لماذا أصبحت مصر وجهة مفضلة للشركات العالمية في مجال التعهيد؟

حلّت  مصر في المركز الثالث عالميًا في مؤشر الثقة في مواقع تقديم خدمات التعهيد العابرة للحدود 2023، ويعد هذا صعودًا من المركز 11 خلال عام واحد
زاوية ثالثة

أصبحت مصر سوقًا حيويًا في مجال التعهيد، حيث أعلنت الحكومة المصرية في فبراير 2022 عن إطلاق استراتيجية مصر الرقمية لصناعة التعهيد خلال الفترة من 2022-2026.

 تعتمد الاستراتيجية على أربعة محاور رئيسية هي خدمات تكنولوجيا المعلومات، وخدمات عمليات الأعمال، وخدمات المعرفة، وأبحاث وتطوير الهندسة. وقد شهدت هذه الصناعة زيادة في حجم العمالة، حيث وصل عدد الموظفين إلى أكثر من 100 ألف خلال العام الماضي، وتتمثل غالبيتهم في متخصصين يعملون في مجال تصدير الخدمات. ومن بين هؤلاء الموظفين، يعمل 70% في الشركات الكبرى، بينما تتوزع النسبة المتبقية في الشركات الصغيرة والمتوسطة.

وحلّت  مصر في المركز الثالث عالميًا في مؤشر الثقة في مواقع تقديم خدمات التعهيد العابرة للحدود 2023، ويعد هذا صعودًا من المركز 11 خلال عام واحد.  ويعتمد التقرير الذي أعدته شركة ريان للاستشارات الاستراتيجية، في تقييمه للبلدان على آراء قادة أعمال وصناع قرار في مجال التعهيد. وتُقيّم البلدان في المؤشر وفقًا لسبعة معايير: (سوق العمل المحلية، والبنية التحتية، والثروة التجارية، والنظام البيئي لعمليات التعهيد، والاستقرار السياسي، والآمان العام، والاستقرار الاقتصادي).
وخلال التقرير، أُشير إلى دور هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات في إنشاء بيئة تنظيمية مواتية لتحسن مناخ الأعمال، بالإضافة إلى الجهود التي تبذلها الحكومة لتعزيز مكانة مصر بصفتها مقصدًا ووجهة جاذبة في مجال التعهيد.

ووفقًا لآراء أحد الخبراء بالتقرير، ينمو قطاع التعهيد في مصر نموًا غير مسبوقًا، إلى جانب التبنّي المتزايد للتكنولوجيا ووجود مواهب شابة مؤهلة على أعلى مستوى، وكلها عوامل تؤدي إلى دفع النمو الاقتصادي وخلق المزيد من فرص العمل. وبفضل توفير حوافز استثمارية والمزايا التنافسية التي يتمتع بها السوق المصري، تحرص الكثير من الشركات العالمية إلى دخول السوق المصري والتوسع في عملياتها في مصر.

 

ما التعهيد ولماذا تلجأ إليه الشركات؟

خدمات التعهيد هي استخدام واستئجار كفاءات وقوى وأفراد ووسائل وخدمات من مؤسسات أو شركات أو جهات خارج النطاق الجغرافي للبلد، والتعهيد في الإنجليزية هو  Outsourcing، ويطلق عليه البعض التعاقد الخارجي؛ وهو اتفاق بين طرفين، بموجبه يقوم الطرف الثاني بتقديم خدمات للطرف الأول. وأصبح التعهيد رسميًا من الأساليب التي تلجأ إليها الشركات منذ 1989. 

ورغم أن أغلب الشركات التي تعتمد على التعهيد يمكنها صناعة هذه المنتجات أو الخدمات بنفسها، إلا أن الشركات أو الأطراف تلجأ إلى خدمات التعهيد بسبب مزاياه في خفض التكاليف، وتوفير الوقت، والحماية من مخاطر الخسارة، وكذلك تحسين الجودة من خلال التركيز على الأنشطة الرئيسية والحصول على خبرات ومعارف لا تتوفر في السوق المحلي وإدارة الموارد للاستخدام الأمثل.

ومن أشهر أمثلة التعهيد ما تقوم به شركة آبل، إذ تطور أجهزتها وتصممها وتدير علامتها التجارية ولكن تعهد لمهمة التصنيع الفعلي للأجهزة للشركات الصينية.
وفي عام 2023، أفادت شركة آبل أن إيراداتها من الصين زادت بنسبة 57% مقارنة بالعام السابق.

 

لماذا ينجح التعهيد في مصر؟
تتواصل الحكومة المصرية مع الشركات العالمية الكبرى للترويج لمصر في مجال التعهيد، علاوة على التواصل مع المستشارين الدوليين من خلال تزويدهم بكافة البيانات والمعلومات عن السوق المصرية. كذلك تتواصل مع الأسواق الخارجية من خلال المشاركة في المعارض الدولية وحضور المؤتمرات الكبرى، وتروج مصر لنفسها أمام الشركات العالمية  باعتبار أن وجهتها هي “الأرخص سعرًا” وأنها تقدم جودة عالية في الوقت ذاته، في تقديم الخدمات،  وتستهدف مضاعفة عائدات مصر من التصدير الرقمي بحلول عام 2026 إلى ثلاثة أضعاف ما هو موجود في الوقت الحالي .
وتولي السلطات المصرية اهتمامًا كبيرة بتنمية صناعة التعهيد، ففي يونيو الماضي وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بتعزيز جهود تنمية صناعة التعهيد ودعم المهنيين المستقلين وزيادة أعدادهم، من خلال الاستثمار في الكوادر البشرية وتوفير برامج التدريب والتأهيل وبناء القدرات، بما يتناسب مع المتطلبات الحديثة لسوق العمل والاقتصاد القائم على المعرفة، ويعزز من تنافسية الكوادر المصرية على المستوى الدولي، على النحو الذي يسهم في زيادة حصيلة مصر من الصادرات الرقمية، ومواكبة التطور السريع على مستوى العالم في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا.

واستطاعت هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا)  تطوير القدرات البشرية من خلال إطلاق عدد من المبادرات والبرامج التي تستهدف بناء القدرات. وتعمل إيتيدا على قيادة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مصر لتعزيز قدرة القطاع التنافسية على مستوى العالم وجعله مساهمًا رئيسيًا في النمو الاقتصادي للبلاد. كما تلعب إيتيدا دورًا محوريًا في تطوير تكنولوجيا المعلومات من خلال تحديد احتياجات الصناعة المحلية ومعالجتها من خلال برامج متخصصة عالية الكفاءة وتقديم المشورة في سياسات القطاع وتعزيز التجارة في الأسواق المحلية والدولية وتقديم استشارات استراتيجية للشركات المحلية والدولية. من خلال الترويج للحوافز الاستثمارية المقدمة في إطار الاستراتيجية، في تحقيق المزيد من النمو في صناعة التعهيد في مصر، بما يشمل التوقيع مع 48 شركة خلال عام 2022 لإقامة مراكز تعهيد أو التوسع في مراكزها، وبعدد إجمالي وصل إلى 56 مركزًا.
ووفقا لـ وزارة التكنولوجيا والمعلومات،  نجحت مصر في تحقيق طفرة غير مسبوقة في تقديم خدمات التعهيد  لأسباب عدة من بينها القدرات اللغوية المتميزة للمحترفين العاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وارتفاع نسبة الشريحة العمرية من سكانها القادرين على العمل، بالإضافة إلى الاستثمارات الضخمة التي نجحت في اجتذابها لقطاع تكنولوجيا المعلومات. حيث يستفيد هذا القطاع بشكل رئيسي من وجود مواهب وكفاءات عالية تجيد لغات مُتعددة،  في وقت ينضم فيه إلى القوى العاملة أكثر من 600 ألف خريج سنويًا في العديد من التخصصات، جزء كبير منهم حاصلون على شهادات في اختصاصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وزاد حجم الصادرات الرقمية في مصر من 3.2 مليار دولار في عام 2017 إلى 4.9 مليار في 2022.

 

عوائد التعهيد
وقّعت هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات المصرية “إيتيدا” في ديسمبر 2022 اتفاقيات مع 29 شركة عالمية لزيادة استثماراتها في صناعة التعهيد أو لإقامة مقرات لها في السوق المصرية، وفقًا لبيان صادر عن مجلس الوزراء. ووفقًا لتصريحات وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري، الدكتور عمرو طلعت، تتضمن هذه الاتفاقيات توسيع نشاط 21 شركة عالمية في مجال التعهيد، بينما تقوم ثمان شركات أخرى بفتح مقرات لها في البلاد.

وتوقع الوزير أن تسهم هذه الاستثمارات الجديدة في إضافة مليار دولار إضافي سنويًا إلى عائدات التصدير الرقمي بحلول عام 2025، مع إيجاد أكثر من 34 ألف فرصة عمل جديدة للشباب المصري في هذه الشركات. وأشار إلى أن الاتفاقيات الجديدة تهدف أيضًا إلى زيادة حجم العمالة وتعزيز فرص العمل من خلال إنشاء 35 مركزًا لتصدير الخدمات، لتخدم مختلف الأسواق العالمية.

وأوضح الوزير أن تقديرات السوق العالمية للخدمات العابرة للحدود بلغت حوالي 540 مليار دولار، وتتوقع نسبة نمو سنوية تبلغ 9% حتى عام 2026.

 

يذكر أن مصر  تواجه تحديات اقتصادية كبيرة بعد النقص الحاد للعملة الصعبة، ما جعلها تخفض قيمة الجنيه أكثر من مرة العام الماضي، لتقفز معدلات التضخم في البلاد إلى مستويات غير مسبوقة.
قال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إن أزمة العملة التي تعاني منها البلاد هي أزمة عابرة وستنتهي خلال فترة بسيطة للغاية. واعتبر مدبولي في تصريحات السبت الماضي أن  «الأهم هو ما بعد ذلك، والدرس الذي تعلمناه من الأزمة العالمية والاقتصادية أنه لا بد لنا كدولة أن نملك مقدرات إنتاجنا بأكبر قدر ممكن.

ويتعين على مصر سداد أقساط وفوائد ديون مستحقة خلال العام المقبل بقيمة 29.229 مليار دولار، بحسب تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك المركزي المصري.

وفي أكتوبر الماضي، اتفقت مصر على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي،  وتعهدت القاهرة بتحول دائم إلى سعر صرف مرن، إلا أن هذا لم يتحقق بعد.

وفي 22 مارس، أعلن البنك الدولي أنه وافق على شراكة استراتيجية جديدة مع مصر للسنوات من 2023 إلى 2027 بتمويل قدره سبعة مليارات دولار مع التركيز على خلق المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص ودعم تقديم خدمات صحية وتعليمية أفضل ودعم تدابير التكيف مع تغير المناخ.

وقال البنك في بيان إن الاتفاق يتضمن تقديم مليار دولار سنويا من البنك الدولي للإنشاء والتعمير وحوالي ملياري دولار خلال فترة الشراكة بأكملها من مؤسسة التمويل الدولية.

Search