من الغاز إلى قناة السويس: كيف تؤثر الحرب الإيرانية–الإسرائيلية في مصر؟

أدّت الحرب الإيرانية–الإسرائيلية إلى توقف الغاز الإسرائيلي إلى مصر، وخسائر حادة في البورصة، وتراجع عائدات قناة السويس، وسط تصاعد الضغط على الاقتصاد والدبلوماسية.
Picture of رشا عمار

رشا عمار

منذ اندلاع المواجهة المباشرة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران، دخلت خريطة الشرق الأوسط مرحلة من التوتر الحاد، حيث تتقاطع الجغرافيا مع الجيوسياسة في مشهد إقليمي بالغ التعقيد. وبينما تتبادل الأطراف ضربات بالصواريخ والطائرات المسيّرة عبر أجواء سوريا والعراق واليمن، تتابع مصر المشهد من موقع حرج، تحاول فيه التوازن بين الحذر والانخراط، في ظل تحولات عسكرية وسياسية متسارعة.

التصعيد الأخير، الذي جاء عقب تبادل عمليات عسكرية بين تل أبيب وطهران، لم يعد مجرد امتداد لصراعات بعيدة، بل تحوّل إلى صدام إقليمي مفتوح يضع عددًا من الأنظمة أمام اختبارات دقيقة لأمنها ومصالحها. وبالنظر إلى مكانة مصر الجيوسياسية، لا تبدو قادرة على الاكتفاء بدور المراقب المحايد، في ظل تقاطع مصالحها الحيوية—من إمدادات الغاز والكهرباء، مرورًا بحركة الملاحة في قناة السويس، وصولًا إلى قطاعي السياحة والدبلوماسية الإقليمية—مع أطراف النزاع بشكل مباشر أو غير مباشر.

وبحسب مراقبين تحدثوا إلى زاوية ثالثة، فإن القاهرة لا تملك ترف التجاهل؛ فكل تصعيد عسكري في الشرق الأوسط قد ينعكس داخليًا على شكل اضطرابات اقتصادية، مثل انقطاعات في الغاز، أو تقلبات في سوق المال، أو انخفاض في عائدات السياحة، فضلًا عن ضغوط إضافية على الاحتياطي النقدي. وفي ظل وضع داخلي يعاني بالفعل من ضغوط مالية حادة، تبدو التوترات الإقليمية كأنها زلازل مصغّرة تُهدد ما تبقّى من استقرار اقتصادي. وفي الوقت ذاته، تبرز مصر كلاعب إقليمي يسعى، بوسائل دبلوماسية، إلى تهدئة التصعيد أو الحد من تداعياته على مصالحها.

 

نوصي للقراءة: كيف أربكت معارك إيران والاحتلال الإسرائيلي إمدادات الغاز في مصر؟

قناة السويس في منطقة خطر

مع تصاعد التوتر بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، لم تعد ساحة المواجهة محصورة بالبر والجو، بل امتدت إلى الممرات البحرية الحيوية، وفي مقدمتها البحر الأحمر، الذي يشكل أحد أعمدة الاقتصاد المصري من خلال قناة السويس. بالنسبة للقاهرة، فإن أي اضطراب في الملاحة الدولية بهذه المنطقة لا يُعد مجرد تهديد اقتصادي، بل خطرًا استراتيجيًا قد يحمل أبعادًا أمنية وسيادية بالغة الخطورة. ومع تصاعد استخدام الصواريخ والمسيرات البحرية، بات سيناريو تعطيل أو إغلاق بعض المسارات في البحر الأحمر مطروحًا، ما قد ينعكس فورًا على حركة السفن العابرة نحو القناة.

وفي هذا السياق، يرى محمد حامد، مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن التصعيد العسكري الراهن يؤثر مباشرة على أمن واستقرار البحر الأحمر وقناة السويس، خصوصًا في ظل التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، وهو ما يضع الاقتصاد المصري في مواجهة أخطار متعددة، في لحظة يتزايد فيها النشاط العسكري في تلك المنطقة الحيوية للملاحة الدولية.

ويشير حامد، في حديثه إلى زاوية ثالثة، إلى أن هذا التصعيد يكشف أن “التمدد الإسرائيلي في الإقليم بلغ ذروته”، خاصة في ظل نجاح إسرائيل في اختراق العمق الإيراني واستهداف منشآت حساسة، وهو ما يعكس، حسب رأيه، تفوقًا استخباراتيًا وتكنولوجيًا يكرّس نفوذها في مساحات واسعة من الإقليم، ويضع دولًا عديدة، بينها مصر، أمام معادلات إقليمية جديدة ومضطربة.

ويضيف: “مصر ترفض من جانبها أي هيمنة إسرائيلية على الإقليم، خاصة في حال انهيار النظام الإيراني. وفي الوقت ذاته، تعاني إسرائيل من حالة عدم استقرار داخلي، نتيجة استنزافها منذ أكتوبر 2023 على أكثر من جبهة، آخرها الجبهة الإيرانية. هذا الوضع يدفع الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ قرارات مرتبكة، وتفتقر إلى رؤية استراتيجية طويلة المدى”.

ويتابع أن هذا الاضطراب قد يفتح هامشًا أوسع أمام القاهرة لتوظيف موقفها الإقليمي، سواء في ملفات مثل أزمة سد النهضة، أو الترتيبات الأمنية في قطاع غزة، أو مستقبل الأوضاع في البحر الأحمر وشرق المتوسط.

ويؤكد مدير المنتدى أن التأثير العام لهذا الصراع على مصر سلبي على المستويات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، وأن العلاقات المصرية الإسرائيلية ستظل تمر بتوترات متكررة، مع استمرار إعادة ترتيب النفوذ الإقليمي وتوسع رقعة الاشتباك.

تاريخيًا، شكلت عائدات قناة السويس أحد المصادر الأساسية للعملة الصعبة في مصر، إذ وفرت في عام 2023 أكثر من 9.4 مليار دولار. وأي تراجع في هذه الإيرادات بسبب اضطراب الملاحة يفاقم من أزمة الميزان التجاري والاحتياطي النقدي. كما أن تأثر حركة السفن يضعف قدرة القناة التنافسية لصالح مسارات بديلة، حتى وإن كانت أكثر كلفة أو أطول زمنًا.

 

نوصي للقراءة: نمو غير مسبوق في التجارة بين القاهرة وتل أبيب

الاقتصاد المصري تحت الضغط

الحرب لم يتأخر أثرها في الوصول إلى الاقتصاد المصري، الذي يقف أصلًا على أرضية هشة وسط أزمة تضخم، وارتفاع في الدين الخارجي، وتحديات تتعلق بسعر الصرف والاستثمار. ولعل أبرز انعكاس مباشر تمثل في رد فعل السوق المالي المصري، حيث سجّلت البورصة المصرية واحدة من أكبر خسائرها منذ سنوات في أولى جلسات ما بعد التصعيد، في غضون ساعات، تراجع مؤشر EGX30 بأكثر من 7%، وخسرت السوق نحو 30 مليار جنيه من رأسمالها السوقي، في ظل خروج سريع للمستثمرين الأجانب والمحليين، وقلق عام من دخول المنطقة في سيناريو مواجهة طويلة. وكما جرت العادة في فترات التوتر، فقد لجأ العديد من المستثمرين إلى “الملاذات الآمنة” مثل الذهب والدولار، وهو ما أدى إلى زيادة الضغط على الجنيه المصري، الذي يعاني أصلًا من موجات متتالية من التراجع.

ويؤكد – الباحث في الشؤون الدولية-، صلاح لبيب، في حديث مع زاوية ثالثة أن الصراع الإيراني–الإسرائيلي في شكله الحالي لم يتطور بعد إلى حرب شاملة، وهو ما يعني أن التأثيرات المباشرة على مصر لا تزال في إطار الضغوط الاقتصادية وبعض الانعكاسات الأمنية والسياسية لكن في حال تصاعد الصراع إلى حرب شاملة مفتوحة، فإن التداعيات ستكون “أكثر خطورة بكثير من تلك التي خلفها الغزو الأمريكي للعراق عام 2003″، على حد وصفه.

ويرى لبيب أن إيران بالرغم من خلافها الطويل مع القاهرة منذ الثورة الإسلامية إلا أن مجرد وجودها كان يمثل عامل تهديد بالنسبة للكيان الإسرائيلي، ورغم توقيع اتفاق سلام بين القاهرة وتل أبيب وأنهما لم يدخلان حربًا على مدار أكثر من 4 عقود إلا أن وجود “مهددات استراتيجية لها” على اعتبار أنها دولة توسعية، يجعل عبأ مواجهة مخاطرها على المن القومي المصري، غير أنه يُحذر من أنه “إذا تمكنت إسرائيل من التخلص من جميع خصومها في المنطقة، فإنها ستتحول إلى قوة أكثر عدوانية تجاه الدول التي تعتبرها منافسة أو مهددة لنفوذها، ومن بينها مصر”.

وفيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة، يشير لبيب إلى أن مصر تُعد “حليفًا تقليديًا وثابتًا لواشنطن”، وهو تحالف استراتيجي استثمر فيه الطرفان سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا على مدى عقود. وبالتالي، لا يتوقع أن يؤدي إضعاف إيران إلى أثر سلبي مباشر على العلاقات المصرية–الأمريكية، لكنه يحذر من تداعيات غير مباشرة قد تطرأ إذا استمرت إسرائيل في تعزيز موقعها الإقليمي دون كوابح، خصوصًا في حال حدوث خلاف مستقبلي بينها وبين مصر.

ويضيف: “إسرائيل كدولة استعمارية مشروعها توسعي استعماري قائم على فرض الأمر الواقع بالقوة، وقد سبق أن استخدمت هذا النهج في ملفات عدة، أبرزها التهجير القسري للفلسطينيين، وهو ما قد يضع مصر – كما الأردن – أمام مواجهة مباشرة مع حكومة إسرائيلية تسعى لتحقيق أهدافها بالقوة، مدعومة بتفوق عسكري نووي وعلاقات وثيقة بالولايات المتحدة”، مؤكدًا أن مصر لديها القدرة على وضع الحدود للأحلام التوسعية لإسرائيل.

ويحذر لبيب من سيناريو أكثر خطورة في حال شعرت إيران بأنها تواجه محاولة جدية لإسقاط النظام، إذ قد تدفعها حالة اليأس إلى توسيع نطاق الردود، عبر ضرب القواعد الأمريكية في المنطقة أو استهداف الممرات الدولية للملاحة، وهو ما ستكون له انعكاسات خطيرة على قناة السويس والاقتصاد المصري. ومع ذلك، يضع الباحث المصري سيناريو محتملًا لتخفيف التوتر، يتمثل في تسوية بين إيران والولايات المتحدة، بمقتضاها تتخلى طهران عن طموحاتها النووية مقابل بقاء النظام، على غرار ما حدث مع ليبيا في عهد القذافي. وإذا تحقق هذا السيناريو، يرى الباحث أن التهديدات المباشرة للمشاريع الاقتصادية المصرية ستتراجع إلى حد بعيد.

 

نوصي للقراءة: هل أغلقت القاهرة أبوابها في وجه التضامن الدولي مع غزة؟

أمن الطاقة… الغاز في مرمى النار

منذ اللحظة الأولى لتصاعد المواجهات بين إيران وإسرائيل، انعكست الأوضاع سريعًا على ملف حيوي بالنسبة لمصر وهو الغاز الطبيعي، فمع توقف إمدادات الغاز الإسرائيلي نتيجة إغلاق حقلي “تمار” و”ليفياثان” شرق المتوسط كإجراء احترازي من قبل تل أبيب، وجدت القاهرة نفسها أمام أزمة طاقة متجددة تهدد التوازن الداخلي وتعيد أزمة انقطاع التيار الكهربائي، مع اشتداد الحرارة في فصل الصيف. تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 800 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز الذي كانت تستورده مصر من إسرائيل بات خارج المعادلة، ما يعادل نحو 13% من احتياجات السوق المحلي. هذا النقص الحاد أوجد فجوة اضطرت وزارة الكهرباء إلى تغطيتها من خلال العودة إلى استخدام الوقود الأحفوري مثل المازوت والسولار، وهو ما يزيد التكلفة ويؤثر على البيئة ويُضعف كفاءة المحطات.

الأزمة تجاوزت توفير الكهرباء إلى الصناعات الثقيلة، خاصة في القطاعات كثيفة الاستهلاك مثل الحديد والأسمنت والأسمدة، بدأت تعاني من ضعف الإمدادات وارتفاع التكاليف، وهو ما ينعكس بدوره على الأسعار في السوق المحلي. وفي السياق ذاته، تضررت الصادرات المصرية من الغاز الطبيعي المسال، خاصة مع تراجع الكميات المخصصة للتسييل وإعادة التصدير من محطة إدكو، ما حرم مصر من مصدر حيوي للعملة الصعبة في ظل أزمة تمويل قائمة.

في السياق ذاته، ارتفعت أسعار النفط العالمية مع تصاعد القلق بشأن سلامة الإمدادات في منطقة الخليج والبحر الأحمر، ما انعكس على فاتورة الاستيراد المصرية، فكل ارتفاع بمقدار دولار واحد في سعر برميل النفط يُترجم إلى ملايين الدولارات من الإنفاق الإضافي على دعم الطاقة والسلع، ما يهدد مستهدفات الموازنة العامة التي تسعى الدولة لضبطها منذ سنوات.

البُعد الدبلوماسي… بين الحياد والتدخل

في خضم تصاعد نيران الحرب بين طهران وتل أبيب، تقف الدبلوماسية المصرية على خيط رفيع بين التزامها بمواقفها التاريخية، وسعيها للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في منطقة تغلي بالصراعات. فرغم عدم صدور موقف مصري رسمي صريح يدين طرفًا بعينه، إلا أن القاهرة تتبنى ما يمكن تسميته بـ”الحياد النشط”، حيث تسعى إلى امتصاص تداعيات التصعيد من دون الانخراط المباشر في الانحياز أو الاشتباك السياسي.

 

تاريخيًا، ترتبط مصر بعلاقات أمنية واقتصادية قوية مع إسرائيل منذ توقيع اتفاق السلام عام 1979، وهي علاقات تعززت خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في مجالات الغاز، والتنسيق الأمني في سيناء وغزة. في المقابل، لا يمكن تجاهل إشارات الانفتاح الحذر بين القاهرة وطهران، والتي تجسدت في لقاءات دبلوماسية متكررة، ومحاولات لبناء قنوات حوار، خاصة منذ تولي الرئيس إبراهيم رئيسي الحكم.

في هذا السياق، تسعى مصر إلى لعب دور الوسيط – وإن بهدوء – بين أطراف النزاع، مستفيدة من موقعها المتوازن وعلاقاتها المتشابكة في الإقليم. وتشير بعض المصادر الدبلوماسية إلى أن اتصالات جرت بالفعل بين القاهرة وكل من واشنطن وتل أبيب وطهران، في محاولة لخفض التصعيد وتجنّب توسع رقعة الاشتباك إلى ساحات عربية أخرى.

وتقول – مديرة المركز الآوروبي الشمال أفريقي للأبحاث-، سارة كيرة في حديث إلى زاوية ثالثة إن مصر تواصل مصر جهودها الدبلوماسية المكثفة لاحتواء التصعيد وحماية مصالحها الاقتصادية والأمنية، مع تركيز خاص على ضمان سلامة الملاحة بقناة السويس واستقرار منطقة الشرق الأوسط. ويعتمد نجاح هذه الجهود على مدى تطورات الأوضاع في ميادين القتال وقدرة القاهرة على لعب دور الوسيط الفاعل، مع تجنُّب الانجرار إلى أي مواجهة عسكرية مباشرة.

وتتفق كيرة مع حامد ولبيب حول الضغوط التي تواجهها مصر على إثر الحرب، وتقول في حديثها معنا: “مع اندلاع الحرب الإيرانية–الإسرائيلية، تواجه مصر تحديات اقتصادية جمة؛ إذ يتفاقم العجز المالي بفعل تصاعد التوترات التي تهدد الأمن الملاحي في البحر الأحمر وقناة السويس. فقد شهدت عائدات الممر المائي تراجعًا ملحوظًا نتيجة تباطؤ حركة الشحن والتأخيرات المتكررة، الأمر الذي يزيد الضغط على الموازنة العامة ويهدد استدامة إيرادات الدولة الحيوية.”

وتضيف: “على الصعيد الجيوسياسي، تفرض هذه الحرب معادلات تحالفية جديدة على القاهرة؛ إذ عليها موازنة مصالحها بين القوى الإقليمية والدولية المشاركة في النزاع. ورغم ذلك، لا تزال مصر تُعرف في الدبلوماسية الدولية بأنها القلعة الحامية للمنطقة بخبرتها الطويلة ونجاحاتها المتتابعة في صون حدودها والحفاظ على مصالحها دون الانخراط في نزاعات مباشرة.

وتتابع كيرة: “كذلك، وليس بأقل أهمية، ستتضرر مصر من ارتفاع أسعار الطاقة العالمية كنتيجة طبيعية لتوقف الإمدادات أو تقليصها، ما ينعكس على تكلفة الإنتاج المحلي ويزيد الأعباء على المستهلكين. كما قد يسهم هذا المناخ المتوتر في تراجع حركة الاستثمار الأجنبي المباشر وتباطؤ إقلاع قطاعَي السياحة والخدمات المرتبطة به، وهما من روافد الاقتصاد الوطني الأساسية.”

في أول رد رسمي على الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، أعربت وزارة الخارجية المصرية عن قلقها البالغ من تطورات الأوضاع العسكرية في المنطقة، محذّرة من أن استمرار التصعيد “ينذر بعواقب وخيمة” على الأمن الإقليمي والدولي. وأدانت مصر “الهجمات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة”، ووصفتها بأنها “تصعيد خطير للغاية يهدد بتوسيع رقعة النزاع المسلح في الشرق الأوسط”. وأكد وزير الخارجية بدر عبد العاطي أن القاهرة تتابع التطورات عن كثب، وتدعو جميع الأطراف إلى “ضبط النفس ووقف العمليات العسكرية فورًا”، مشددًا على أن القاهرة تسعى لتجنب انزلاق المنطقة إلى مواجهة شاملة قد تزعزع استقرارها لسنوات.

بالتزامن مع التصعيد، قادت مصر جهودًا دبلوماسية مكثفة على المستوى العربي والإسلامي، وأسفرت تلك التحركات عن بيان مشترك صدر عن 21 دولة عربية وإسلامية، دانت فيه الهجمات العسكرية وطالبت بوقف فوري للأعمال العدائية. وأكد البيان المشترك على ضرورة احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ورفض استخدام القوة لتصفية الحسابات السياسية في الإقليم. كذلك أجرى عبد العاطي اتصالات هاتفية مع وزراء خارجية كل من روسيا وإيطاليا وإسبانيا، للتأكيد على خطورة الوضع، وضرورة تفعيل دور المجتمع الدولي في منع انهيار الاستقرار الإقليمي.

على المستوى الداخلي، كشفت مصادر مطلعة أن الحكومة المصرية شكلت خلية أزمة أمنية واقتصادية تتابع تداعيات الحرب المحتملة، وتعمل على تقييم سيناريوهات تطور الصراع في حال توسع العمليات أو انخراط قوى إقليمية إضافية.

رغم أن الحرب الدائرة بين طهران وتل أبيب لا تدور على الأراضي المصرية، فإن مصر ليست بمنأى عن شظاياها، لا على مستوى الاقتصاد أو الطاقة أو الأمن. ما يحدث بين قوتين إقليميتين بحجم إيران وإسرائيل هو زلزال جيواستراتيجي يهز توازنات المنطقة بأكملها، وتجد فيه القاهرة نفسها أمام اختبار معقد يفرض عليها أن تمسك العصا من المنتصف، وتُدير بمهارة التناقض بين التحالفات والمصالح والتهديدات.

فالغاز الذي أصبح ورقة ضغط في الحرب، يهدد استقرار الطاقة في الداخل، ويكشف هشاشة الاعتماد على شريك واحد في وقت الأزمات. والملاحة في البحر الأحمر، التي تمثل شريان حياة عبر قناة السويس، باتت ساحة مفتوحة لاحتمالات التصعيد، ما قد يكلف مصر مليارات الدولارات، أما الاقتصاد، فهو في مهب رياح القلق، حيث تتقلب المؤشرات بين هبوط البورصة وارتفاع الدولار، فيما يشعر المواطن البسيط بأن أعباءه تتضاعف في كل أزمة خارجية.

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.

Search