس، يتحدث عن معاناته بعد إلغاء تعاقده مع المدرسة الخاصة التي كان يعمل بها. يقول: “لم أكن معينًا في أي وظيفة حكومية؛ بل بموجب عقد في مدرسة خاصة. بعد قرار تهميش اللغة الفرنسية، أنهت جهة العمل تعاقدي. ولا يوجد تعيين في الحكومة منذ قرار إلغاء تكليف خريجي كليات التربية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي. وكلما تقدمت إلى مسابقة لتعيين المعلمين، يكون الرد دائمًا أنهم لا يحتاجون إلى مختصي اللغة الفرنسية.”

يضيف: “الوضع أصبح غير مستقر بالنسبة لنا كـ معلمي لغة فرنسية. نحن نعمل في ظروف صعبة، دون ضمانات وظيفية أو فرص للتعيين في مدارس حكومية.”

وفق بيانات الكتاب الإحصائي السنوي للعام 2023/ 2024 الصادر عن وزارة التربية والتعليم، فقد انخفض عدد المعلمين في السنوات الأخيرة، إذ أنه وبالمقارنة ما بين العامين الدراسيين 2019/ 2020 و 2023/ 2024 فقد سجل عدد المعلمين في الأول نحو 1.018.773 معلم، فيما تقلص العدد في العام 2023/ 2024 ليصل إلى نحو 922.628 ألف معلم. في الوقت الذي ازداد فيه عدد الطلاب خلال تلك الفترة، ففي عام 2019/ 2020 بلغ عدد طلاب مراحل التعليم ما قبل الجامعي في مصر نحو 23.567.060 طالب/ طالبة، فيما ازداد إلى 25.657.984 طالب/ طالبة في العام الدراسي 2023/ 2024. وقد غفل الكتاب الإحصائي الحكومي عن ذكر تعداد المعلمين في التخصصات المختلفة، لذا لم نتبين عدد المعلمين الرسمي للمقررات الدراسية التي تشملها قرارات وزير التعليم الأخيرة.

وحسب تحليل بيانات أجرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في تقريرها عن أوضاع المعلمين/ المعلمات في مصر، استندت فيه إلى النشرة السنوية لإحصاءات التوظيف والأجور وساعات العمل، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن قطاع التعليم يعد في نهاية سلم الأجور في مصر. ولوحظ أن هناك تفاوتًا في الأجر – على أساس احتسابه أسبوعيًا- بين المعلمين والمعلمات، إذ يبلغ متوسط أجر المعلمين نحو 631 جنيه، مقابل متوسط أجر للمعلمات يبلغ نحو 548 جنيه، رغم من أنهن يشكلن أغلبية في قطاع التدريس. أيضًا- أشار التقرير إلى المعلمين ممن يعملون بنظام التعاقد (الحصة)، إذ يتقاضون أجورهم وفق نظام الحصة، بما يساوي 20 جنيهًا عن الحصة الواحدة، بواقع 24 حصة أسبوعية كحد أقصى؛ ما يعني أن الراتب قد يصل كحد أقصى إلى 1920 جنيه فقط للمعلم الذي يكمل كافة الحصص شهريًا، وهو ما يختلف مع ما أعلنته الحكومة من أن الحد الأدنى للأجور ستة آلاف جنيه شهريًا.

حصلت زاوية ثالثة على تسجيلات صوتية لـ مسؤولين في قطاع التعليم في محافظة الشرقية (من خلال المعلمين الذين تحدثنا معهم)، تحصر دور المعلم في التعليم الثانوي بأنه أصبح عبارة عن “مُيسّر” للطلاب داخل الفصول، في حين أشارت إحدى التسجيلات إلى أنه لا يجب على المعلمين إظهار التذمر من قرارات الوزير الخاصة بالتعاقد مع معلمين من حديثي التخرج بنظام الحصة. ويظهر تسجيل آخر توجيه إداري إلى مديري المدارس بتخصيص أقصى عدد ممكن الحصص الدراسية على المعلمين، إذ يقول المسؤول: “لا توجد نشرة وزارية تفيد بأن أقصى عدد من الحصص هو 15 حصة للمعلم، يجب أن ترفعوا عدد الحصص لكل معلم إلى 20 و 25 حصة، كي لا يحدث عجز في الفصول التعليمية”.

 

نوصي للقراءة: طلاب مصر المغتربون: أحلام ضائعة في أوكرانيا، تائهة في السودان، ومحاصرة في قرغيزستان

 

وضع غير مقبول 

يصف محمود زكي – معلم علم النفس من محافظة المنيا بصعيد مصر-، ما يحدث بـ الكارثة. يشرح: “معلمو اللغة الفرنسية أصبحوا بدون عمل بعد تهميش المادة في الثانوية العامة وإلغائها من المرحلة الإعدادية، ما يعني أن منهم من يتقاضى رواتب دون أن يكون لديه مهام فعلية، ما يخالف للقانون. أما فيما يتعلق بتهميش مقرر علم النفس في الثانوية العامة، فهذا يُعد جريمة علمية بحق مصر وطلابها، فعلم النفس ليس مجرد دراسة نظرية، بل محتوى حياتي يمس كافة جوانب الحياة. وتجاهلها يعد إهمالاً لتعليم الطلاب وإعدادهم للحياة (في الوقت الذي تطرح فيه الحكومة مبادرة قومية للتنمية البشرية).”

يتوسع “زكي” في حديثه معنا إلى نقد قرارات إضافية تحدث عنها وزير التعليم، إذ يرى أن إصرار الوزير على نظام “البابل شيت” والاختيار من متعدد في امتحانات الثانوية بمكانة كارثة مستمرة. حسب قوله: “هذا النظام أدى إلى تفاقم الغش، ونحن كمعلمين لم نتمكن من السيطرة عليه. الطلاب يحصلون على درجات وهمية ولا يعكس مستواهم الحقيقي. من ناحية أخرى، تطبيق مادة الإحصاء على طلاب الشعبة الأدبية أمر غير منطقي؛ فالإحصاء مادة علمية بحتة وتتناسب وميول طلاب الشعبة العلمية. وفرضها على طلاب الشعبة الأدبية يخالف التوجهات التعليمية المتوافقة مع قدرات الطلاب.”

يتحدث محمد مصطفى – معلم الجيولوجيا من مدينة طنطا بمحافظة الغربية-، عن تأثير قرار وزير التربية والتعليم بإلغاء مقرر الجيولوجيا من نظام الثانوية العامة. يقول: “قرار الوزير بإلغاء مادة الجيولوجيا غريب؛ نظرًا لأهمية علم الجيولوجيا إذ يتعلق في المقام الأول بمعرفة موارد البلاد واقتصادها. هذا العلم يتم تدريسه في جميع البلدان العربية مثل المملكة العربية السعودية، إذ يُدرّس على مدار ثلاث سنوات في الصفوف الأولى والثانية والثالثة الثانوية.”

يوضح: “في مصر، يتم تدريس مقرر الجيولوجيا لسنة دراسية واحدة فقط (السنة النهائية من الثانوية العامة)، والآن تم حذفه بالكامل”. مشيرًا إلى تكلفة الرسوم الجامعية المقررة على طلاب تلك الأقسام، إذ وصلت – حسب قوله- إلى 25 ألف جنيه في السنة؛ ما يعني أن إجمالي الرسوم على مدى أربع سنوات يتجاوز 100 ألف جنيه.

يستكمل: “أنا متزوج وأتحمل مسؤولية أسرة، ولا توجد تعيينات حكومية، وكل اعتمادي كان على الدروس الخصوصية. هذا القرار يمسّني شخصيًا ويمّس مستقبل الطلاب في مصر.”

.. وينتظر المعلمون نظر الدعاوى القضائية أمام المحاكم، في محاولة لإبطال القرار الوزاري رقم (138) الذي يصفونه بـ “الكارثي” وأنه لم يراعي البُعد الاجتماعي والاقتصادي، آملين في تعديلها أو النظر في أوضاعهم التي باتت غير مستقرة نتيجة قرارات من السلطة يصفونها بـ “غير المدروسة”.

منار بحيري
منار بحيري
صحفية مصرية

Search