داخل إحدى شركات الكهرباء، وقف عاطف حسن (اسم مستعار)، يبلغ من العمر 55 عامًا، متسائلًا أمام موظف الشركة عن خصم مفاجئ بقيمة 300 جنيه تقريبًا من رصيده في عداد الكهرباء. يشير إلى أن هناك خطأ ما قد وقع أو أن ثمت مشكلة في العداد. لكنه فوجئ برد الموظف “هذا الخصم جاء نتيجة بلوغه الشريحة السادسة، إذ يتم خصم حوالي 378 جنيهًا كفرق بين الشرائح”.
لم يكن “حسن” لديه علم بمعلومة فرق الشرائح تلك، ربما لأنه منذ عامين كان من مستخدمي العداد الكهروميكانيكي، وبموجبه يتم دفع فاتورة الكهرباء كاملة نهاية كل شهر، إضافة إلى أن الزيادات لم تكن كبيرة وواضحة مثلما حدث هذه المرة. فوفقًا للزيادة الأخيرة في أسعار الكهرباء، فإنه عند وصول الاستهلاك إلى الشريحة السادسة، أي استهلاك أكثر من 650 كيلو وات/ ساعة – الشريحة التي وصل إليها عاطف-، يتم احتساب تكلفة الاستهلاك من 650 كيلو وات/ ساعة حتى 1000 كيلو وات/ساعة بسعر 2.10 جنيه بدلاً عن 1.40 جنيه، بزيادة نسبتها 50%. ويتم خصم نحو 378 جنيهًا كفرق في تكلفة الشرائح.
بعد معرفة أن هذا الاقتطاع لم يكن خطأ، بل زيادة في أسعار الكهرباء، بدأ “حسن” الذي يعمل تاجرًا ويعد من أبناء الطبقة المتوسطة – إذ يصل دخله إلى 20 ألف جنيه شهريًا، ويعول أسرة مكونة من ستة أفراد-، يشعر بوطأة ارتفاع أسعار الكهرباء، يقول: “لا أستطيع مجاراة الوضع، شحن العداد أصبح متكررًا”.
يمتلك المواطن الخمسيني منزل يعتمد فيه على عداد مُسبق الدفع، ويعتمد حاليًا على الأجهزة الكهربائية الأساسية، إضافة إلى مكنسة كهربائية، ومكيف هواء واحد فقط كان يعمل خلال ساعات النوم. ورغم وجود جهازي سخّان في منزله، إلا أنهما لا يعملان خلال فصل الصيف.
بعد الزيادة الأخيرة في أسعار الكهرباء، أصبح “حسن” الذي اجتاز استهلاكه للكهرباء الشريحة السابعة بحلول نهاية الشهر، يجد نفسه يدفع قرابة الثلاثة آلاف جنيه، أي 15% من دخله تقريبًا، وهي نسبة ليست بالقليلة. الأمر الذي دفعه إلى محاولة تجنب الوصول إلى الشريحة السادسة، من خلال وضع نظام عمل للتكييف واعتباره من الرفاهيات – رغم ارتفاع حرارة منزله الذي تحيط به الشمس من كل الجهات – بحيث لا يُستخدم سوى لساعات محدودة أثناء تجمع الأسرة لتناول الطعام، ومشاهدة التلفاز، وبمجرد تخطي الشريحة الرابعة لا يتم تشغيل التكييف نهائيًا حتى بداية شهر جديد.
فضلًا عن عدم استخدام الغسّالة آخر الشهر وحتى حلول الشهر الجديد للدخول في الشريحة الأولى ذات التكلفة الأقل مرة أخرى، معتبرًا بذلك أن تنظيف الملابس أيضًا في آخر الشهر أصبح رفاهية.
يختتم حديثه مع زاوية ثالثة، متسائلًا: “اعتبر دخلي جيدًا، ورغم من ذلك أصبحت أراقب العداد باستمرار، وأشعر أن الكهرباء رفاهية، وتكلفتها عبئًا، فماذا إذًا عن أصحاب الأجور الضعيفة؟”.
رفاهية الجلوس في غرف متعددة
على الرغم من أن الحكومة رفعت الحد الأدنى للأجور للقطاعين الخاص والعام إلى ستة آلاف جنيه، إلا أن هذا القرار لا ينطبق على المشروعات متناهية الصغر التي يقل عدد العمال بها عن عشرة عمال.
محمد سيد، هو أحد هؤلاء الذين لم يتخطى أجرهم الحد الأدنى للأجور، يبلغ من العمر 35 عامًا، ويعمل كـ عامل في محل صغير، ويعول زوجته وطفلين. راتبه الشهري خمسة آلاف جنيه، ويعيش في منزل بالإيجار القديم، يكلفه 500 جنيه إيجار شهريًا.
مع دخله المحدود، يعتمد على عداد مُسبق الدفع لتسديد تكلفة الكهرباء، كان يعتمد منذ ستة أشهر تقريبًا على عداد كهروميكانيكي قديم. يعلق: “العداد القديم تكلفته كانت بسيطة، كنت أدفع نحو 100 جنيه مقابل الاستهلاك الشهري؛ لكن بعد توقف العداد واستبداله بالعداد مُسبق الدفع أصبحت أشحن بـ 300 جنيه تقريبًا، وربما أصل إلى الشريحة الرابعة بحلول نهاية الشهر”.
وفيما يخص اختلاف سعر الكهرباء باختلاف العدّاد، التي ذكرها “سيد”، يقول حافظ سلماوي – رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء الأسبق-، خلال حديثه مع زاوية ثالثة: “لا تختلف أسعار الكهرباء باختلاف العداد، فالأسعار واحدة والشرائح ثابتة، أما الذي يختلف هو دقة العدّاد. فالعدادات القديمة قد تكون غير دقيقة في القراءة، بخلاف العدادات الذكية ومُسبقة الدفع التي تحسب الاستهلاك بدقة. ومن ثم، فالمقارنة الصحيحة لا تكون على أساس نوع العداد وثمن الفاتورة أو الشحن، بل تُقاس بناءً على كمية الاستهلاك وسعر التعريفة في ذلك الوقت”.
وبالعودة للتكلفة الذي أصبح يدفعه “حسن” شهريًا مقابل استهلاك الكهرباء بعد الزيادة الأخيرة، فإنه يمثل 6% من راتبه الشهري. هذه النسبة قد تبدو بسيطة، لكنها تُعتبر عبئًا كبيرًا على أسرته في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة الأخرى، كما أنها أيضًا نسبة يقوم بدفعها بعد وضعه لنظام صارم ومتقشف في استهلاك الكهرباء. فهو لا يمتلك سوى الأجهزة الكهربائية الأساسية فقط، دون أجهزة تكييف – حسب وصفه-، ومع ذلك يحد من استخدام تلك الأجهزة، حتى أنه يحد من استخدام الإضاءة. يقول: “لم أعد أترك الأطفال يلعبون في غرفة وأنا في غرفة أخرى. أصبحنا جميعًا نجلس في غرفة واحدة كي نقلل الاستهلاك ولا نتعدى الشريحة الثالثة”.
وفيما يخص الميزانية، يؤكد أنها بالتأكيد تتأثر مع كل زيادة، وأنه يحاول التأقلم مع ذلك من خلال ترشيد الاستهلاك والاقتصاد في أساسيات الحياة. يوضح: “حين نقرر تناول وجبة تحتوي على دجاج لا نشتري دجاجة كاملة، ولا نشتري متطلبات الشهر مرة واحدة، بل نشترى متطلبات اليوم فقط، لأن الأسعار لم تعد مستقرة والزيادات أصبحت مستمرة، ومن ثم شراء المتطلبات بشكل يومي يسمح بتعديل الميزانية حسب الحاجة”.
زيادة مستمرة ودعم متراجع
كانت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة قد رفعت أسعار الكهرباء للاستخدام المنزلي للمرة الثانية في نفس العام، 2024، بنسب تتراوح من 17% إلى 50%، ابتداءً من فاتورة شهر سبتمبر 2024، التي تعكس استهلاك الكهرباء خلال شهر أغسطس 2024. إذ تطبق الحكومة المصرية نظام الشرائح في محاسبة فواتير الكهرباء، بحيث يتم تقسيم استهلاك الكهرباء الشهري الخاص بالمنازل إلى سبع شرائح، وتزداد تكلفة الكيلو وات/ ساعة كلما زاد الاستهلاك. يهدف هذا النظام إلى تقديم دعم للفئات الأكثر احتياجًا وتقليل الاستهلاك العالي للطاقة من خلال رفع تكلفة الشرائح الأعلى.
بعد الزيادة الأخيرة، أصبحت الشريحة الأولى التي تبدأ من 0 إلى 50 كيلووات بسعر 68 قرشًا لكل كيلو وات، بدلًا من 58 قرشًا لكل كيلو وات، وهي الأقل تكلفة وتحظى بأكبر قدر من الدعم وتستمر الأسعار في الزيادة كلما ارتفع الاستهلاك. ويُشار إلى أنه مع تجاوز الاستهلاك 650 كيلو وات (الشريحة السادسة)، يتم خصم 378 جنيهًا كفرق شرائح. وأخيرًا، الشريحة السابعة التي تتجاوز استهلاك 1000 كيلو وات يتم حسابها بسعر 2.23 جنيه بدلاً من 165 قرشًا، بزيادة قدرها 35% من الصفر، وهذه الشريحة لم تعد مدعومة.
لم تكن زيادات أسعار الكهرباء هذا العام هي الأولى من نوعها، بل إن التفكير في رفع أسعار الكهرباء بدأ منذ عام 2010، إذ كان من المفترض رفع أسعار الكهرباء بنسبة 5% على جميع الشرائح باستثناء الشريحة المخصصة لمحدودي الدخل، لكن ثورة يناير والتغيرات السياسية في البلاد حينها حالت دون تطبيق ذلك.
ووفقًا لما ورد في التقرير السنوي للشركة القابضة لكهرباء مصر 2010-2011، فمنذ عام 1993 حتى عام 2010 كان سعر الشريحة الأولى للاستهلاك المنزلي، التي يستفيد منها كل المشتركين ثابت عند خمسة قروش لكل كيلو وات/ ساعة، ما يمثل حوالي 15.6% من تكلفة التغذية الكهربائية الفعلية للمنازل. كما كانت أسعار الكهرباء المنزلية مدعمة حتى استهلاك 1400 كيلو وات/ ساعة في الشهر. بينما أوضح التقرير السنوي للشركة القابضة لكهرباء مصر 2012-2013 أنه تم تخفيض دعم الكهرباء لأغراض الاستهلاك المنزلي حتى استهلاك 1100 كيلو وات/ ساعة شهريًا، وقد بلغ إجمالي الدعم المقدم حينها للقطاع المنزلي 13.2 مليار جنيه.
وفي عام 2014، شرعت الحكومة في أول زيادة لأسعار الكهرباء ضمن خطة طويلة الأجل تهدف إلى إلغاء الدعم بالكامل. وجاء هذا القرار بعد أن وصل العجز المالي في قطاع الكهرباء إلى 163 مليار جنيه، وكانت تكلفة إنتاج الكيلو وات/ ساعة تبلغ 47.4 قرشًا، بينما كان سعر البيع 22.6 قرش فقط. حينها وحتى عام 2016 كانت الزيادات تُضاف إلى الشرائح العليا فقط بينما ظلت الثلاث شرائح الأولى ثابتة، عند (7.5 قرش، و 14.5 قرش، و 16 قرش) على التوالي.
الوضع اختلف بعد التعويم الأول للجنيه عام 2016، إذ أصبحت الزيادات تُطبق على جميع الشرائح بداية من عام 2017 وحتى يومنا هذا. ومن جانبه، صرح رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في مايو 2024، بأنه كلّف وزير الكهرباء محمد شاكر، بإعداد خطة تدريجية لمدة أربع سنوات لزيادة أسعار الكهرباء. أي أن الزيادة ستظل مستمرة.
محدود الدخل و مواكبة الزيادات
تأتي زيادة أسعار الكهرباء نتيجة عدة عوامل مترابطة، أبرزها ارتفاع أسعار الغاز عالميًا. إذ تعتمد مصر بنسبة 60% على الغاز الطبيعي في تشغيل محطات الكهرباء، ومع الارتفاع الكبير في أسعار الغاز عالميًا، من ثلاثة دولارات إلى 13 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، تأثرت تكلفة الإنتاج بشكل مباشر. إلى جانب ذلك، أسهم قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري في مارس الماضي في تفاقم تكلفة إنتاج الكهرباء. إذ ارتفعت تكلفة إنتاج الكيلو وات/ ساعة من 177 قرشًا إلى 223 قرشًا، ما يعكس زيادة تقارب 26%. كما أن تراجع قيمة الجنيه أدى إلى تضخم فاتورة الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، إذ قفزت من 1.6 مليار جنيه في عام 2020 إلى 4.7 مليار جنيه حاليًا، ما زاد من الضغط على قطاع الكهرباء وموارده المالية.
يأتي هذا في سياق استمرار اقتراض مصر من صندوق النقد الدولي والتزام الحكومة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع الصندوق، الذي يتطلب رفع الدعم تدريجيًا مع استمرار دعم محدودي الدخل. وقد تراجع بالفعل دعم الكهرباء في مصر بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية. ووفقًا لبيانات وزارة المالية، بلغ دعم الكهرباء في موازنة العام المالي 2024-2025 نحو 2.5 مليار جنيه (51 مليون دولار)، مقارنة بـ 23.60 مليار جنيه (480 مليون دولار بأسعار الصرف الحالية) في موازنة 2014-2015.
تركز تصريحات المسؤولين على أن الشرائح الأولى للكهرباء التي تخدم محدودي الدخل ستبقى مدعومة، وقد أوضح ذلك رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحفي في أغسطس 2024، موضحًا أن الدعم الذي سيقدم لتلك الشرائح سيكون من مدفوعات الشرائح الأعلى استهلاكًا. وإن الزيادات ستكون طفيفة على الشرائح الدنيا. لكن هل الزيادات تعد حقًا طفيفة بالنسبة لمحدودي الدخل؟
تقول سعاد، البالغة من العمر 50 عامًا، إن دخلها الشهري يقتصر على معاش يبلغ أربعة آلاف جنيه. وتعيش مع ابنتيها بعد أن تزوج ابنها وانتقل للعيش في منزل آخر. يعتمد منزلها على عداد كهرباء قديم، كما أنها لا تمتلك سوى الأجهزة الأساسية، دون وجود تكييف. في شهر أغسطس، دفعت فاتورة كهرباء بلغت قيمتها 477 جنيهًا عن استهلاك 365 كيلو وات/ ساعة، ما يضعها في الشريحة الخامسة. إذ تمثل هذه الفاتورة نحو 12% من دخلها، ما يؤثر على الميزانية بالتأكيد.
تعتبر نسبة فاتورة سعاد مرتفعة مقارنة بما يُفترض أن يدفعه جميع المستهلكين، إذ ذكر الرئيس الأسبق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء في حديثه معنا، أن النسبة المثالية يجب أن تكون 4% من الإنفاق، موضحًا: “أن هناك دراسة يتم عملها خاصة بقدرة المستهلكين على السداد، وبناءً على هذه الدراسة يراعى ألا يزيد قيمة ما يسدده المستهلك في الكهرباء عن 4% من الإنفاق وليس الدخل، لأن أحيانًا قد يكون هناك موارد أخرى للدخل إضافة إلى المرتب أو المعاش. كما أن هناك دراسة خاصة بالدخل والإنفاق يصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كل عامين على 25 ألف أسرة من مستويات دخل مختلفة، وبناءً على ذلك، إذا كان إجمالي دخل الأسرة نحو أربعة آلاف جنيه فمن المفترض أن تكون فاتورة الكهرباء 160 جنيهًا”.
وعن مقدار شعور الفئات محدودة الدخل بأثر الزيادات المتتالية في أسعار الكهرباء مقارنة بغيرهم من شرائح الدخل الأعلى، تقول مي قابيل – الباحثة الاقتصادية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية-، في حديثها معنا إن : “الأثر يختلف بشكل كبير حسب الدخل المتاح. فالفئات الأقل دخلاً تتأثر بشكل أكبر بتضخم الأسعار بشكل عام، لأن أي زيادات تؤثر عليهم أكثر من غيرهم. فبحسب بحث الدخل والإنفاق الرسمي، تشير البيانات إلى أن الفئات ذات الدخل الأدنى تنفق ما يقرب من نصف دخلها على الغذاء، وهو القطاع الذي شهد أعلى نسبة تضخم خلال السنتين الماضيتين. أما النصف الآخر من الدخل المحدود، فيتم إنفاقه على باقي الاحتياجات الأساسية مثل السلع والخدمات التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير، وعلى رأسها الكهرباء”.
تستطرد: “ورغم أن الزيادات الأخيرة في أسعار الكهرباء كانت أقل على الشرائح الأقل استهلاكًا مقارنة بالشرائح الأعلى، إلا أن الفئات ذات الدخل الأدنى شهدت تراكمًا كبيرًا في الزيادات خلال السنوات العشر الماضية. على سبيل المثال، تضاعفت أسعار الشريحة الدنيا نحو ثمان مرات، بينما ارتفعت أسعار الشريحة الثانية أكثر من أربع مرات، في حين أن الشريحة العليا شهدت زيادة بنحو ضعفين فقط خلال نفس الفترة”.
تضيف الباحثة الاقتصادية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: “أرقام الفقر في مصر لم يتم تحديثها منذ عام 2020، قبل الأزمات المتتالية مثل جائحة كورونا وتخفيضات قيمة الجنيه، التي أدت إلى تدهور مستويات المعيشة للملايين من المصريين. أي زيادة في الأسعار، وخاصة فيما يتعلق بالسلع والخدمات الأساسية، تشكل عبئًا لا يُحتمل على الفئات ذات الدخل المحدود”.
ووفقًا لتقديرات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وصل خط الفقر حتى مارس الماضي إلى نحو 1800 جنيه للفرد، مقارنة بنحو 860 جنيهًا في عام 2020 بعد احتساب التضخم المتراكم. وهذا يعني أن أسرة مكونة من أربعة أفراد تحتاج نحو 7100 جنيه شهريًا لتغطية احتياجاتها الأساسية فقط. ومع عدم زيادة مستويات الدخول بنفس المعدل، يؤدي ذلك إلى دفع المزيد من الناس إلى ما دون خط الفقر. حسبما ذكرت قابيل.
الحكومة لا ترى المواطن
ومن بين الأزمات التي مرت بها الكهرباء، أزمة نقص الوقود، فضلًا عن ارتفاع درجات الحرارة التي أثرت على حجم الاستهلاك وعلى كفاءة المحطات، حسبما ذكر مسؤولون في تصريحات صحفية سابقة، وقد تعاملت الحكومة مع تلك الأزمة من خلال تخفيف الأحمال، إذ كانت الكهرباء تنقطع بشكل يومي لمدة تصل في المتوسط إلى ساعتين. وقد كان لتخفيف الأحمال آثار سلبية على المواطنين وصلت إلى فقدان الأرواح، إذ وقعت عدة حوادث وفاة في المصاعد بسبب انقطاع التيار الكهربائي، كما تأثر طلاب الثانوية العامة بسبب انقطاع التيار خلال فترة امتحاناتهم مما دفعهم إلى المذاكرة في دور العبادة وقاعات الأفراح، فضلًا عن الخسائر المادية وتلف الأجهزة الذي كان يحدث بسبب تذبذب التيار.
وفي الوقت الذي يحاول فيه معظم المصريين التأقلم مع أزمة ارتفاع أسعار الكهرباء، من خلال تقليل الاستهلاك وتغيير نمط الحياة واتباع سياسات تقشفية. قد تؤدي الضغوط المالية المتزايدة إلى دفع بعض الأفراد إلى اتخاذ سلوكيات غير قانونية أو غير أخلاقية، مثل سرقة الكهرباء أو التلاعب في العدادات، في محاولة لتخفيف العبء المالي. وقد ذكر عاطف – المواطن الذي تحدثنا معه- أن فنيًا عرض عليه توصيل جهاز التكييف خارج العداد، لكنه رفض القيام بذلك بسبب اعتباره أن هذا الفعل يعد سرقة.
يجد المواطن العادي نفسه محاصرًا بين ضغوط الفواتير المتزايدة وعدم قدرته على تلبية احتياجاته الأساسية، خاصة مع استمرار ارتفاع كافة الأسعار، إذ أظهرت البيانات الأخيرة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مقدار التغير السنوي (شهر أغسطس 2024 مقارنة بشهر أغسطس 2023)، الذي أشار إلى تسجيل قسم الطعام والمشروبات ارتفاعًا قدره 28.1%، بينما سجل قسم السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود ارتفاعًا قدره 12.5%.
تؤكد مي قابيل، ضرورة النظر في أزمة ارتفاع الأسعار، تقول: “من المؤكد أن هناك حاجة مُلحة لتقليل وتيرة رفع الأسعار، بل ومن الأفضل تأجيل هذه الخطة بالكامل حتى تنخفض معدلات التضخم. صندوق النقد الدولي يرى أن الحل الأمثل يكمن دائمًا في تقليص الدعم، ومع ذلك يتناقص نصيب الدعم من الناتج المحلي الإجمالي عامًا بعد عام، بينما تتزايد الديون الحكومية وفوائدها، ما يؤدي إلى توجيه نسبة أكبر من الإنفاق الحكومي سنويًا نحو سداد هذه الديون. وبذلك نجد أنفسنا نقترض من صندوق النقد ونتبع شروطه التي تقتضي تقليل الدعم، وفي النهاية نخصص المزيد من مواردنا لسداد القروض”.
تضيف: “لا ينبغي أن تتحمل الناس نتائج سوء الإدارة. الاقتصاد يواجه أزمات ناتجة عن اختلالات هيكلية تتطلب إصلاحات عاجلة، والدعم ليس السبب الرئيسي لهذه الاختلالات. وبالتالي، ليس من المنطقي أن ترفع الدولة الأسعار في الوقت نفسه الذي تتخذ فيه قرارات بتخفيض قيمة الجنيه، وهو قرار يؤثر بشكل مباشر على قيمة الأموال التي يمتلكها المواطنون”.
ورغم انخفاض دخول شرائح متعاظمة من المصريين؛ إلا أن الحكومة المصرية دومًا ما تفاجئهم برفع أسعار الخدمات التي تعد أساسية، ما يؤدي إلى كثير من الشكوى التي ربما – حسب مواطنين- لا يستجيب إليها أحد.