تشهد منصات التواصل الاجتماعي في مصر، حملة إلكترونية نشطة تدعو إلى إضرابٍ عن التعليم ابتداءً من 1 نوفمبر 2025، احتجاجًا على ما يصفه طلاب وأولياء أمور ومعلمين بأزمات متفاقمة في النظام التعليمي، وتأتي هذه الدعوات كاحتجاج على مما وصفوه بصعوبة المناهج الدراسية، وضغط التقييمات الأسبوعية، وارتفاع أسعار الكتب الدراسية والدروس الخصوصية، إلى جانب نقص الوقت المخصص للمذاكرة، مما ينعكس سلبًا على الطلاب والأسر.
تترافق الحملة مع مطالب بإقالة وزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف، وتخفيف المناهج، وتتركز الأسباب الرئيسية وراء دعوات الإضراب حول شكاوى التلاميذ وذويهم من الضغط النفسي الناتج عن كثرة التقييمات والواجبات، وضياعِ وقت الحصص في الامتحانات بدلًا من التعليم الفعلي، فضلًا عن ارتفاع تكاليف التعليم.
وانتشرت عبر مواقع التواصل مجموعةٌ من الوسوم البارزة مثل: (#إقالة_وزير_التربية_والتعليم، #إضراب_عن_التعليم_ابتداء_من_اول_نوفمبر، #لا_للتقيمات، #تخفيف_المناهج، #إلغاء_التقيمات_الأسبوعية، #إلغاء_واجبات_الاداء_الصفي_والمنزلى)، ويستخدمها ناشطون وأولياء أمور وطلابٌ لحشد التأييد ومطالبة الحكومة بالاستجابة لمطالبهم، داعين إلى أن يكون الإضراب مفتوحًا ابتداءً من أول نوفمبر الجاري وحتى تلبية المطالب.
تحكي ملك أدهم، وهي والدة تلميذ وتلميذة يدرسون في المرحلتين الإعدادية والثانوية العامة، إن الأسر المصرية تعاني من ضغوط شديدة بسبب النظام التعليمي الحالي، إذ أن الطلاب يفقدون القدرة على التركيز والراحة بسبب ضيق الوقت وتراكم الواجبات اليومية والتقييمات المتكررة التي ترهق الطلاب وأولياء الأمور معًا، مشيرةً إلى أن الأمهات يتحملن عبئًا مضاعفًا، إذ يشاركن أبناءهن المذاكرة رغم مسؤولياتهن المنزلية.
وتنتقد الأم، التي انضمت إلى دعوات الإضراب، تراجع الاهتمام بالأنشطة المدرسية مثل الرياضة والموسيقى والرسم، مطالبةً وزارةَ التربية والتعليم بتخفيف المناهج وتقليل التقييمات الأسبوعية ومنح الطلاب فرصة حقيقية للمذاكرة والراحة وممارسة الرياضة وأنشطتهم الطبيعية، معربة عن أسفها لما وصفته بانهيار طموحات الأسر والطلاب تحت ضغط المناهج، إذ بات هدفهم من التعليم هو “النجاح فقط”.
تقول لـ”زاوية ثالثة”: “يجب على وزارة التربية والتعليم الاستماع إلى أصوات أولياء الأمور والطلاب والمعلمين باعتبارهم الأقدر على تشخيص مشكلات التعليم، المسؤولين في الوزارة يتخذون قراراتٍ دون التشاور مع المعنيين الحقيقيين، أطفالنا يتعرضون للقهر التعليمي ونحن أولياء الأمور نتشارك معهم القهر، الأمر الذي يسبب ضغوط نفسية داخل البيوت المصرية”، مؤكدةً أن بعض الطلاب، ومنهم نجلها في الصف الثالث الثانوي، أصيبوا بالاكتئاب من فرط الضغط الدراسي وتراكم المعلومات.
وتشير إلى أن نجلها في الثانوية العامة تعلّم في ظل النظام القديم الذي وصفته بأنه أكثر توازنًا وعدالة من النظام الحالي، موضحةً أنه كان قادرًا على الجمع بين المذاكرة والأنشطة الرياضية والدروس الخصوصية دون إرهاق أو ضغط نفسي، أما النظام الجديد، فقد أفسد هذا التوازن وأدى إلى فقدان الطلاب طاقتهم واهتمامهم، بحسب قولها، لافتة إلى أن ابنتها التي تدرس بالمرحلة الإعدادية تضطر أحيانًا لتناول طعامها أثناء المذاكرة لتلحق بالكم الكبير من الواجبات، وتظل تدرس حتى منتصف الليل.
وتنتقد ملك ما وصفته بالتطبيق “الناقص” للنظام التعليمي العالمي، موضحة أن الوزارة نقلت المناهج دون توفير مقوماتها من معلمين مؤهلين ومدارس مجهزة ونظام تقييم متكامل، مشيرة إلى أن مادة تكنولوجيا المعلومات تُدرَّس نظريًا دون تطبيق عملي، منتقدة طريقة تعامل بعض المعلمين مع الطلاب، مؤكدة أن الضغط النفسي الممارس عليهم داخل الفصول خلق كراهية لدى الأطفال تجاه المدرسة.
ويعتقد إيهاب السواح، ولي أمر تلميذة في المرحلة الابتدائية، إن نظام التعليم الحالي يعد صعبًا جدًا بالنسبة للأطفال في هذا السن الصغير، مؤكدًا أن الضغط اليومي الذي يتعرض له التلاميذ أصبح فوق طاقتهم وطاقة أسرهم.
ويوضح لـ”زاوية ثالثة”، أن يوم الطفل يبدأ منذ الصباح الباكر بالذهاب إلى المدرسة، ثم متابعة الدروس الخصوصية بعد العودة، قبل أن ينجز واجباته المدرسية دون أن يجد وقتًا للمذاكرة الفعلية أو الفهم، متابعًا: “اليوم الدراسي بات يتكرر على نفس الوتيرة يومًا بعد يوم، دون راحة أو تجديد، وهذا النظام المرهق لا يؤثر على الأطفال وحدهم، بل يسبب أيضًا عبئًا نفسيًا وجسديًا على الأسر التي تشارك أبناءها هذا المجهود المستمر”.
ويطالب السواح بتخفيف المناهج الدراسية والتقويمات المستمرة، مقترحًا أن تجرى التقييمات مرة واحدة في الشهر بدلًا من كل أسبوع، لأن النظام الحالي يشكل ضغطًا كبيرًا على التلاميذ والمعلمين في آن واحد.
بالإضافة إلى ذلك، دعا إلى إعادة النظر في نظام الغياب، لأن كثير من الأطفال يضطرون إلى التغيب بسبب المرض، وأن إجبارهم على الحضور في تلك الحالات يعد خطرًا على صحتهم وصحة زملائهم، لاحتمال نقل العدوى بينهم، مؤكدًا أن هذه المطالب بسيطة وسهلة التنفيذ، وأن تطبيقها سيخفف كثيرًا من معاناة الأسر والأطفال، ويسهم في تحسين بيئة التعليم وجودته.
في المقابل، نفت وزارة التربية والتعليم صدور أي قرار رسميّ بتخفيف المناهج اعتبارًا من نوفمبر 2025، مؤكدةً في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، أن ما يُتداول عبر الإنترنت لا أساس له من الصحة، وأن أي تغييراتٍ في المناهج أو جداول الدراسة سيُعلن عنها رسميًا.
نوصي للقراءة: الأعباء أولًا، والتعليم لاحقًا.. عام دراسي جديد بقرارات صادمة لأهالي “التجريبية والدولية”

المعلمون يشاركون الأعباء
الاستياء من أوضاع المدارس والأزمات التي تعصف بالمنظومة التعليمية، لم يقتصر فقط على قطاع واسع من التلاميذ وذويهم، بل امتد ليشمل الكثير من المعلمين والمعلمات؛ إذ تكشف دينا العبد، وهي معلمة في مدرسة ثانوي صناعي بنات بمحافظة المنيا، عن أن الأوضاع داخل المدارس الفنية وصلت إلى مستوى متدنٍ وغير مسبوق، مؤكدةً أن التعليم الفني “ينهار فعليًا” بسبب غياب الانضباط، وضعف المستوى الدراسي للتلاميذ، وسوء الإدارة، وغياب الدعم المادي والمعنوي لكلٍّ من التلاميذ والمعلمين على حدٍّ سواءٍ.
وتؤكد أن المناهج الجديدة المعروفة باسم “نظام الجدارات” فاقمت الأزمة، لأنها تتضمن متطلباتٍ مادية لا تراعي ظروف الطالبات، إذ تُلزم كل طالبة بشراء أدوات وخامات مستمرة للتدريب العملي في تخصصات الملابس أو الزخرفة أو الحاسب الآلي، محملة ذويهم أعباءًا مادية في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة.
وتقول لـ”زاوية ثالثة”: “الطالبات والطلاب في التعليم الفني التحقوا بتلك المدارس لأن أسرهم لا تملك تكلفة الدروس الخصوصية في الثانوية العامة، فكيف نطالبهم كل أسبوع بشراء خيوطٍ وأقمشةٍ وأدواتٍ جديدة؟، لهذا كثير من طالباتي يضطررن إلى التغيب أو التحويل إلى نظام المنازل بسبب عدم قدرتهن على الوفاء بتلك التكاليف”.
وتُبيّن المعلمة أنها وزميلاتها يتحملن عبئًا إضافيًا يتمثل في إعداد كتب التقييمات وملفات إلكترونية لكل طالبة، كون أغلبهن لا يجيدن الكتابة، مشيرة إلى أن بعض المدارس سلّمت المعلمات كتب تقييم فارغة ليملأنها بأيديهن نيابة عن الطالبات، مضيفة: “يُطلب منا كتابة تقييمٍ خالٍ من الأخطاء، بينما الطالبة لا تعرف كيف تكتب اسمها، فكيف يكون ذلك تعليمًا؟”.
تشير كذلك إلى العجز في عدد المعلمين ورفض الموجّهين لإرسال مدرسين جدد إلى المدارس الفنية، بحجة أن التعليم الأساسي أولى، وأن المواد الثقافية في الفني ليست ذات أهمية، مما جعل مدارس كاملة بلا معلمي رياضيات أو علوم أزو لغة عربية، ويجري الاكتفاء بحصص احتياط أو مدرسٍ واحد يغطي أكثر من مدرسة، بينما تتحول الورش إلى عبء مادي جديد دون فائدة حقيقية، بينما تُهمَل المواد الثقافية تمامًا، ما يجعل العملية التعليمية “صوريةً لا أكثر”، مؤكدة أن التعليم الفني يُعامل باعتباره قطاعًا مهمشًا داخل الوزارة، حيث لا تُرسل إليه الكوادر الكافية ولا يحظى بالاهتمام الإداري أو الميداني.
وتنتقد العبد نظام التقييم اليومي المفروض على المعلمين، مشيرةً إلى أنه يُلزمهم بإجراء تقييمٍ مستمر لكل طالب يوميًا في فصل يضم نحو خمسين طالبًا، مما يجعلهم غير قادرين على الشرح أو المتابعة، مضيفة: “نقضي اليوم في التقييم والحضور والانصراف، ولا نجد وقتًا للتدريس الفعلي.”
وفي ما يتعلق بدعوات الإضراب، قالت إن كثيرًا من المعلمين يؤيدونها ضمنيًا، خصوصًا الذين يُدرّسون لتلاميذ المرحلة الابتدائية، لأنهم يعانون من ضغطٍ مشابهٍ في التقييمات اليومية وتعدد المهام، لكنها ترى أن الحل ليس في الإضراب، بل في أن “ينزل المسؤولون بأنفسهم إلى المدارس ليروا الواقع الحقيقي وأن الإصلاح لن يتحقق إلا من خلال رؤية واقعية تراعي قدرات الطلاب المادية ومستوى تأهيلهم، وتعيد الاعتبار للأنشطة والمعلمين”، مشيرة إلى أن المدارس تحولت إلى بيئة جافة تفتقر لأي جانب ترفيهي أو تربوي، وأن حتى حصص التربية الرياضية تقلصت إلى حصة واحدة أسبوعيًا رغم أن كل فصل يفترض أن يحصل على ثلاثٍ أو أربع حصص.
وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كشف في أكتوبر الماضي، أن إجمالي عدد التلاميذ في مصر، للعام الدراسي 2024/2025، سجّل نحو 28.9 مليون تلميذ في مرحلة التعليم قبل الجامعي، وتوزع هؤلاء التلاميذ على النحو التالي: 23.734 مليون تلميذ في التعليم العام، 2.1 مليون تلميذ في التعليم الفني، و 3.101 مليون تلميذ في التعليم الأزهري.
فيما بلغ عدد المعلمين بالتعليم قبل الجامعي (عام – فني – أزهر) 1.034 مليون معلم خلال العام الدراسي (2024 / 2025)، يقومون بالتدريس لعدد 28.9 مليون تلميذ، بينهم 798.4 ألف معلم يدرّسون لـ 23.734 مليون تلميذ في التعليم العام، مقابل 110.9 ألف معلم يدرّسون لـ 2.1 مليون تلميذ في التعليم الفني، ونحو 124.5 ألف معلم يدرّسون لـ 3.101 مليون تلميذ، في التعليم الأزهري، وبلغ عدد المعلمين في التعليم الابتدائي 468.3 ألف معلم، ونحو 252.9 ألف معلم في التعليم الإعدادي، ووصل عدد المعلمين في التعليم الثانوي إلى 114.1 ألف معلم.
نوصي للقراءة: “حضانات المساجد”.. خطوة لسد الفجوة التعليمية أم بداية لفرز مجتمعي؟

غضب الشارع التعليمي
توضح فاطمة فتحي، مؤسسة مبادرة تعليم بلا حدود، أن أزمة المناهج الدراسية في مصر ممتدة منذ إطلاق المنظومة التعليمية الجديدة عام 2018، مؤكدةً أن المشكلات الحالية ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة تراكماتٍ لم تتم معالجتها منذ سنوات، لن وزيرَي التعليم السابقَين طارق شوقي ورضا حجازي، كانا أكثر تفاعلًا مع أولياء الأمور، بينما يفتقر الوزير الحالي محمد عبد اللطيف للتواصل، ما زاد من احتقان الشارع التربوي وتصاعد الدعوات إلى الإضراب عن الذهاب للمدارس.
وتُبيّن أن أصل الأزمة بدأ مع تصريحاتٍ سابقة لوزير التعليم الأسبق الدكتور طارق شوقي، الذي أقر بأن المناهج مستوردة وتضم محتوى يفوق قدرات الأطفال المصريين، مما دفع الوزارة حينها إلى تقليص بعض الدروس، غير أن المناهج الجديدة عادت لتصبح أكثر صعوبةً في السنوات الأخيرة، مع تغييراتٍ متكررةٍ أربكت الطلاب والمعلمين على حدٍّ سواء، مشيرة إلى أن الوزير الحالي ركّز على إعادة الطلاب إلى المدارس دون توفير المقومات اللازمة لذلك، بينما التلاميذ يعانون من ضغط هائل بسبب كثافة المناهج، وتعدد التقييمات الأسبوعية والشهرية، وصعوبة المواد، في وقت لم تُسد فيه أزمة العجز في أعداد المعلمين بشكلٍ كامل.
تقول لـ”زاوية ثالثة”: “الطلاب يعودون إلى منازلهم منهكين، غير قادرين على استكمال واجباتهم، لأن الحصص قصيرة، والفصول مكتظة، والمناهج تتضمن وحداتٍ تحتوي على عددٍ كبير من الدروس يتجاوز طاقة الأطفال، ما جعلهم يعتمدون على الشرح من الأهل أو الدروس الخصوصية، طفلاي التوأمان يدرسان في المنظومة الجديدة ويعانيان أيضًا من ثقل المناهج وطول اليوم الدراسي.. الطالب فقد القدرة على الفهم أو التحليل، وبات يعتمد على التلقين، وتحويل الامتحانات من نظام الاختيار المتعدد إلى الأسئلة المقالية، يدل على غياب الرؤية الواضحة لإدارة الملف التعليمي”.
وتتساءل مؤسسة المبادرة: “كيف يمكن الحديث عن رؤية مصر 2030 للتعليم، بينما تتغير المناهج مع كل وزير؟”، مشيرةً إلى أن ما يجري ليس تعديلًا بل تغييرًا جذريًا متكررًا يفقد المنظومة الاستقرار، وأن الوزير الحالي لا يستمع إلى مطالب أولياء الأمور ولا إلى مجالس الأمناء، وهو ما زاد من غضب الشارع التعليمي.
وتضيف: “القرارات الخاصة بتقليل الكثافات داخل الفصول نُفذت بشكلٍ عكسي، إذ جرى نقل طلابٍ بين مدارس بعيدةٍ عن مناطق سكنهم، ما اضطر الأسر إلى تحمل نفقات المواصلات اليومية”، لافتة إلى أن غياب الأنشطة المدرسية يمثل جانبًا خطيرًا من الأزمة، إذ أُلغيت حصصها لسد العجز في المواد الأساسية، مما أفقد الطلاب متنفسهم وأدى إلى زيادة السلوك العدواني بينهم.
وتحكي فاطمة، التي تعمل مدرسة تربية فنية، عن الأعباء الإدارية المفروضة على المعلمين، إذ أن الحصة لا تتجاوز 35 دقيقة، وهي مدةٌ لا تكفي للشرح أو متابعة التقييمات في فصولٍ تضم ما بين 45 و50 طالبًا، مما يجعل المدرسين غير قادرين على أداء عملهم بالكفاءة المطلوبة، موضحة أنه حتى مواد النشاط، مثل التربية الفنية، أصبحت تُدرَّس بشكلٍ نظري دون ممارسة فعلية بسبب ضيق الوقت.
كذلك تنتقد القرارات الخاصة بزيادة أسعار المصروفات والكتب الدراسية، مؤكدةً أن بعض المدارس أجبرت أولياء الأمور على سداد المصروفات كاملة دفعةً واحدةً لإتمام استمارة الإعدادية، في وقتٍ تعاني فيه معظم الأسر من ضيقٍ مالي، موضحة أن أسعار كتب اللغات تضاعفت، وأن كثيرًا من الأسر التي تضم أكثر من طفل في مدارس تجريبية باتت غير قادرة على توفير المستلزمات الدراسية، مشيرة إلى أن الاضطراب طال كذلك مسألة الزي المدرسي، إذ فرضت بعض المدارس ألوانًا جديدة غير متوفرة في الأسواق وأجبرت الأسر على شرائها من المدرسة، مما زاد من الأعباء المالية على أولياء الأمور، في وقتٍ تعاني فيه البلاد من ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة.
وتختتم فاطمة فتحي حديثها معنا، مؤكدة على أن الدعوات إلى الإضراب في الأول من نوفمبر تعبّر عن غضبٍ مجتمعيٍّ واسع من طريقة إدارة المنظومة التعليمية، وليس مجرد احتجاجٍ على المناهج وحدها، محذرةً من أن تجاهل الوزارة لمطالب أولياء الأمور والمعلمين قد يؤدي إلى مزيدٍ من الاحتقان، داعيةً إلى فتح حوارٍ حقيقيٍّ مع جميع الأطراف قبل فوات الأوان.
وقبيل انطلاق العام الدراسي تصاعد الغضب بين أولياء الأمور بسبب ارتفاع أسعار المصروفات الدراسية والكتب للمدارس الرسمية للغات والرسمية المتميزة للغات للعام الدراسي 2025/2026، والتي تراوحت بين 1875 جنيهًا لمرحلة رياض الأطفال و2950 جنيهًا للصف الثالث الإعدادي، فيما تراوحت أسعار الكتب الدراسية بين 820 و830 جنيهًا لرياض الأطفال، و1030 إلى 1230 جنيهًا للمرحلة الابتدائية، وتصل إلى 1755 جنيهًا في الصف الثالث الإعدادي.
وفيما بلغ إجمالي المصروفات لرياض الأطفال في المدارس الرسمية المتميزة للغات 3477.41 جنيهًا، وارتفع الإجمالي في الصفوف من الأول إلى الثالث الابتدائي إلى 4190.51 جنيهًا، ومن الرابع إلى السادس إلى 4490.51 جنيهًا، وفي المرحلة الإعدادية إلى نحو 5173.61 جنيهًا للصفين الأول والثاني و4973.61 جنيهًا للصف الثالث، مع أسعار كتب تراوحت بين 1400 و1500 جنيه.
نوصي للقراءة: البكالوريا: تطوير للثانوية العامة أم نهاية لعصر التعليم المجاني؟

البيئة التعليمية غير مُهيئة للمناهج
يرى الدكتور محمد خليل، الاستشاري التعليمي والتربوي، أن المناهج الدراسيّة الحديثة شهدت تطورًا ملحوظًا نحو الأفضل، إذ باتت تركز على الفهم والتحليل المنطقي أكثر من الحفظ والتلقين، غير أن هذا التغيير الجذري صاحبه عدد من التحديات في بدايات تطبيقه، خصوصًا لدى أولياء الأمور والطلاب والمعلمين على حد سواء.
ويوضح خليل لـ”زاوية ثالثة”، أن أبرز الإشكالات الراهنة تتمثل في كثرة الواجبات والتقييمات المدرسيّة، نتيجة الانتقال المفاجئ من نظامٍ تعليميٍ تقليديٍ قائمٍ على الحفظ وواجباتٍ محدودةٍ، إلى نظامٍ حديثٍ يفرض كمًّا كبيرًا من المهام اليوميّة، مشيرًا إلى أن هذا التغيير خلق حالةً من الاستياء العام، إذ يشعر المعلمون بالضغط بسبب عدم التوازن بين حجم المحتوى الدراسي وعدد الواجبات، فيما يجد الأهالي صعوبةً في مواكبة المناهج الجديدة، ما يدفع بعضهم إلى الاستعانة بالذكاء الاصطناعي أو إنجاز الواجبات نيابةً عن أبنائهم لتخفيف الإرهاق عنهم بعد يومٍ دراسي طويل.
ويؤكد خليل أن الحل لا يكمن في إلغاء التقييمات، بل في تنويع أساليبها وابتكار بدائل أكثر مرونة، مثل المشاريع الجماعية التي يشارك فيها عدد من الطلاب، أو الاختبارات القصيرة عبر الإنترنت باستخدام المنصّات التعليمية الرسمية مثل “بنك المعرفة” ومنصّات وزارة التربية والتعليم.
ويقترح الخبير التربوي أن يُكتفى للطالب بواجب واحد أسبوعي ذي قيمة تربويّة، بدلًا من تحميله خمسة أو ستة واجبات يوميًّا تُرهقه نفسيًّا وبدنيًّا، دعيًا إلى توظيف التكنولوجيا في عملية التقييم، عبر تطبيقات واختبارات قصيرة لا تتجاوز ثلاث دقائق، مع مراعاة ظروف الطلاب في القرى والمناطق ضعيفة الاتصال بالإنترنت.
ويضيف: “المناهج الجديدة جيدة من حيث المضمون والتوجه، لكنها تحتاج إلى بعض التنظيم والتخفيف في حجم الواجبات، والتيسير في تطبيقها سيجعل التجربة أكثر نجاحًا واستدامةً”، مؤكدًا أن الهدف هو التنظيم لا الإلغاء، وإيجاد توازن بين متطلبات المنهج وقدرات الطلاب.
ويُحذّر الخبير من الآثار السلبيّة بعيدة المدى لهذا الضغط المتواصل، والذي قد يؤدي إلى نفور الطالب من المدرسة والنظام التعليمي المحلي، ودفعه إلى البحث عن بدائل في أنظمةٍ أجنبيّةٍ، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًّا على الأسر المصريّة.
فيما تعتبر الدكتورة بثينة عبد الرؤوف، الخبيرة التربوية، أن الجدل الدائر حاليًا حول المناهج الدراسية والتقييمات ليس جديدًا، وإنما يعود إلى بداية العام الدراسي، كما أن تطبيق نظام التقييمات بدأ منذ العام الماضي، لذا تعتقد أن الدعوات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي للإضراب عن الدراسة في الأول من نوفمبر تبدو حملة موجهة، أكثر من كونها رد فعلٍ عفويًّا على الأوضاع التعليمية.
تقول لـ”زاوية ثالثة”: “المشكلة الحقيقية لا تكمن في المنهج ذاته أو في عملية تطويره، وإنما في غياب مراعاة ثقافة الأسرة المصرية عند تطبيق النظام الجديد؛ فالمنهج المطور، لم يعد يعتمد على الحفظ والمذاكرة التقليدية، بل على أداء الأنشطة التفاعلية وتكرار التقييمات القصيرة لتثبيت المعلومة، على غرار النظام الأمريكي، غير أن الأسر المصرية لم تعتد بعد على هذا الأسلوب في التعليم”.
وتشير الخبيرة التربوية إلى أن أي تطويرٍ في منظومة التعليم محكومٌ بالفشل في حال لم يُمنح الوقت الكافي لاستيعابه من جانب الطلاب والأهالي والمعلمين، موضحةً أن جزءًا كبيرًا من الأزمة يتعلق بظروف المدارس والمعلمين الذين يعانون من تدنّي الرواتب وضعف الإمكانيات، فضلًا عن أن تنفيذ الأنشطة التعليمية يتطلب فتراتٍ زمنيةً طويلة قد لا تتوافر في المدارس الحكومية.
وتضيف: “المناهج الجديدة قد تكون مطورةً وفقًا للمعايير الدولية، لكن ضعف التدريب على طرق تطبيقها وغياب المساحة الزمنية الكافية للاستفادة منها جعلا التجربة متعثرةً حتى الآن، المشكلة ليست في المحتوى العلمي، بل في البيئة التعليمية التي لم تتهيأ بعد لاستقبال هذا النوع من التطوير”، لافتة إلى أن أولياء الأمور بدورهم يتحملون جزءًا من المسؤولية، إذ ما زالوا متمسكين بثقافةٍ تعليميةٍ تقليديةٍ قائمةٍ على الدروس الخصوصية والحفظ والدرجات النهائية، بدلًا من تنمية مهارات الطفل وقدرته على التعلم الذاتي.
وتوضح أن ضعف الثقة في المنظومة التعليمية يزيد من تمسك الأسر بالدروس الخصوصية، بسبب ما تشهده بعض المدارس من عجزٍ في أعداد المعلمين، وضيقٍ في المساحات، وممارساتٍ سلبيةٍ من بعض المدرسين الذين يضغطون على الطلاب لدفعهم إلى الدروس الخصوصية، بل ويعاقبون من يرفض ذلك، مشددةً على أن تطوير المناهج خطوةٌ مهمةٌ ومطلوبةٌ، لكنها تحتاج إلى إعدادٍ جيدٍ للمجتمع والمعلمين والمدارس قبل تطبيقها، وأن الإصلاح التعليمي الحقيقي يبدأ من تغيير ثقافة المجتمع تجاه التعليم لا من تغيير المناهج وحدها.
وعلى النقيض يؤكد الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بجامعة عين شمس، إن المناهج الدراسية تُبنى وفق معايير تراعي قدرات المتعلمين وميولهم واحتياجاتهم، إلى جانب متطلبات المجتمع ورؤيته المستقبلية، مع الاهتمام بالتقنيات الحديثة وطبيعة المواد الدراسية ومفاهيمها الأساسية وتطبيقاتها الحياتية.
ويوضح لـ”زاوية ثالثة” أن نظام التقويم الشامل والمستمر للمتعلمين يُعد أداة أساسية للوقوف على مستويات تحصيل الطلاب، بهدف تحديد جوانب القوة وتعزيزها، ومعرفة جوانب الضعف ومعالجتها، وذلك من خلال الامتحانات المستمرة، وممارسة الأنشطة الصفية واللاصفية، والتفاعل المستمر بين المتعلمين والمعلمين، مشددًا على أهمية الانضباط المدرسي في الحضور والانصراف، ودور أولياء الأمور في دعم العملية التعليمية وتحقيق أهدافها.
ويرى شحاتة إلى أن القضية الأساسية التي تواجه التعليم هي حرص وزارة التربية والتعليم على استعادة دور المدرسة ومحاربة ظاهرة الدروس الخصوصية والكتب الخارجية وغياب الطلاب عن المدارس، وهي مشكلات أدت إلى انتشار الأمية الأبجدية وتخريج طلاب يفتقرون إلى المهارات الأساسية، خصوصًا في مرحلة التعليم الأساسي.
ويدعو أولياء الأمور إدراك حجم الجهود التي تبذلها الوزارة من أجل تطوير العملية التعليمية، مشيرًا إلى أن الهدف من هذه الجهود هو تخريج جيل جديد من الشباب القادر على التفكير والتحليل والنقد، وتقبل الآخر واحترام ثقافات الشعوب، بما يسهم في بناء الجمهورية الجديدة.
وتكشف دعوات الإضراب عن التعليم، عن عمق الأزمة التي تعصف بالمنظومة التعليمية في مصر، حيث تتقاطع فيها مشكلات المناهج المكثفة، وضغط التقييمات المستمرة، وغياب الأنشطة، مع أعباء اقتصادية ونفسية تثقل كاهل الأسر والمعلمين والطلاب على حدٍّ سواء.
وبينما يرى أولياء الأمور والطلاب أن النظام الحالي تجاوز طاقتهم وأفقدهم متعة التعلم، تؤكد وزارة التربية والتعليم أن التطوير ضرورة لمواكبة المستقبل، فيما يشدد خبراء تربويون على أن نجاح أي إصلاح تعليمي مرهون بتهيئة البيئة المدرسية والاجتماعية، وتدريب المعلمين، وإشراك الأسرة في صياغة الحلول.
ويقف التعليم في مصر عند مفترق طرق؛ فإما أن تنجح الدولة في بناء منظومة تعليمية متوازنة تستجيب لقدرات الطلاب واحتياجاتهم، أو تستمر حالة الاحتقان التي تنذر بمزيدٍ من التدهور في ثقة المجتمع بالمدرسة ودورها.