أثار قرار صادر عن القنصلية المصرية في مارسيليا بفرنسا، قبل أيام، يشترط مراجعة أمنية للمصريين المقيمين بالخارج قبل إصدار أية أوراق رسمية لهم، حالة من الجدل في الأوساط الحقوقية، إذ اُعتبر القرار تقييدًا للحريات وانتهاك للحقوق العامة، فيما أكدت دوائر قانونية وحقوقية أنه يعكس تعميق إجراءات إضافية لملاحقة المقيمين بالخارج وفرض رقابة أمنية عليهم، كما أنه يتنافى مع طبيعة عمل السفارات الدبلوماسية، ويستهدف وضع قيود على المعارضة بالخارج بشكل أساسي.
تداول مصريون يقيمون بفرنسا، نص القرار الصادر عن القنصلية، واصفين إياه بـ الغريب. قال الصحفي المصري، سيد صبحي، في منشور له على منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك: “القنصلية المصرية في مارسيليا أصدرت إعلانًا غريبًا وغير مقبول، يفيد بأنه للحصول على بطاقة الرقم القومي، يجب أولًا المرور بلجنة الكشف السياسي، التي ستقوم بالتحقيق في اسمك، أفكارك، وتاريخ عائلتك السياسي بأكمله. هل من المنطقي أن الحصول على بطاقة الرقم القومي يتطلب تقييمًا سياسيًا؟ هل يعني ذلك أنني إذا أردت استخراج بطاقة، يُعتبر ذلك محاولة لاختراق الأمن القومي؟ لماذا يجب أن تخضع هويتي الوطنية لتقييم سياسي؟”.
وأضاف: “يبدو أن الأمر يتجاوز مجرد استخراج بطاقة الرقم القومي، وكأنه اختبار لولائك السياسي: إذا كنت معارضًا، فالبطاقة مرفوضة، أما إذا كنت مؤيدًا، فقد تحصل عليها بعد توصية من اللجنة العليا، لكن ماذا عن شخص يحتاج بطاقة الرقم القومي لإتمام تأشيرة سفر أو للحصول على وظيفة؟ هل مصيره أن يعيش دون هوية وطنية، أم أن يعيش دون رأي؟”
وفي ضوء القرار تواصلت زاوية ثالثة مع عدد من المصريين المقيمين بالخارج سواء داخل فرنسا أو دول أخرى مثل تركيا وقطر وألمانيا وكندا، تحدثوا عن انزعاجهم من مثل هذه القرارات التي تطبق عليهم دون إعلان رسمي منذ سنوات، وتستخدم كأداة لقمع المعارضين والحقوقيين خارج مصر ـ على حد وصفهم ـ، كما أكدوا أن السفارات تجري إجراءات أمنية ومراجعات لأعداد كبيرة منهم بشكل دوري، بهدف التضييق عليهم ووضعهم تحت الرقابة الأمنية خارج البلاد.
نوصي للقراءة: تونس.. ملاذ مؤقت أم فخ للمهاجرين المصريين؟
لا أوراق.. لا جنسية ولا حقوق
من تركيا، يقول محمد رمضان؛ إن المئات من زملائه لا يمتلكون أوراقًا ثبوتية، بسبب تعنت السفارة المصرية في استخراج الأوراق وربطها بإجراءات أمنية صارمة. بعضهم تم إخطاره إنه مطلوب لدى جهات التحقيق في مصر، لكن غالبيتهم لا يواجه تهمًا قضائية، لكنه محسوب على تيارات معارضة من الخارج، وبالتالي ترفض الجهات المختصة منحهم أي أوراق ثبوتية منذ سنوات، ولا يملكون إقامة شرعية وليس لديهم قدرة على إيجاد فرص عمل أو استئجار مكان للسكن أو حتى مغادرة البلاد.
ويشير رمضان، خلال حديثه معنا، إلى أن المشكلة الأكبر التي تواجه هؤلاء، عدم قدرتهم على تسجيل أطفالهم (المواليد الجدد) خلال عشر سنوات مضت بشكل رسمي لدى السفارة أو القنصليات المصرية؛ وبالتالي يواجه عشرات وربما مئات الأطفال حرمان متعمد من حقوقهم الأساسية، سواء في الحصول على جنسية بلادهم أو حقوق أخرى مثل الرعاية الصحية والتطعيمات أو التعليم، وغيرها من الحقوق التي يكفلها الدستور المصري لـ المقيمين بالداخل والخارج على حد سواء. هؤلاء الأطفال يعاقبون فقط لأن آبائهم أو ذويهم ينتمون لتيارات المعارضة من الخارج.
يعد حرمان الطفل من استخراج أوراق ثبوتية انتهاكًا للدستور المصري الذي ينص في مادته رقم (80) على أنه “يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجباري مجاني، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية.”
ومن فرنسا، يقول أحمد سعيد، إنه خلال الفترة الأخيرة يحاول بعض الموظفين الجدد من الشباب تسهيل بعض الإجراءات المرتبطة باستخراج الأوراق الرسمية؛ لكن محاولاتهم ورغم أنها أمر يفترض أنه طبيعي ويتم في غالبية السفارات العربية وغيرها، إلا أن محاولاتهم تلك تواجه بتعنت يتعلق بطبيعة القوانين المفروضة على السفارات المصرية في الخارج بشكل عام، ومنها فرض إجراءات المراجعة الأمنية على كل من يرغب في تجديد أوراقه أو استخراج مستندات جديدة، فضلًا عن ذلك يواجه المصريون تكاليف باهظة مقابل استخراج أوراقهم الثبوتية على عكس السفارات الأخرى.
ويضيف: “على سبيل المثال تبلغ تكلفة استصدار بطاقة الرقم القومي نحو 65 يورو وتكلفة استخراج جواز السفر 440 يورو، بالمقارنة بالجواز الفرنسي لا يتكلف أكثر من 150 يورو على أقصى تقدير، وبالتالي يبدو أن هناك استغلال للظروف، ومحاولة لتحصيل أكبر مبالغ من المصريين بالخارج دون مراعاة لظروفهم، إضافة للإجراءات الأمنية والسياسية التي تستهدف الحقوقيين أو المعارضين السياسيين على وجه التحديد.”
ويتابع في حديثه معنا: “في السابق، وكما أخبرني بعض الأصدقاء، كانت غرامة التخلف عن التجنيد لمن تجاوزت أعمارهم 31 عامًا تُقدر بنحو 800 يورو، وكان هناك نظام يتم من خلاله إرسال لجنة عسكرية إلى باريس، حيث يتم عرض ملفات الشباب الذين دفعوا الغرامة على هذه اللجنة، ثم يحصلون على شهادة الإعفاء مباشرة منها، ولكن منذ جائحة (كوفيد-19)، أُبلغنا بأن اللجنة العسكرية لن تأتي إلى فرنسا مرة أخرى، والآن، لتسوية الموقف التجنيدي، يجب دفع الغرامة في فرنسا ثم الحصول على أوراق التسوية للسفر إلى مصر وإتمام الإجراءات أمام المحكمة العسكرية للحصول على شهادة الإعفاء.
يقول: “في السنتين الأخيرتين، ظهرت مبادرة جديدة تحت مسمى “تسوية الموقف التجنيدي للمصريين بالخارج“، تستهدف الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا. في البداية، كانت الغرامة المطلوبة نحو خمسة آلاف يورو، ولكن بعد ستة أشهر، ومع استجابة المصريين بالخارج، ارتفع المبلغ إلى سبعة آلاف يورو، وكانت المفاجأة أن اللجنة العسكرية أصبحت تُرسل خصيصًا لمن دفعوا الغرامة الأعلى (سبعة آلاف يورو)، بينما يُطلب ممن دفعوا الغرامة القديمة (800 يورو) تسوية أوضاعهم داخل مصر.
يوضح سعيد، أنه “بالنسبة لإصدار بطاقات الرقم القومي، فقد تغيرت الإجراءات. في السابق، كان يُطلب عرض الملفات على الجهات المختصة للتحقق من الوضع الأمني، أما الآن فأصبحت الأمور أكثر صراحة، إذ يتم مراجعة الموقف السياسي، والسؤال هنا: هل سيُمنح المواطن البطاقة إذا كان مؤيدًا، ويُحرم منها إذا كان معارضًا؟ وهل هناك نية لاتخاذ إجراءات عقابية ضد المعارضين في الخارج؟”
ويتابع: “شخصيًا، لا أواجه مشكلات كبيرة مع السلطة المصرية، فقد ابتعدت عن النشاط السياسي أثناء إقامتي بالخارج بسبب ظروف خاصة، وأحاول أن أتعامل كمواطن مصري عادي، لكن هل يُعقل أن تُحرم حقوقي إذا كنت أُعارض؟ هذا أمر غير منطقي”، يبدو أن السلطة تسعى الآن لتتبع المواطنين غير المنخرطين في النشاط السياسي، من خلال مراجعة حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو تتبع آرائهم، هذا أمر غريب جدًا، خاصة في ظل محاولات السلطة المعلنة لتحقيق المصالحة مع المعارضين في الخارج، كما أن إصدار وثيقة رسمية تُظهر هذا النهج من وزارة الخارجية تصرف غير حكيم. الوثيقة ليست سرية بل منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومذكور فيها بوضوح أن الموقف السياسي سيتم مراجعته، هذا قد يضع السلطة في موقف حرج أمام منظمات حقوق الإنسان.”
في السياق نفسه، تقول ليلى محمود وهي طبيبة مصرية مقيمة بكندا: “واجهت أزمة عندما احتجت إلى إصدار توكيل رسمي لأحد أقاربي في مصر لإدارة بعض أملاكي. توجهت إلى القنصلية المصرية، قوبلت بمعاملة متحفظة، وكأنني متهمة بشيء ما، طلب مني تقديم كشف بحساباتي البنكية في مصر وكندا، بحجة التحقق من مصداقيتي، رغم أن هذا الطلب غير قانوني وغير مبرر، كذلك، سألني أحد الموظفين بشكل مباشر إذا كنت على صلة بجماعات سياسية معارضة أو إذا كنت قد شاركت في أنشطة ضد الدولة المصرية، وهو أمر اعتبره تدخلًا غير مبرر في حياتي الشخصية.”
وتضيف في حديثها معنا: “بعد تقديم الأوراق المطلوبة وانتظار دام أكثر من شهرين، تلقيت اتصالًا من القنصلية يطلب مني الحضور لإعادة مراجعة الطلب، رغم أنه كان مكتملًا، شعرت وكأن الهدف هو عرقلة الإجراءات أو استنزاف وقتي، هذه التجربة جعلتني أفكر مرتين قبل التعامل مع السفارة مرة أخرى، رغم حاجتي لأوراق رسمية مهمة.”
من جهته، يروي محمد علي الذي يقيم في ألمانيا منذ سنوات، ويعمل في مجال البرمجيات تجربته إلى زاوية ثالثة. يقول: “قبل أشهر احتجت إلى تجديد جواز سفري الذي اقترب موعد انتهاء صلاحيته، عندما ذهبت إلى السفارة المصرية في برلين، فوجئت بتعقيدات لم أكن أتوقعها، طلب مني موظفو السفارة تقديم مستندات إضافية غير مطلوبة رسميًا، مثل شهادات تثبت عدم وجود قضايا جنائية ضدي في مصر، رغم أنني لم أقم بأي نشاط سياسي أو جنائي طوال حياتي.”
ويضيف: “الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعرضت لاستجواب طويل من قبل موظفي السفارة حول تفاصيل إقامتي في ألمانيا، وأسباب اختياري للهجرة، وعلاقتي بجاليات مصرية أو منظمات حقوقية في أوروبا، شعرت وكأنني في غرفة تحقيق وليست جهة تمثل وطني، لكن الأكثر إزعاجًا أن الأوراق تأخرت لأكثر من ثلاثة أشهر، بحجة مراجعات أمنية، ما تسبب في مشاكل بعملي، لأنني كنت بحاجة إلى وثيقة السفر لتجديد إقامتي الألمانية. كانت تجربة صادمة، وأشعرتني وكأنني فقدت حقًا أساسيًا كمصري مقيم بالخارج.”
يقول عمرو السيد المقيم بقطر منذ نحو خمس سنوات، ويعمل في إحدى الشركات: “قبل فترة، اضطررت إلى استخراج شهادة قيد عائلي لتجديد بعض الأوراق الخاصة بي وبعائلتي في مصر، ذهبت إلى السفارة المصرية في الدوحة، وقدمت طلبًا رسميًا للحصول على الشهادة. في البداية، كنت أعتقد أن الأمر سيستغرق بضعة أيام، خاصة أنني أملك كل المستندات المطلوبة، لكن، فوجئت بأنني مطالب بتقديم ما يسمى بـ”موقف سياسي”، وهو إجراء لم أسمع به من قبل، عندما استفسرت عن السبب، قيل لي إن الطلب يتم رفعه إلى جهات مختصة في مصر للنظر في موقفي الأمني قبل إصدار الأوراق.”
ويتابع: “انتظرت أكثر من شهر دون أي رد، كنت أتابع مع السفارة باستمرار، وفي كل مرة كان الجواب نفسه: “ملفك قيد المراجعة”، تأخرت المعاملة بشكل كبير، ما أثّر على استكمال بعض الإجراءات هنا في قطر، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، شعرت بأن هناك نوعًا من التمييز بين الطلبات، بعض أصدقائي ممن لا توجد لديهم أي توجهات سياسية حصلوا على أوراقهم بسرعة، بينما غيرهم من الذين سبق لهم التعبير عن آرائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو لديهم أقارب معارضون في الخارج واجهوا مشاكل كبيرة في إنهاء معاملاتهم.”
نوصي للقراءة: المنفى.. ساحة جديدة لقمع المدافعين عن حقوق الإنسان
مخالفة للقانون والمواثيق الدولية
يصف الناشط الحقوقي والباحث في قضايا المهاجرين نور خليل، هذا النوع من الإجراءات بأنها مخالفة للقانون والمواثيق الدولية. يقول في حديث مع زاوية ثالثة: “لا يجب أن تربط السلطة بين وضع الشخص الأمني أو وجهة نظر الأجهزة الأمنية عنه أو حتى تورطه في ارتكاب جرائم وبين حصوله على وثائقه الرسمية مثل. شهادات الميلاد أو الوفاة أو بطاقة الرقم القومي أو جواز السفر، التزام على السلطة أن تقوم بإصدارها والشيء الوحيد الذي يمكن أن تطلبه في هذه الحالة هي مصروفات هذا الإجراء.
ويضيف: “يمكن توصيف هذا النوع من الإجراءات إنه قمع عابر للحدود، وهذا النوع من القمع فضلًا عن إنه انتهاك؛ إلا أنه يتسبب في دائرة من الانتهاكات؛ أبرزها رفع الحماية عن المواطن خارج حدود دولته بحرمانه من وثائقه التي تثبت هويته وكينونته ومركزه القانوني، كما أنها تتسبب أيضًا في وضع المواطنين عُرضه للاستغلال، وتمنح موظفين حكوميين سلطة غير قانونية بالحرمان والمنع من الوثائق الثبوتية. في نفس الوقت، هذا النوع من الإجراءات تسبب في اضطرار بعض المواطنين في تقديم طلبات لجوء فقط بغرض الحصول على وثائق ومستندات سارية، وفي حالة كان المواطن محروم من المستندات والوثائق الرسمية يتسبب هذا الإجراء في حرمان الأبناء والأطفال أيضًا.”
من جهته، يرى الصحفي المصري المقيم في فرنسا، سيد صبحي، أن وضع شرط “الكشف السياسي” ضمن إجراءات استخراج الوثائق الرسمية يتناقض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
يقول لزاوية ثالثة إنه وفقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتحديدًا (المادة 13)، وأيضا الاتفاقيات الدولية ذات الصلة مثل (المادة 12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن الحق في استخراج الوثائق الرسمية يُعتبر جزءًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وبالتالي، وضع شرط مثل “الكشف السياسي” انتهاك صريح لهذه الحقوق ويُعد نوعًا من التمييز الجائر. ربما يمكن تفهّم وجود شرط الكشف الجنائي في بعض الحالات المحدودة، لكن شرط الكشف السياسي لا مبرر له مطلقاً ويُعد انتهاكًا صارخًا لـ الخصوصية.”
يتابع صبحي: “من ناحية الدستور المصري، (المادة 62) تؤكد حق المواطنين في حرية التنقل واستخراج الوثائق الرسمية دون قيود تعسفية، فرض شرط الكشف السياسي يُعد مخالفة صريحة لهذه المادة، بل ويشكل انتهاكاً لمبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور، هذا الشرط يميز بين المواطنين بناءً على مواقفهم السياسية، إذ يتم التعامل بشكل مختلف مع المعارضين أو غير المؤيدين للنظام مقارنة بالمؤيدين، وهو خرق واضح لمبادئ العدالة الدستورية.”
ويضيف: “من الناحية الدبلوماسية، فإن الأعراف الدولية واضحة بشأن دور السفارات والقنصليات، دورها الأساسي هو تقديم الخدمات للمواطنين دون تدخل في شؤونهم السياسية أو فرض إجراءات أمنية تعسفية، أي إجراءات أمنية من هذا النوع تُعتبر بمثابة مراقبة واستهداف للمعارضين السياسيين، وهو ما يتعارض مع كل الأعراف الدبلوماسية الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، السفارات ليست جهات أمنية، إنما خدمية تهدف إلى تسهيل أمور المواطنين، وأي تجاوز لدورها يضعها في موضع الإتهام بانتهاك حقوق الإنسان.”
ويؤكد أن ما يحدث الآن يُثير قلقًا كبيرًا، لأنه يفتح الباب أمام مزيد من التمييز والاستهداف، وهو أمر يجب أن يرفضه الجميع حفاظًا على حقوق المواطنة وكرامة الإنسان”
قدرت وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، في مايو الماضي أعداد المصريين بالخارج بـ 14 مليونًا، بحسب الوزيرة السابقة سها الجندي، كما قدر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أعداد المصريين في الخارج، حتى نهاية العام 2022، بـ 11 مليون مصري، استنادًا للكتاب الإحصائي السنوي لوزارة الخارجية، وهي أحدث بيانات وفرها الجهاز في يونيو من العام الجاري، وزاد إجمالي أعداد المصريين في الخارج بأكثر من سبعة ملايين، منذ عام 2013، إذ كان وقتها العدد قد بلغ نحو ستة ملايين و11 ألف مصري، وبلغ العدد في العام 2024 نحو 14 مليون مصري، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
نوصي للقراءة: هل تُصبح الجنسية المصرية أداة سياسية لقمع المعارضة؟
قمع عابر للحدود
تحت هذا العنوان يرصد تقرير مشترك صدر في سبتمبر الماضي، عن المنبر المصري لحقوق الإنسان والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، انتهاكات واسعة يتعرض لها المصريون المقيمون بالخارج نتيجة فرض قيود أمنية صارمة عليهم تطبق من خلال السفارات، كما يفند التقرير العديد من الوقائع حول إجراءات تعسفية في استخراج الأوراق الثبوتية وتجديد بطاقات الرقم القومي أو جوازات السفر، ما يعني فرض قيود واسعة على أسر كاملة، وحرمانهم من حقوقهم.
بحسب التقرير، “واصلت السلطات المصرية استهداف وترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان خارج البلاد بهدف اسكاتهم وإنهاء أنشطتهم المشروعة”، كما يكشف التقرير عن أنماط استهداف الناشطين الحقوقيين في الخارج، والتي تشمل إصدار أحكام غيابية بالسجن أو التحقيق وتوجيه اتهامات ضد بعضهم في قضايا ذات طابع سياسي وتتعلق بالممارسة السلمية في الحق في حرية الرأي والتعبير، الحرمان التعسفي من الحصول على الخدمات القنصلية عبر منع إصدار بطاقات الرقم القومي، شهادات ميلاد لهم ولأبنائهم، وإصدار وتجديد جوازات السفر المصرية.
بالإضافة إلى ذلك، تتضمن تلك الأدوات: “تجميد وضعية بعض الحقوقيين البارزين في السجل المدني داخل البلاد لحرمانهم من الحصول على وثائقهم الثبوتية، وضع بعض المدافعين عن حقوق الإنسان المقيمين خارج مصر على قوائم الإرهاب، وترويع أفراد من أسر الحقوقيين المقيمين داخل مصر، وتعقب ومراقبة أنشطة الحقوقيين في دول إقامتهم، وتعرض ناشطين ومنظماتهم للاستهداف الرقمي من خلال برامج المراقبة والتجسس.”
ويشير التقرير إلى أن “الاستراتيجية الأمنية والسياسية الرسمية التي لاحقت الحركة الحقوقية المصرية منذ نهاية عام 2013 والتي أدت للتضييق على الحركة الحقوقية في مصر، وتعقبها داخل حدود الدولة المصرية وخارجها، والتي تُلاحق بالتبعية كافة الدوائر الاجتماعية المرتبطة بأعضاء هذه الحركة، وقد استند على سلسلة من المقابلات التي أجريت مع نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان أجبروا على الخروج من مصر بين عامي 2017 و2020، ومقيمين حاليًا في دول الاتحاد الأوروبي وتركيا وقطر والولايات المتحدة الأمريكية.
ولا يعد التقرير الأول من نوعه، ففي مارس العام الماضي، تحدث تقرير مشابهة لمنظمة “هيومن رايتس وواتش”، عن انتهاكات واسعة يتعرض لها المصريون بالخارج بسبب التضييقات الأمنية التي تفرضها بعض السفارات والقنصليات، وأشار التقرير إلى أن السفارة المصرية في قطر أدخلت نظامًا جديدًا خلال 2023 يُلزم المصريين، بمن فيهم الأطفال والرضع، الذين يتقدمون للحصول على جوازات سفر أو لتحديث بياناتهم، بملء استمارات خاصة تُعرف باسم “التصريح الأمني”.
ووفقًا للتقرير، تُراجع هذه الاستمارات من قِبل الأجهزة الأمنية قبل الموافقة على إصدار جواز السفر. إلا أن المنظمة أكدت أن هذا الإجراء غير قانوني وغير منصوص عليه في القوانين المصرية، وقد أشارت إلى أن نتائج هذه التصريحات تُنشر لاحقًا على صفحة السفارة على “فيسبوك”، ما أثار قلق المعارضين.
أجرت المنظمة مقابلات مع 26 مصريًا يقيمون في دول مثل. تركيا، ألمانيا، ماليزيا، وقطر، وراجعت وثائق تتعلق بتسعة منهم. وأكدت أن القنصلية المصرية في إسطنبول تلزم المتقدمين للحصول على أي خدمات بتقديم نماذج غير رسمية تحتوي على معلومات خاصة، مثل أسباب مغادرتهم مصر وروابط حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد تعددت الشكاوى لمصريين في الخارج، يطالبون بالحصول على حقوقهم الدستورية، وتمكينهم من أوراقهم الثبوتية وذويهم من خلال السفارات والقنصليات المصرية بالخارج. في الوقت الذي تزيد فيه قرارات سلطوية من هوة الاغتراب الذي يعيشون به، ما بين وطنهم الذي غادروه قسرًا وبين منفاهم الجديد الذي يطالبهم بأوراق رسمية لاستمرار معيشتهم.