في مايو الماضي، اضطرت علية السيد إلى ترك منزلها بإحدى قرى محافظة الأقصر والسفر إلى القاهرة، حيث استأجرت منزل جديد للعيش بسلام مع بناتها الثلاثة، هربًا من الخطر المحدق، الذي بات يطاردهن، على أعتاب المنزل، بسبب الانتشار الواسع للمخدرات في قريتها بمركز البياضية ووقوع عشرات الشباب ضحايا لأنواع جديدة وخطيرة، حولتهم إلى ما يشبه “وحوش بشرية”، على حد وصفها.
تقول علية في حديث مع زاوية ثالثة، والتي تعمل مدرسة (40 عامً)، إنها لم تعد تشعر بالراحة ولا الاطمئنان، اضطرت لمصاحبة ابتيها التوأم إلى الدروس وإلى كل مكان، خشية أن يعتدي أحد عليهم، بعد الانتشار الواسع للمخدرات بين شباب القرية، العشرات يتعاطون أنواعًا جديدة من المخدرات، مجهولة المصدر، تفقدهم الوعي تمامًا ويتحولون إلى اشخاص عدائيين، ويحاولون الاعتداء على المارة، لذلك فضلت الرحيل مع بناتي للحفاظ عليهم خاصة أن زوجي متوفي منذ سنوات.
لم تلجأ علية إلى الجهات الرسمية خوفًا من الوقوع في مشكلات مع أهالي الشباب، تقول: “فضلت أن انتقل مع بناتي إلى بيئة أأمن، مسألة التبليغ عن تجار المخدرات أو حتى الشباب المتعاطين غير مأمونة العواقب وقد تعرضني لخطر الانتقام، ويصاب بناتي بسوء، وهذا تحديدًا ما أحاول تجنبه.
مخاوف علية ليست مبالغة، فقد شهدت محافظات مصر سلسلة من الجرائم العنيفة التي ارتبطت بشكل مباشر أو غير مباشر بتعاطي المخدرات، خلال الأشهر الماضية، وهو ما يعكس خطورة الظاهرة على مستوى الأمن الاجتماعي والأسري.
في الأقصر، هزّت جريمة بشعة الرأي العام في يناير الماضي، حين أقدم شاب على قتل جاره وقطع رأسه والتجول بها في الشارع، فيما أظهرت التحقيقات أن المتهم كان واقعًا تحت تأثير مخدر “الشابو”، أحد أخطر أنواع الميثامفيتامين التي تؤدي إلى هلاوس وعدوانية مفرطة. وبعد أسابيع قليلة، وتحديدًا في فبراير من نفس العام، استيقظت محافظة الغربية على جريمة لا تقل فظاعة، حيث قتل أب طفله الرضيع وفصل رأسه عن جسده وهو في حالة تعاطٍ لمواد مخدرة.
الارتباط بين المخدرات وجرائم القتل لم يقتصر على الصعيد والدلتا، ففي الدقهلية، أصدرت محكمة جنايات المنصورة في ديسمبر 2024 حكمًا بالإعدام بحق متهم قتل والدته على خلفية خلافات مرتبطة بتجارته في المخدرات. وفي القليوبية، شهدت منطقة الخصوص في أبريل 2024 جريمة قتل حين اعترض أحد المواطنين على تعاطي عامل للمخدرات أمام منزله، فما كان من الأخير إلا أن أنهى حياته طعنًا.
أما الشرقية فقد شهدت في يوليو الماضي جريمة قتل مأساوية حين أحرق شاب والدته بعد مشادة عائلية، وأظهرت أوراق القضية أنه كان بحوزته مخدر الحشيش بقصد التعاطي. وفي الفيوم، وقعت جريمة أخرى في أغسطس بعدما أقدم زوج على قتل زوجته، حيث كشفت التحقيقات أن خلافاتهما المتكررة كانت تتمحور حول إدمانه للمخدرات.
تشير البيانات الرسمية الصادرة عن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي التابع لوزارة التضامن الاجتماعي إلى أن نسبة متعاطي المخدرات في مصر تصل إلى 5.9% من السكان، أي ما يقارب ستة ملايين مواطن، فيما تبلغ نسبة المدمنين، أي من وصلوا إلى مرحلة الاعتماد المرضي الكامل على المادة المخدرة، نحو 2.4%، وتكشف هذه الأرقام أن مصر تتجاوز المعدل العالمي للتعاطي الذي تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنه يدور حول 5.2%، وهو ما يعكس خطورة الوضع المحلي.
ورغم أن هذه النسبة تبدو للبعض محدودة مقارنة بحجم السكان الذي يتجاوز 105 ملايين نسمة، إلا أن التوزيع العمري للمتعاطين يوضح الصورة الحقيقية لخطورة الظاهرة. فالتقارير الرسمية تؤكد أن أكثر من 50% من المتعاطين في مصر تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا، أي في قلب الفئة الشابة التي تمثل رهان الدولة على المستقبل وسوق العمل، كما أن 27% من المتعاطين من فئة العمالة الحرفية واليومية، ما ينعكس على الإنتاجية وحوادث العمل.
وتشير دراسات أخرى صادرة عن وزارة الصحة وصندوق مكافحة الإدمان إلى أن نسب التعاطي في بعض المحافظات تتخطى المتوسط القومي، مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية، حيث الانتشار أكبر بسبب الكثافة السكانية وسهولة الوصول إلى المخدرات، في المقابل، تزداد معدلات الإدمان في مناطق الريف والصعيد حيث الفقر والبطالة والفراغ الاجتماعي عوامل تدفع الشباب نحو المخدرات، وإن كانت بنسب أقل من المدن الكبرى.
اللافت أن الفجوة بين الإحصاءات الرسمية وما يتداوله الشارع تبقى كبيرة، فكثير من الأطباء النفسيين وخبراء العلاج يرون أن الأرقام المعلنة “محافظة” ولا تعكس الواقع كاملًا، خاصة مع صعوبة الحصر في المناطق العشوائية والريفية ووجود متعاطين لا يظهرون في الدراسات الرسمية.
وبحسب تقديرات غير رسمية، قد تصل نسبة المتأثرين بالتعاطي بدرجاته المختلفة إلى 10% أو أكثر من إجمالي السكان، وهو ما يجعل الظاهرة أزمة وطنية وليست مجرد مشكلة صحية فردية.
نوصي للقراءة: الشابو في مصر: تهديد أمني واجتماعي يتفاقم وسط عجز حكومي

تضاعف مراكز علاج الإدمان
في حين تؤشر الأرقام الرسمية لانخفاض نسب التعاطي خلال السنوات الماضية، شهدت مصر خلال السنوات العشر الأخيرة توسعًا ملحوظًا في شبكة مراكز علاج الإدمان الحكومية، حيث لم يتجاوز عددها 12 مركزًا فقط عام 2014، قبل أن يتضاعف تدريجيًا ليصل إلى 28 مركزًا بحلول عام 2021. وفي عام 2022، ارتفع العدد إلى 30 مركزًا علاجيًا، بحسب بيانات صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، ما يعكس توجهًا رسميًا لتوسيع نطاق خدمات العلاج والتأهيل في مواجهة الارتفاع المتزايد في معدلات التعاطي.
ورغم هذا التوسع الرسمي، إلا أن التحديات تبقى قائمة، أبرزها محدودية الطاقة الاستيعابية لمراكز العلاج، فعدد الأسرة المخصصة لعلاج الإدمان في المستشفيات الحكومية يقدر بنحو 1500 سرير فقط على مستوى الجمهورية، وهو رقم يظل متواضعًا مقارنة بآلاف الحالات التي تحتاج إلى رعاية طبية ونفسية متخصصة.
في المقابل، تشهد البلاد انتشارًا واسعًا للمراكز غير المرخصة التي تعمل خارج إطار الرقابة الرسمية، حيث تشير تقارير إلى وجود أكثر من 500 مركز غير مرخص، يتركز نحو 50 منها في منطقة المقطم بالقاهرة وحدها. هذه المراكز تشكل تهديدًا مباشرًا على سلامة المرضى، إذ تفتقر إلى المعايير الطبية والقانونية اللازمة، ما يضاعف من مخاطر الانتكاسة ويعرض المرضى لانتهاكات إنسانية. وبينما تمثل الزيادة في عدد المراكز الحكومية إنجازًا، يظل ضبط هذه الظاهرة الموازية شرطًا أساسيًا لتحقيق منظومة علاجية متكاملة وفعّالة، بحسب ما وثقه تحقيق نشرته منصة أريج.
نوصي للقراءة: انهيار علاج الإدمان في مصر: أزمة الميثادون تكشف خلل وحدات خفض الضرر

حرب المخدرات
يرى الدكتور إبراهيم مجدي حسين، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، أن انتشار المخدرات الحديثة في مصر ارتبط بعدة عوامل مركبة، خاصة بعد عام 2011 وما تلاه من انفلات أمني، وأوضح أن هناك نوعًا جديدًا من المخدرات يعرف بالمخدرات التخليقية أو الصناعية، وهي مخدرات مصنعّة تدخل إلى الجسم بطرق مختلفة مثل الأعشاب العطرية أو أملاح الاستحمام، وتتميز بأنها رخيصة الثمن وصعبة التتبع، كما أن مفعولها أقوى من المخدرات التقليدية.
يقول زاوية ثالثة إلى أن انتشار هذه المخدرات لا يمكن فهمه بمعزل عن الواقع الأمني، بل يرى أنها جزء من حرب المخدرات، وهو مصطلح معروف عالميًا يشير إلى استخدام المخدرات كوسيلة لإفساد الشعوب أو تدميرها، وأضاف أن دخول هذه المخدرات إلى السوق المصرية مرتبط بنظريات الحروب الاستخباراتية والنفسية، وهو ما يجعل مراقبتها وتعقبها صعبًا جدًا، خصوصًا مع توفرها في أماكن متعددة وبتكلفة منخفضة.
من الجانب الطبي، يؤكد حسين أن الجرعات من المخدرات التخليقية تعمل تأثيرًا مضاعفًا مقارنة بالمخدرات التقليدية، ما يؤدي إلى حالات من القسوة والتهور عند المستخدمين، ويجعلهم أكثر ميلاً لتجربة جرعات أكبر. ويرى أن هذه العوامل مجتمعة، من السعر الرخيص إلى الانفلات الأمني والحرب الاستخباراتية، كلها ساهمت في زيادة نسب التعاطي في المجتمع المصري بشكل ملحوظ، ما يستدعي تدخلًا متكاملًا من السلطات الصحية والأمنية للحد من آثارها الخطيرة.

الشابو الأخطر
شهدت خريطة المخدرات في مصر خلال السنوات الأخيرة تحولًا جذريًا في طبيعة المواد المنتشرة بين المتعاطين، فبينما ظل الحشيش والبانجو لعقود هما الأكثر شيوعًا والأكثر ارتباطًا بثقافة التعاطي، برزت منذ منتصف العقد الماضي موجة جديدة من المخدرات المصنعة مثل “الاستروكس” و”الفودو” و”الكريستال ميث (الشابو)”، والتي غيّرت طبيعة الظاهرة وزادت من خطورتها.
وفي هذا السياق، تشير بيانات صندوق مكافحة وعلاج الإدمان وتقارير وزارة الصحة إلى أن الحشيش ما يزال يحتل المرتبة الأولى في قائمة المخدرات الأكثر تعاطيًا بنسبة تفوق 50% من الحالات التي يتم علاجها داخل المصحات، يليه الترامادول الذي رغم تشديد الرقابة على صرفه منذ عام 2018 ما زال حاضرًا في سوق المخدرات لسهولة تهريبه وتداوله بين السائقين والعمال الباحثين عن “منشط رخيص”.
لكن الأكثر خطورة، وفق الأطباء، هو صعود المخدرات الصناعية، فـ”الاستروكس” و”الفودو” أصبحا خلال فترة قصيرة بين الأكثر انتشارًا، خصوصًا بين طلاب الجامعات والمراهقين، هذه المواد تتميز بانخفاض سعرها مقارنة بالحشيش، وسهولة تداولها عبر شبكات صغيرة لا تحتاج إلى مساحات زراعية أو طرق تهريب تقليدية، ورغم أن الدولة أدرجت هذه المواد على جداول المخدرات المحظورة منذ عام 2019، إلا أن سوقها ظل نشطًا، حيث تُصنع غالبًا بطرق بدائية داخل ورش سرية باستخدام مواد كيميائية قاتلة.
أما “الكريستال ميث” المعروف بـ”الشابو”، فقد تسلل من دول شرق آسيا إلى السوق المصري عبر شبكات التهريب من البحر الأحمر وسيناء، ورغم ارتفاع سعره مقارنة بالأنواع الأخرى، إلا أنه وجد طريقه إلى شرائح محدودة، خصوصًا في الأوساط الميسورة والشباب الباحث عن “نشوة سريعة”، خطورة هذا النوع أنه يسبب تدميرًا جسديًا ونفسيًا بالغ السرعة، حيث تشير تقارير أطباء علاج الإدمان إلى أن مريض الشابو قد يصل إلى مرحلة الانهيار العقلي خلال أشهر قليلة من التعاطي. وقد ازدادت نسبة تعاطي المخدرات التخليقية مثل الشابو من 17% إلى 32% خلال حتى عام 2024 فيما يُعد الشابو من أكثر المخدرات التخليقية انتشارًا في مصر حاليًا.
هذا التحول في خريطة المخدرات يعني أن المواجهة لم تعد تقتصر على مكافحة الأنواع التقليدية، بل باتت تتطلب استراتيجيات جديدة تراعي طبيعة المخدرات المصنعة التي لا تحتاج إلى مساحات للزراعة أو مسارات تهريب كبيرة، بل تُنتج وتوزع محليًا بسرعة وبكلفة منخفضة، وهو ما يزيد من التحدي أمام أجهزة الدولة.
من جهته يقول الدكتور عبد العظيم الخضراوي، -أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان-، لـ “زاوية ثالثة” إن المشكلة لم تعد مرتبطة فقط بالفرد وإنما بالثقافة العامة المحيطة.، فانتشار التعاطي بين الشباب الأكبر سنًا، كما يوضح، يخلق مناخًا ممهِّدًا لانتقال الظاهرة إلى الأجيال الأصغر، خاصة في ظل وفرة المخدرات وسهولة الوصول إليها في مختلف الأحياء. وأضاف أن الأسعار “في المتناول”، ما يجعل التجربة الأولى أكثر قربًا من أي وقت مضى.
ويشير الخضراوي إلى أن الضغوط النفسية والاجتماعية تمثل وقودًا أساسيًا لاستمرار الأزمة. “غياب آليات صحية لحل المشكلات يدفع كثيرين إلى البحث عن مهرب سريع عبر عبارة شائعة: بشرب عشان أنسى،” يقول الخضراوي، ومع دخول أنواع جديدة إلى السوق المصري مثل الاستروكس والفودو والشادو والباودر والفلاكا، وصولًا إلى “الآيس” أو الشبو الذي يعد الأغلى والأخطر، باتت رحلة العلاج أكثر تعقيدًا لاعتمادها على الإرادة الفردية وطبيعة البيئة والبرنامج العلاجي.
الأخطر من التعاطي، بحسب الخضراوي، هو ما يترتب عليه من كوارث اجتماعية وأمنية. فالمخدرات، كما يؤكد، تقف وراء ارتفاع في جرائم العنف وحوادث الطرق، إذ أن الاضطرابات النفسية مثل الذهان تجعل المريض “عنيفًا جدًا وقادرًا على ارتكاب جرائم صادمة”، وهو ما شهدته مصر بالفعل في قضايا عدة بالسنوات الأخيرة. ويختم: “الظروف الاقتصادية يُفترض أن تحد من الظاهرة، لكنها في الواقع تدفع إلى زيادة التعاطي تحت ضغط الإحباط والانسداد المجتمعي.”

أرقام صادمة حول الجريمة والتعاطي
في ضوء تحري الدقة والوصول إلى أفضل بيانات، خاصة في ضوء غياب التقديرات الرسمية المتعلقة بدراسة العلاقة بين انتشار المخدرات وزيادة معدلات الجريمة في الآونة الأخيرة، قمنا بمسح منهجي لتغطية الصحف والمواقع الإخبارية المحلية والرسمية خلال الفترة (تقريبًا من أغسطس 2022 إلى أغسطس 2025).
أظهرت العينات أن المواد المصنعة (لا سيما الاستروكس/الفودو والشابو) ظهرت بشكل متكرر في تقارير قضايا عنف شملت جرائم قتل عائلية وحالات اعتداء عنيف، وفي عدد من القضايا، ذُكِر وجود تعاطٍ في تقارير التحقيقات أو من قبل جهات التحقيق، ما يجعل هذه المواد محور قلق أساسي عند ربط التعاطي بتفجر أعمال عنف مفاجئ.
إلى جانب ذلك، أفرزت الحملات الأمنية وحملات المرور الأخيرة أرقامًا كبيرة من سائقي المركبات الذين جاءت نتائج فحوصاتهم إيجابية (حشيش/ترامادول وأنواع أخرى). كذلك تُظهر نماذج الضبط والقضايا القضائية وجود شبكة توزيع محلية، مروجون صغيرون وورش تصنيع بدائية للمخدرات الصناعية، ما يسهل وصول هذه المواد إلى شرائح عمرية أوسع (طلاب، عمال يوميون، شباب في الأحياء العشوائية)، هذا الهيكل التوزيعي يفسر سرعة انتشار المواد الرخيصة ذات الأثر النفسي الشديد.
نوصي للقراءة: تحليل المخدرات: وسيلة للفصل التعسفي ومأساة الموظفين في مصر

النساء في خطر
تُظهر دراسات حديثة صادرة عن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي التابع لمجلس الوزراء المصري أن معدلات إدمان النساء للمخدرات تشهد في السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا، وهي ظاهرة لم تكن مطروحة بهذا الحجم من قبل، فيما تشير مصادر مطلعة إلى أن نسب التعاطي بين النساء ارتفعت بنحو 25% مقارنة بالإحصاءات السابقة، ما يعكس اتساع دائرة الظاهرة على نحو يستدعي الانتباه.
ففي عام 2017، كانت النساء يمثلن حوالي 28% من إجمالي المتعاطين في مصر، لتسجل النسبة ارتفاعًا طفيفًا في 2021. ومع ذلك، يظل من الصعب التوصل إلى تقديرات دقيقة بسبب العوامل الاجتماعية والثقافية التي تجعل الإبلاغ عن حالات الإدمان مقترنًا بوصمة اجتماعية، إلى جانب الخوف من التبعات القانونية الذي يعيق طلب المساعدة الطبية. وتشير أحدث بيانات متاحة حتى 2022 إلى أن النساء لا يشكلن سوى 2% من إجمالي المترددين على مراكز العلاج، وفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
كما تكشف المسوح الوطنية أن نسب التعاطي بين النساء بقيت منخفضة تاريخيًا، إذ أظهر استطلاع عام 2013 أن 1.1% فقط من النساء سبق لهن استخدام المخدرات، بينما سجلت بيانات 2019 معدل انتشار اضطرابات تعاطي المواد بين الإناث بنحو 620 حالة لكل 100 ألف نسمة، مع ارتفاع العبء المرضي إلى 176 لكل 100 ألف نسمة. أما داخل مراكز العلاج، فما يزال الهيروين هو الأكثر شيوعًا بين المتعاطيات بنسبة 54.9% في عام 2022 (بعد أن كان 68.4% في 2021)، يليه الحشيش بنسبة 18.3% ثم الترامادول بنسبة 14.8%. وتوضح هذه المؤشرات أن العبء الصحي المرتبط بتعاطي المخدرات بين النساء في مصر يسير في منحى تصاعدي منذ تسعينيات القرن الماضي، غير أن غياب الإبلاغ الكافي وصعوبة الوصول إلى الخدمات العلاجية المراعية للنوع الاجتماعي يجعل الصورة الإحصائية غير مكتملة التمثيل للواقع.
ما الحل؟
يرى الدكتور عبد العظيم الخضراوي أن أفضل آلية لمواجهة تفشي المخدرات هي الوقاية خير من العلاج، مشيرًا إلى أن هذه الاستراتيجية قد تكون الأصعب لكنها الأكثر فاعلية على المدى الطويل. وأوضح أن الوقاية تبدأ بزيادة الوعي وحساسية الأفراد تجاه مخاطر التعاطي، مع ضرورة منع مشاهد التدخين والتعاطي في الأفلام والمسلسلات التي تقدم البطل المتعاطي كقدوة يحتذى بها.
ويشير الخضراوي إلى أن التوعية المستمرة والمتكررة هي الركيزة الأساسية لأي خطة وقائية ناجحة، مضيفًا أهمية إغلاق المنافذ المشبوهة وتشديد العقوبات على التعاطي والاتجار بالمخدرات. وأكد أن المعركة ضد المخدرات هي في الأساس معركة وعي، مشددًا على أن التوعية يجب أن تكون موجهة للأمهات بشكل خاص، بهدف غرس قيم رفض المخدرات لدى الأطفال منذ الصغر، وبالتالي بناء جيل واعٍ يملك مناعة ضد الوقوع في فخ الإدمان.
يخلص الخبراء، عمومًا إلى أن مواجهة تفشي المخدرات في مصر تتطلب نهجًا متكاملًا يجمع بين الوقاية والتوعية القانونية والطبية والاجتماعية. فبينما تؤكد الوقاية ورفع الوعي دور الأسرة والمدارس والمجتمع، يبرز الجانب الطبي في مواجهة المخدرات التخليقية التي تزداد قوة وتأثيرًا على المستخدمين. ومع استمرار الانفلات الأمني وتعدد المنافذ غير القانونية، يظل التنسيق بين الحملات التوعوية والتشريعات الصارمة وتوفير خدمات علاجية متخصصة هو السبيل الأكثر فاعلية للحد من تفشي المخدرات وحماية المجتمع من آثارها الخطيرة.