لا مكان للبُدناء والحوامل.. استحقاقات مفقودة لمعلّمي مصر

حسب مجموعة من المستبعدين حدثتهم زاوية ثالثة فإن المعلمين الذين نجحوا في التعيين في مسابقات سابقة، لم يحصلوا على رواتبهم المعلن عنها والتي قدرتها الحكومة بنحو ستة آلاف جنيه، إذ أنه وحسب الشهادات الواردة إلينا فإن الراتب وصل إلى نحو أربعة آلاف جنيه قبل خصم الاستقطاعات الضريبية والتأمينية
رباب عزام

في عام 2022، بدأت السلطات المصرية في العمل على معالجة أزمة نقص المعلمين، إذ أعلن وزير التعليم السابق طارق شوقي عن إطلاق مسابقة لاختيار 30 ألف معلم، لتعيينهم كدفعة أولى متوقعة تشمل 150 ألف معلم، على مدار خمس سنوات.

كان الإعلان بمثابة انفراجة لعشرات الآلاف من خريجي كليات التربية في مصر من مختلف المحافظات (وصل عدد كليات التربية في الجامعات الحكومية حسب أحدث إحصائية، إلى 27 كلية)، إذ أنهم يعانون من البطالة بعد أن توقفت الدولة عن التكليف الإجباري للمعلمين على إثر قرار رئيس حكومة مبارك الأسبق كمال الجنزوري في عام 1998، حين عمد إلى تعطيل تعيين الخريجين بدعوى أن موازنة الدولة لا تتحمل. وبرز التكليف منذ بداية عصر الجمهورية كأداة حكومية، تُعنى بأخذ تعهدات على الطلاب أثناء الالتحاق بكليات التربية، بالموافقة على العمل الإجباري كمعلمين في المدارس الحكومية بعد التخرج.

 وحسب الباحث وائل الجرساني في أطروحته للدكتوراة، بعنوان: “التعليم الجامعي في مصر و بطالة المتعلمين“، فقد طُبق نظام التكليف حينئذٍ بسبب انخفاض أعداد الملتحقين بكليات التربية، نظرًا لعزوف المواطنين عن الالتحاق بمهنة التدريس باعتبارها من الوظائف الدنيا في السلم الاجتماعي. لكن مع مرور الوقت وزيادة عدد خريجي الجامعات في تخصصات مختلفة، لجأ المصريون إلى كليات التربية كميزة اجتماعية واعتبرت من كليات القمة (مصطلح دارج في مصر يعني الكليات التي تؤهل لوظائف اجتماعية مرموقة)، بسبب وجود وظيفة حكومية منتظرة، بخلاف باقي التخصصات التي لم يشملها نظام التكليف.

وجاء قرار وقف نظام التكليف بنتائج يصفها المختصون بـ “الكارثية”، إذ بدأت منظومة التعليم في الانهيار نتيجة النقص الحاد في أعداد المعلمين المطلوبة، حيث أصبح تعيين المعلمين خاضعًا للإجراءات المطبقة في نظام الخدمة المدنية بالدولة، ومن بينها نظام المسابقات؛ ما أدى إلى تراكم العاطلين من خريجي كليات التربية، نظرًا لخضوع الأمر لـ مبدأ السوق الحُر القائم على العرض والطلب (في المدارس الخاصة، ومراكز الدروس الخصوصية) دون النظر إلى المدارس الحكومية واحتياجاتها.

حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2022، فقد بلغ إجمالي خريجي كليات التربية في مصر نحو 68 ألف و221 خريج/ة، كما بلغ عدد خريجي كلية البنات بجامعة عين شمس، شعبة التربية، نحو ألفين و36 خريجة، فيما جاء عدد خريجي كليات التربية الرياضية بنحو 16 ألف و189 خريج/ة، والتربية الموسيقية نحو 547 خريج/ة، والتربية الفنية 99 خريجًا/خريجة. وتمثل هذه الأرقام عدد الخريجين من الكليات خلال عام واحد فقط، ما يعني أن خريجي كليات التربية أصبحوا من أكثر المتعطلين عن العمل في مصر.

غير أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان قد أعلن في العام 2022، عن نية الحكومة في تعيين 150 ألف معلم، بنظام التعاقد، بواقع 30 ألف معلم كل عام عبر نظام المسابقات، خلال خمس سنوات. فما الذي حدث؟

فتحت الحكومة المصرية في فبراير من عام 2019، باب التقدم للتعاقد المؤقت مع المعلمين، لشغل بعض الوظائف لسد العجز حتى نهاية الفصل الدراسي للعام 2018/ 2019. وبالفعل تسلم 36 ألف معلم عملهم بالمدارس بعد اجتيازهم لكافة الاختبارات، وعملوا لعدة أشهر (الفصل الدراسي الثاني فقط)، قبل أن تعلن وزارة التربية والتعليم عن مسابقة جديدة (120 ألف معلم وإداري وعامل)، لمدة عام تجدد لثلاث سنوات، لكن بعد إجراء الاختبارات واختيار بعضهم، تراجع المسؤولين عن الأمر ولم تستكمل الإجراءات بسبب تعليق الدراسة والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي لحقت بمصر بسبب جائحة كورونا، ما دفع بعض من المقبولين حينها لرفع دعاوى قضائية (أقر وزير التعليم بأن هناك 260 قضية منظورة أمام محاكم قضايا الدولة تخص وزارته). وقد طالب المعلمون المتعاقد معهم في مسابقة 36 ألف معلم أن تكون لهم الأولوية في التعيين في المسابقات التالية، نظرًا لاجتيازهم كافة الاختبارات المؤهلة، وعملهم مدة أشهر فقط، لكن وزير التعليم السابق رفض ذلك، وأعلن تطبيق مبدأ تساوي الفرص.

ويعود اعتراف الحكومة المصرية بالعجز في عدد المعلمين، حين أقر وزير التربية والتعليم السابق طارق شوقي أمام مجلس النواب بوجود عجز يقدر بنحو 323 ألف معلم على مستوى الجمهورية، مبررًا انخفاض الأعداد نتيجة تراكمات استمرت لسنوات منذ نهايات القرن الماضي، إذ انخفضت أعداد المعلمين نتيجة عدم تعيين دفعات جديدة، وأيضًا بسبب تقاعد أعداد منهم سنويًا (تقاعد نحو 24 ألف معلم، وفق التقرير الإحصائي لوزارة التربية والتعليم الصادر في 2021)، وهو رقم تقريبي لمتوسط عدد المعلمين المتخارج من الخدمة سنويًا، إضافة إلى وجود ما يقرب من 45 ألف معلم في إجازة بدون راتب. في المقابل يزداد عدد الطلاب سنويًا، لكن دون زيادة مماثلة في أعداد المعلمين.

وفي العام الماضي، أعلنت الوزارة عن مسابقة  30 ألف معلم مساعد فصل للصفوف الابتدائية الأول والثاني والثالث للعام الدراسي 2023/ 2024، بما يشمل خريجي كليات التربية أقسام التعليم الأساسي ورياض الأطفال وكليات دار العلوم. وقد تقدم للمسابقة 89 ألف و394 معلم/ة، اجتاز منهم الاختبارات فقط نحو 28 ألف معلم/ة. لكنهم واجهوا عددًا من المصاعب التي جعلتهم يصفون أنفسهم -حسب من تحدثنا معهم- على أنهم كانوا “بالونة اختبار” للحكومة. فماذا حدث معهم؟

 

30 ألف معلم.. دفعة لم تُعيّن

تقول نرمين محمد (طلبت تبديل اسمها إلى آخر مستعار)، إنها أقدمت على التقدم لمسابقات تعيين المعلمين ثلاث مرات سابقة، في أعوام 2014، و2019، ثم في مسابقة العام الماضي 2023، لكنها المرة الأولى التي تختلف فيها بعض الإجراءات التنظيمية، ما تسبب في مشاكل جمة. تصف: “الأمر كان مُجهد نفسيًا وبدنيًا، كما لاحقتنا الضغوط النفسية نتيجة الصدمات التي تعرض لها غالبيتنا بسبب الاستبعاد رغم اجتيازنا كافة الاختبارات، لدرجة أن هناك ثلاثة من المعلمات في مجموعتي فقدن حيواتهن، نتيجة الضغط النفسي والاكتئاب، إحداهن كانت حاملًا في الشهور الأخيرة وفُقدت هي وجنينها، وأخرى تعرضت لـ سكتة قلبية مفاجئة”.

تشرح نرمين – من منطقة حدائق حلوان، جنوب العاصمة القاهرة، وتعمل كمعلمة لمرحلة رياض الأطفال-، حينما أعلن عن المسابقة الأخيرة (مسابقة 30 ألف معلم)، تقدمت أنا وعدد من زملائي وزميلاتي، وبالفعل خضنا اختبارات شديدة الصعوبة في هيئة التنظيم والإدارة، “كانت طويلة للغاية، ومتفرعة، لدرجة أنهم فرضوا علينا اختبارات في مادة الرياضيات واللغة الإنجليزية في مستوى متقدم، مُعجز لغير المختصين، كما ركزت الاختبارات على المعرفة العامة والتاريخ، وغيرها من التخصصات التي لا يجيدها معظمنا، نظرًا لتخصص كل منا في فرع واحد من تلك العلوم، لكن رغم ذلك نجح في تلك الاختبارات 28 ألف و 176 معلم، بنسبة 96% من إجمالي المستهدف تعيينهم”.

تضيف: بعد اجتيازنا الاختبارات في الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، أُعلمنا أننا قد قبلنا وجاري تطبيق إجراءات التعيين،  ثم بدأنا في تدريبات مهنية وذهنية داخل الإدارات التعليمية، وبعد أن انتهينا، انتظرنا مراسلتنا ببدء العمل، لكننا فوجئنا بالإعلان عن خوض اختبارات وتدريبات جديدة في الكلية الحربية في القاهرة، وهو ما أثار سخرية شديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أنها المرة الأولى التي يتعرض فيها المعلمون لمثل تلك الوقائع”.

في أبريل الماضي 2023، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بانتقادات لاذعة وساخرة، إذ أُعلن عن حضور الرئيس السيسي برفقة وزير الدفاع المصري، اختبارات المعلمين المتقدمين لوظائف في مدارس مصر الحكومية في داخل الكلية الحربية، ما دفع البعض للتساؤل ما إذا كان ذلك النهج هو جزء من عسكرة مرافق الدولة التي بدأت منذ العام 2013.

تستطرد نرمين: لم يكن بيدنا حيلة، اضطررنا إلى الذهاب إلى الكلية الحربية كل من محافظته، وقمنا بشراء ملف تقديم (ملف تقديم طلبة الكلية من العسكريين)، وكانت الأوراق المطلوبة شديدة التعقيد، إذ أنها شملت بيانات دقيقة عن الأقارب حتى الدرجة الرابعة؛ وظائفهم، أماكن سكنهم، حالتهم الجنائية وغيرها. وأيضًا- كثير من الأوراق والإفادات التي لا تمت بصلة للمدنيين. ورغم ذلك أكملنا الإجراءات لتبدأ التدريبات.

تصف الفتاة العشرينية كيف كانت التدريبات قاسية، لدرجة حدوث إصابات متعددة بين المعلمين، خاصة أثناء التدريبات الرياضية التي بررها المسؤولون بأنها تأتي “لجعل المعلم لائقًا بدنيًا لزيادة قدرته على العمل والإنتاجية، حسب توجيهات الرئيس نفسه). تضيف: “كانت الأمور مضطربة بعض الشئ، فحتى الميزان المخصص لقياس الوزن كان معطلًا، إذ أنه أخرج الجميع بوزن زائد، هناك صديقة لي كان وزنها لا يتخطى الـ65 وسجلها الميزان على أنها 85 كيلوجرام، أيضًا استبعدت جميع المعلمات أصحاب الوزن الثقيل أو الحوامل من اجتياز التدريب الرياضي البدني، وقيل لهم إنهم سينضمون إلى اختبار كشف الهيئة مباشرة، لكن ذلك لم يحدث وفوجئن بإدراجهم ضمن التدريب الرياضي ولم يستطعن تأديته”.

ومن القاهرة إلى أسوان، حيث حدثتنا رانيا سعد – معلمة متخصصة في مرحلة التعليم الأساسي-، تقول: “حينما أعلن عن المسابقة، تقدمت أنا و65 معلم من إدارتي التعليمية عبر الرابط الإلكتروني، وحدد لنا موعدًا للاختبار في الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في القاهرة، سافرنا وخضنا الاختبارات، وبعد نحو خمسة أشهر أعلنت النتائج وكنت من الناجحين. ثم خضت التدريب الذهني والتربوي مدة أسبوع، وحصلت على شهادة إخلاء طرف موثقة ومختومة من الإدارة التعليمية التابعة لها، التي تعني قبولي وبدء العمل”.

تشرح رانيا: فوجئنا بطلب الذهاب للكلية الحربية في القاهرة ثانية لخوض اختبارات وتدريبات جديدة، ولا أعلم بالتحديد ما علاقة المعلمين بالمؤسسات العسكرية!. في هذا التوقيت، واجهنا الكثير من المصاعب في الوصول للقاهرة، نتيجة تعطل بعض القطارات أو ازدحامها إثر بدء الحرب والنزاعات الدائرة في السودان منذ أبريل من العام 2023، إذ توافد آلاف من اللاجئين السودانيين يوميًا، لكننا استطعنا الوصول بمشقة، وبعدها بدأنا في التدريبات العسكرية، لكن في منتصفها وبعد اجتياز الكشف الطبي، استبعدت كثير من المعلمات إما بسبب الوزن الزائد أو الحمل أو ارتدائهن النقاب، وقد أسماهم المسؤول بالكلية باسم “المواقف”، أي الأشخاص الموقوف البت في أمرهم لحين تعديل مواقفهم. وحسب وصفها، كانت التدريبات على ثلاثة أيام منفصلة، ما اضطرها ورفاقها إلى العودة من القاهرة إلى أسوان والعكس مرارًا، شكّل ذلك تكلفة اقتصادية مرتفعة لم يتحملوها، خاصة وأن معظمهم كان عاطلًا عن العمل. تتساءل: لماذا لم تخصص أماكن قريبة في محافظات الجنوب بدلًا عن سفرنا إلى القاهرة من أقصى مصر إلى شمالها؟.

في بيان لها، تعليقًا على المسابقة، قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إنها ترفض المعايير التمييزية التي يتم بناءً عليها اختيار المعلمين والمعلمات، إذ تشمل للمرة الأولى اجتياز اختبارات للياقة البدنية والذهنية بمقر الكلية الحربية، استنادًا للقرار رقم 2297 لسنة 2022، بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية للباب السابع من قانون التعليم الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 428 لسنة 2013، والذي منحت المادة الرابعة فيه وزير التعليم الحق في إقرار شروط التعاقد (اجتياز تدريبات). وكذلك فقد اشتمل كتاب رئيس الوزراء الصادر في 27 أبريل 2023 على معايير تمييزية واضحة حيث اشترط اجتياز تدريبات بالكلية الحربية مدتها ستة أشهر كأحد مصوغات التعيين في أي من الوزارات.

بعد التدريبات في الكلية الحربية، أرسلت كشوفات للإدارة التعليمية، أفادت بنجاح نصف العدد فقط وتعيينه، وهو ما تعجب له الجميع، نظرًا لأنهم كانوا قد اجتازوا كافة الاختبارات بالفعل، وحسب ما قيل لهم فإن تدريبات الكلية الحربية ليست إلا تدريبات روتينية. وقد أعلن عن تعيين نحو 14 ألف معلم من المسابقة فقط.

تعود نرمين للحديث، تقول: فوجئت بأني من المستبعدين، رغم نجاحي في كافة الاختبارات والتدريبات حتى العسكرية منها، ولم يكن هناك مبرر لرفضي أو استبعادي، ذهبنا جميعًا للتظاهر والاحتجاج أمام مقر وزارة التعليم في العاصمة الإدارية الجديدة ثلاث مرات، في المرة الثانية، حاصرتنا مجموعات من الأمن الوطني والمركزي، واعتقل 14 معلمًا. تصف أن توجيهات صدرت للمحال التجارية المحيطة بالوزارة في العاصمة الإدارية بغلق أبوابها أمام المحتجين وعدم السماح لهم باستخدام المرحاض أو اقتناء زجاجات المياه أو الطعام، إذ استمروا في الوقفات الاحتجاجية أمام الوزارة من الثامنة صباحًا حتى الثامنة مساءً، مدة ثلاثة أيام دون جدوى.

في أكتوبر الماضي، ألقت قوات الأمن القبض على 14 معلمًا على خلفية المشاركة في وقفة أمام وزارة التربية والتعليم بالعاصمة الإدارية الجديدة، وخضعوا للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية رقم 2333 لسنة 2023، حيث وُجهّت لهم اتهامات شملت الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاشتراك في تجمهر. 

الأمر ذاته حدث في أسوان. تصف رانيا أنها والمعلمين من إدارات مختلفة، قد احتجوا أمام مبنى المحافظة مدة ثلاثة أيام، خاصة وأن أغلبهم قد قدم استقالته وأصبح دون عمل، لتحقيق شرط التفرغ حسب المسابقة. وقد حاول المحافظ وقتئذ أن يهدئ من غضبهم ووعدهم بتوفير حلول، لكن لم يحدث شئ فعادوا للاحتجاج مدة مماثلة ثانية، وفي هذه المرة حاصرتهم قوات الأمن مهددة بإطلاق الغاز المسيل للدموع، ولأن غالبيتهم من النساء فقد تراجعن. تضيف: “علمنا بوجود وقفة في القاهرة أمام مبنى البرلمان المصري، فسافرنا جميعًا للتظاهر، كان ذلك في يوم حضر فيه وزير التعليم، استجابة لطلبات إحاطة من بعض النواب بشأن أزمتنا”.

في نوفمبر الماضي، اجتمع وزير التعليم رضا حجازي، مع أعضاء لجنة التعليم والبحث العلمي في البرلمان، لمناقشة أزمة المعلمين المستبعدين من مسابقة 30 ألف معلم، وخرجت التصريحات بعدها تؤكد عن انفراجة في الأزمة، لكن لم يحدث شئ حتى اللحظة.

تستكمل رانيا: كان من المفترض أن تحضر الجلسة زميلة لنا، استخرج لها نواب البرلمان عن أسوان تصريحًا لدخول البرلمان، ممثلة عن مجموعتنا؛ لكن الأمن رفض دخولها، وقام بفض التظاهرة التي حضرها نحو ألف من المعلمين أو يزيد.

لم يكن أمام نرمين ورانيا وآلاف غيرهم من المعلمين المستبعدين سوى اللجوء للقضاء، بعد أن قدموا عشرات الشكاوى والمعارضات موجهة إلى رئاسة الجمهورية والنيابة الإدارية والجهات المعنية، لكن أحدًا لم يستجيب. واشتبك مع القضية التي أثارت اهتمام الرأي العام المصري، عددًا من المحامين المتطوعين، والمراكز الحقوقية.

 

عاطف لبيب النجمي – المحامي بالنقض ووكيل مؤسسي حزب بالقانون نبني مصر- يقول إنه وكيل متطوع عن 500 طاعن من المعلمين، أقام الدعاوى لصالحهم في مجلس الدولة. وقد صدر تقرير هيئة المفوضين بأحقية 150 منهم في التعيين، و أحيلوا إلى محكمة الموضوع للبت في القرار النهائي، أمام قاضي الموضوع، لكن لم يفصل في الدعوى حتى الآن نظرًا لإجراءات نقل المحكمة من المبنى القديم في العباسية إلى آخر جديد في القاهرة الجديدة قرب مقر النائب العام المصري، أما باقي المتضررين فلم يصدر أية قرارات لصالحهم بعد من هيئة المفوضين.

يوضح: “حينما بدأنا في القضايا، خاطبت المتضررين من موكليني، وشرحت لهم أن المكسب والخسارة ليس مرتبط بالقضية أو الحكم الذي سيصدر، وإنما نستخدم القضايا كوسيلة ضغط على السلطة، لدفعها إلى مراجعة سياساتها في التعيينات، وحسب معلوماتي ليست المشكلة في أن البعض لم يوفق في الاختبارات، لكنها تتمثل في أن تعيين الناجحين في مسابقة الـ30 ألف معلم، جاء بناء على اتفاق بموجبه تحصل الدولة على قرض خارجي لسداد رواتب المعلمين، وحينما بدأت أحداث غزة الأخيرة تعطل القرض، ما أدى إلى صعوبة تعيين كامل الناجحين، وتعثر سداد رواتب من تم تعيينهم بالفعل، لذا فإن الأمل هو استمرار مثل تلك القضايا لحين توفير الموارد المالية الخاصة بتعيين المعلمين”.

حسب مجموعة من المستبعدين حدثتهم زاوية ثالثة فإن المعلمين الذين نجحوا في التعيين في مسابقات سابقة، لم يحصلوا على رواتبهم المعلن عنها والتي قدرتها الحكومة بنحو ستة آلاف جنيه، إذ أنه وحسب الشهادات الواردة إلينا فإن الراتب وصل إلى نحو أربعة آلاف جنيه قبل خصم الاستقطاعات الضريبية والتأمينية. أيضًا- تعثرت الحكومة في سداد رواتبهم بشكل شهري، لدرجة أن بعضهم حصل على راتب ثلاثة أشهر معًا.

ويشير “النجمي” إلى أن نسبة العجز في المعلمين في المدارس المصرية يفوق المعدل المسموح به، مؤكدًا أن توفير المعلمين يفوق في الاهتمام أي أعمال إنشائية تحدث داخل مصر. معلقًا على مسابقة المعلمين بأنها عامل مشروع لكن يجب أن يسير معه التزام الدولة بالعدالة الاجتماعية، بمعنى أن السلطة مسؤولة عن توفير فرص عمل للمواطن حتى وإن كان عاجزًا عن العمل، لالتزامها بتوفير مصدر دخل للمواطن بأي صورة من الصور، لأن زيادة نسبة البطالة تهدد المجتمع أمنيًا واقتصاديًا. وأعطى مثالًا على مسابقة المعلمين: “إذا استبعد المسؤول أحدهم بسبب وزنه الثقيل أو حمل سيدة عليه أن يوفر فرصة عمل بديلة”.

 

في السياق نفسه، يقول أحمد محروس – مسؤول التوثيق والرصد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية- في حديثه إلى “زاوية ثالثة”، إن المبادرة تبنت قضية المعلمين المعتقلين، حتى تم الإفراج عنهم في فبراير الماضي، بعد حبس احتياطي دام لأكثر من ثلاثة أشهر.

يضيف: “الأزمة بدأت في أكتوبر الماضي، حين احتج أمام البرلمان ووزارة التعليم نحو ألف معلم من المستبعدين في المسابقة، وقتها تم اعتقال 14 منهم، تابعنا ملف الأزمة، وتواصلنا مع 106 معلم متضرر، وقمنا برفع دعوى أمام القضاء، إذ قدمنا عددًا من الطعون في مجلس الدولة أحيلت إلى هيئة المفوضين، التي أصدرت قرارها بأحقية 86 منهم في التعيين، وإحالة 20 آخرين لدراسة حالتهم”.

وقد كان من المقرر الثلاثاء الماضي، أن تبدأ المحكمة الإدارية بالعباسية، نظر طعن 16 معلمًا، لكنها أجلت الجلسة إلى 11 يونيو المقبل. وحسب “محروس” فإن المبادرة تولت الدفاع عن المعلمين بصفتها وكيلًا عن 94 مستبعدة و12 مستبعدًا، تقدموا للاختبارات في 17 محافظة هي: القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، الشرقية، الغربية، كفر الشيخ، السويس، الإسماعيلية، الدقهلية، القليوبية، المنوفية، البحيرة، بني سويف، الفيوم، سوهاج، قنا، أسوان. بينما تضمنت الدعاوى 50 طعنًا على الاستبعاد بسبب الوزن، و28 بسبب كشف الهيئة، و28 بسبب الحمل.  

ورغم لجوء رانيا ونرمين وعشرات من المعلمين إلى القضاء لسرعة الفصل في النزاع الدائر بينهم وبين السلطة، إلا أن جميع القضايا أرجأت إلى يونيو المقبل للنظر فيها؛ ما يفتح التساؤلات حول سياسة السلطة في توفير فرص عمل لائقة للمعلمين دون إجبارهم على إجراءات معقدة و “مُذلة” حسب وصفهم؟.

رباب عزام
صحفية استقصائية مصرية، مهتمة بالصحافة الحقوقية والعمالية، ومقدمة برامج إذاعية، وباحثة في دراسات شرق إفريقيا الناطقة بالسواحيلية.

Search