أليس التعويم بقريب؟ ما تقوله المؤشرات عن مصير الجنيه

واصل الجنيه المصري انخفاضه غير المسبوق في مقابل العملات الأجنبية في السوق الموازية المحلية أو السوق السوداء؛ وارتفعت قيمة الدولار إلى ما بين 70 إلى 72.5جنيهًا؛ بينما تُعادل قيمته الرسمية نحو 30.9 جنيه للدولار الواحد في البنوك.
رباب عزام

يواصل الجنيه المصري انخفاضه غير المسبوق في مقابل العملات الأجنبية في السوق الموازية المحلية أو السوق السوداء؛ وارتفعت قيمة الدولار إلى ما بين 70 إلى 72.5جنيهًا؛ بينما تُعادل قيمته الرسمية نحو 30.9 جنيه للدولار الواحد في البنوك.

ويترقب المصريون نتيجة اجتماع لجنة السياسات النقدية التابعة للبنك المركزي المصري، غدًا الخميس، حيث تجتمع لتحديد مصير أسعار الفائدة خلال العام الجاري، إما بالتحريك “التعويم” أو التثبيت.

واتخذت اللجنة خلال العام الماضي ستة قرارات بتثبيت سعر الفائدة، في مقابل مرتين أعلنت فيهما ارتفاع سعر الفائدة، وذلك في مارس وأغسطس الماضيين.

وحسب المؤشرات المطروحة، تباينت توقعات المحللين الاقتصاديين ما بين تنبؤ بتثبيت سعر العملة للمرة السابعة، أو الإعلان عن تحريرها؛ ما يعني انخفاضًا كبيرًا في قيمتها.

 

 تعويم سعر الصرف

تحرير العملة أو التعويم هو أسلوب مُتبع في إدارة السياسة النقدية، يُقصد به أن يَتْرك البنك المركزي سعر صرف العُمْلة ومعادلتها مع عملات أخرى، يتحدد وفقًا للعرض والطلب في السوق النقدية، ومرتبطًا بمدى تحرر الاقتصاد الوطني للدولة ومرونة أجهزته الإنتاجية. 

كما يمكن تحديد معنى تحرير سعر الصرف بأنه التخلي عن سعر العملة في الدولة مقابل المعادلة مع العملات المختلفة حتى يمكن تحريرها بشكل تلقائي دون التدخل الحكومي أو البنك المركزي، حيث يعني تحرير العملة تعويم الجنيه مع بقاء سعر العملة في حالة من التغيير المستمر اعتمادًا على نسبة العرض والطلب في الأسواق.

ويأتي تحرير سعر الصرف في شكلين؛ أولهما التحرير أو التعويم الحُر ويعني الاعتماد الكامل على قانون العرض والطلب في تحديد سعر الصرف دون تدخل حكومي.

أما الثاني فيتمثل في التحرير الموّجه أو المُدار ويعني أن يتم تحديد سعر الصرف بناءً على قانون العرض والطلب ولكن مع تدخل الدولة والبنك المركزي، بحيث توجه السلطة المركزية سعر صرف العملة لباقي العملات الأخرى عن طريق الاستجابة إلى بعض العوامل حسب عرض وطلب العملات، وهي الطريقة التي يتبعها النظام والبنك المركزي المصري في تحديد سعر العملة المحلية.

يُشير الخبير الاقتصادي إيهاب أبو سمرة، في حديثه مع “زاوية ثالثة” إلى أن الأصل في تقييم العملات هو التحرير والخضوع للمربع الذهبي المكون من العرض والطلب والوَفرة والنُدرة. وهو ما يترتب عليه حساب القيمة الحقيقية لكل شئ. يضيف: “مثلًا قيمة العقارات من المفترض أن يتم تحديد سعرها بناء على الخضوع للمربع الذهبي، فالمعروض أو الوفرة تمثل 13 مليون عقار مغلق في مصر، والطلب يمثل أقل من ذلك، ما نتج عنه فقاعة وتضخم عقاري وأموال محتجزة بقيمة تتجاوز 6 تريليون جنيه، بسبب سلوك اقتصادي ريعي اتخذته الدولة منذ السبعينات”.

ويستكمل: “إن أنجح عملية تعويم حدثت ما بين عامي 2016- 2019؛ فقد استوعب التعويم السوق السوداء، حين بدأ برفع سعر الدولار إلى 20 جنيهًا، ثم انخفض في عام 2019 إلى 15 جنيهًا؛ ليلجأ المواطن أو المستثمر للشراء من البنوك الرسمية”.

كانت أولى المحاولات الرسمية لتحرير سعر العملة المحلية أمام الدولار، التي أعلن عنها الرئيس الأسبق محمد أنور السادات في عام 1977، حيث اتخذ قرار رفع الدعم عن 30 من السلع الأساسية، مثل الخبز والسكر والأرز وزيت الطهي والشاي والبنزين واللحوم، بنسب وصلت إلى 50%؛ تمهيدًا لخفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي بعد أن وصلت الديون السيادية في نهاية عام 1977 إلى 8.1 مليار دولار. لكنّ الشعب المصري انتفض رافضًا تلك القرارات فيما يُعرف تاريخيًا باسم “انتفاضة الخبز”؛  لتتراجع حكومة السادات عن قرارها في التعويم وقتئذٍ.

 

توقعات

رجّحت إدارة البحوث بشركة “إتش سي” للأوراق المالية والاستثمار في مذكرة بحثية صادرة في 27 يناير الجاري، أن تتجه لجنة السياسات النقدية في اجتماعها غدًا إلى تثبيت أسعار الفائدة، للمرة السابعة.

لكنّ محلليهم لم يستبعدوا  الاتجاه إلى رفع أسعار الفائدة. متوقعين “رفع سعرها في حال تغيُّر سعر الصرف الرسمي. بالتزامن مع الانتهاء من المراجعة الأولى والثانية المؤجلة لصندوق النقد الدولي والتوصل إلى اتفاق بشأن مضاعفة قيمة تسهيل الصندوق الممتد البالغ قيمته ثلاثة مليارات دولار، إن لم يكن أكثر”.

وتوصلت القاهرة إلى ملامح للاتفاق مع بعثة صندوق النقد الدولي التي أنهت زيارتها لمصر مؤخرًا، بشأن برنامج قرض مُعدّل يتضمن خفضًا عاجلًا لقيمة الجنيه، وزيادة قيمة البرنامج من ثلاثة إلى سبعة مليار دولار. ووفق ملامح الاتفاق المُعلن توقع الخبراء أن يأتي قرار البنك المركزي في اجتماعه غدًا، بخفض قيمة الجنيه؛ منعًا لاتساع الفجوة المتزايدة بين سعر الدولار في السوقين الرسمي والموازي.

وتباينت آراء الخبراء حول قرار المركزي، فتوقع بعضهم أن يبقي على سعر الفائدة دون تغيير لتحسين وضع الاقتصاد أمام وكالات التصنيف الائتماني؛ لكن غالبيتهم -بما فيهم بنك مورجان ستانلي وبنك إتش إس بي سي، وشركة اتش سي للأوراق المالية- يرون أنه ربما يخرج البنك المركزي برفع سعر الفائدة بين 2 و3% لسحب السيولة الكبيرة لدى الأفراد ومواجهة التضخم المتسارع، مع خفض جديد للجنيه.

في السياق نفسه، يقول زهدي الشامي -أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي-، إن الوضع أصبح الآن “مُنفلتًا”، ولا تستطيع السلطة المصرية السيطرة على السوق، بحيث تتزايد الفجوة ما بين السوق الرسمي والموازية وصلت إلى حد ثلاثة أضعاف. واصفًا: “ما يحدث حالة فشل اقتصادي كامل، حذرنا منها ولم يستجيبوا لنا”.

ويضيف في حديثه مع “زاوية ثالثة” أن قرار المركزي المصري ربما يخرج برفع جديد لسعر الفائدة. مستطردًا: “الفشل أصبح يهدد حياة المصريين، المواطن لا يستطيع شراء رغيف الخبز الآن. وعلى السلطة أن تعمل بالتوازي على إجراءات لمجابهة انهيار العملة وزيادة حالة التضخم المتسارعة، مثل رفع الأجور والمعاشات للتعويض عن ارتفاع الأسعار المتزايد يوميًا، فالزيادات التقليدية في الأجور لا تواكب زيادات الأسعار؛ ما صعّد من نسب المواطنين الذين تجاوزوا خط الفقر عن النسبة المعلنة”.

 

السلطة المالية والنقدية

يقول الخبير الاقتصادي إيهاب أبو سمرة، إن الدولة أغفلت الفصل بين السلطات، و لا بد من التفريق بين الأدوات المالية والنقدية للدولة، فالبنك المركزي هو السلطة النقدية للدولة وتتمثل أدواته في تحديد سعر الفائدة وقيمة العملة وإجراءات التعامل المصرفي، وهي أدوات محدودة القدرة في التعامل مع المواقف؛ بينما وزارة المالية هي السلطة المالية، وأدواتها أكثر اتساعًا مثل تطبيق نظام الضرائب، والجمارك، والتراخيص، والرسوم، و زيادة دعم الصادرات والإعفاء الجمركي أو الضريبي للمواطنين أو المستثمرين. مثال. في عام 1999، تدخلت حكومة كمال الجنزوري كمشتري للدولار في السوق المصري، بسبب وفرة الدولار المطروح وقتها، وذلك لخلق توازن في الأسعار وقتئذٍ لصالح المستثمر المصري، وهو نموذج على اتباع الدولة لسياسات مالية للسيطرة على السوق.

ويشير إلى أن البنك المركزي هو مرآة لأداء الحكومة، ولا يجب أن يخطط السياسات النقدية، فلا يجب تحميله ما يحدث الآن. مضيفًا: “البنك المركزي فقط من يملك التحكم والتصرف في الاحتياطي النقدي لديه، لكن الدولة تتدخل بما يُحدث ارتباكًا، نتج عنه إتلاف مهمة البنك المركزي وأدى لتعجيزه، كما تم تعيين محافظ البنك المركزي الحالي مكايدة في المحافظ السابق طارق عامر، رغم أن شبهات فساد مالي تدور حوله أدت لفصله سابقًا عن عمله”.

وعن القرار المرتقب للبنك المركزي في اجتماعه غدًا، يؤكد: “أيًا كانت نتائج الاجتماع لا أثر لها. لكنّ قد يُملى عليه من السلطة تعويم الجنيه دون إرادته”. معقبًا: “قرار تعويم العُملة يستلزم وجود لجنة دائمة من البنك الدوليّ لمراقبة الحكومة المصرية والبنك المركزي، وهي عاملة بالفعل منذ عامين، لكنها تقتصر على رفع تقارير ومؤشرات فقط للبنك الدوليّ، ومن المتوقع أن تبدأ عملها في مراقبة والتدخل في قرارات وتعاملات البنك المركزي هذا العام، ما يشبه لجنة مراقبة الدين الثنائية في عهد مصر الخديوية”. وعن صلاحيات اللجنة فإنها ستراقب الإيرادات والإنفاق، وتتدخل في توجيه البنك المركزي إلى كيفية صرفها على المواطنين، لنصبح “مسلوبي الإرادة”.

ويشير إلى أن 56% من اقتصاد مصر خارج الأدوات المالية لأنه مملوك للجيش، حسب تصريح لوزارة المالية. ما يُنذر بتصادم كارثي مرتقب، بعد أن تشرُع “لجنة الدين” في عملها وفي حالة التقييم المحاسبي الدقيق، وتطالب بمراجعة ومراقبة اقتصاديات الجيش والأجهزة السيادية بما فيها الصناديق الاستثمارية و السيادية. يستكمل: “أعطي مثال بمشروع العاصمة الإدارية الجديدة، والذي أتوقع أن يُحدث بلبلة شديدة حين بت لجنة الدين في أمره، حيث أن الأرض المقام عليها المشروع غير مسجلة باسم المشروع حتى اللحظة، كما أن الشركة المعلنة باسمها لم تسجل بعد، والحديث عن طرحها في البورصة هو إجراء صوري لم ينفذ بشكل جديّ حتى اللحظة”.

يصف الخبير الاقتصادي حالة القاهرة، بأننا نعيش في كارثة اقتصادية تهدد بالوصول لحالة الشلل الاقتصادي، و”نعيش حالة اقتصاد ندرة غير مسبوقة تشبه ما يسبق المجاعات كما تقول قصص التاريخ”. مختتمًا بتوجيه بعض النصائح التي يصفها بالإسعافات الأولية إلى الحكومة المصرية وتتمثل في الدعم الفوري للصادرات، وتخارج الجهات السيادية التدريجي من السوق المصري لأن حركة الإنتاج مشلولة، أيضًا تفعيل لجنة المحاسبة المدنية والبحث في ميزانية وحركة أموال الصناديق السيادية والاستثمارية الجديدة، وإخضاعها ثانية إلى داخل الموازنة العامة للدولة، وأخيرًا يقترح أن تبدأ الحكومة في اتخاذ إجراء فوري بوقف تنفيذ الأحكام في القضايا المالية المرتبطة بالتُجار والمستثمرين ومديونياتهم لدى البنوك والدولة، مع تسهيلات بالسداد خلال الثلاث سنوات المقبلة؛ خاصة وأن نسبة تحصيل البنوك لتلك المديونيات لا يتجاوز الآن 12% حسب وصفه.

رباب عزام
صحفية استقصائية مصرية، مهتمة بالصحافة الحقوقية والعمالية، ومقدمة برامج إذاعية، وباحثة في دراسات شرق إفريقيا الناطقة بالسواحيلية.

Search