حالة من القلق والارتباك تسود الآن في أوساط صناعات البتروكيماويات وقطاع الزراعة وبين المتعاملين في البورصة المصرية، بسبب قرار وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر، بخفض إمدادات الغاز الطبيعي لشركات صناعة الأسمدة بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30%، ووقف العمل ببعض مصانع الأسمدة لحين تدبير كميات الغاز اللازمة.
يأتي الخفض بعد أسابيع قليلة من إيقاف الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) لإمداد الغاز عن مصانع شركات البتروكيماويات في 21 مايو الماضي، والذي استمر لمدة 11 يومًا، وفقًا لما كشفته تقارير صحفية، قبل أن تعلن وزارة البترول والثروة المعدنية إعادة التشغيل والضخ لإمدادات الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة تدريجيًا اعتبارًا من السادس من يونيو الجاري.
الانقطاع، دفع شركات أبوقير للأسمدة وسيدي كرير وكيما، لإعلان توقف مصانعها عن العمل لحين استقرار ضغوط شبكات تداول الغاز الإقليمية عقب الانتهاء من عمليات صيانة وقائية، وتزامنًا مع قرار وزارة البترول الخاص بخفض إمدادات الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة، تراجعت أسهم شركات الأسمدة المدرجة في البورصة المصرية على نحو جماعي، في الخامس من يونيو الجاري، بنسب تراجع تراوحت بين 3.5% و 6%.
يوضح حسام عرفات – رئيس شعبة المواد البترولية-، في حديثه إلى “زاوية ثالثة” أن قطع إمدادات الغاز الطبيعي مدة 24 ساعة عن مصانع الأسمدة، صاحَبه توقف جزئي عن العمل، بينما أدى قرار وزارة البترول بخفض إمدادات الغاز بنسبة تتراوح بين 20٪ إلى 25٪، للمصانع الخمس الكبرى، ومنها: أبوقير للأسمدة، وحلوان للأسمدة، ومصر لإنتاج الأسمدة موبكو، لحالة من القلق والبلبلة في قطاع الأسمدة كون هذا القطاع يعتمد بالأساس على الغاز الطبيعي كمادة خام وعمود فقري لصناعات الأسمدة وخاصة إنتاج اليوريا والفوسفات، “ما سينعكس سلبًا بالضرورة على الإنتاج ويضر بالسوق المحلي والذي يعتمد على إنتاج مصانع الأسمدة المصرية بشكل كلي، كما ستنخفض صادرات مصر من الأسمدة، حال استمرت الأزمة، أملاً أن تنتهي بعد التشكيل الوزاري الجديد”.
ويلفت “عرفات” إلى كون قرار وزارة البترول سبّب تخوفات من تأثيره على الاستثمارات وأسهم شركات الأسمدة في البورصة المصرية؛ إذ يمكن أن يؤدي إلى هبوط الأسهم وخسائر الشركات والمستثمرين، مبينًا أن شركة أبو قير للأسمدة كانت قد حققت أرباحًا خلال الربع الأول من العام الجاري تقدر بمليارات الجنيهات، وهي الأولى في مصر وواحدة من بين أفضل 50 شركة للأسمدة في العالم، ولها صادرات كبيرة إلى الخارج.
وتبلغ قيمة صادرات شركة أبو قير للأسمدة نحو 2 مليار دولار سنويًا، وسجل صافي أرباح شركة أبوقير نحو 4.02 مليار جنيه خلال النصف الأول من العام المالي 2023-2024، وارتفعت قيمة صادرات مصر من الأسمدة، بنسبة 50.2% خلال عام 2022، لتسجل 3.4 مليار دولار، مقابل 2.2 مليار دولار خلال عام 2021 بزيادة بلغت 1.2 مليار دولار، في حين تجاوز حجمها 6 مليارات دولار في 2023، وتحتل مصر المرتبة السابعة عالميًّا في إنتاج اليوريا وهو سماد عضوي مستقر يمكنه تحسين جودة التربة، وتأتي الأسمدة في المركز الثاني بين الصادرات المصرية، وكان المجلس التصديري المصري للصناعات الكيماوية والأسمدة، قد أعلن استهدافه زيادة في صادرات الأسمدة خلال عام 2024 بنسبة 10%. |
ويوجد عدد كبير من شركات الأسمدة والكيماويات في مصر، أبرزها: شركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة النصر للأسمدة، وشركة أبو زعبل للأسمدة، وشركة الدلتا للأسمدة والمواد الكيماوية، وشركة كيما للأسمدة، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة موبكو، و شركة إفكو مصر لتصنيع الأسمدة الفوسفاتية والحيوية والمواد الكيماوية، وشركة أجريوم المصرية للمنتجات النيتروجينية، والشركة المصرية للأسمدة، وشركة شمس للأسمدة والمواد الكيماوية، وشركة فيركيم مصر للأسمدة والكيماويات، وشركة روكيت للأسمدة والكيماويات.
ارتفاع أسعار الطاقة
في حين توقف العمل مؤقتًا في شركات أبوقير للأسمدة وسيدي كرير وكيما، فإن المهندس إسلام وردة، الذي يشغل منصب وكيل بشركة أبو زعبل للأسمدة، كشف لـ”زاوية ثالثة” عن أن خفض وزارة البترول لإمدادات الغاز الطبيعي، لم يؤثر بالسلب على إنتاج مصنع “أبو زعبل” للأسمدة لكونه حدث خلال فترة خفض المصنع للإنتاج وليس خلال موسم الذروة؛ حيث تعتبر الفترة من شهر سبتمبر وحتى يناير هي ذروة إنتاج مصانع الأسمدة في مصر، لارتباطها بموسم الزراعة، موضحًا أن المصنع لم يطاله قطع الغاز بشكل كامل مدة 24 ساعة.
ويبين وكيل الشركة أن صناعة الأسمدة تأثرت برفع أسعار الطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي؛ إذ ازدادت التكلفة الإنتاجية؛ ما أدى لزيادة أسعار المنتجات، كما نتج عن ارتفاع سعر الدولار الجمركي والخفض الأخير لـ الجنيه زيادة في أسعار منتجات مصانع الأسمدة بنحو 10٪، مؤكدًا أن الغاز الطبيعي هو العمود الفقري لإنتاج الأسمدة، وتعتمد عليه الشركة في إنتاج الفوسفات و الأحماض الكبريتية والأمينية، موضحًا أن إنتاج المصنع يغطي احتياجات مزارعي محافظات الشرقية والقليوبية والدقهلية ودمياط، ولديه فائض إنتاج يتم تصديره للخارج.
وتورد الشركة المصرية القابضة للغازات “إيجاس” 450 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميًا إلى شركات الأسمدة، بسعر 5.75 دولار لكل مليون وحدة حرارية للمصانع غير الأزوتية، وبحد أدنى 4.75 دولار للمصانع الأزوتية، وتستهلك مصانع الأسمدة نحو 600 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي. |
ولا تعد تلك المرة الأولى التي تلجأ خلالها الحكومة المصرية إلى خفض الإمدادات؛ حيث خفضت وزارة البترول والثروة المعدنية، إمدادات الغاز الطبيعى لمصانع الأسمدة بنحو 30% قبل شهرين، بالتزامن مع توقف صادرات الغاز القادم من تل أبيب إلى مصر بشكل كامل في 9 أكتوبر من العام الماضي، تزامنًا مع الحرب على غزة، إلا أن شركات الأسمدة استأنفت العمل بكامل طاقتها الإنتاجية، بعد عودة الإمدادات أول نوفمبر الماضي، وكان مجلس الوزراء، قد أعلن انخفاض صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر تدريجيًا منذ يوليو من العام الماضي، من 800 مليون قدم مكعب يوميًا إلى (صفر)، بعد الحرب على غزة.
تضخم
يحذر الخبير الاقتصادي حسن الصادي – أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة-، من كون قرار وزارة البترول بخفض إمدادات الغاز لمصانع الأسمدة، وتخفيف أحمال الكهرباء يعطيان انطباعات ومؤشرات سيئة عن السوق المصري، بأن الدولة غير قادرة على توفير احتياجاتها من الطاقة بسبب نقص العملة الأجنبية؛ ما سيؤدي إلى عزوف المستثمرين عن الاستثمار في مصر وتسريع خروج رؤوس الأموال من البلاد، كما سينعكس بالسلب على البورصة المصرية ويؤدي إلى إنهيار أسهم مصانع الأسمدة؛ ما سيشكل فرصة للمستثمرين الأجانب لاستغلال فترة الهبوط لـ يستحوذوا عليها، ضمن استمرار مسلسل بيع الأصول والشركات، ومن بينها أبو قير للأسمدة.
ويلفت الصادي في حديثه إلى “زاوية ثالثة”، إلى أن القرار سيخلق حالة من الهلع بين مُصنعي وموزعي الأسمدة، وسيستغل بعض التجار الأمر ليقوموا بتخزين الأسمدة ورفع أسعارها؛ ما سينعكس بالضرورة على الحاصلات الزراعية ويؤدي إلى موجات تضخمية جديدة في أسعار بعض المحاصيل الزراعية.
بينما يعتبر السيد النجار – رئيس المركز المصري لتطوير الأسمدة-، أن إنقطاعات أو تذبذب ضخ إمدادات الغاز لمصانع الأسمدة تكون حالات عارضة لا تؤثر بشكل كبير على الإنتاج، مستشهدًا بحجم الصادرات المصرية من الأسمدة خلال العام الماضي والربع الأول من العام الجاري.
ويؤكد “النجار” أن الأسمدة بأنواعها حتى الآن لا تزال متوفرة بالأسواق المحلية ولم تشهد نقصًا، موضحًا أن السماد المدعم يتم تقديمه للفلاح بسعر 4200 جنيه مصري/ 200.3 دولار أمريكي للطن، بينما يصدر السماد ويباع وفقًا للأسعار العالمية، والتي تتراوح بين 280 إلى 400 دولار للطن.
توقف الإنتاج
ويؤكد توفيق سعيد (اسم مستعار) – موظف مسؤول في شركة الدلتا للأسمدة-، أن صناعة الأسمدة حيوية في مصر كونها تخدم ثلاث وزارات هي الزراعة والصناعة وقطاع الأعمال، موضحًا أنه يوجد في مصر حوالي 12 مصنع للأسمدة غالبيتها تنتمي للقطاع الخاص أو تم بيعها مثل: أبو قير للأسمدة، وهناك ثلاث شركات فقط منها تابعة للشركة القابضة، وهي شركة الدلتا للأسمدة، وشركة النصر للأسمدة بالسويس، ومصنع كيما، وهي بحاجة إلى تطوير المعدات، مؤكدًا أن تلك الصناعة قائمة على الغاز الطبيعي وبالتالي فإن خفض إمداداتها يعني خفض الإنتاج، مشيرًا إلى توقف العمل مؤقتًا في بعض مصانع الأسمدة منذ أيام بسبب إمدادات الغاز.
ويكشف المسؤول بالشركة الذي رفض ذكر اسمه، في حديثه إلى “زاوية ثالثة”، أن وزير قطاع الأعمال السابق أراد بيع مصنع الدلتا للأسمدة بعد نشوب حريق في أحد الأفران به، بحجة تهالك معداته، وتحويل الأرض إلى كومباوند سكني، ما عارضه العمال ودفعهم للتظاهر والاعتصام وتضامن معهم نواب برلمانيين وشخصيات عامة؛ فتراجع الوزير وعرض الشركة للتطوير، لكن أيًا من أعمال التطوير لم تتم منذ ثلاث سنوات، توقف خلالها المصنع عن الإنتاج وبدأ الصدأ يأكل المعدات، مبينًا أن حجم إنتاج المصنع قبل التوقف كان يبلغ 1725 طن يوريا يوميًا، وبعد التطوير قد يصل إلى 2250 طن، يتراوح سعر الطن بين 500 إلى 700 طن، نترات الأمونيوم 500 إلى 600 طن يوميًا، ويبلغ سر الطن نحو 370 دولارا للطن، إضافة لمركبات وأحماض والسماد السائل، وكان يتم توفير 50٪ من الإنتاج لصالح وزارة الزراعة لتقديمه للفلاحين بسعر مدعم بنسبة 60٪، بينما يتم تصدير النصف الآخر من الإنتاج إلى أوروبا؛ إذ تعد الأسمدة المصرية مطلوبة هناك، ويصل سعر الطن الواحد نحو سبعة آلاف دولار، مؤكدًا قدرة المصنع، حال عودته إلى العمل، على توفير العملة الصعبة وتوفير الأسمدة اللازمة لمشروع المليون ونصف فدان الذي كان قد أطلقه رئيس الجمهورية، مطالبًا إياه بالتدخل وإصدار قرار رئاسي لحل أزمة توقف مصنع الدلتا للأسمدة.
مديونيات
ترى النائبة البرلمانية ضحى عاصي، أن قرار وزارة البترول بخفض إمدادات الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة يأتي نتيجة انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي بجانب الأزمة الاقتصادية وارتفاع قيمة الدين، ومحاولة الحكومة توفير العملة الصعبة لسداد أقساط الديون، كي لا ينخفض تصنيف مصر الائتماني ولا تضطر أن تواجه معوقات واشتراطات مجحفة للحصول على قروض، مبينة أن مصر تشتري ما يقارب النصف من إنتاج حقول الغاز والنفط المصرية من الشركات المنتجة بمصر، بالأسعار العالمية وفقًا للاتفاقيات المعتادة. وقد بلغت مديونيتها لها نحو 12 مليار دولار في عام 2014، ثم تم تسديد تسعة مليار منها في عام 2018، ثم عادت المديونية للارتفاع، بسبب ضعف الإنتاج وأزمة العملة الأجنبية.
وتوضح عاصي في حديثها معنا، أن بعض مصانع الأسمدة ومنها: مصنع الدلتا للأسمدة تحتاج إلى التطوير، وليس للتصفية أو البيع، كونها تساهم بشكل كبير في توفير السماد المدعم للفلاحين، موضحة أن وزارة قطاع الأعمال كانت تنوي نقل المصنع إلى السويس؛ لكن النائبة تقدمت بطلب لجنة تقصي حقائق من البرلمان، والتي تبينت أن المصنع يوفر السماد بسعر مدعم وليس بسعر السوق، وبحساب الفارق اتضح أنه لا يخسر، وأنه فقط يحتاج لتطوير المعدات ليزداد الإنتاج، ولذلك عدل مجلس الوزراء عن قرار نقل المصنع وتم استصدار قرار بإعادة تشغيله بعد تطويره.
وتعتقد النائبة أن خفض إمدادات الغاز لمصانع الأسمدة يمكن أن يؤدي إلى قلة الإنتاج المعروض بالسوق المحلي، وبالتالي إلى ارتفاع أسعار شيكارة السماد من 650 جنيه لتصل لنحو ألف جنيه، مشيرة إلى أن قرار وزارة البترول والذى يعتبر دوافعه مالية يحتاج إلى دراسة من الخبراء فى الصناعة والزراعة والتجارة، للوقوف على تأثيراته المحتملة وجدواه الاقتصادية، للتأكد من كون ما يتم توفيره من عملة صعبة نتيجة خفض استهلاك الغاز الطبيعي، يزيد عن قيمة الخسائر الاقتصادية المحتملة الناتجة عن القرار، لا سيما أن مصر لها صادرات كبيرة من الأسمدة توفر عملة صعبة، مستشهدة بوضع الحكومة في العام 2022، قيود على الاستيراد لتوفير العملة الصعبة، وما نجم عنه من تأثيرات سلبية على الصناعة، ما دفعها لتقديم سؤال برلماني إلى وزير المالية آنذاك.
سواء كان قرار وزارة البترول بخفض إمدادات الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة، مسألة وقتية عارضة أو امتد لمدة أطول، فإن التخوفات من العواقب الاقتصادية للقرارات الحكومية المتعلقة بتخفيف الأحمال وخفض استهلاك الطاقة، والمتمثلة في زيادة التضخم وانخفاض الإنتاج والصادرات ونقص العملة الأجنبية، لا تزال قائمة، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية غير مسبوقة ووصول معدل التضخم السنوي إلى 33.7٪، ووصول حجم ديون مصر 164.7 مليار دولار كثاني أكبر دولة من حيث حجم الديون التي يعد 42 مليار دولار منها مستحق التسديد في العام الحالي 2024.