لم تحظَ هند مجدي بحياة زوجية سعيدة، فقد انفصلت عن زوجها بعد عام من الزواج؛ إذ اكتشفت أن الزوج مدمن للمخدرات والكحول في آن واحد. حاولت بشتى الطرق أن تجعله يُقلع عنهما لكن دون فائدة.
عقب حدوث الانفصال؛ دخلت هند دوامة قضايا النفقة كي تستطيع الحصول على نفقة ابنها الصغير؛ لكن الزوج امتنع نهائيًا عن نفقة الطفل الوحيد. تحملت هي نفقات طفلها بعد عملها في أحد مراكز التجميل براتب 1455 جنيه شهريًا كي تستطيع الإنفاق، ولم تتلقَ سوى 500 جنيه شهريًا من بنك ناصر الاجتماعي، بحسب ما روت لنا.
كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن نسبة الطلاق ارتفعت بنسبة 14.7% للعام 2021، مقارنة بالعام 2020، كما كشفت الإحصائيات عن ارتفاع حالات الطلاق بنسبة 5.9%، و زيادة بنسبة 5.6% في عقود الزواج لعام 2022. وارتفاع معدل الطلاق بالحضر من 2.5 في الألف للعام 2021 إلى 3.5 في الألف للعام 2022، بينما بلغت نسبة معدلات الطلاق بالريف المصري 1.9 في الألف للعام 2022، كما بلغ متوسط عدد حالات الطلاق في الشهر 22.5 ألف حالة عام 2022، وفي اليوم 739 حالة، وفي الساعة 31 حالة ، وحالة طلاق كل 117 ثانية، أي أقل من دقيقتين.
في هذا الصدد، توصلت دراسة ميدانية في قرية منية الحيط بمحافظة الفيوم، بعنوان “العوامل الاجتماعيّة والاقتصاديّة لظاهرة الطلاق في السنوات الأولى للزواج” إلى عدة أسباب لحدوث الطلاق منها؛ الفارق التعليمي لدى الزوجة ذات المؤهل التعليمي الأعلى عن الزوج، والصراع الخفي للسلطة الأمومية من ناحية أم الزوجة أو أم الزوج، والمستوى المهني المرتفع للزوجة، وارتفاع دخل الزوجة.
وينص القانون رقم (25) لسنة 1920 الخاص بأحكام النفقة؛ أنه “تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه، ولو حكما حتى لو كانت موسر أو مختلفة معه في الدين، ولا يمنع مرض الزوجة من استحقاقها للنفقة. تشمل: الغذاء، والكسوة، والمسكن، ومصاريف العلاج وغير ذلك.”
يرى جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن ارتفاع نسب الطلاق في مصر مؤخرًا يعكس تغييرات سلوكية واجتماعية عميقة تمر بها بعض الفئات في المجتمع المصري، مما يؤثر على العلاقات الزوجية. يوضح فرويز في حديثه لـ”زاوية ثالثة” أن بعض الشخصيات تجد مبررًا إما بعدم الزواج أو إنهائه بالطلاق، وذلك نتيجة عدم التوافق بين الزوجين من البداية، حيث تلعب الفروق الفردية بينهما دورًا كبيرًا في حدوث هذه الانفصالات.
ويشير إلى أن بعض العوامل النفسية مثل الشك واضطراب الشخصية واللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية، إلى جانب التدخل المفرط من الأهل في حل الخلافات الزوجية، تسهم بشكل كبير في تفاقم الخلافات وزيادة نسب الطلاق.
ويضيف فرويز أن الظروف الاقتصادية قد لا تؤثر بشكل مباشر على الأفراد في المجتمعات المستقرة نفسيًا، لكن الشخصية المضطربة تجد صعوبة في التكيف مع التحديات الاقتصادية، مما يؤدي إلى زيادة الضغوط والطلاق في نهاية المطاف. كما أن الاضطرابات السلوكية قد تدفع بعض الأزواج للبحث عن علاقات أخرى دون الاكتراث بحقوق الزوجة أو الأطفال.
تُرجع سامية قدري، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ارتفاع معدلات الطلاق إلى عدة أسباب متجذرة في الثقافة المصرية، مثل تدخل الأهل في الخلافات الزوجية، خاصة في الريف، وسوء المعاملة بين الزوجين. كما تشير إلى أن العلاقات الجنسية بين الأزواج، التي قد تكون متوترة بسبب عادات المجتمع المحافظ، غالبًا ما يتم التغاضي عنها كسبب رئيسي للطلاق.
توضح سامية أن تصاعد معدلات الطلاق منذ تسعينيات القرن الماضي يرتبط بتأثير وسائل الإعلام في تشكيل تصورات غير واقعية عن الحياة الزوجية. وتُرجع هذا التأثير إلى المسلسلات التركية والهندية التي قدمت نماذج مثالية للعلاقات الزوجية، ما رفع سقف التوقعات لدى الأزواج وجعلهم يسعون لتحقيق صورة غير واقعية. هذا التناقض بين الصورة التي يقدمها الإعلام والواقع الاقتصادي والثقافي في مصر أدى إلى زيادة الخلافات الزوجية والانفصال.
وتشير سامية إلى أن مشكلات النفقة تعود جزئيًا إلى التنشئة الذكورية، حيث يتحايل بعض الأزواج على القانون بإخفاء مفردات رواتبهم لتجنب دفع نفقة مناسبة. وتُعتبر هذه الممارسات، بحسب رأيها، جزءًا من استمرار سيطرة الذهنية الذكورية التي تؤثر على المرأة والأطفال بعد الطلاق، ما يهدد مستقبل الأطفال ويؤثر على حياتهم بشكل كبير.
توضح أستاذة علم الاجتماع أن نمو الحركات النسائية وزيادة الوعي بحقوق النساء أسهم في تمكينهن من تحدي السلطة الذكورية التقليدية، مما أدى إلى ظهور مصطلح “المرأة المستقلة” أو “الزوجة المستقلة” التي تسعى لتحقيق حياتها دون الخضوع للمعايير التقليدية.
تقول: “نحن نعيش في مجتمع تسوده النزعة المادية والفردية، حيث تزايدت الرغبة في تحقيق الذات على حساب العلاقات الإنسانية. هذه القيم الجديدة التي تبناها بعض الأزواج أسهمت في تدهور العلاقات الزوجية، ونتيجة لذلك ارتفعت معدلات الانفصال وزادت مشكلات مثل النفقة وغيرها.” وتشير إلى أن هذا التحول الاجتماعي يعكس تغييرًا أعمق في طبيعة العلاقة الزوجية في ظل عالم متغير.
وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء؛ بلغ عدد أحكام الطلاق النهائية 11 ألفًا و 194 حكماً عام 2021 بنسبة زيادة قدرها 38.4% من جملة الأحكام عام 2020، وبلغ عدد أحكام الطلاق في الحضر عشرة آلاف و 888 حكمًا بزيادة قدرها 37.4%، بينما في الريف وصل عددها إلى 306 حكم بنسبة 2.7% من جملة الأحكام. وفي أغسطس 2023، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري النشرة السنوية للزواج والطلاق لهذا العام. ووفقاً لهذه النشرة؛ فإن معدلات الطلاق ترتفع بشكل مطرد منذ العام 2009، وسجل العام 2023 الأعلى نسبياً في معدلات الطلاق خلال العشر سنوات الأخيرة؛ إذ سجل 269.8 ألف حالة طلاق مقابل 254.8 ألف حالة طلاق عام 2021، بنسبة ارتفاع قدرها 5.9%، و بلغ متوسط عدد حالات الطلاق 31 حالة في خلال ساعة واحدة.
نوصي للقراءة: معركة النساء في ريف مصر.. حقوق ضائعة تحت سطوة العادات
قوانين النفقة غير منصفة
توضح المحامية الحقوقية انتصار السعيد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، كيف يتحايل العديد من الأزواج على مستحقات النفقة من خلال إخفاء ممتلكاتهم الحقيقية مثل العقارات والأموال البنكية، مما يؤدي إلى دفع نفقة زهيدة مقارنة بدخولهم الحقيقية. وتضيف أنه كلما تمكنت الزوجة من إثبات دخل الزوج الحقيقي، زادت فرصة حصولها على نفقة عادلة لأطفالها.
وفي حديثها مع “زاوية ثالثة”، تشير السعيد إلى أن بعض السيدات استطعن تحقيق حقوقهن كاملة من خلال إثبات ممتلكات الأزواج، بينما تعاني الأغلبية بسبب صعوبة إثبات هذه الأصول المالية عبر إجراءات التحقيق. ونتيجة لذلك، قد تحصل بعض السيدات على مبلغ زهيد لا يتجاوز ألف جنيه كنفقة شهرية.
تؤكد السعيد أن الحصول على حكم الطلاق ممكن إذا ثُبت سوء الحياة الزوجية من زوايا متعددة مثل التعنيف أو الإهانة. كما أشادت بوثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق، التي تم اعتمادها مؤخرًا بموجب القانون رقم 155 لعام 2024، مؤكدة أنها ستوف
تهدف الوثيقة إلى مساعدة النساء فور وقوع الطلاق، إذ يستغرق الحكم في قضايا النفقة عامًا أو أكثر، وهناك العديد من السيدات اللواتي لا تعملن و ليس لديهنّ دخل ثابت؛ وهو ما يصيبهنّ بحالة من التخبط والإحباط واليأس، خاصة إذا كان لديها أطفال؛ فيقع عليها عبء توفير كل احتياجاتهم.
وهذه الوثيقة ستكون إجبارية؛ هدفها حماية المرأة وتأمينها ماديًا فور وقوع الطلاق؛ حتى تستطيع الحصول على جميع مستحقاتها القانونية من الزوج؛ و سوف يتعين على المأذون الشرعي إحداث تغييرات في وثيقة الزواج، يتضمن عقد الزواج البند الخاص بمبلغ التأمين ضد مخاطر الطلاق، وسيتم الاتفاق عليه بين الزوجين قبل إتمام الزواج. والحد الأدنى لهذه الوثيقة قد يصل إلى 25 ألف جنيه
في السياق القانوني، يؤكد كريم أبو اليزيد – محامي حقوقي-، أن القانون المصري قد كفل للمرأة حقوقها الشرعية والقانونية عقب حدوث الطلاق، والتي وردت بنص قانون الأحوال الشخصية؛ من بينها الحق في الحصول على نفقة المتعة التي لا تقل عن سنتين، إضافة إلى نفقة العدة من الطلاق سواء بائن بينونة كبرى أو صغرى و تقدر بثلاثة أشهر، إضافة إلى أجر الرضاعة، ونفقة الصغار، وأجر الحضانة.
يضيف أن للمطلقة الحق في الحصول على مؤخر الصداق المُدون في قسيمة الزواج، إضافة إلى الاحتفاظ بجميع محتويات شقة الزوجية المدونة بقائمة المنقولات الزوجية، وفي حالة امتناع الزوج؛ يتعرض للحبس.
وضع قانون الأحوال الشخصية الحد الأقصى بشأن الحجز على الأجور، والمعاشات، والرواتب لصالح النفقة الزوجية؛ وينص على: 25% للزوجة أو المطلقة، و40 %في حالة وجود أكثر من واحدة. و 25% للوالدين أو أيهما، و 35% للوالدين أو أقل. 40% للزوجة أو المطلقة، ولولد أو اثنين والوالدين أو أيهما.
واقترح القانون وضع ضوابط لتحديد النفقة كالآتي: تُقدر النفقة حسب حال الزوج وقت استحقاقها، ولا تقل النفقة في حالة العسر عن 1500 جنيه، ويجب على القاضي أن يصدر قرار بأمر على عريضة خلال 48 ساعة بنفقة مُؤقتة للزوجة. وفي حال ما إذا كان الطلاق تم بعد عشر سنوات متصلة؛ تّقدر قيمة نفقة المتعة بنفقة خمس سنوات بحد أدنى 2000 جنيه، وفي حال الزوجة المدخول بها في زواجٍ صحيح، إذا طلقها زوجها دون رضاها؛ تستحق نفقة عدتها سنتين بحد أدنى 1500 جنيه، أما إذا كان الطلاق قد مر بعد خمسة عشر عاماً فأكثر؛ تُقدر نفقة المتعة بنفقة سبع سنوات ولحد أدنى 2500 جنيه.
وتنص المادة(23) من قانون الأحوال الشخصية الجديد ، رقم 1 لسنة 2000، بشأن إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية على أنه: “إذا كان دخل المحكوم عليه بنفقة أو ما في حكمها محل منازعة جدية، ولم يكن بأوراق الدعوى ما يكفي لتحديده؛ وجب على المحكمة أن تطلب من النيابة العامة إجراء التحقيق الذي يمكنها من بلوغ ذلك. كما تناشد النيابة العامة بنفسها إجراء التحقيق و تنتهي منه في خلال 30 يومًا من تاريخ وصول طلب المحكمة، وليس من تاريخ صدور قرارها.”
نوصي للقراءة: محاكم التفتيش الأخلاقيّة في مصر: تمييز طبقي وانتهاك لحقوق المرأة بمادة غير دستورية
اقتصاديات الطلاق
في حديثه مع زاوية ثالثة، يؤكد أحمد خطاب – الخبير الاقتصادي، عضو مجلس مصر الكندي-، أن التضخم، وارتفاع الأسعار والوضع الاقتصادي الراهن يتدخل بشكل رئيسي في ارتفاع معدلات الطلاق لدى العديد من الأسر؛ فكلما ارتفع دخل الأسرة انخفضت فرصة حدوث الانفصال والعكس صحيح. مضيفًا أن هناك العديد من الأسر ذوي الإمكانيّات المادية العالية ولكن لم يمنع ذلك من حدوث الانفصال، فبعض الأحيان كثرة المال تفسد الحياة بين الزوجين، على حد تعبيره.
يشدد على أهمية عمل المرأة في ظل هذه الظروف الاقتصادية من تضخم، و غلاء أسعار، مشيرًا إلى أن السيدة من الممكن أن تتحمل أعباء الجزء الترفيهي من أنشطة رياضية للأطفال، والتنزه؛ ما يخلق تكافل بين الزوجين، و تاليًا تنخفض الخلافات الزوجيّة ومعدلات الطلاق.
وقد حللت العديد من الدراسات التأثير الاقتصادي لـ الطلاق على الفرد والمجتمع؛ إذ أشارت إلى زيادة الأعباء والتكاليف الاقتصادية التي تتكبدها الأسرة والمجتمع بأسره؛ وتتمثل في الأعباء أو النفقات المالية التي يتحملها أطراف النزاع بصورة مباشرة؛ لأنها تخصم من الموارد المتاحة لـ معيشتهم، وأيضًا تكلفة للمجتمع؛ إذ هي إنفاق جزء من موارده كان من الممكن استخدامه في أغراض أخرى.
وهذه التكاليف تشمل رسوم التقاضي، وأتعاب المحامين، والزيادة في نفقات المعيشة التي تحتاجها الأطراف بعد الانفصال، إذ يضطرون للانتقال إلى منازل جديدة؛ بما في ذلك: ما تتحمله المرأة المطلقة من أعباء، أو يتحمله أقاربها تضامنًا معها، أو كفالة لها. وما يتحمله الرجل المطلق، أو أقاربه المتضامنون معه.
وتبلغ تكاليف الطلاق الرسمية في مصر، التي تتحملها الخزانة العامة للدولة جراء حالات الطلاق نحو 13 مليار و 750 مليون جنيه تقريبًا؛ من مصروفات التقاضي، ومرتبات القضاة، والنيابة العامة، والخبراء ، والمستشارين ، والعاملين بالنيابة العامة من سكرتارية وموظفين وإداريين، إضافة إلى تكلفة الحراسات الأمنية الضرورية للمحاكم أثناء نظر هذه القضايا، وأثناء تنفيذ الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية وخاصة قضايا قائمة المنقولات، والنفقة، ومصروفات المحاكم، وأتعاب المحامين.
ويُقدر متوسط الأجر الشهري للقاضي بنحو سبعة آلاف جنيه، اعتبارًا أن عدد ساعات عمل القاضي تبلغ 200 ساعة شهريًا؛ تشمل وقت الجلسات والمداولات، ونظر الدعاوي، والاطلاع على القوانين بكافة أشكالها؛ ما يعني أن كل ساعة تُقدر بنحو 35 جنيهًا مصريًا.
وبالنظر إلى قضايا الأحوال الشخصية مثل. قضايا الخلع والطلاق، والنسب، والنفقة، وغيرها؛ نجدها تستغرق مع القاضي نحو عشر جلسات في المتوسط، وعلى اعتبار المدة الزمنية المستغرقة للنظر في القضية هي ساعة واحدة؛ فإن تكلفة القضية الواحدة نسبة إلى القاضي، تُقدر بنحو ٢٥٠ جنيه، علاوة على أتعاب المحامين التي تتحملها وزارة العدل بالنسبة للمواطن غير القادر، على توكيل محام عنه أو الممتنع عن توكيل محام عنه؛ إذ تضطر المحكمة في هذه الحالة إلى تعيين محام عنه طبقاً للقانون و الدستور.
ومن التكاليف غير المباشرة للطلاق التي تتكبدها الدولة؛ التدهور الوظيفي وانهيار كفاءة العامل بعد انفصاله عن زوجته، أو بعد تفكك أسرته. إذ قدرت دراسة خسائر الموظف العام بعد الانفصال بنحو 1040 جنيه شهريًا، وخسائر الزوجة المطلقة في عملها بنحو 572 جنيه شهريًا، كما يعمل كلا الزوجين بأقل من 50% من طاقته العملية وكفاءته الإنتاجية؛ وتبلغ جملة تكاليف الطلاق المباشرة التي تتحملها الدولة بنحو 17 مليار و850 مليون جنيه مصري، مضافًا إليها ضعف هذا المبلغ خسائر غير مباشرة؛ اعتبارًا أن قضية الطلاق الواحدة تبلغ تكاليفها المباشرة وغير المباشرة نحو 298 ألف و 200 جنيه تقريبًا؛ ليصبح إجمالي تكاليف الطلاق في مصر نحو 35 مليار جنيه تقريبًا.
وفي هذا السياق، يؤكد أحمد خطاب- الخبير الاقتصادي ، وعضو مجلس مصر الكندي- أن الأزمة الاقتصادية التي يسببها الطلاق لكل من الفرد، الأسرة ، المجتمع ، والدولة بأسرها. يشرح لنا: “الطلاق ليس ظاهرة غير محمودة اجتماعيًا فحسب، بل ماديًا ـ تؤدي إلى تحمل ميزانيات وأعباء مالية إضافية نسبة إلى الأسرة والدولة على حد سواء؛ إذ يتكبد الرجل نفقة الزوجة و أطفاله، ونفقته الشخصية أو نفقة زوجة أخرى إذا تزوج عقب الانفصال، إضافة إلى تكبد الدولة ميزانيات تشمل الفترة الخلافية والقضائية بين الزوجين حتى صدور حكم النفقة للزوجة، وغيرها.”
يضيف: “حدوث الطلاق يسبب تشتت الزوجين؛ ما يؤثر على عملهما، و تاليًا يؤثر ذلك في اقتصاد الدولة؛ لأن الراحة النفسية للفرد تعمل على زيادة ساعات عمله وبالتالي زيادة الإنتاج؛ ما يؤثر إيجابيًا على الاقتصاد المصري، والعكس صحيح. كما يتوجه الزوجان إلى إقامة حياة أسرية جديدة وإنجاب أطفال كُثر؛ ومن الممكن أن يفشلا ـ أيضا ـ هذه المرة؛ وكل ذلك يؤثر سلبيًا على الاقتصاد المصري.”
يستكمل: “تتكبد الدولة نفقات المرأة المُعيلة التي يمتنع زوجها نهائيًا عن نفقتها وأطفالها من خلال بنك ناصر الاجتماعي، والمجلس القومي للمرأة بحد أدنى 500 جنيه شهريًا؛ ما يكلف الدولة الكثير من النفقات سنويًا؛ إذ يتم تقديم مساعدات مالية لأكثر من 500 ألف امرأة ما بين مطلقة، وأرملة، بقيمة تزيد عن ملياري جنيه؛ إضافةً إلى مساعدات سنوية تحصل عليها المرأة المطلقة؛ لسداد النفقات والأجور بقيمة تصل إلى 840 مليون جنيه سنويًا، من خلال صندوق تأمين الأسرة التابع لبنك ناصر الاجتماعي.”
معدلات الطلاق
تؤكد نسمة الخطيب– محامية حقوقية وناشطة نسوية- أنها تتلقى نحو 15 قضية نفقة شهريًا أي بمعدل 180 قضية سنويًا، وفي أغلب القضايا يتحايل الزوج على الوضع بالتهرب من النفقة المُستحقة للزوجة بعدم تقديم أو تزوير مفردات راتبه الأساسي، وعدم الإفصاح عنها بشكل جَدي.
تضيف: “نقوم بإثبات الدخل الحقيقي للزوج عن طريق تحريّات المباحث؛ إذ يقوم شيخ الحارة بمحاولة إثبات مفردات راتب الزوج الحقيقية حتى تتمكن الزوجة من أخذ النفقة المُستحقة. وللأسف إذا لم يتوصل شيخ الحارة إلى أية معلومات خاصة بدخل الزوج وممتلكاته المالية، يصعب حصول الزوجة على نفقاتها المستحقة وأطفالها، إضافة إلى أن بنك ناصر الاجتماعي ذاته لا يعطي الزوجة المُعيلة أية معونات مالية؛ إلا في حالة حصولها على حكم النفقة المستحقة من المحكمة؛ فتظل الزوجة تدور في دائرة مفرغة؛ لأن حكم النفقة المستحقة يعتمد على تقديم أوراق مُثبتة بمفردات راتب الزوج الحقيقي حتى تتمكن من المعونة؛ وهذا يعتبر إجحافًا للزوجة والأطفال.”
وتقترح نسمة: “لا بد من تعديل وتغيير قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالنفقة؛ حتى تتمكن الزوجة من الحصول على مستحقاتها كاملة، ولا تواجه أية صعوبات في تربية أطفالها وضمان حياة اجتماعية كريمة مستقرة لها.”
وأشارت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى زيادة معدلات الطلاق في مصر بنسبة 14.7% عن العام الماضي، وهذه الزيادة ليست الوحيدة في نسب الطلاق؛ فمنذ عام 2009 ونسب الطلاق في ارتفاع مضطرد باستثناء عامي 2016، 2020.
سجل عام 2009 نحو 141.5 ألف حالة طلاق، و ارتفع العدد ليصبح 149.4 ألف حالة طلاق عام 2010، و بوتيرة زيادة متباطئة؛ وصلت عدد حالات الطلاق إلى نحو 151.9 ألف حالة عام 2011 ثم 155.3 ألف حالة عام 2012، ثم حدث ارتفاع تدريجي ملحوظ عام 2013 ليصل عدد الحالات إلى 162.6 ألف حالة، ثم تصاعدت معدلات الزيادة في عامي 2014، و2015، على التوالي بعدد 180.3 ألف حالة، و 199.9 ألف حالة طلاق. ثم حدث انخفاض طفيف لتسجل 192.1 ألف حالة عام 2016.
و بدأ المؤشر في الصعود مرة أخرى في العام التالي؛ إذ سجل 198.3 ألف حالة طلاق عام 2017، وواصل المؤشر ارتفاعه حتى وصل إلى 211.6 ألف حالة عام 2018 ثم وصل إلى 225.9 ألف حالة عام 2019، ثم حدث الانخفاض الثاني – و إن كان طفيفًا- في عام 2020؛ ليسجل 222.0 ألف حالة طلاق؛ ليعاود المؤشر الارتفاع مرة أخرى ويسجل 254.8 ألف حالة طلاق في عام 2021؛ إذ بلغت عدد حالات الطلاق لهذا العام 254777 مقابل 222036 حالة عام 2020، أي بنسبة زيادة قدرها 14.7% ؛ ووفقًا لذلك فإن هناك حالة طلاق تقع كل دقيقتين، ومن 25 إلى 28 حالة طلاق تقع كل ساعة، ويصل عدد الحالات في اليوم إلى 630 حالة بمعدل 18500 حالة في الشهر، كما وقعت 12% من حالات الطلاق هذه خلال العام الأول من الزواج، مقابل 9% في العام التالي، و 6.5% خلال العام الثالث.
أما عن سن الطلاق بالنسبة للذكور؛ فقد سجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية ( من 30 إلى 35) عامًا. وبالنسبة للإناث المطلقات؛ سجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية من ( 25 إلى 30) عامًا.
وفي محاولة لإيجاد حلول لنسب الطلاق المرتفعة، وما يترتب عليها من معوقات تواجه خاصة النساء والأطفال، شرع المشرع المصري في محاولة إخراج قانون جديد للأحوال الشخصية، لم ير النور بعد. لكن تنص المادة (18) من مشروع القانون الجديد، على أن لـ الزوجين الحق في إضافة أي شروط إلى عقد الزواج؛ ما لم تخالف هذه الشروط أحكام الدستور والقانون، وما هو مستقر من مبادئ الشريعة الإسلامية، وإلا صح العقد و بطل الشرط. ولهذه الوثيقة مجموعة من البنود منها؛ الاتفاق على من تكون له ملكية منقولات منزل الزوجية، والاتفاق على من يكون له حق الانتفاع وحده بمسكن الزوجية في حالتي الطلاق أو الوفاة، والاتفاق على موقف الأبناء إذا تم الطلاق وكيفية ضمان حياة كريمة لهم، إلى جانب الاتفاق على ما يمكن أن يُعد حدوثه ضررًا يبيح طلب الطلاق.
وتضمن مشروع القانون إنشاء صندوق تأمين الأسرة، مع إلزام الزوج بدفع 50 جنيهًا عن كل واقعة زواج، ومثيلاتها؛ حال وقوع الطلاق. وستعالج هذه الوثيقة العديد من مشكلات الطلاق التي تعاني منها الزوجة من مستحقات النفقة، وغيرها؛ من أجل ضمان حياة اجتماعية مستقرة للزوجة والأطفال عقب الانفصال.